غزة: 9 أشهر كاملة من حرب الدمار والإبادة.. و20 قتيلًا وجريحًا كل ساعة
مع حلول اليوم الأحد 7 يوليو تكون الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد أكملت شهرها التاسع، وأذنت بميلاد واقع جديد ليس في فلسطين والمنطقة العربية وحدها، ولكن في العالم أجمع، والذي كان شاهدًا طوال هذه الأشهر التسعة على أبشع وأصعب حرب شهدتها المنطقة العربية وأكبر حجم من الدمار والمعاناة الإنسانية في العالم خلال العصر الحديث.
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” فقد كان عداد الموت خلال الأشهر التسعة الماضية يتصاعد بلا توقف، وفي اليوم الأخير من الشهر التاسع للعدوان وصل عدد الضحايا في غزة إلى أكثر من 38 ألف قتيل، في حين بلغ عدد الجرحى 87 ألفا و705 منذ 7 أكتوبر2023 وحتى 7 يوليو 2024، وهو ما يعني أن صواريخ ومدافع الاحتلال كانت توقع كل ساعة ما بين 5 إلى 6 قتلى وما بين 13 إلى 14 جريحًا.
بينما تشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 10 آلاف في عداد المفقودين تحت الأنقاض، ولا سبيل للعثور عليهم بفعل تعذر انتشالهم بسبب استمرار الحرب وعدم وجود الآليات والمعدات اللازمة لذلك.
وأشار الموقع إلى أن آلات القتل الإسرائيلية لم تفرق بين طفل وامرأة وشيخ كبير ومقاتل، ولا بين مسجد أو كنيسة أو مستشفى، فكانت تحرق الأرض بمن عليها وما فيها.
وبالإضافة إلى الخسائر البشرية بات القطاع كله مدمرًا بشكل شبه كامل، وتغيّر كل شيء فيه، بينما تتكدس أكثر من 300 ألف طن من النفايات في الشوارع والأزقة وحول مخيمات النزوح، فضلا عن فيضان مياه الصرف الصحي في كثير من الأماكن، الأمر الذي ينذر بكارثة صحية خطيرة.
وأدى تدمير المستشفيات والمراكز الصحية لمضاعفة الأزمة الصحية، حيث انتشرت الأمراض بين السكان وتضاءلت الخدمات، مثل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي.
رفح مدينة أشباح
قبل شهرين، وقبل أن تغزو إسرائيل مدينة رفح، كانت المدينة تؤوي أغلب سكان غزة الذين يزيد عددهم على مليوني نسمة، أما اليوم فقد تحولت إلى مدينة أشباح مغطاة بالغبار، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس“.
لقد دمر القصف جدران المباني السكنية المهجورة وحطم نوافذها، حيث يمكنك رؤية غرف النوم والمطابخ أثناء سيرك في الطرق المليئة بأكوام الأنقاض التي ترتفع أعلى من الآليات العسكرية الإسرائيلية المارة في شوارع المدينة التي لم يبق بها سوى عدد قليل من المدنيين.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 1.4 مليون فلسطيني احتشدوا في رفح بعد فرارهم من القتال الدائر في أماكن أخرى من غزة. وتقدر الأمم المتحدة أن نحو 50 ألف شخص ما زالوا في رفح، التي بلغ عدد سكانها قبل الحرب نحو 275 ألف نسمة.
وقد انتقل معظمهم إلى منطقة قريبة أعلنتها إسرائيل “منطقة إنسانية” حيث الظروف خطيرة. ويتجمع العديد منهم في مخيمات خيام بائسة على طول الشاطئ مع صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة والغذاء والحمامات والرعاية الطبية.
وتقول إسرائيل إنها هزمت تقريبا قوات حماس في رفح، وهي المنطقة التي تم تحديدها في وقت سابق من هذا العام على أنها المعقل الأخير للجماعة المسلحة في غزة.
ودعت القوات العسكرية الإسرائيلية الصحافيين إلى دخول رفح يوم الأربعاء الماضي، وهي المرة الأولى التي تزور فيها وسائل الإعلام الدولية مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة منذ غزوها في السادس من مايو الماضي.
وكانت إسرائيل قد منعت الصحافيين الدوليين من دخول غزة بشكل مستقل منذ السابع من أكتوبر، وقبل غزو رفح، قالت إسرائيل إن الكتائب الأربع المتبقية لحماس انسحبت من هناك، وهي منطقة تبلغ مساحتها نحو 25 ميلاً مربعاً (65 كيلومتراً مربعاً) على الحدود مع مصر.
وتقول إسرائيل إن مئات المسلحين قتلوا في هجومها على رفح. كما قُتلت عشرات النساء والأطفال نتيجة للضربات الجوية والعمليات البرية الإسرائيلية.
توقف المساعدات
لقد تعثرت الجهود الرامية إلى إدخال المساعدات إلى جنوب غزة. فقد أدى التوغل الإسرائيلي في رفح إلى إغلاق معبر رفح أحد المعبرين الرئيسيين المؤدين إلى جنوب غزة. وتقول الأمم المتحدة إن القليل من المساعدات يمكن أن تدخل من المعبر الرئيسي الآخر ـ معبر كرم أبو سالم ـ لأن الطريق خطير للغاية والقوافل معرضة لهجمات الجماعات المسلحة التي تبحث عن السجائر المهربة.
وفي يوم الأربعاء، كان بالإمكان رؤية صف من الشاحنات على الجانب الغزي من معبر كرم أبو سالم، ولكن الشاحنات كانت بالكاد تتحرك – وهي علامة على مدى فشل تعهد إسرائيل بالحفاظ على الطريق آمنًا من أجل تسهيل تسليم المساعدات داخل غزة.
وتقول جماعات إنسانية إن كلما طال تجميد تسليم المساعدات، كلما اقتربت غزة من نفاد الوقود، وهو الوقود الذي تحتاجه المستشفيات ومحطات تحلية المياه والمركبات. ومع تدهور الوضع الإنساني، تواصل إسرائيل هجومها، ولا تزال المعارك مستمرة في رفح.
حماس بعد 9 أشهر
رغم مرور 9 أشهر على الحرب تمكنت حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجهاد من المحافظة على زخم عملياتها، وقال قادتها إنها نجحت في إعادة تأهيل نفسها عسكريًا، حيث ما زالت تقاتل فوق الأرض ومن تحتها.
ورغم أنه لا وجه للمقارنة بأي وجه من الوجوه بين قدرات حركات المقاومة المحدودة وما تملكه إسرائيل من تفوق عسكري هائل، فإن ما تنفذه حركات المقاومة من عمليات متنوعة ومركبة بشكل يومي يحوّل حياة الجنود الإسرائيليين في غزة إلى جحيم.
وكان من اللافت في الفترة الأخيرة تحولت حركات المقاومة من الدفاع إلى الهجوم، وعززت خلال الأشهر التسعة الماضية قدراتها على المواجهة، بل والمبادأة، مما يعكس تطورا مفصليا في إستراتيجية الهجوم المضاد.
وقال أبو عبيدة -الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس- إن “القدرات البشرية لكتائب القسام بخير كبير”، مؤكدًا تجنيد آلاف من المقاتلين الجدد خلال الحرب التي أكملت شهرها التاسع.
وأضاف أبو عبيدة -خلال كلمة مصورة بثتها قناة الجزيرة– أن قدرة مقاتلي القسام على القتال والمواجهة باتت أقوى أمام جرائم الاحتلال وإبادته”. وأضاف: “عززنا القدرات الدفاعية لمواجهة الاحتلال في كل مكان من أرضنا”، وأنه “هناك آلاف من المقاتلين مستعدون لمواجهة العدو متى لزم الأمر”.
وأشار أبو عبيدة إلى أن “كل كتائب حماس الـ24 مع كل فصائل المقاومة، قاتلت العدو وكسرته بمختلف أرجاء القطاع”، مؤكدا أن “العدو تلقى – ولا يزال يتلقى- الضربات الموجعة في كل مكان يتوغل فيه داخل قطاع غزة”. وأوضح أن “معركة رفح وما يسطره المقاتلون في الشجاعية وغيرها دليل على قوة مقاومتنا وفشل العدو وهزيمته”.
وشدد على أنه “لا مكان في غزة لقوات تتحصن في البيوت كاللصوص ولا لضباط يختبئون وراء المدرعات”، مؤكدا أن مقاتلي القسام يقاتلون منذ 9 أشهر ويكسرون جيش الاحتلال المدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا.
وحول ظروف المعركة ميدانيا، قال أبو عبيدة “ما زلنا نقاتل في غزة دون دعم خارجي، وما زال شعبنا صامدا بلا غذاء ولا دواء”، منبها إلى أن “شعبنا لا يزال يتعرض للعدوان والإبادة الجماعية، عقابا له على تمسكه بأرضه”.
وأكد أن جرائم الاحتلال بلغت ذروتها بالتطهير والإبادة الممنهجة في الضفة المحتلة والقدس وقطاع غزة، مشيرا إلى أن العالم رأى من خلال جرائم الاحتلال في غزة أكذوبة المنظمات الدولية وعجز قوانين حقوق الإنسان المزعومة.
وقال إن “جيش الاحتلال يستخدم المدنيين دروعا بشرية ويقصف البيوت ويستبيح المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس”.
وشدد على أن طوفان الأقصى “لم يكن بداية مقاومتنا لعدوان الاحتلال، بل كان انفجارا في وجه جرائم العدو”، وأضاف قائلا “نطمئن مجاهدينا وشعبنا وأمتنا أن طوفان الأقصى من تلك المعارك التي لا تؤول إلا لتحولات كبيرة”.
إسرائيل بعد 9 أشهر
أسفرت الأشهر التسعة الماضية منذ 7 أكتوبر الماضي عن مشهد إسرائيلي بالغ التعقيد جعل إسرائيل أكثر عريًا أمام العالم وأظهر دمويتها دون قناع، وقد تجلى ذلك في ملامح كثيرة، أهمها العجز عن تحقيق أهداف الحرب والتي لا زالت بعيدة رغم مرور 9 أشهر من العدوان.
كما أن الخسائر البشرية أصبحت كبيرة جدًا في صفوف الجيش الإسرائيلي، ورغم التشكيك الكبير في المعطيات والأرقام التي يقدمها فإن الأرقام الرسمية التي تسمح الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشرها تفيد بمقتل نحو 700 جندي وضابط إسرائيلي، بينهم 306 في المعارك البرية التي بدأت يوم 27 أكتوبر الماضي، بالإضافة إلى آلاف الجرحى.
ولا تتوقف خسائر الجيش الإسرائيلي على آلاف القتلى والجرحى وكميات العتاد التي خسرها، بل تطال أهم ما لديه، وهي صورته وسمعته باعتباره الجيش الذي لا يقهر، حيث يجمع الكثيرون في إسرائيل على أن تلك الصورة باتت من الماضي، وأن صورة الردع حلت مكانها صورة الهزيمة والانكسار.
ولم يعد الانضمام إلى الجيش مغريا وجاذبا لفئات كثيرة من الإسرائيليين، بل خلافا لذلك بات الهروب منه هو السمة البارزة في المشهد، ووصل الأمر إلى درجة أن مئات الضباط والجنود طلبوا التسريح من الخدمة العسكرية، كما رفضت مئات المجندات مواصلة الخدمة في الجيش وانتحر عدد آخر من الجنود.
وأصبحت هناك أعداد كبيرة من المعاقين والمصابين بأزمات نفسية في الجيش الإسرائيلي، فوفقا للأرقام الرسمية فإن نحو 8700 انضموا إلى قوائم المعوقين في الجيش، في حين تتوقع وزارة الدفاع الإسرائيلية أن ينضم 20 ألفا إلى قوائم المعوقين بحلول نهاية العام الجاري، كما تلقى نحو 10 آلاف جندي علاجا نفسيا منذ اندلاع الحرب، وربع هؤلاء لم يتمكنوا من العودة إلى القتال وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية.
وبالإضافة إلى ذلك، كشفت صحيفة هآرتس مؤخرا عن انتحار 10 ضباط وجنود بسبب ما عانوه من أهوال في غزة. وفي منتصف مارس الماضي أقر الجيش الإسرائيلي بأنه يواجه المشكلة الكبرى في الصحة النفسية منذ عام 1973، وذلك على خلفية الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة.
ويرفض قادة في الجيش الإسرائيلي الرواية الرسمية بتحقيق الجيش انتصارات في غزة وتفكيك المقاومة، حيث يقولون إن الجيش الإسرائيلي لا يملك القدرة على إسقاط حماس حتى لو طال أمد الحرب، وشككوا في جدوى استمرار القتال في قطاع غزة، قائلين إن إسرائيل في حال استمرارها في الحرب ستتكبد خسائر جسيمة في الداخل والخارج.
كما أن أزمة الحريديم ورفضهم التجنيد في الجيش تحول دون تجنيد أكثر من 66 ألفا منهم يتهربون من الخدمة العسكرية، وتنشر الإحباط بين الجنود الفعليين، وتؤسس لحالة غير طبيعية في مجتمع يفترض أن يسود فيه التساوي بين الجميع.
وإلى جانب ذلك تم إخلاء 25 مستوطنة في غزة ونزوح أكثر من 200 ألف مستوطن، بالإضافة إلى نحو 100 ألف آخرين نزحوا من البلدات الحدودية مع لبنان في الجليل الأعلى بسبب القصف المتبادل بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، وتسببت الحرب في المجمل بإجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال.
خسائر اقتصادية وسياسية
كما لحقت بإسرائيل خسائر اقتصادية فادحة، حيث أظهرت معطيات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية أن تكلفة الحرب منذ 7 أكتوبر الماضي حتى نهاية مارس 2024 بلغت أكثر من 270 مليار شيكل (73 مليار دولار).
وبحسب بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، فإن تكلفة الحرب اليومية منذ 7 أكتوبر حتى نهاية ديسمبر 2023 بلغت مليار شيكل يوميا (270 مليون دولار)، قبل أن تنخفض خلال العام 2024 لتصل إلى 350 مليون شيكل (94 مليون دولار).
وتفيد الأرقام بأن اقتصاد إسرائيل انكمش 1.4% خلال الربع الأول من السنة الحالية مقارنة بالربع المقابل من السنة الماضية، وسط استمرار تبعات حرب غزة على مفاصل الاقتصاد. هذا الانكماش الربعي الثاني على التوالي، إذ يأتي بعد انكماش آخر بنسبة 21.7% في الربع الأخير من 2023 والذي تزامن مع اندلاع الحرب على غزة.
كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 3.1% على أساس سنوي، كما ارتفع الإنفاق العام في إسرائيل 7.1% في الربع الأول الماضي على أساس سنوي بعد ارتفاع غير مسبوق بنسبة 86% في الربع الأخير 2023، ويرجع ذلك أساسا إلى الإنفاق الدفاعي.
ونتيجة لذلك تصاعدت التحذيرات من أن الحرب في غزة توشك أن تطوي عصرا من الازدهار والرفاه الاقتصادي المتواصل في إسرائيل.
أضف إلى ذلك تفاقم الأزمة السياسية داخل إسرائيل، وتصاعد التوتر المجتمعي، وتعمق الشروخ داخل الكيان الإسرائيلي في ظل التناقضات الداخلية الكثيرة وما تفرزه من أزمات مجتمعية وسياسية متصاعدة.
كما انهارت سردية الدولة النموذج في المنطقة، فخلال الشهور الماضية انكشف الوهن الإسرائيلي في كل مناحي الدولة عسكريا وسياسيا ومجتمعيا، وانهارت صورة البلد الذي يشع ديمقراطية في محيط مستبد، وظهر بشكل أكبر الطابع الدموي الذي لا يوقفه حد، ويتجاوز في بطشه بالمدنيين في غزة كل أعراف وقوانين الدنيا.
وتزايدت عزلة إسرائيل الدولية، حيث أصبحت من الدول المارقة على القانون وفق قرارات محكمة العدل الدولية، وبات صوت الرفض تجاه تل أبيب يعلو في كل منصة دولية، وكل منتدى شعبي في العالم.
وتآكلت صورة إسرائيل لدى الغرب الذي أصبحت دوائر متعددة فيه أكثر قناعة بأنها محتل غاشم وعدو دموي في نظر ملايين المواطنين الغربيين.