أخبارأخبار العالم العربي

موت وتجويع وتهجير: تقرير دولي يؤكد ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة

أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن استخدام الجيش الإسرائيلي للتهجير القسري في قطاع غزة يرقى إلى جرائم حرب، وينطبق الأمر نفسه على استخدام التجويع سلاح حرب.

وأشارت إلى أنه منذ بداية أكتوبر الجاري أمر الجيش الإسرائيلي نحو 400 ألف شخص في شمال غزة بمغادرة منازلهم، ومنع المساعدات من الوصول إليهم. وبذلك، يخاطر الجيش بارتكاب هاتين الجريمتين بشكل متكرر.

سياسة التجويع

وذكرت المنظمة في بيان لها -اليوم الجمعة- أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية شملت 85% من مساحة قطاع غزة، مشيرة إلى أنه منذ وقوع هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، قال كبار المسؤولين الإسرائيليين إنهم يحمّلون كل شخص في غزة المسؤولية عن الهجوم، وأغلقوا معابر غزة، ومنعوا المساعدات، وقطعوا إمدادات الكهرباء ومياه الشرب، وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتحويل قطاع غزة إلى “خراب”.

وقالت المنظمة إن الجيش الإسرائيلي، مع تصعيد عدوانه على أهالي شمال غزة، منع وصول المساعدات الغذائية إلى أي شخص يبقى في المنطقة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.

وأشارت إلى أنه على مدار عام، وفي انتهاك لثلاثة أوامر مؤقتة من “محكمة العدل الدولية”، سمحت السلطات الإسرائيلية بدخول قدر ضئيل فقط من المساعدات إلى غزة، فأعاقت البعثات الإنسانية، وخاصة إلى شمال غزة، ودمّرت البنية الأساسية المدنية، وقتلت عمال الإغاثة.

ويكافح الجميع تقريبا في غزة للحصول على الغذاء الكافي، وبالنسبة لنصف مليون شخص، كان النقص كارثي، حيث قتل سوء التغذية الأطفال، ومعظم المستشفيات لا تعمل، وانتشرت الأمراض المعدية، بما فيها شلل الأطفال.

التهجير القسري

وحول جريمة التهجير القسري أكد البيان أن الجيش يجبر المدنيين الفلسطينيين بشكل غير قانوني على ترك شمال غزة، دون توفير مكان آمن أو ضمان عودتهم في المستقبل.

وتقول السلطات الإسرائيلية إنها أصدرت الأوامر الأخيرة بإخلاء الشمال (أربعة أوامر بين 1 و12 أكتوبر) لإعطاء المدنيين فرصة للفرار إلى بر الأمان، بينما يستهدف الجيش الإسرائيلي مقاتلي حماس.

لكن هناك أدلة متزايدة على أن الجيش الإسرائيلي يسعى بشكل غير قانوني إلى إجبار المدنيين على الخروج من شمال غزة، ولا يوجد مكان آمن للذهاب إليه، ولا توجد طريقة آمنة للوصول إلى هناك، ولا توجد خطط مفترضة للسماح لهم بالعودة.

وأوضحت “هيومن رايتس ووتش” أن هذه الأفعال تشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر الترحيل القسري للسكان المدنيين دون وجود ضرورة عسكرية ماسة.

ويحظر القانون الدولي الإنساني النقل أو الترحيل القسري للسكان الخاضعين للاحتلال. ويسمح استثناء محدود بالإخلاء المؤقت كإجراء أخير، في حالات الضرورة العسكرية الملحة، أو إذا لزم الأمر لحماية المدنيين المعنيين.

لكن هذا يتطلب من الجيش الإسرائيلي ضمان نقل المدنيين بأمان، وحصولهم على الضروريات مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى، والسماح للناس بالعودة إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن بعد انتهاء الأعمال العدائية في تلك المنطقة.

وأكدت المنظمة أن الجيش الإسرائيلي لم يستوف هذه الشروط خلال العام الماضي، مما يجعل هذه العمليات تتجاوز نطاق الضرورة العسكرية وتتحول إلى وسيلة لإحداث تهجير طويل الأمد.

وأشارت إلى أن المناطق التي يتم إخلاؤها في شمال غزة تتعرض للقصف حتى أثناء محاولات المدنيين للفرار إلى المناطق الجنوبية.

ونوهت إلى أنه بعد أسبوع من الأعمال العدائية في أكتوبر الماضي، أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون شخص في شمال غزة بمغادرة منازلهم، دون توفير وجهة آمنة لهم، وفي بعض الأحيان هاجمهم أثناء فرارهم.

وانتقدت “هيومن رايتس ووتش” انتهاج الحكومة الإسرائيلية خطط تهجير طويلة الأمد، حيث أكدت أن بعض المسؤولين الإسرائيليين اقترحوا علنًا تقليص مساحة غزة وتهجير سكانها، مشيرة إلى أنه حتى الآن منع الجيش الإسرائيلي معظم السكان النازحين من العودة إلى الشمال.

وفي الوقت نفسه، أشار كبار المسؤولين الحكوميين علنا إلى أن أراضي غزة ستتقلص، وأن سكانها يجب أن يغادروا ويُعاد توطينهم، وأن هذه الحرب ستكون “نكبة” أخرى (المصطلح الفلسطيني للنزوح الجماعي عام 1948).

أوضاع مأساوية

وتحدثت المنظمة في تقريرها عن أوضاع السكان النازحين من شمال غزة، حيث لجأ معظمهم إلى أماكن مؤقتة كالمباني العامة والخيام، وسط نقص شديد في الغذاء والماء والرعاية الطبية.

وقالت إن الهجمات الإسرائيلية على مدار العام الماضي جعلت معظم مناطق غزة غير صالحة للسكن، ما فاقم المخاوف من أن النزوح سيكون دائما.

ووفقا لـ”الأمم المتحدة”، فقد تضررت أو دُمرت 87% من الوحدات السكنية والمدارس في غزة، وكذلك 68% من أراضيها الزراعية، و80% من المرافق التجارية، و68% من شبكة الطرق، بينما البنية التحتية للمياه والطاقة في حالة خراب، ودُمرت جميع الجامعات.

وتغطي أوامر الإخلاء الآن 85% من قطاع غزة. ونزح نحو 1.9 مليون فلسطيني من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون، ولجأوا إلى منازل أقاربهم والمباني العامة والخيام والبيوت الزراعية وتحت سقوف من المشمعات البلاستيكية، وسط ظروف صعبة تنتظرهم، حيث سيبدأ موسم الأمطار هذا الشهر.

وبحسب الأمم المتحدة، مازال أكثر من 400 ألف شخص في شمال غزة يواجهون أوضاعا إنسانية كارثية، بعضهم من كبار السن أو من ذوي الإعاقة، وبعضهم في المستشفيات. وتمكن البعض من العودة إلى الشمال بعد نزوح سابق. ليس لدى كثير منهم مكان يذهبون إليه، وقالوا إنهم لا يعتقدون أنهم سيكونون أكثر أمانا في ما يسمى بالمناطق الإنسانية التي حددها الجيش الإسرائيلي.

وقال مدير مستشفى كمال عدوان في الشمال، الدكتور حسام أبو صفية، إن نقص الغذاء والوقود والإمدادات الطبية “مرعب” ويعرض حياة المرضى للخطر، بمن فيهم الأطفال حديثي الولادة: “الحليب ينفد أيضا، والطعام ينفد، وكل شيء متاح ينضب”.

خطة الجنرالات

وأكدت المنظمة أن أوامر الإخلاء الأخيرة وعرقلة المساعدات الإنسانية تشبه التدابير المقترحة في خطة يُقال إن ضباطا إسرائيليين متقاعدين قدموها للحكومة الإسرائيلية مؤخرا، فيما يعرف باسم “خطة الجنرالات”، والتي تهدف لإجبار المدنيين على الخروج من شمال غزة من خلال منع الغذاء والمياه وغيرها من الإمدادات.

وينفي الجيش الإسرائيلي تنفيذ الخطة، لكنه في الواقع لم يسمح بإدخال المساعدات الغذائية إلى شمال غزة منذ الأول من أكتوبر. وخلال تلك الفترة أمر بإخلاء المستشفيات هناك وسط تكثيف الهجمات القاتلة، بما فيها على مركز لتوزيع الأغذية. وأغلقت آبار المياه والمخابز والنقاط الطبية والملاجئ في الشمال. وتوقفت منظمات الإغاثة عن تقديم خدماتها.

ويعيش الناس في شمال غزة بين الخوف من الهجوم والموت جوعًا والخوف من عدم السماح لهم بالعودة إذا غادروا منازلهم. وأغلبهم من اللاجئين وأحفاد اللاجئين الذين فروا أو أجبروا على ترك منازلهم عام 1948، في ما أصبح الآن إسرائيل، ولم يُسمح لهم بالعودة قط.

وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن الحفاظ على التفوق الديموغرافي اليهودي في مساحات شاسعة من الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، بما فيه من خلال النزوح القسري، يشكل عنصرا أساسيا في الجريمة ضد الإنسانية المستمرة المتمثلة بالفصل العنصري التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية، والتي تهدف إلى الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين. ودعا بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية علنا إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة، ما يشكل جريمة حرب.

مطالب دولية

ووفقًا للتقرير فإن المدنيين يتمتعون بالحماية سواء التزموا بأوامر الإخلاء العسكرية أم لا، وعلى الجيش الإسرائيلي باعتباره سلطة الاحتلال أن يضمن وصول المساعدات الكافية إليهم أينما كانوا.

وأكد التقرير على لأن إسرائيل يجب أن توفر المساعدات الإنسانية من دون نقص في شمال غزة، بما فيها الإمدادات للمستشفيات، وأن تمتنع عن شن الهجمات غير القانونية، وأن تنهي كل أشكال النزوح القسري.

كما أفاد بيان المنظمة بأن الولايات المتحدة وجهت رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية في 13 أكتوبر 2023 تطالب فيها بالسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وهذه ليست المرة الأولى التي تطالب فيها الولايات المتحدة بذلك، ولكن لم يكن لهذه المطالب تأثير يذكر.

ومع استمرار تدهور الوضع في غزة نتيجة القيود المفروضة على دخول الإمدادات الأساسية مثل الغذاء والماء والمساعدات الطبية، يدعو الكثيرون إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزما من قبل الولايات المتحدة.

ودعت المنظمة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الانتهاكات، بما في ذلك تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل، لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في كافة قطاع غزة وحمايتهم من التهجير القسري.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربًا مدمرة على قطاع غزة، بدعم أميركي واضح وأمام العالم، مما أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 139 ألف فلسطيني، بالإضافة إلى وجود أكثر من 10 آلاف مفقود حتى الآن. ويعاني القطاع من دمار هائل طال البنية التحتية والمنازل، مع انتشار المجاعة التي أودت بحياة عشرات الأطفال والمسنين، وسط غياب المساعدات الإنسانية الكافية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى