أخبار العالم العربيالراديوتغطيات خاصة

شاهد عيان.. د. عمار غانم يتحدث لراديو صوت العرب بعد عودته من غزة

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

استضاف راديو صوت العرب من أمريكا د. عمار غانم، رئيس منظمة الأطباء السوريين الأمريكيين (SAMS)، في حلقة جديدة من برنامج “شاهد عيان”، وذلك بعد عودته من مهمة طبية إنسانية ضمن فريق طبي سافر إلى غزة بتنظيم من الجمعية الطبية الفلسطينية الأمريكية ومقرها الولايات المتحدة،

حيث روي لنا د. غانم تجربته التي خاضها في غزة، وكيف مارس مهمته كطبيب مع زملائه وسط هذه الظروف المأساوية وضعف الإمكانات الطبية وبشاعة الإصابات والحالات التي كانوا يقومون بعلاجها.

كما تطرق لتجربة الحصار التي تعرض لها الفريق، وكذلك تعاون الفريق الطبي الفلسطيني معهم، وكيفية استقبال أهالي غزة لهم وتعاملهم معهم وسط كل تلك الأهوال التي يعيشونها.

شهادة من الواقع
* د. عمار، هناك من لا يزال يشكك في واقعية الأحداث في غزة، فكيف يمكن أن تنقل لنا حقيقة المشهد من خلال تجربتك كشاهد عيان عايش الأوضاع هناك؟

** ذهبت إلى قطاع غزة وبقيت هناك 17 يومًا، خلال تلك الفترة عايشت مع سكان القطاع ما يحدث لهم ليلًا ونهارًا، وشاهدت بعيني أوضاعًا أسوأ مما كنت أتوقعها، فالناس هناك لا يموتون من القصف فحسب، بل يموتون بطرق أخرى كذلك، منها مثلًا الماء الملوث، ونقص الغذاء، وانتقال الأمراض بسبب التكدس في الخيام، وأيضا بسبب الحزن على فقدان كل أفراد العائلة.

القطاع مُحَاصر من كافة النواحي، والوضع الصحي سيء للغاية، هناك نقص في الإمدادات الطبية والكوادر الصحية، وهناك وفيات كثيرة تحدث بسبب عدم وجود الرعاية الطبية اللازمة لهم.

Photo courtesy of Ammar Ghanem Facebook page

كابوس حقيقي
* بعض الذكريات لا تُمحَى وتظل كابوسًا حقيقيًا، فهل توثّق لنا جانب من المعاناة الإنسانية هناك من خلال بعض الحالات الصعبة التي واجهتها؟

** أنا متخصص في العناية المشددة، لذلك كان عملي كله مركز على العناية، فحاولت مع طبيبين آخرين من نفس التخصص أن نقوم بعملنا رغم قلة الإمكانيات، كان هناك 26 سريرًا وكانت هذه الأسرّة مشغولة على الدوام، لا سيما في أول 10 أيام قضيناها هناك، بعض الحالات اضطررنا آسفين إلى عدم إسعافها نظرًا لعدم وجود أمل في بقائهم على قيد الحياة، وتوجيه المجهود والأدوية المتاحة إلى حالات أخرى لديها بعض الأمل في الحياة.

كان هناك نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية؛ على سبيل المثال جاءنا طفل وجسمه به حروق بنسبة 80%، وإذا أخذنا هذه الحروق مع عوامل صحية أخرى، نجد أن نسبة احتمالية وفاته عالية جدا حتى ولو تمت معالجته في أفضل مراكز العالم بأمريكا وأوروبا، وبالرغم من ذلك حاولنا معه لمدة يومين، ولكن كانت حالته تسوء أكثر فأكثر، فاضطررنا بقرار جماعي أن نتوقف عن مداواته بالإمكانات القليلة المتاحة، وإعادة توجيه هذه الأدوية والإمكانات إلى حالة أخرى لديها بعض الأمل في النجاة.

الحالات من هذا القبيل عديدة، وكانت تؤثر سلبًا على نفسيتنا كأطباء أن نضطر إلى مثل ذلك، ونحن في العناية المركزة كنا نواجه دومًا الحالات الصعبة التي تحتاج إلى جراحات متقدمة، وذلك بعدما تفشل المستشفيات الميدانية في معالجتها، من المؤسف أن بعض الحالات كانت تفارق الحياة وهي في الطريق للمستشفى، بسبب خطورة الحالة أو استمرار القصف على الطرق والمناطق المختلفة من القطاع مما يحول دون الوصول إلى المستشفى.

نظام صحي منهار
* ما هو تقييمك لحالة النظام الصحي الموجود حاليًا في قطاع غزة؟

** معظم المشافي في القطاع تم تدميرها أو توقفت عن العمل بشكل كامل، المشافي التي كانت لا تزال تعمل موجودة بمنطقة رفح، والمشفى الرئيسي فيها هو المستشفى الأوروبي، وكانت تعمل بشكل جزئي وليس بكامل طاقتها، وهناك بعض المشافي الميدانية ولكنها لا تستطيع سوى تقديم بعض الإسعافات البسيطة للمرضى والمصابين.

المشافي في مجملها تعاني من نقص كبير في المعدات والأدوية، وكذلك نقص حاد في الأطباء والممرضين، بالرغم من ذلك انضممنا إلى الفريق الطبي المحلي وتعاونا بشكل مثمر منذ اليوم الأول، قسّمنا أنفسنا إلى 3 فرق على مدار اليوم، وتمكنا بفضل الله من إنقاذ مرضى كثر بالرغم من نقص الإمكانات، وبالرغم من تأثير عمليات الإخلاء بسبب قصف وتهديدات الجيش الإسرائيلي على نقص الكوادر الطبية التي كانت تعمل معنا بالمستشفى.

أتذكر مثلًا أن 4 أطباء و5 ممرضين لم يتمكنوا من القدوم للمستشفى بعد صدور أوامر من الجيش الإسرائيلي بإخلاء مناطقهم، لأنهم اضطروا إلى الرحيل مع عائلاتهم إلى منطقة آمنة، وهؤلاء لا يمكن أن نلومهم أبدًا على ذلك، فهم بحاجة إلى الاطمئنان على عائلاتهم مثلما يطمئنون على الآخرين، كما أنهم يعملون بشكل تطوعي منذ 7 أشهر.

بارقة أمل
* بالرغم من كل المآسي تلك؛ كانت هناك حالات إنقاذ طبي ناجحة، فهل لك أن توثّق لنا بعضًا منها للسادة المستمعين؟

** استغرق وصولنا من القاهرة إلى المستشفى الموجودة برفح وقتًا طويلًا، حيث انطلقنا من القاهرة في الرابعة صباحًا ووصلنا إلى غزة في العاشرة مساءًا، بمجرد وصولنا استقبلنا الأطفال الصغار بالورود، كانت العلاقة وديّة للغاية مع الناس هناك وبعضهم كان يتأسف لنا على عدم قدرتهم على استضافتنا بشكل أفضل، وهذه لفتة طيبة منهم.

الحالات في معظمها كانت صعبة للغاية ومعقدة، وبعضها يكون من الصعب التعامل معها في المشافي المتقدمة هنا في أمريكا، فما بالنا في مشافي غزة المحاصرة والمدمرة، بالرغم من ذلك تمكننا بفضل الله من إنقاذ أرواح كثيرين والنجاة حياتهم، أتذكر إحدى الحالات لأب وأم وابنتهما جاؤوا معا إلى العناية بعد إصابتهم بالتهاب رئوي شديد، وتم قبولهم في 3 عنايات مختلفة، لأن كل عناية بها سرير واحد فقط متاح، والحمدلله تمكننا من إسعافهم وخرجوا بصحة جيدة، وهناك قصص أخرى ناجحة كثيرة، لا سيما في الأطفال، حيث كان معنا طبيب متخصص في العناية المركزة للأطفال.

أسلحة محرمة دوليًا
* هناك من تحدث عن استعمال إسرائيل لأسلحة محرمة دوليًا، فهل لاحظت من خلال إصابات وحروق المرضى والمصابين أنها قد تكون ناتجة عن استخدام مثل هذه الأسلحة؟

** عدد كبير من هؤلاء المصابين كانوا يتوجهون إلى المستشفيات الميدانية، ومع الأسف كان معظمهم يموتون قبل الوصول إلينا، جزء كبير من الإصابات كانت ردود في الدماغ أو بتر في الأطراف أو الحروق أو الشظايا المنتشرة في كامل الجسم نتيجة المتفجرات.

طبيعة الإصابات تثير شكوك كثيرة حول استخدام إسرائيل للأسلحة المحرمة دوليًا، ومن أهم ما لاحظته أن كل الذين تستهدفهم إسرائيل هم من المدنيين، أنا لم أر أي حالة إصابة عسكرية طوال فترة إقامتي، معظم من يأتون كانوا من المدنيين، خاصةً النساء والأطفال.

Photo courtesy of PAMA Facebook page

لحظات مرعبة

* لطالما نفت إسرائيل استهدافها للطواقم الطبية، لكن مرت عليكم لحظات مرعبة في طريقة عودتكم للولايات المتحدة، فهل لك أن تروي وتوثّق لنا تلك اللحظات؟

** كان من المفترض أن نعود يوم 13 مايو، ولكن قبل عودتنا ازداد التصعيد ثم أُغلِقَ معبر رفح، وكان هذا هو المعبر الوحيد الذي دخلنا منه والوحيد أيضا الذي كان من الممكن أن نخرج منه، كان هناك قلقًا كبيرًا من عائلتنا علينا، ونظرًا لأن المشفى لم يكن ضمن منطقة الإخلاء لذا لم تضغط منظمة الصحة العالمية (WHO) من أجل خروجنا من المشفى لأنه كان يمثل منطقة آمنة على حياتنا.

مع مرور الأيام تزايد القلق لدى عائلاتنا كثيرًا، لدرجة أن زوجتي دخلت في حالة من البكاء والقلق الشديد، ونحن هنا بدأنا في التواصل مع بعض الجهات المحلية والخارجية، والحمدلله تمت عملية الإجلاء من خلال السفارة الأمريكية الموجودة بالقدس، والإجلاء كان فقط للأمريكيين، ولم يخرج الباقيين إلا أول أمس بعد محاولات أخرى لإخراجهم.

حين تم إجلائنا؛ كانت لدينا أزمة نفسية كبيرة بسبب خروجنا وتركنا للبقية، والمؤسف أكثر أنهم منعوا دخول أي فرق طبية أخرى للقطاع، فمن سيساعد المرضى هنا ومن سيساعد الفرق الطبية المحلية في تخفيف المعاناة عن أهل القطاع!، رحلة عودتنا داخل القطاع كانت صعبة للغاية واستغرت وقتًا طويلًا بشكل كبير، ولعلها تعدّ اصعب رحلة أمضيتها في حياتي.

عندما وصلنا إلى معبر كرم أبي سالم، واجهتنا دبابة أمام المعبر الذي كان مغلقًا، ومع تحركنا نحو بوابة المعبر بدأت الدبابة تتحرك نحونا في موقف صعب للغاية، لأن قذيفة واحدة منها كانت كفيلة بتدمير الباص الذي كنا نستقلّه، وداخل المعبر كان فريق السفارة ينتظرنا وأخذونا إلى القدس حيث غادرنا من هناك إلى أمريكا.

أتذكر طوال أيام وجودنا في المشفى، أن القصف المكثف حولنا لم يتوقف، الأطباء المحليون معانا أخبرونا أنه حتى إذا قال الجيش الإسرائيلي أن هذه منطقة آمنة، فإنه سيقصفها بلا رادع، وهم قد شهدوا تجارب مماثلة سابقة في مستشفى الشفاء وغيرها.

استهداف الأطباء

* شهادتك تلك حول رحلة العودة تؤكد التقارير التي تتحدث عن استهداف إسرائيل للسيارات التي تحمل شارات الطواقم الطبية والإغاثية.

** نعم، وأخبرك بحالة أنا شاهدتها بنفسي، فقبل أيام من مغادرتنا تم قصف سيارة تحمل شارة الأمم المتحدة “UN”، وقُتِلَ السائق وكانت هناك حالة إصابة أخرى جاءت للمستشفى وأنا رأيتها بنفسي، وسبب القصف هو خروج السائق لبعض الوقت عن المسار المحدد الذي كان من المفترض أن يسير عليه.

لذلك في طريق عودتنا إلى معبر كرم أبي سالم، كنا خائفين لأن أي خروج عن المسار المحدد لنا لأي سبب، يمكن أن يتسبب في قصفنا في لحظة.

رسالة أخيرة
* بعد ما مررت به من أحداث هناك في غزة؛ ما الرسالة التي تودّ أن توجهها بعد تلك الرحلة؟

** أتمنى من كل شخص أن يضغط على حكومته والمسؤولين في بلده من أجل إيقاف الحرب، ومواصلة الضغط من أجل فتح المعابر لإدخال المزيد من المساعدات، لا سيما المساعدات الطبية، لأن استمرار الحرب سيؤدي إلى خسارة عشرات الآلاف من الأرواح.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى