في الوقت الذي تسعى فيه إيران لتجاوز المرحلة الانتقالية عقب مصرع رئيسها، إبراهيم رئيسي، في حادث تحطم طائرة مأساوي، لا تزال بعض المزاعم تروج لوجود مؤامرة وراء الحادث الذي توفي فيه الرئيس الإيراني و7 من مرافقيه، بينهم وزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان.
ووفقًا لموقع “إرم نيوز” تأتي هذه المزاعم رغم الإعلان الرسمي الصادر من السلطات منذ بداية الحادث بأن الظروف الجوية الصعبة، والضباب الكثيف الذي كان يلف المنطقة التي حلقت فيها الطائرة هو الذي تسبب بسقوطها.
لكن نظرية المؤامرة المزعومة تثير العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت ستفتح الأبواب أمام اتهام أطراف خارجية بالوقوف خلف الحادث، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل.
ووفقًا للمعلن حتى الآن فقد تحطمت المروحية الرئاسية الإيرانية في منطقة تمتاز بتضاريسها الوعرة، وفور وقوع الحادث، تحدثت السلطات عن ظروف جوية صعبة، وضباب شديد، تسببت بالحادث، بعيدًا عن توجيه أي اتهام أو حتى احتمال وقوع خطأ بشري تسبب بالحادث.
لكن ما أتاح الفرصة لظهور نظرية المؤامرة هو تزامن الحادث مع ارتفاع حدة التوتر بين إيران وإسرائيل، على خلفية الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، وما تبع ذلك من اغتيالات إسرائيلية طالت مسؤولين بالحرس الثوري الإيراني، ردَّت عليه إيران بهجوم صاروخي هو الأول من نوعه الذي توجهه إلى إسرائيل مباشرة من أراضيها، وهو ما ردت عليه إسرائيل بهجوم محدود داخل الأراضي الإيرانية.
كما أن اسم الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، مدرج على القائمة الأمريكية السوداء للمسؤولين الإيرانيين المتّهمين بـ”التواطؤ في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”، وهي اتهامات رفضتها السلطات في طهران واعتبرتها لاغية وباطلة.
هل كانت المشكلة في الطائرة؟
وبينما فتحت إيران تحقيقًا رسميًا، أمس الاثنين، في أسباب تحطم المروحية الرئاسية، أشارت وسائل إعلام رسمية إلى أن “عطلًا فنيًا” كان السبب وراء الحادث، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست“.
وأظهرت التقارير الواردة من مكان الحادث ضبابًا كثيفًا في منطقة جبلية ذات تضاريس وعرة، مما تسبب في تأخير وصول أطقم الإنقاذ لموقع تحطم المروحية لمدة 15 ساعة تقريبًا.
وقالت الصحيفة إن مروحية الرئيس الإيراني التي تحطمت هي من طراز “بيل 212″، وأنتجتها شركة “بيل هليكوبتر” الأمريكية، المعروفة حاليًا باسم “بيل تيكسترون”، وقامت بتطويرها للجيش الكندي في أواخر الستينيات كتحديث لطائرة “UH-1 Iroquois” الأصلية.
وذكرت وكالة “بلومبيرغ” أن طراز مروحيات “بيل “212” الأمريكية التي حلقت لأول مرة عام 1968 ودشنت في 1971، توقف تصنيعها عام 1998.
وباعتبارها طائرة هليكوبتر متعددة الاستخدامات، فإنه من المفترض أن تكون “بيل 212” قابلة للتكيف مع جميع أنواع المواقف، مثل نشر معدات مكافحة الحرائق الجوية ونقل البضائع وتركيب الأسلحة.
وكان آخر حادث مميت لطائرة من طراز “بيل 212” في سبتمبر 2023، عندما تحطمت طائرة مملوكة للقطاع الخاص قبالة سواحل الإمارات، وفقا لمنظمة “فلاي سيفتي فاونديشن”، وهي منظمة غير ربحية تركز على سلامة الطيران.
وكان تصميم النموذج الإيراني من طراز “بيل 212” كان مخصصًا لنقل المسؤولين الحكوميين. وأفاد موقع “سمبل فلاينغ” المتخصص في مجال الطيران، بأن الولايات المتحدة باعت طراز “بيل 212” لإيران بأعداد كبيرة قبل ثورة 1979.
وحافظت إيران على تحليق أساطيلها من الطيران المدني والعسكري أثناء عزلتها بعد ثورة عام 1979، وذلك من خلال مزيج من الأجزاء المهربة.
وتستعين إيران ببعض من أقدم وأبسط طائرات الهليكوبتر التي لا تزال قيد الاستخدام، وتعتمد على مهارات مهندسيها لإيجاد طرق لإبقائها قيد التشغيل مع محدودية الوصول إلى المواد الجديدة.
