باحث إسرائيلي يفضح استخدام نظام التعليم والمعمار في نهب أراضي وتاريخ فلسطين

أكد المهندس المعماري والباحث الإسرائيلي أيال وايزمان أن نظام التعليم في إسرائيل مصمم لإعداد أجيال تكون جزءًا من مشروع المحو والسلب .

وقال وايزمان، وهو أيضًا مدير مركز الأبحاث المعمارية في جامعة غولد سميث (لندن): “عندما تكبر في إسرائيل، فإن نظام التعليم بأكمله يعدّك لتصبح جزءًا من مشروع وطني للمحو والسلب”.

وأضاف خلال لقاء تليفزيوني: “هناك أشياء لم يخبروك بها ببساطة، يظلون يكذبون عليك وتصدق أكاذيبهم، حتى ترى الواقع أمامك فتكتشف أنها مجرد أكاذيب”.

وتابع قائلًا: “على سبيل المثال يخبرونك أن تلك المجموعة من الآثار، التي تشاهدها وأنت تقود سيارتك مغادرًا حيفا على الطريق السريع الساحلي الرئيسي، هي آثار بيزنطية، فتتساءل: هل كان للبيزنطيين مساجد، ومن هم هؤلاء الناس الذين عاشوا هنا، وأين هم؟”.

وأضاف: “هذا النوع من الأسئلة الذي يكشف الأكاذيب ليس متاحًا لك، وهو ما يجعلك تفهم أن أيديولوجية الدولة تتطلب ملء دماغك برواية معينة، وتتطلب محوًا معرفيًا معينًا حتى تحقق أهدافها، بما في ذلك محو التاريخ ومحو الناس ومحو الحقيقة التي تراها ماثلة أمام عينيك”.

جدير بالذكر أن أيال وايزمان هو باحث ومعماري إسرائيلي- بريطاني. يشغل منصب أستاذ الثقافات المكانية والمرئية في غولدسميث، جامعة لندن، ويدير مركز أبحاث الهندسة المعمارية ومشروع الهندسة المعمارية للطب الشرعي. كما أنه عضو مؤسس في جمعية دار للتخطيط المعماري والفني في بيت لحم، فلسطين.

وبين عامي 2014 و2017 كان باحثاً عالمياً في جامعة برينستون. وهو مؤلف للعديد من الكتب منها: «على الأقل كل الشرور المحتملة: العنف الإنساني من أرندت إلى غزة» (2011)؛ «هندسة الطب الشرعي: ملاحظات من الحقول والمنتديات» (2012)؛ «خط الصراع: الاستعمار كتغير المناخ في صحراء النقب» (2015).

أرض جوفاء

ومن أبرز مؤلفات وايزمان، كتاب “أرض جوفاء.. المعمار في خدمة الاحتلال” والذي كشف من خلاله مخططات الاحتلال الإسرائيلي لتقطيع الأراضي الفلسطينية، ووأد حلم الدولة الفلسطينية إلى الأبد، وأرفق ذلك بالدلائل والصور

ورصد الكتاب بالتفاصيل على مدار أربعين عاما (1967 حتى 2007) آليات الاحتلال لترسيخ نفوذه في فلسطين من خلال المعمار والجغرافيا وتخطيط المدن، وقدم قراءة سياسية للهندسة المعمارية الإسرائيلية، وكيفية ترجمة الاحتلال لأفكاره التوسعية والاستيطانية هندسيا، حيث يمكن فهم الهندسة في إطار أنها عامل يرسخ الاحتلال، وأن المعماري الإسرائيلي ما هو إلا عسكري بزي مدني.

ووفقًا لموقع “الميادين” فقد نجح كتاب وايزمان، الصادرة ترجمته عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، في شرح الدور الخطير الذي تلعبه الهندسة المعمارية في قمع الفلسطينيين وفرض سياسة الاحتلال الإسرائيلي.

ويعتبر هذا الكتاب، بمثاية إخبار أو تحقيق عن “الجناية المعمارية” التي يرتكبها الاحتلال وكيف يوظفها كسلاح سياسي وعسكري وأمني.

ويقارن وايزمان في الكتاب بين طب التحقيقات الجنائية، وبين “معمارية التحقيقات الجنائية”، ويقول: “إننا نشبه (أطباء التحقيقات الجنائية)، لكننا لا ندرس جثث الضحايا بل المباني المتهدمة والتضاريس الأرضية المدمرة”.

وقد سبق لوايزمان أن رصد هجوم قوات الاحتلال على غزة عام 2014 والتي أطلق عليها اسم عملية “الجرف الصامد”، والتي أدت إلى استشهاد عدد من المدنيين وتهديم بيوتهم.

ووضع الباحث الشهادات بالصور والفيديو التي عرضها الشهود على شبكات التواصل الاجتماعي لتكوين لوحة كاملة عن تفاصيل هجوم جيش الاحتلال، والذي سجله في فيديو كامل.

تمكين المستوطنين

ويبدأ وايزمان كتابه بقوله: إنه بعد اتفاق أوسلو عام 1993 أصبح الحصول على تراخيص رسمية لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية أكثر صعوبة، مما حدا بالمستوطنين إلى اللجوء إلى التزوير عبر طرق معقدة، بهدف الحصول على مساعدة حكومة الاحتلال التي كانت تبدي حرصها، بشكل غير رسمي على تمكين المستوطنين، لكنها تخشى من انكشاف دورها في الالتفاف على قوانينها الخاصة والتزاماتها أمام المجتمع الدولي.

تستحق قضية مستوطنة “ميغرون” كل العرض السردي التاريخي الذي قدمه وايزمان عنها. فطرق الخداع والتزويز والتلفيق التي اتبعها المستوطنون لاغتصاب أرضها التي يملكها مزارعون فلسطينيون من قريتي عين بيرود وبرقة تستحق وحدها كتاباً يوثق ماذا حدث؟ فقد أصبحت اليوم أكبر مستوطنة بين 131 مستوطنة على امتداد الضفة الغربية، بعدما فشلت عدة محاولات لتكون مشروع استيطان.

ففي عام 1999، استجابت شركة أورنج لخدمة الهواتف المحمولة، لشكوى بعض المستوطنين إلى جيش الاحتلال يشتكون فيها من مشكلة الإرسال السيئ في هواتفهم المحمولة خلال مرور سياراتهم حول المنعطف على الطريق السريع الذي يربط بين القدس والمستوطنات في شمالي الضفة الغربية.

وأنشأت شركة أورنج عامود هوائي في التلة المشرفة على المنعطف المقصود، لتكون موقعاً محتملاً لتنصيب سارية الهواء لاستقبال الإشارة في هذه المنطقة.

ورأت حكومة الاحتلال أن إقامة عامود هوائي للتغطية الخليوية مسألة أمنية، ومن ثم يمكن إقامتها على أرض فلسطينية خاصة من دون الحصول على موافقة ملاكها.

واستجابت سلطات الاحتلال لطلب شركة أورنج، فربطت شركة كهرباء الاحتلال التلة بشبكة التغذية الكهربائية، كما ربطتها شركة المياه بنظام التروية المائي بذريعة دعم عملية بناء عامود هوائي للتغطية.

وفي عام 2001 نصب المستوطنون برجاً هوائياً مزيفاً بسبب التأخير في تنصيب برج هوائي كبير للإرسال، مع حيازتهم إذناً من جيش الاحتلال لتعيين حارس خاص للموقع على مدار الساعة.

وفي البداية أقام الحارس في عربة مقطورة، ووضع سياجاً حول أعلى التلة، ثم سرعان ما انتقلت عائلته للإقامة معه، وقد أمدوا عربتهم/أو منزلهم بالماء والكهرباء اللذين جرى توصيلهما مسبقاً.

وفي عام 2003 انضمت إليهم خمس عائلات وأصبحت بؤرة ميغرون كياناً رسمياً. وتنامى هذا الكيان بسرعة، وبنت فيه وزارة الإسكان حضانة للأطفال بحجة وجود عائلات، كما وصلت تبرعات لبناء كنيس.

وفي بداية نوفمبر من عام 2018 وضع وزير إسكان الاحتلال، يؤاف غالانت، حجر الأساس لمستوطنة ميغرون بعد ترخيصها بموجب قوانين الاحتلال.

وأعلن غالانت أن “وضع حجر الأساس يعني أن أراضي يهودا والسامرة غير قابلة للتفاوض، وأنها ليست موضوعًا للبيع، إلى جانب الحاجة الأمنية الداخلية والخارجية.

وزعم أن بناء هذه المستوطنة هو رسالة مهمة لكل شخص يعتقد أن من الممكن اقتلاع الاستيطان من الضفة الغربية بل هو سيتضاعف وينتشر و”لن تؤدي محاولات الإجلاء إلا إلى قوة وتوسيع الاستيطان”.

مزاعم سياسية

وأكد وايزمان أن عينات التنقيب في أعلى التلة أظهرت أن الآثار المتبقية هي لقرية بيزنطية صغيرة، يزعم المستوطنون أنها ركام أثري يخفي تحته البلدة التوراتية “ميغرون”. ولهذا اعتبر وزير زراعة الاحتلال أوري أرييل أن “ميغرون هي جوهر الصهيونية”.

ويؤكد وايزمان بأن المستوطنات مثل ميغرون ليست مجرد بؤرة في نطاق محيط عامود هوائي. فالطاقة فيها ليست إلكترومغناطيسية وحسب، بل سياسية أيضاً، تتكئ عليها القوى السياسية كمرتكز لمختلف ضروب عمليات التعبئة والتوجيه والتنظيم.

وإلا ما معنى زعم غالانت أن مخاطر أمنية جديدة تطرأ على الكيان من جهة الشرق عبر نهر الأردن واعداً بإتمام البناء خلال عام، واتهامه إيران بأنها تحاول تقويض النظام في الأردن لبناء خط مواجهة جديد عبر النهر وتحويل المملكة الهاشمية إلى ولاية شيعية على حد زعمه.

ووفقًا للكتاب لا تتمتع تخوم المناطق المحتلة بالثبات أو الرسوخ؛ بل تخضع لتطور مطرد وفقا لرؤية الدولة المحتلة، وفي الحالة الإسرائيلية تحولت التخوم إلى حواجز، وجدران عازلة، ومناطق آمنة، تزحف بشكل مستمر على القرى والبلديات الفلسطينية لتطوقها وتقطعها.

فالحدود الفوضوية التي يتعمد الاحتلال فرضها تعني أن كل تحول سياسي يقتضي تنفيذ قرارات معمارية على الأرض، فتتغير نقاط التفتيش العسكرية باستمرار لتعيق الفلسطينيين بكل السبل، وحينما يُضيق الخناق على الفلسطينيين بنقاط التفتيش والجدران العازلة يتحول الفلسطينيون إلى باطن الأرض حفرا للأنفاق كنوع من الهندسة المقاومة الموازية للهندسة الاحتلالية.

تمدد الاستيطان

ويرى وايزمان أن منطق الاتصالات الخليوية يتوافق على نحو غريب مع طريقة الاستيطان التي يقوم عليه الاحتلال في الضفة الغربية، حيث يتمدد الاثنان في المناطق بواسطة إنشاء شبكات تستقر قواعدها على أرض مرتفعة في محاذاة خطوط الرؤية أو خطوط الإشعاع.

 فالشبكات الخليوية تؤدي دوراً داعماً للعمل العسكري حيث يستخدمها جيش الاحتلال لإجراء اتصالاته الخاص، وتساعده في إمكانية استبدال أجهزة البث العسكرية الضخمة بتجهيزات أصغر حجماً قادرة على تحديد مواقع وإرسال صور ميدانية من الجنود إلى وحداتهم.

وأما الارتفاع الملحوظ في بناء بؤر إستيطانية فهو يشكل مؤشراً على ريبة المستوطنين وقياداتهم من تسويات سياسية وشيكة، والغاية منها تقويض فرص التقدم في العملية السياسية وحيازة أراض للمستوطنين قدر المستطاع في حال وجود انسحابات جزئية.

وهذا دائماً ما يحض عليه قادة الاحتلال، وبالأخص أحد “ملوكهم” اَرييل شارون قبل موته، الذي طلب من المستوطنين بعد عودته من مفاوضات مع السلطة الفلسطينية وإدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في واي بلاتيشن في تشرين أكتوبر 1998 أن “تحركوا واهرعوا إلى انتزاع ما تستطيعون من التلال، لأن كل ما نأخذه الآن سيبقى لنا، وكل ما نتركه سيذهب لهم”.

معضلة جغرافية

ويشير وايزمان إلى حقيقة وهي أن عدداً من المستوطنات كان قد أقيم بهدف خلق معضلة جغرافية تستعصي على الحل. ويؤكد هنا أن خلق هذه المعضلة يدعم واحدة من أهم استراتيجيات البلبلة عند الاحتلال وهي: تعزيز التعقيد لغوياً وجغرافياً وقانونياً.

ويشار إلى هذه الإستراتيجية علناً في أحيان كثيرة بـ”التعمية الإنشائية”، وفقاً للغة الإستراتيجية التي أبدعها هنري كيسنجر، وتسعى هذه الإستراتيجية إلى تشويش حقائق الهيمنة وتطبيعها في آن واحد.

والحقيقة أن جزءا من أهداف السياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية هو “تعزيز التعقيد” جغرافيا وسياسيا وقانونيا، فالتعقيد يسمح للاحتلال بالاستمرار والتوسع والسيطرة، كما أنه يغطي على الأعمال الوحشية التي يرتكبها ضد الفلسطينيين، ويوصل رسالة للعالم أن إسرائيل هي الأكثر دراية والأقدر على معالجة وحل القضية الفلسطينية.

كما يمارس الاحتلال ” التعمية الإنشائية” وهي إستراتيجية تهدف إلى التشويش على عمليات الهيمنة على الأرض، وبالتالي يصبح أي حل لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق  أمرًا ممكنا، فعدد المستوطنات الذي أقيم في مناطق التخوم كبير جدًا، بحيث أصبحت هناك مشكلة جغرافية تستعصي على الحل، فمنذ العام 1967 أصبح مصطلح “مستوطنة” يستخدم بهدف طمس الحدود بين إسرائيل والأراضي المحتلة.

مشروع استعماري

ووفقًا لموقع “إسلام أونلاين” يؤكد الكتاب أن الصراع على فلسطين منذ بداياته الأولى كان تعبيرًا عن مشروع استعماري واضح تمثل في نزع الملكيات والقمع، وأن المنطق الإسرائيلي لصناعة السلام كان حكرا على صانعي الحرب، لذا قُدمت خطط تقسيم فلسطين في ثوب السلام، ووضعت المستوطنات ضمن المناطق التي أرادت إسرائيل ضمها إليها.

وأمام هذا الواقع المأزوم أصبح الفلسطينيون يعيشون في جزر منعزلة ومغلقة، حيث تشتمل الأراضي الواقعة تحت الحكم الفلسطيني ما يقرب من (200) قطعة متناثرة، في حين تسيطر إسرائيل على المناطق المحيطة بها إلى جانب سيطرتها على مخزون المياه الجوفية، وسيطرتها على الجو الذي يغلف تلك المناطق.

كما أن مخططي المستوطنات الإسرائيلية هدفوا من خلال بنائها في أعالي التضاريس الجبلية إلى تحقيق السيطرة المكانية على الضفة الغربية، فإسرائيل فتت الجغرافيا الفلسطينية، وربطت المستوطنات بشبكة من الجسور العالية أو الأنفاق الغائرة، لذا تحولت الأراضي الفلسطينية إلى أرض جوفاء.

فالاحتلال يتغلغل مع طبقات الأرض بدءا من باطنها وما فيه من مياه جوفية وآثار دفينة، إلى سطح الأرض والفضاء الفسيح، لذا فحقيقة الاحتلال الإسرائيلي أنه احتلال استيطاني، نظرا لأن التصور السياسي والجغرافي الإسرائيلي والفلسطيني يحيلان إلى نفس المكان والأرض.

احتلال جوف الأرض

كما يؤكد الكتاب أن واحدة من أكثر المعارك أهمية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تجري تحت سطح الأرض، فأكثر من 80% من مخزون المياه الجوفية الجبلية يقبع تحت أرضي الضفة الغربية، ويعتقد الإسرائيليون أن مستقبل دولتهم مرتبط بهذه المياه، لذا تعمل إسرائيل على خلق حالة تدهور مستمرة لمقومات السيادة الفلسطينية على الأرض مما يسهل لها الاستيلاء على باطنها، فتستهلك ما يقرب من 83% من المياه المتاحة سنويا في تلك المناطق لفائدة المدن الإسرائيلية والمستوطنات، وتتمكن مضخاتها العملاقة من سحب المياه الجوفية الفلسطينية.

