أخبار العالم العربيتقارير

خطف وتعذيب ودعوات للترحيل.. لماذا تحول لبنان إلى بيئة معادية للاجئين السوريين؟

يقدر عدد السوريين الموجودين في لبنان بنحو مليون ونصف مليون سوري، ما يجعل لبنان البلد المضيف لأكبر نسبة من اللاجئين في العالم مقاربة بعدد سكانه.

ومنذ عام 2011 تزايد عدد اللاجئين السوريين في لبنان بسبب الأزمة السورية الممتدة منذ نحو 13 عامًا، لكن منذ ذلك الوقت تغيّر الوضع كثيرًا، وتحوّل لبنان من ملاذ للفارين من الحرب، إلى بلد ترتفع فيه معدلات معاداة اللاجئين السوريين بوتيرة متصاعدة من قبل السلطات والمجتمع معًا.

بيئة معادية

ووفقًا لموقع “بي بي سي” لا يُعد الشعور المعادي للاجئين بالأمر الجديد في لبنان الذي يقوم على توازنات طائفية حساسة للغاية، إلا أن الممارسات ضد السوريين والإجراءات التي تضيّق عليهم زادت كثيرا في الفترة الأخيرة، ولاسيما بعد انفجار الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان عام 2019.

ووصلت هذه الممارسات إلى مستويات خطيرة في شهر أبريل الماضي عندما قامت عصابة، معظم أفرادها من السوريين، بخطف وقتل مسؤول محلي في حزب “القوات اللبنانية” المسيحي، وهو الحادث الذي تعرض بعده العديد من السوريين للضرب والإهانة في الشارع وسط تصاعد المطالب بترحيلهم.

وحتى قبل تلك الحادثة، كانت مناطق لبنانية عدة تشهد ممارسات من قبل سلطات محلية ومجموعات أهلية تستهدف سوريين يقيمون في البلاد بشكل غير شرعي، كإجبارهم على إخلاء منازل أو مجمعات يقيمون فيها، أو ترك عملهم أو حتى الضغط على لبنانيين لعدم تأجير منازلهم لهم.

أوراق شرعية

يقول محافظ الشمال، رمزي نهرا، الذي يُشرف على إخلاء سوريين لا يملكون أوراقا شرعية من مجمعات يقيمون فيها: “قدّم لبنان أكثر بكثير من قدرته في موضوع اللاجئين، بحُكم الجيرة يمكن أن تستضيف جارك ليوم أو يومين، ولكن ليس طول العمر”.

ونفي نهرا أن تكون الإجراءات المتخذة ضد السوريين عنصرية، مشيرًا إلى أن كل ما يفعله لبنان هو تطبيق القانون، قائلًا: “كل الإجراءات المتخذة تطال السوريين الموجودين بشكل غير شرعي. أما من أوراقه صحيحة من بينهم فأهلا وسهلا به”.

وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإن نحو 80% من السوريين الموجودين في لبنان لا يملكون إقامات شرعية. وهذا الوضع مستمر منذ سنوات، إما بسبب عدم تمكن جزء منهم من تلبية الشروط الكاملة للحصول على التأشيرة، أو لعدم قدرتهم على دفع الكلفة المطلوبة.

وتعني هذه الوضعية غير الشرعية أن أي سوري موجود في البلاد بشكل غير شرعي معرّض للتوقيف أو الترحيل في أي لحظة.

ومؤخرًا أصدر البرلمان اللبناني توصية إلى الحكومة تحثها على أخد كل الإجراءات الضرورية لإنهاء حالة الوجود السوري غير الشرعي في البلاد في غضون عام. وكان تلك هي المرة الأولى التي تُجمع فيه مختلف الأطراف السياسية على موقف واحد في هذا الموضوع.

عمليات خطف

من ناحية أخرى تصاعدت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطف السوريين في لبنان على يد عصابات إجرامية تستغل ظروفهم المأساوية سواء في سوريا أو لبنان، في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلدين، وضغط الحكومة اللبنانية لترحيلهم وفقدان الكثير منهم لأوراقهم الثبوتية، وتزايد معدلات العنصرية ضدهم.

وكانت عمليات الخطف في لبنان تستهدف في السابق مواطنين خليجيين، لكن بعد الثورة السورية ولجوء عدد كبير من السوريين إلى لبنان، وتدهور الاقتصاد اللبناني، وانفلات الأمن وانهيار المؤسسات، بدأت أعين الخاطفين تتجه نحو السوريين باعتبارهم “فريسة سهلة، حيث لا سند لهم ولا حام، فالحكومة السورية لا تبدي أيّ اهتمام بمصيرهم، بينما تهمل الحكومة اللبنانية قضايا اختطافهم أو تتابعها بهمّة منخفضة”، وفقًا لصفحة “وينية الدولة“.

وقالت الناشطة الحقوقية، المحامية ديالا شحادة، لموقع “الحرة” إنه “غالباً ما يتم استهداف السوريين الذين لديهم أقارب في الخارج، باعتبار أنهم قادرون على تأمين مبالغ مالية بالعملة الأجنبية للفدية التي يطلبونها منهم”.

وتشير صفحة “وينية الدولة” إلى أنه يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للإيقاع بالسوريين في فخّ عمليات الخطف، من خلال وعود كاذبة بتأمين سفرهم إلى أوروبا أو أمريكا، ويُطلب منهم عدم إخبار أي شخص، حتى أفراد عائلتهم، كما يطلب من أغلبيتهم ملاقاة الخاطفين في منطقة كاليري سمعان، حيث يتم خطفهم ونقلهم إلى الهرمل في البقاع، ومنها إلى الحدود السورية”.

ونشرت صفحة”وينية الدولة” عشرات الحالات عن سوريين تم خطفهم، “بالطريقة والمكان ذاته، من قبل عائلات وعشائر تنتشر من وادي خالد إلى الهرمل، مما يعني أن هذه المنطقة أرض خصبة لعمليات الخطف”.

وترى شحادة أن السبب وراء هذا النوع من الجرائم البشعة التي تُرتكب بحق السوريين في لبنان هو “استضعافهم، خاصة اللاجئين غير القادرين على العودة إلى بلدهم، واستغلال حاجتهم إلى السفر، إضافة إلى كونهم من فئة يتم التحريض عليها في السنوات الأخيرة”.

تعذيب وحشي

وتؤكد صفحة “وينية الدولة” أن المخطوفين يتم احتجازهم في بيوت على الحدود السورية اللبنانية، تستخدم كسجون سرّية، يمارس فيها الخاطفون ضدهم أبشع أساليب التعذيب، ويصوّرون مقاطع فيديو تظهر وحشيّتهم من هواتف ضحاياهم، لابتزاز عائلاتهم لدفع فدية تبدأ بمبالغ تصل إلى 100,000 دولار، وتنخفض خلال التفاوض لتصل في بعض الأحيان إلى 1000 دولار”.

والشهر الماضي، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو للشاب السوري محمد عماد الخلف، ابن الـ27 عاماً، تُظهر تعذيبه بوحشية وصعقه بالكهرباء من قبل عصابة استدرجته عبر تطبيق “تيك توك”، إذ أوهمته بإمكانية تأمين سفره إلى أوروبا عبر مطار بيروت.

وطلب أفراد العصابة من ذوي محمد دفع 25 ألف دولار، ثم جرى الاتفاق، بحسب ما أورد “المرصد السوري لحقوق الإنسان“، على 10 آلاف دولار، مع منح ذوي الشاب المخطوف مهلة 24 ساعة لدفع المبلغ المطلوب أو قتله، فطلب ذوو الشاب المساعدة من أهالي بلدته محكان في ريف دير الزور الشرقي، الذين بادروا بجمع المبلغ نظراً لظروف العائلة المادية الصعبة، وإرساله للعصابة الخاطفة التي أفرجت عنه بعد استلام الفدية”.

وقال رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، لموقع “الحرة” إن عمليات الخطف تمثل “بزنس قديم” لعصابات معروفة لدى الأجهزة الأمنية، التي لا تتحرك بالسرعة المطلوبة إلا عند الضغط عليها”، ويُرجع الأسمر ازدياد عمليات الخطف التي تطال السوريين في الآونة الأخيرة إلى غياب الحماية القانونية لهم في لبنان.

وأضاف: “في العادة، تتردد عائلات المخطوفين في إبلاغ السلطات خوفاً من الخاطفين، بينما تتفاقم هذه المخاوف لدى السوريين الذين يخشون من الأجهزة الأمنية بالإضافة إلى الخاطفين”.

وأوضح الأسمر أن “الأجهزة الأمنية لا تبادر للتحرك إلا بوجود شكوى رسمية، وهو ما يُثني عائلات السوريين الذين يفتقرون إلى أوراق ثبوتية قانونية عن التقدم بشكوى، خوفاً من توقيفهم. وللأسف 80% من السوريين المقيمين في لبنان لا يستطيعون تجديد أوراقهم، مما يجعلهم عرضة لمثل هذه الجرائم”.

تقصير أمني

ويربط مدير مركز “سيدار” لحقوق الإنسان، محمد صبلوح بين غض نظر الأجهزة الأمنية عن عمليات الخطف التي تطال السوريين وبين الضغوط التي يتعرضون لها لترحيلهم، قائلاً “هل غض النظر هذا نوع من الضغط عليهم لترحيلهم، كما هو الحال مع الضغط العنصري الذي تمارسه الحكومة اللبنانية وبعض الأحزاب؟ إذ لا يعقل أن تُرتكب جرائم بهذه الفظاعة من دون توقيف أي من هذه العصابات”.

ورغم الاتهامات التي تطال القوى الأمنية اللبنانية بالتقصير في متابعة عمليات خطف السوريين، يؤكد مصدر في قوى الأمن الداخلي أن “أي عملية خطف تطال سوريين في لبنان تخضع للمتابعة والملاحقة، لكن عند نقل المخطوفين إلى سوريا، تصبح القضية أكثر تعقيداً. مع العلم أن جميع السوريين الذين يتم استدراجهم وخطفهم في لبنان ينقلون لاحقاً إلى الأراضي السورية”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى