ديون الحكومات تتجاوز 91 تريليون دولار وتهدد مستوى معيشة شعوب العالم

كشف تقرير نشرته شبكة CNN أن ديون الحكومات حول العالم وصلت إلى مستوى غير مسبوق بلغ 91 تريليون دولار، مشيرة إلى أنه مبلغ يقارب حجم الاقتصاد العالمي بأكمله، ما سيفرض في نهاية المطاف تكلفة باهظة على شعوبها.

وأوضح التقرير أن أعباء الديون التي تضخمت جزئيًا بسبب تكلفة جائحة كورونا أصبحت خطيرة لدرجة أنها تشكل الآن تهديدًا متزايدًا لمستويات المعيشة حتى في اقتصادات الدول الغنية، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وخلال الأسبوع الماضي كرر صندوق النقد الدولي تحذيره من أن “العجز المالي المزمن” في الولايات المتحدة يجب “معالجته بشكل عاجل”، فيما أعرب المستثمرون أيضا منذ فترة طويلة عن قلقهم بشأن المسار طويل الأجل للحكومة الأمريكية في مواجهة الأزمة.

قلق ومخاوف

ورغم تفاقم أزمة الديون يتجاهل السياسيون المشكلة إلى حد كبير، ويبدو أنهم غير راغبين في مصارحة شعوبهم بشأن الإجراءات اللازمة لمعالجة طوفان الاقتراض ومن بينها زيادات الضرائب وخفض الإنفاق.

وفي بعض الحالات، فإنهم يقدمون للشعوب وعودًا مسرفة يمكن أن تؤدي على الأقل إلى رفع التضخم مرة أخرى أو قد تؤدي حتى إلى أزمة مالية عالمية جديدة.

ومع تزايد أعباء الديون في جميع أنحاء العالم، يزداد قلق المستثمرين، وتزداد اضطرابات اقتصادات الدول حول العالم.

ولكن حتى من دون شبح الأزمة المالية الفورية، يطالب المستثمرون بعوائد أعلى لشراء ديون العديد من الحكومات مع تفاقم العجز بين الإنفاق والضرائب.

ويعني ارتفاع تكاليف خدمة الدين نقص الأموال المتاحة للخدمات العامة الحيوية أو للتصدي لأزمات مثل الانهيارات المالية أو الأوبئة أو الحروب، ما قد يسبب مزيدًا من الاضطرابات والاحتجاجات حول العالم.

ونظرًا لاستخدام عوائد السندات الحكومية لتسعير الديون الأخرى، مثل الرهن العقاري، فإن ارتفاع العوائد يعني أيضًا ارتفاع تكاليف الاقتراض للأسر والشركات، مما يضر بالنمو الاقتصادي.

ومع ارتفاع أسعار الفائدة، ينخفض ​​الاستثمار الخاص وتصبح الحكومات أقل قدرة على الاقتراض لمواجهة الانكماش الاقتصادي.

إجراءات مؤلمة

ويرى خبراء أن معالجة مشكلة ديون أمريكا ستتطلب إما زيادات ضريبية أو تراجع الإنفاق على الخدمات الأساسية، مثل برامج الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.

وأشاروا إلى أن العديد من السياسيين غير راغبين في الحديث عن الخيارات الصعبة التي تحتاج الحكومات إلى اتخاذها. وهذه قرارات خطيرة للغاية، ويمكن أن تكون عواقبها وخيمة على حياة الناس.

ويؤكد الخبراء أن الولايات المتحدة ودول أخرى ستضطر إلى إجراء “تعديلات مؤلمة”، مشيرين إلى أن الديون لم تعد مجانية وأسعار الفائدة لم تكن لتظل قريبة من الصفر إلى الأبد.

في الولايات المتحدة، ستنفق الحكومة الفيدرالية 892 مليار دولار في السنة المالية الحالية على مدفوعات الفائدة، أكثر مما خصصته لميزانية الدفاع وما يقرب من ميزانية برنامج الرعاية الطبية، والتأمين الصحي لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي العام المقبل، ستتجاوز مدفوعات الفوائد تريليون دولار على الدين القومي الذي يزيد عن 30 تريليون دولار، وهو مبلغ يعادل تقريبًا حجم الاقتصاد الأمريكي بأكمله،

ديون أمريكا

يتوقع مكتب الميزانية بالكونغرس أن يصل دين الولايات المتحدة إلى 122% من الناتج المحلي الإجمالي بعد 10 سنوات فقط من الآن. وفي عام 2054، من المتوقع أن يصل الدين إلى 166% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي.

ولا يعتقد الاقتصاديون أن هناك “مستوى محدد مسبقًا للديون تحدث عنده أشياء سيئة في الأسواق”، لكن معظمهم يعتقد أنه إذا وصل الدين إلى 150% أو 180% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني “تكاليف باهظة للغاية على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام”.

صمت ومحاولة علاج

ورغم تنامي المخاوف بشأن تكدس ديون الحكومة الفيدرالية الأمريكية، لم يقدم كل من جو بايدن ودونالد ترامب، المرشحان الرئيسيان للرئاسة الأمريكية في عام 2024، أي وعود بالانضباط المالي.

وخلال المناظرة الرئاسية الأولى بينهما حمّل كل منهما الآخر مسؤولية تفاقم ديون أمريكا، إما من خلال التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب أو الإنفاق الإضافي من قبل إدارة بايدن.

وبالمثل دفن السياسيون البريطانيون رؤوسهم في الرمال قبل الانتخابات العامة المقررة الخميس المقبل، وهو ما وصفه الخبراء بـ”مؤامرة صمت” من الحزبين الرئيسيين في البلاد، بشأن الحالة السيئة للمالية العامة.

وأشار الخبراء إلى أن من سيتولى قيادة الحكومة البريطانية بعد الانتخابات سيواجهون قريبًا خيارًا قاسيًا: إما رفع الضرائب بأكثر مما أعلنوا عنه في برامجهم الانتخابية، أو تنفيذ تخفيضات في بعض مجالات الإنفاق على الخدمات العامة، أو الاقتراض أكثر والسماح بارتفاع الدين لفترة أطول”.

بينما في ألمانيا، التي تعد إحدى أقوى اقتصادات العالم، فقد أدى الصراع الداخلي المستمر بشأن حدود الديون إلى وضع التحالف الحاكم الثلاثي تحت ضغط هائل. وقد يصل الجمود السياسي إلى ذروته خلال شهر يوليو الجاري.

وفي كينيا، كانت ردود الفعل على محاولات معالجة عبء ديون البلاد البالغ 80 مليار دولار أسوأ بكثير، حيث أثارت مقترحات زيادات الضرائب احتجاجات على مستوى البلاد، أودت بحياة 39 شخصًا، مما دفع الرئيس وليام روتو إلى التراجع عن القرار.

عواقب خطيرة

وأشار التقرير إلى أن تأجيل جهود الحد من الديون تترك الحكومات عرضة لعواقب أكثر خطورة من قبل الأسواق المالية. فعلى سبيل المثال تسببت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، ليز تراس، في انهيار الجنيه الإسترليني عام 2022 عندما حاولت تطبيق تخفيضات ضريبية كبيرة تم تمويلها من خلال زيادة الاقتراض.

وفي فرنسا أصبح خطر وقوع أزمة مالية هناك مصدر قلق جدي بين المستثمرين، وذلك بعد أن دعا الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إجراء انتخابات مبكرة. وكان المستثمرون قلقين من أن يصوت الناخبون لنواب شعبويين يميلون إلى إنفاق المزيد وخفض الضرائب، مما يؤدي إلى زيادة ديون البلاد المرتفعة وارتفاع عجز الموازنة.

وأكد الخبراء أن الأسواق المالية يمكن أن تتزعزع بسرعة بسبب “الخلل السياسي” الذي يجعل المستثمرين يشككون في رغبة الحكومة في الوفاء بديونها.

تعليق
Exit mobile version