كذلك ابتدعت إسرائيل حواجز القمامة لعزل القرى والبلديات الفلسطينية، فيوجد ما يقرب من (300) مكب نفايات غير رسمي تُفرغ فيه ناقلات القمامة الإسرائيلية حمولاتها في الوديان والمناطق المحاذية للقرى الفلسطينية، فتُرمى عشرات الآلاف من الأطنان يوميا من مخلفات “تل أبيب”، وهو ما يجعل حركة الفلسطينيين تتم عبر طرق ملوثة وخطرة صحيا.

كما أن تخريب أنظمة الصرف الصحي الفلسطينية جعل المياه الملوثة تطفو في الوديان وتنشر أحزمة المرض حول الأراضي الفلسطينية، وكذلك المستوطنات التي تبني في المناطق العالية بدون تراخيص تطلق مياهها الفاسدة إلى الوديان الفلسطينية فيختلط الصرف الصحي بمياه الشرب فيلوثها.

بل إن الإسرائيليين في بعض الأحيان كانوا يعمدون إلى كسر أنابيب الصرف الصحي لتنتشر مياهها في المخيمات الفلسطينية، وهنا تلعب تلك المياه الفاسدة دورا سياسيا، فإسرائيل تريد استدامة الترابط بين القذارة والإرهاب، وبالتالي يصبح دور الأمن الإسرائيلي هو تعقيم الأرض الفلسطينية من الإرهاب والأمراض في آن واحد.

وهذا التلوث المخطط هندسيا صنع مخيالا لدى الإسرائيليين أن المناطق الفلسطينية غير آمنة صحيا، وخلق “رهابا” بأن تلك المناطق مدنسة، وهو ما يبرر السياسات الإسرائيلية للتحصن من الأوساخ والدنس والأمراض الفلسطينية، لينتهي المشهد بقبول الفصل العنصري وتقطيع أوصال فلسطين، بل واحتقار كل ما هو فلسطيني.

محاصرة القدس

بعد 27 يوما فقط من احتلال إسرائيل للقدس الشرقية عام 1967، ألحقت حكومة تل أبيب حوالي (70) كيلو مترا من تلك الأراضي إلي القدس الغربية، ولجأت إسرائيل إلى تغيير معالمها  كخطوة استباقية تحسبا لأي ضغوط تؤدي إلى انسحابها، وضمت في هذه الخطوة حوالي (28) قرية فلسطينية، وراعت استبعاد المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية.

وكانت الخطة الإسرائيلية تقضي بتطوير القدس وإعادة تخطيطها على نحو يردع أية محاولة لإعادة تقسيمها، وتوالت الخطط الإسرائيلية التي تصب في ذلك الهدف على مدار أربعين عاما، فأقيم حزام من المستوطنات حول القدس لتكون جدرا أسمنتيا وحاجز بشريا، يسمح للقدس بأن تكون عاصمة مترامية الأطراف تصل أراضيها إلى مدينة رام الله في الشمال، وبيت لحم في الجنوب، وأريحا في الشرق، لذا يمكن تفهم مقولة الباحث الإسرائيلي “جيف هالبر” بأن “القدس العاصمة هي عنوان الاحتلال”.

ويلاحظ أن المخططين المعماريين تناغموا مع الأهداف الإستراتيجية للسياسة الإسرائيلية، فالعمارة جسدت لغة بصرية اُتخذت كوسيلة للتعمية على سياسة الاحتلال ولدعم التوسع الإسرائيلي، وتعزيز الأوهام التوراتية بالتوازي مع التضييق على الأحلام الفلسطينية في بناء دولة مستقلة.

لذا اعتمدت إسرائيل مخطط “الإكساء الحجري” للقدس منذ العام 1967 بشكل يكاد يكون صارما نظرا لدلالته الروحية والدينية ولسبغ القداسة على حدودها المرنة لتصبح مسألة القداسة مرهونة بالتخطيط الإسرائيلي، كما ربطت تعريف القداسة بالرؤية السياسية الإسرائيلية، خاصة إذا علمنا أن أي منطقة يجري إلحاقها بالقدس تخضع منذ اللحظة الأولى للقوانين الدينية الخاصة بالمدينة التي تقصر أهدافها على تعزيز الأواصر الروحية بين اليهود والقدس.

تعليق
Exit mobile version