ثغرة أمنية تسببت في محاولة اغتيال ترامب.. وهذه هي مسؤولية جهاز الخدمة السرية

أثارت محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب العديد من التساؤلات حول الكيفية التي كان يتم من خلالها حماية المرشح الرئاسي الجمهوري أثناء حملته الانتخابية، وما الذي تسبب في الثغرات الأمنية الواضحة التي أدت لمحاولة اغتياله خلال التجمع الانتخابي أمس السبت.
وزادت التساؤلات حول الثغرات الأمنية بعد أن قال أحد الأشخاص الحاضرين في مكان الحادث لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” إنه حاول تنبيه الشرطة وجهاز الخدمة السرية إلى وجود قناص بحوزته بندقية يتسلق سطحًا قريبًا خارج محيط الأمن لمكان التجمع.
فتح تحقيق
ووفقًا لوكالة “رويترز” فقد قال مشرعون جمهوريون إنهم سيبدأون تحقيقات سريعة في كيفية تمكن شخص من الإفلات من عملاء الخدمة السرية والصعود إلى سطح مبنى قريب من المكان الذي كان الرئيس السابق ترامب يتحدث فيه، وكيف تمكن هذا الشخص من إطلاق عدة رصاصات قبل أن يقتل.
وقال مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، إن اللجان في المجلس ستستدعي مسؤولين من جهاز الخدمة السرية ووزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي لجلسات استماع قريبا.
وبالفعل استدعت لجنة الرقابة بمجلس النواب مديرة الخدمة السرية كيمبرلي تشيتل للإدلاء بشهادتها في 22 يوليو.
وبينما لا تزال المعلومات حول الحادث شحيحة ومتناثرة، ذكرت تقارير إعلامية مبكرة أن مطلق النار كان خارج المحيط الأمني لمكان التجمع في بتلر بولاية بنسلفانيا.
وانتقد أنصار ترامب جهاز الخدمة السرية المسؤول عن حماية ترامب بصفته رئيسًا أمريكيًا سابقًا. ودعا الملياردير إيلون ماسك قيادة الوكالة إلى الاستقالة.
وتساءل الناشط المحافظ جاك بوسوبيك على موقع التواصل الاجتماعي إكس: “كيف سُمح لقناص يحمل مجموعة بنادق كاملة بالزحف على أقرب سطح لمرشح رئاسي”.
ووصف العميل الخاص لمكتب التحقيقات الفيدرالي، كيفن روجيك، خلال مؤتمر صحفي، عدد الطلقات التي تمكن المهاجم من إطلاقها بأنها “مدهشة”.
وقال رجل يدعى بن ماسر إنه كان خارج محيط التجمع يستمع إلى ترامب، عندما لاحظ أن ضابطين يبحثان على ما يبدو عن شخص ما. وقال ماسر، وهو لحام يبلغ من العمر 41 عامًا، إنه قام بمسح المنطقة أيضًا. وأضاف: “رأيت الرجل على السطح. وأخبرت الضابط أنه كان هناك. فذهب للبحث عنه”.
مراجعة تأمين ترامب
وقال جوزيف لاسورسا، عميل الخدمة السرية السابق، إنه من المؤكد أن الهجوم سيؤدي إلى مراجعة أمن ترامب، ومن المرجح أن يتم تزويده بمستوى من الحماية أقرب إلى الرئيس الحالي.
وقال لاسورسا: “ستكون هناك مراجعة مكثفة” للحادث، و”ستكون هناك عملية إعادة تنظيم واسعة النطاق”. “هذا لا يمكن أن يحدث مرة أخرى”.
وكان جهاز الخدمة السرية قد قال إنه أضاف مؤخرًا “موارد وقدرات وقائية” إلى التفاصيل الأمنية لترامب، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
وقال وكيل متقاعد يعمل في خدمات الحماية، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، إن الحادث يجب أن يثير مراجعة داخلية، ومن الناحية المثالية مراجعة خارجية أيضًا.
وقال العميل السابق: “إن خطورة الوضع تتطلب تدقيقاً شاملاً لمنع مثل هذه الإخفاقات في المستقبل ولضمان المساءلة على جميع المستويات”.
كيف يتم تأمين تجمعات ترامب؟
خلال معظم توقفات حملة ترامب، تساعد الشرطة المحلية جهاز الخدمة السرية في تأمين المكان الذي يتواجد فيه. وأحيانًا يقدم وكلاء من وكالات أخرى داخل وزارة الأمن الداخلي، مثل إدارة أمن النقل، المساعدة.
وتضم العديد من فعاليات ترامب الآلاف من الجمهور، وتقام في الهواء الطلق وتستمر لساعات. وقبل الحدث، يقوم العملاء بمسح المكان بحثًا عن القنابل أو التهديدات الأخرى، ويصل ترامب دائمًا في موكب محصن.
وعادةً ما يضع مسؤولو إنفاذ القانون حواجز كمحيط، ويطلبون من جميع الحاضرين المرور عبر جهاز كشف المعادن لدخول المكان. يقوم عملاء الحماية المسلحون بتفتيش حقائب جميع الحاضرين وحتى محافظهم. ويتم تفتيش العديد من رواد التجمع باليد.
ومع ذلك، يبدو أن هجوم أمس السبت ارتكبه مسلح من مكان خارج المحيط المشمول بالحماية، وفقا لتقارير إعلامية أولية.
وقال بول إيكلوف، عميل الخدمة السرية السابق الذي تقاعد في عام 2020، إن العملاء كانوا يقومون بمسح جميع أسطح المنازل المجاورة مسبقًا. وأضاف “هذا الشخص إما أخفى نفسه حتى أصبح تهديدًا، أو لم يكن تهديدًا حتى كشف ذلك”.
الخدمة السرية
جهاز الخدمة السرية هو وكالة حكومية، أنشئت عام 1865 وكانت تتبع وزارة الخزانة، ثم ألحقت بوزارة الداخلية، وصارت تتولى مهمتين رئيسيتين، الأولى مكافحة تزوير العملات، والثانية حماية الرئيس الأميركي والرؤساء السابقين، والمرشحين الرئاسيين وغيرهم من الشخصيات المهمة.
ووفقًا للمنشور على موقعها الإلكتروني الرسمي تعد الخدمة السرية أحد أقدم وكالات إنفاذ القانون الفدرالية في أميركا، وقد أنشئت في الأصل في عام 1865 للقضاء على التزوير المتفشي في العملة بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركية، إذ كان ما يقرب من ثلث العملات المتداولة في البلاد مزورة.
ولمعالجة هذه المشكلة، أنشئ جهاز استخبارات ملحق بوزارة الخزانة، وتوسعت وتطورت طبيعة الجهاز على مدار السنوات والعقود التالية، حتى أصدر الكونغرس قانونا ينظم عمل جهاز الحماية السرية، ويكلفه بحماية الرئيس، وذلك عقب اغتيال الرئيس وليام ماكينلي عام 1901.
الأهداف والمهام
يتركز عمل أفراد الخدمة السرية على مهمتين، الأولى منع الجرائم المالية، والثانية الحفاظ على بيئة آمنة للأفراد التاليين تحت إشراف وزير الأمن الداخلي: (الرئيس ونائب الرئيس وأفراد أسرتيهما – الرئيس المنتخب ونائب الرئيس المنتخب – الرؤساء السابقون وزوجاتهم مدى الحياة – أبناء الرئيس السابق الذين لم يتجاوزوا الـ16 – رؤساء الدول والحكومات الأجنبية الزائرة – زائرون أجانب ذوي مكانة مهمة – الممثلون الرسميون للولايات المتحدة – المرشحون الرئيسيون لمنصب الرئيس ونائب الرئيس وأزواجهم خلال 120 يومًا من الانتخابات الرئاسية العامة – نواب الرئيس السابقون وزوجاتهم وأبناؤهم ما لم يتجاوزوا 16 عامًا).
وتدعو الخدمة السرية الوكالات الاتحادية وأجهزة الولايات المختلفة والوكالات المحلية الأخرى إلى تقديم المساعدة على أساس يومي طبقا لجدول الرئيس، ففي حال قيام الرئيس بزيارة ولاية ما، يتم التنسيق مع أجهزة الأمن الخاصة بهذه الولاية.
أما في الحماية المالية فتعمل على حماية البنوك والشركات الأميركية من جرائم الكمبيوتر وبرامج الفدية ورسائل التصيد الاحتيالي وأي أدوات وحيل قرصنة أخرى لسرقة الأموال والمعلومات الحساسة من الحسابات المصرفية للمواطنين والشركات الأميركية.
الفرق والوحدات
يقع المقر الرئيسي لجهاز الخدمة السرية في العاصمة واشنطن، ولها أكثر من 150 مكتبا منتشرا في أرجاء الولايات المتحدة وخارجها. وتتألف قوتها من 7 آلاف بين وكلاء خاصين وضباط قسم نظامي وضباط إنفاذ القانون الفني وموظفين إداريين ومهنيين وفنيين.
وتتوزع فرقها على أساس “مهام التحقيق” و”مهام الحماية”. ومن فرق مهام التحقيق: (العمليات السيبرانية والتحقيقات الجنائية والدعم التحقيقي – مكافحة تزييف العملات – خدمات الطب الشرعي – فريق مختص بالجرائم الإلكترونية والمالية).
ومن فرق مهام الحماية: (عملاء خاصون – فرقة موحدة، تعمل على تأمين أماكن وجود الأفراد المحميين)، وتعمل هذه الفرقة الأخيرة مع الوحدات التالية: (وحدة الكلاب – وحدة الاستجابة للطوارئ – فريق مكافحة القناصة – فريق دعم الموكب – وحدة البحث في مسرح الجريمة).
نجاح وفشل
على مدار تاريخها لعبت هيئة الخدمة السرية دورًا في مكافحة تزوير العملة الأميركية، إذ قُدر أن أكثر من نصف العملة الأميركية المتداولة قبل نهاية الحرب الأهلية الأميركية كانت مزيفة، فعملت على تقليص الاستخدام الواسع للأوراق النقدية المزورة.
ولاحقا أصبحت تستهدف المزورين وشبكات توزيعهم، وأيضا تطوير برامج الكشف الجنائي وحماية المستهلكين من عمليات الاحتيال المالي، وعرفت بإجرائها أحد أكثر التحقيقات الفنية تعقيدا في منظمات الجرائم الإلكترونية التي تهدد البنية التحتية المالية.
ورغم تمتع الرئيس ونائبه ببرنامج حماية دائم من الهيئة، فإن سجلها محفوف ببعض السقطات، وقد عرض كتاب “الفشل ممنوع” بعضا من تاريخ نجاح وفشل جهاز الخدمة السرية.
ففي سبتمبر/أيلول 2014 تسلق رجل يحمل سكينا سياج البيت الأبيض عبر الحديقة الشمالية متجها نحو الغرفة الشرقية قبل تصدي أحد الضباط له.
وكانت حادثة اغتيال الرئيس جون كينيدي فضيحة مدوية للجهاز، فقد عرف عن أفراد الحماية شرب الخمر بكميات كبيرة في تلك الفترة، وخضع الجهاز بعدها لعمليات إصلاح وتغيير، وتلقى أفراده تدريبات مكثفة، وأصبح وحدة نخبوية يحلم الأميركيون بالانضمام إليها.
ولكن محاولة اغتيال رونالد ريغان عام 1981 أفشلت الصورة التي أخذت عنها مجددا، فقد نجح شخص في إصابة الرئيس بطلقات اخترقت رئته، ومما خفف حدة الموقف تلقي أحد أفراد الحراسة إحدى الرصاصات التي وجهت إلى ريغان.
ثم جاءت محاولة اغتيال ترامب أمس السبت لتوجه أصابع الاتهام مرة أخرى للخدمة السرية بالتقصير في أداء مهمتها، حيث كان هذا الهجوم هو أخطر محاولة لاغتيال رئيس أو مرشح رئاسي منذ محاولة اغتيال رونالد ريغان في عام 1981.