الراديوطبيبك الخاص

د. شما يكشف تأثير الجينات والأمراض الوراثية على عملية الإخصاب وكيفية تجنبها

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة جديدة مع خبير الخصوبة، د. فائق نيكولاس شما، أخصائي الغدد الصماء وعلاج العقم والأمراض التناسلية، تم التطرق خلالها إلى تأثير الجينات على الإخصاب، حيث أجاب على عدة أسئلة هامة؛ من أبرزها: هل هناك بالفعل علاقة بين الأمراض الوراثية وعملية الإخصاب؟، وما هو مدى قدرتنا على التعامل مع المتغيرات الجينية في هذا السياق؟، وإلى أي مدى أصبح العلم قادرًا على التحكم في الجينات الوراثية؟

أبحاث ودراسات
* كمختص في مجالك؛ لماذا هناك قلّة في عدد المتخصصين والباحثين في الموضوعات العلمية والطبية فيما يخص جاليتنا العربية هنا في أمريكا، وندرة في الأرقام والبيانات حول الجالية؟

** هناك أبحاث طوال الوقت في المراكز الكبيرة، ومركزنا IVF Michigan من بين هذه المراكز، ولدينا أرقام وبيانات وأبحاث موجودة، وهناك عدد كبير من الأطباء من أصول عربية متفوقين ورائدين في مجالاتهم هنا في الولايات المتحدة، وكمثال فإننا كل عام نقوم بعمل من 2 إلى 4 دراسات تقريبًا.

تعريفات مبسطة
* كبداية لحوارنا ولتوضيح الأمر للسادة المستمعين؛ ما هو الـ “DNA”؟، وكيف تم اكتشافه؟، وما أبرز ما أفضى إليه هذا الاكتشاف من تطورات وتطبيقات علمية؟

** العالم الأمريكى جيمس واتسون والعالم البريطانى فرنسيس كريك، اكتشفا التركيب الكيميائي للحمض النووي لدينا “DNA”، والمعروف أن البويضة عند المرأة والنطفة عند الرجل في كلٍ منها 23 كرموسوم، وهذه الكرموسومات عندما تلتقي تصبح 46، وهذه هي الموجودة في كل خلية لدى الجنين المتشكل، وهذه الكرموسومات هي التي تحمل الجينات.

والجينات تحمل 5 مليارات معلومة على الـ DNA، ومنها 25 ألف جين تحمل البصمة الوراثية المتناقلة من الأهل إلى الأولاد، وهي التي تجعل الأولاد يحملون صفات من آبائهم وأمهاتهم.

* هل هناك دور تلعبه الجينات في عملية الإخصاب؟

** الجينات هي صاحبة الدور الأول والأخير، وباختصار شديد فإن الجينات لديها تأثير كبير على شكلنا الخلقي وصفاتنا وطريقة تفكيرنا، وتأثير آخر على صحتنا، وتأثير ثالث على كيفية تطورنا في الرحم داخل أمهاتنا وبعد ولادتنا.

وهذه الجينات قد يحدث لها تغيّرات ونحن في الرحم وبعد الولادة، وذلك نتيجة ما نتعرض له من البيئة المحيطة بنا، وقد تناولنا هذا الجانب في حلقات عديدة سابقة، وفي الغالب تكون الكرموسومات سليمة لدى معظم الناس.

ولكن إذا كان عمر الأم 30 سنة فإن هناك طفل واحد من كل 900 يكون لديه خطأ في عدد الكرموسومات، سواء بالزيادة أو النقصان، وإذا كان عمر الأم 35 سنة يُولد طفل واحد من كل 350 لديه مشكلة بالكرموسومات، وإذا كان عمر الأم 40 سنة تصبح النسبة واحد من كل 100 حالة، وإذا أصبح عمرها 45 تصبح النسبة طفل واحد من كل 30 ولادة.

ولذلك نكرر أنه كلما أنجبت المرأة وهي بعمر أصغر كلما كانت حالة الأطفال بصحة جيدة أفضل وبدون مشكلات جينية، ناهيك عن قلة عدد البويضات التي تنتجها المرأة كلما تقدمت في العمر.

وبالنسبة للرجال؛ كلما كبروا في العمر يكون لديهم خلل في الجينات التي لديهم، وليس عدد الكرموسومات، فإذا أنجب الرجال بعد عمر الـ 40 والـ 50 سنة تكون هناك زيادة بنسبة 6 أضعاف في احتمالات إصابة أطفالهم بمرض التوحد، وزيادة بمعدل 3 مرات في انفصام الشخصية.

مشكلات وراثية
* ما هي الأمراض الوراثية الشائعة التي يمكن أن تؤثر على الإخصاب؟

** هناك بعض المشكلات التي تكون لدى النساء والتي تؤدي إلى التأثير السلبي على الإخصاب وعدم وجود عدد بويضات كافي، فمثلًا إذا كانت المرأة قد وُلِدَت وهي طفلة ولديها كرموسوم ناقص من الـ X كرموسوم، فإن هذه الطفلة ستكون لاحقًا بلا بويضات عندما تبلغ وتصبح شابة، وهذا سبب جيني واضح.

بعض الناس يكون لديهم Fragile X syndrome (FXS)، وهذا الجين إذا كان به مشكلة فإنه يؤثر على النساء من ناحية أنهن يخسرن بويضات بطريقة أسرع بكثير، وبالتالي يتوقف إنتاج البويضات لديهن، وهن بعمر الـ 25 أو الـ 30 سنة، بدلًا من عمر الـ 51 سنة كما هو شائع، وهذه مجرد أمثلة بسيطة، ولكن هناك أسباب أخرى عديدة مرتبطة بالجينات وتؤثر على الإخصاب والقدرة على الإنجاب.

نصائح هامة
* بالنسبة لمن يقبلون على الزواج؛ كيف لهم أن يعرفوا أن لديهم مشكلات جينية قد تؤثر على قدرتهم على الإنجاب أو صحة أطفالهم المستقبلية؟

** كل البشر لديهم من 1 إلى 3 جينات خطأ لدرجة أنه عندما يتزوج الرجل من امرأة لديها نفس هذه الجينيات الخطأ، فإن طفلهما ـ في حالة إنجاب أطفال ـ يكون لديه مرض جيني، لذا فإن كل النساء اللاتي تأتين إلى مركزنا نقوم بفحصهن للتأكد مما إذا كن لديهم جينات متوافقة مع أزواجهن، للتأكد من صحة الجنين الذي سيأتي إلى الحياة.

في الولايات المتحدة؛ نجد 1 من كل 3 آلاف من الأطفال البيض (الذين هم ليسوا من أصول شرقية) يُولد ولديه مرض Cystic fibrosis، وذلك بسبب وجود جين به مشكلة لدى والديه، وهذا المرض يجعل لدى الطفل صعوبة في التنفس ومشكلات في البنكرياس، وغالبًا ما يتوفى وهو بعمر صغير.

بالنسبة للسود الأمريكيين، نجد أن هناك 1 من كل 365 طفل لديه نوع مرضي من الأنيميا، وهناك مرض آخر اسمه الثلاسيميا، أو ضعف الدم، وهذا منتشر في بلادنا العربية والشرقية لدرجة أن هناك 1 من كل 25 شخص لديه هذا المرض، وعادةً ما يكون موجودًا في حالات زواج الأقارب، وهذا الزواج منتشر بكثرة في العالم العربي، لذا فإن هذا الفحص في غاية الأهمية.

لذلك فإن كل مريض يأتي إلينا نقوم بفحص كل الجينات التي نستطيع فحصها، فمثلًا المرأة نقوم بفحص 619 جين من الـ 25 ألف جين لديها، وذلك بعد أن كنا لا نستطيع منذ 15 عامًا سوى فحص جينين فقط، وهذا مثال بسيط على التطور الذي حدث في مجال الفحوصات.

الفحص الجيني
* هل تنصح بإجراء الفحص الجيني لكل المقبلين على الزواج، قبل الزواج، وذلك لتفادي أي مشكلات جينية؟

** بالتأكيد، وهناك بعض البلدان العربية مثل السعودية، هناك تنصح السلطات كل المقبلين على الزواج بأن يجروا فحصًا جينيًا لأن هناك حوالي 50% من الناس يتزوجون من الأقارب، في الولايات المتحدة 2 إلى 3 من كل 10 آلاف حالة حمل يكون لدى الجنين مشكلة جينية بسبب وجود قرابة بين المرأة والرجل وتشابه في جين بينهما.

في حالة طفل الأنبوب، يمكننا من خلال إجراء هذا الفحص أن نتفادى حدوث أي مشكلات جينية لدى الجنين، وبالتالي تفادي حدوث أمراض للأطفال مستقبلًا، والفحص الجيني لا بد من إجرائه قبيل قرار الإنجاب سواء كان الرجل والمرأة أقرباء أو ليسوا كذلك.

الفحص الجيني قد يمكننا من تفادي الإصابة ببعض الأمراض السرطانية، كمثال هنا في الولايات المتحدة هناك 1 من كل 400 شخص لديهم جين اسمه BRCA1 Gene، أنجيلينا جولي ووالدتها كانتا لديهما هذا الجين وهو ما تسبب في بترها للثدي وإزالة المبايض حتى تتفادى الإصابة بسرطان الثدي وسرطان المبايض.

لذا فإننا ننصح كل الأشخاص الذين لديهم مثل هذه الجينات المغلوطة ويقررون إنجاب أطفال أن يجروا فحصًا جينيًا في البداية، حتى نبحث لهم عن حلول لتفادي حدوث مثل هذه الأمراض لأطفالهم.

وبالمناسبة؛ فإن 6% فقط من الأشخاص الذين يأتون لزيارتنا في المركز لديهم جينات متشابهة، و90% من الأجنة تكون بحالة طبيعية، وكلما تأكدنا أن الجنين طبيعي وليس لديه أي مشكلات فإن هذا يقلل من نسبة الإجهاض بحوالي 50%، كما نتفادى كل المشكلات المرتبطة بالحمل والولادة.

أمراض خطيرة
* ما هي أهم الأمراض الوراثية الخطيرة والشائعة التي يمكن تفاديها من خلال الفحوص الجينية المبكرة؟

** أشهر مرض هو الثلاسيميا، وكذلك هناك مرض فرط تنسُّج الكظر الخلقي Congenital adrenal hyperplasia (CAH)، وهو منتشر لدينا هنا في الولايات المتحدة وكذلك في بلداننا العربية والشرقية، وهناك أمراض مرتبطة بالأنيميا، ومتلازمة التليف الكيسي، وهناك أمراض لها علاقة بطبيعة استخدامنا للكربوهيدرات والبروتينات والدهون وتسمى Metabolic disorders، وهناك مرض شائع يسمى Phenylketonuria (PKU) وهذا شائع كثيرًا في الشرق لدرجة أن هناك حالة من بين كل 5 إلى 10 آلاف طفل يُولد ولديه هذا المرض.

* هل الضمور العضلي هو مرض وراثي أيضا؟

** نعم، بالتأكيد، ومن بين الأسباب التي تقف وراء حدوثه أن هناك جينات خاملة لدى الرجل والمرأة، ولا يظهر تأثيرها إلا بعدما يقررا الإنجاب ويتشكل الجنين، ولذلك نصيحتي الدائمة لكل المقبلين على الإنجاب أن يقوموا بعمل الفحوصات الجينية المتاحة، وأنا أعتقد أننا بعد نصف قرن أو أقل سنكون قادرين على إجراء كل الفحوصات لكل الجينات الموجودة لدينا، أقصد الـ 25 ألف جين.

وأنا أتصور أنه بعد 20 سنة تقريبًا سنتمكن من تغيير الجينيات المغلوطة ونضع بدلًا منها جينات سليمة، وهو ما سيمكننا من إنجاب أطفال بلا أمراض تقريبًا، هذا كله سيكون مرهون بالتطور الطبي والعلمي المنظور.

الفحص الجيني والإجهاض
* بالنسبة لمن تزوجوا ولم يجروا تلك الفحوصات الجينية، وقرروا الإنجاب، ما الذي يمكن أن يواجهوه من مشكلات؟، هل الإجهاض يمكن أن يكون مؤشرًا على وجود مشكلات جينية لديهم؟

** هناك 4% إلى 5% من النساء لديهن أسباب جينية للإجهاض المتتابع، وبالنسبة لهن فإننا نقوم بعمل فحص جيني للجنين قبل وضعه في الرحم لتفادي حدوث الإجهاض وتفادي الكثير من الأمراض ذات العلاقة بالجينات والوراثة الجينية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى