
توجت الملاكمة الجزائرية، إيمان خليف، بالميدالية الذهبية لمنافسات وزن 66 كيلوجرامًا في أولمبياد باريس مساء اليوم الجمعة، وذلك بعد أن تغلبت في النهائي على الصينية ليو يانغ بإجماع آراء الحكام.
وجاء تفوق إيمان، البالغة من العمر 25 عامًا، وفوزها بالذهب بعد أكثر من أسبوع على تعرضها لحملة تنمر شاركت فيها شخصيات عالمية أعقبت اتهام المنافسين لها بأنها رجل، ومزاعم بعدم أحقيتها في المشاركة.
وردًا على هذه الادعاءات الكاذبة حظيت خليف بدعم حشود من المشجعين الجزائريين الذين ملأوا جزءًا كبيرًا من ملعب رولان جاروس واحتشدوا إلى جانبها هذا الأسبوع.
وهذه هي أول ميدالية أولمبية للجزائر على الإطلاق في منافسات ملاكمة السيدات، والأولى للجزائر منذ عام 2000، والسابعة في تاريخ الملاكمة الجزائرية.
وبعد لحظات من فوز إيمان خليف بالميدالية الذهبية، استذكرت الملاكمة الجزائرية سنوات العمل الشاق التي جعلت هذه اللحظة ممكنة. وقالت لشبكة إن بي سي نيوز: “هذا حلمي!! حلمت بالحصول على الميدالية الذهبية، وقد فعلت”.
وأضافت: “لقد أعددتُ نفسي لمدة ثماني سنوات في الولايات المتحدة، وفي أوروبا، وفي جميع أنحاء العالم لتحقيق هذا النصر”.
https://twitter.com/Paris2024/status/1822020900688204162
مستوى خارق
وكانت إيمان خليف قد ظهرت بمستوى خارق منذ بداية مشوارها في أولمبياد باريس 2024، وأكدت سيطرتها المطلقة منذ بداية منافسات الملاكمة النسائية في الأولمبياد، ولم تترك أية فرصة لكل منافساتها التي واجهتهن خلال الأدوار الأولى للمسابقة.
حيث سجلت ثلاثة انتصارات بقرار جماعي للحكام، الأول أمام الإيطالية أنجيلا كاريني التي انسحبت من أمامها في الدور ثمن النهائي، والثاني أمام المجرية لوكا آنا هاموري (5-0) في الدور ربع النهائي، والثالث أمام التايلندية جانجام بسوانافانغ في الدور نصف النهائي بنفس النتيجة. واختتمت المنافسات بفوزها الرابع في المباراة النهائية أمام الصينية ليو يانغ، لتفوز بالميدالية الذهبية.
وكانت إيمان قد صرحت بعد نزالها في الدور ما قبل الأخير قائلة: “مثل كل الرياضيين الحاضرين في الألعاب الأولمبية، أنا هنا في باريس من أجل هدف واحد: الميدالية الذهبية. أتمنى أن أكون في مستوى هذه الآمال يوم الجمعة لإسعاد كل الجزائريين وأنصاري عبر العالم”.
ووفقًا لوكالة الأنباء الجزائرية لم تكن مباراة إيمان خليف النهائية سهلة، فقد كانت تنافس الصينية يانغ ليو، وهي ملاكمة عنيدة ومخضرمة، وتبلغ من العمر 32 سنة، ومعروفة بقوتها ودقتها وتزخر بسجل ثري، وسيطرت هي الأخرى على جل منافساتها في الأدوار التمهيدية، بما فيها منازلة الدور نصف النهائية أمام التايوانية نيان شين شان التي تغلبت عليها بنتيجة (4-1).
وكان هذا النزال بمثابة مواجهة بين طريقتين مختلفتين، فخليف تلاكم بخفة وقدرة على تفادي الضربات، بينما تعرف ليو بقوتها واندفاعها القوي، وكان اللقاء عبارة عن اختبار قوي للتحمل تميز إستراتيجية اللعب، وهو ما نجحت إيمان في تحقيقه لتفوز بالذهب في النهاية.
تنمر العالم
وشهدت مباراة إيمان خليف الافتتاحية أمام الإيطالية أنجيلا كاريني واقعة غريبة، حيث انسحبت كاريني باكية بعد 46 ثانية فقط، وقالت إنها استسلمت بسبب الألم الشديد في أنفها بعد اللكمات الأولى التي تلقتها من خليف.
وأصبحت النهاية غير العادية للمباراة سببًا في إثارة انقسام بارز بالفعل حول الهوية الجنسية واللوائح في عالم الرياضة. وأثار الأمر تعليقات مسيئة ضد اللاعبة الجزائرية بعد التشكيك في هويتها الجنسية وتأكيد البعض أنها “رجل” بسبب التفوق الجسدي المزعوم.
وتطور الأمر إلى تعليقات من شخصيات عالمية كبيرة مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وكاتبة “هاري بوتر” جي كي رولينج، وإيلون ماسك، وآخرين زعموا زوراً أن خليف كانت رجلاً أو متحولة جنسياً.
ووفقًا لوكالة “أسوشيتد برس” فإن ما حدث مع خليف في باريس أثار قلق مجتمع المثليين LGBTQ+ الذي رأى أن التعليقات البغيضة ضد خليف قد تشكل خطراً على مجتمعهم وحقهم في ممارسة الرياضات المختلفة، وذلك رغم أن دورة الألعاب الأوليمبية في باريس دافعت عن الإدماج وحقوق المثليين في المجتمع وفي عالم الرياضة، وأثارت احتجاجات أخرى بشأن ما تضمنه حفل الافتتاح من ترويج للمثلية الجنسية.
وعلى خلفية تلك المباراة تعرضت إيمان خليف لعاصفة من الجدل والإساءة عبر الإنترنت، بسبب المفاهيم الخاطئة حول جنسها، والتي أسفرت عن صدام أكبر حول الهوية الجنسية في عالم الرياضة.
من جانبه دافع المتحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية، مارك آدامز، عن مشاركة إيمان خليف في الألعاب الأولمبية في باريس قائلاً إنها “وُلدت أنثى، وهي مسجلة أنثى، وعاشت حياتها كأنثى، وتُلاكم كأنثى، ولديها جواز سفر أنثى”.
وفقًا لشبكة CNN فقد أكد المتحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية في مؤتمر صحفي، أن “هذه ليست قضية تتعلق بالتحول الجنسي”.
وكانت رابطة الملاكمة الدولية قد استبعدت إيمان خليف من بطولة العالم الماضية؛ بسبب عدم اجتياز اختبارات الأهلية الجنسية، لكن في ظل إيقاف الرابطة سمحت اللجنة الأولمبية الدولية بمشاركتها في باريس، وسط جدل كبير.
لكن توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية دافع عن إيمان خليف وقال إنها: “ولدت امرأة ونشأت كامرأة، وهي امرأة في وثيقة السفر”، وتوعدت اللجنة الأولمبية الجزائرية بالملاحقة القضائية لكل من يتجاوز بحق الملاكمة إيمان.
وخليف ليست الوحيدة التي أثير الجدل بشأن هويتها الجنسية في الأولمبياد، فقد حدث نفس الأمر مع الملاكمة، لين يوتينغ، من تايوان، والتي أدت مشاركتها هي وإيمان خليف إلى إحياء الجدل حول مشاركة النساء ذوات الاختلافات في التطور الجنسي، أو ما يُعرف باضطراب DSD في المسابقات النسائية.
وهناك العديد من أنواع اضطراب التطور الجنسي هذا، وهي مجموعة من الحالات النادرة التي تنطوي على الجينات والهرمونات والأعضاء التناسلية. وبعض الأشخاص الذين يعانون من DSD يكبرون كإناث ولكن لديهن كروموسومات جنسية من نوع XY الخاصة بالذكور.
وفي مارس/آذار من عام 2023، استبعد الاتحاد الدولي للملاكمة المحظور حاليًا، الرياضيتين، لين يو تينغ وإيمان خليف من بطولة العالم للملاكمة للسيدات IBA في نيودلهي.
وأصدر الاتحاد بيانا زعم فيه أن كلا الملاكمتين “لم تخضعا لفحص هرمون التستوستيرون” العام الماضي ولكنهما “خضعتا لاختبار منفصل ومعترف به، تظل تفاصيله سرية”.
ورفض المتحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية، مارك آدامز، هذا الاختبار، قائلاً: “لقد كان قرارًا تعسفيًا اتخذه الرئيس التنفيذي بين عشية وضحاها”.
وفي الإطار نفسه أدان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه خليف ولين؛ وأكد أن أي شخص يشكك في الملاكمتين يجب أن “يأتي بتعريف جديد قائم على أساس علمي لمن هي المرأة وكيف لا يمكن اعتبار شخص ولدت وترعرعت وتُنافس وتحمل جواز سفر كامرأة، على أنها امرأة”.
وأضاف: “إيمان خليف أنثى، وُلدت كأنثى، وتُنافس منذ سنوات مع الإناث، وليس هناك أي شك في هذا الأمر. سبق أن أجرينا الفحوصات المطلوبة لتأكيد هذا الأمر ولا داعي للتشكيك في هذا الأمر. لن نكون طرفاً في أي صراع سياسي يصل إلى حرب ثقافية”.
ووصلت الرياضة الأولمبية إلى التكافؤ بين الجنسين لأول مرة في باريس، حيث تمت دعوة 124 رجلاً و124 امرأة بعد 12 عامًا فقط من ظهور الملاكمة النسائية لأول مرة في الألعاب الأولمبية.
للمزيد اقرأ: لماذا انقلب الغرب على الجزائرية إيمان خليف رغم دفاعه عن حقوق المثليين؟