ووفقًا لموقع “الحرة” فقد قال خبراء إن التفاصيل القليلة المتاحة تشير إلى أن عمر الطائرة الرئيسية الإيرانية التي تحطمت قد يتراوح بين 40 و50 عامًا.
اتهامات لأمريكا
وألقى وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف، باللوم على العقوبات الأمريكية التي تستهدف صناعة الطيران الإيرانية، بحادثة تحطم الطائرة الرئاسية.
وقال ظريف، في مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني، إن الصعوبة التي واجهتها إيران في شراء قطع الغيار لطائرات الهليكوبتر القديمة، بعد عقود من العقوبات، ساهمت في الحادث المميت.
وأضاف في التصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا) إن “أحد أسباب هذه الحادثة المفجعة هي الولايات المتحدة، التي من خلال فرض عقوبات على صناعة الطيران في إيران تسببت في استشهاد الرئيس ورفاقه”. وأضاف: “جريمة أمريكا سترسخ في عقول الشعب الإيراني وفي التاريخ”.
ووفقًا لشبكة CNN فإن الشركة الإيرانية الرئيسية لصناعة الدفاع المتخصصة في تمديد العمر التشغيلي للمروحيات الخاضعة للعقوبات هي شركة دعم وتجديد طائرات الهليكوبتر الإيرانية المملوكة للدولة (IHSRC)، المعروفة أيضًا باسم PANHA.
وفي يناير 2018، أضاف المكتب الأمريكي لمراقبة الأصول الأجنبية شركة IHSRC إلى قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات بسبب “تقديم خدمات الصيانة والتجديد الرئيسية للمروحيات العسكرية الإيرانية”، وفقًا لبيان صادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في ذلك الوقت.
أمريكا تنفي
من جانبها استبعدت الولايات المتحدة وجود أي دور للعقوبات الأمريكية على إيران في الحادث، وقال مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، إنه “لا دور للعقوبات المفروضة على إيران في حادث مروحية الرئيس الإيراني”.
وكرر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أمس الاثنين، هذا الرأي قائلا إن “ليس هناك أي دور للولايات المتحدة في حادث مروحية إيران”، مطالبًا بـ “إجراء تحقيق لمعرفة سبب الحادث الذي قد يكون عطلًا ميكانيكيًا أو خطأ من الطيار”.
من جهتها نقلت شبكة nbcnews عن مسؤول رفيع في إدارة الرئيس جو بايدن قوله إنه “لا وجود لدور أجنبي مطلقا” وراء حادث تحطم المروحية.
وأوضحت الشبكة أن هذا يتفق مع تصريحات زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر، حين قال إنه ما من دليل على أي مؤامرة وراء تحطم المروحية على ما يبدو.
ومع ذلك، فإن إدارة بايدن تراقب الوضع عن كثب، وتراقب التقارير التي تفيد بأن أي مسؤولين إيرانيين يحاولون إلقاء اللوم على الولايات المتحدة أو إسرائيل في وفاة الرئيس الإيراني.
وقال المسؤول الرفيع: “لقد فعلوا ذلك بالفعل”، مشيرا إلى ادعاءات وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، التي أشار فيها إلى أن العقوبات الأميركية هي المسؤولة عن الحادث، بسبب عدم وجود قطع غيار طائرات الهليكوبتر البديلة في البلاد.
واستنكر المسؤول في إدارة بايدن تقارير وسائل الإعلام الإيرانية التي حمّلت واشنطن مسؤولية ما حدث، ووصفها بالسخيفة.
وفي ما يتعلق بالتأثيرات المحتملة لمصرع الرئيس الإيراني ووزير الخارجية على العلاقات الأميركية الإيرانية قال المسؤول إن واشنطن لا تتوقع أي تغيير معتبر.
بينما كشفت وزارة الخارجية الأمريكية أن إيران طلبت مساعدة الولايات المتحدة بعد تحطم مروحية الرئيس الإيراني، مؤكدة أن وفاته لن تغير موقف واشنطن الأساسي تجاه طهران.
وأوضح المتحدث باسم الوزارة، ماثيو ميلر، في تصريحات للصحفيين، أن الولايات المتحدة لم تتمكن لأسباب لوجستية من توفير المساعدة التي طلبتها إيران.
وأضاف أن “تقديمنا التعازي في وفاة رئيسي لا يرسل إشارات خاطئة ولا يغير رأينا فيه”، لافتا إلى أن “رئيسي كان منخرطا في انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان”.
وأكد ميلر أن الولايات المتحدة ستواصل إنفاذ عقوباتتها بالكامل، بما في ذلك على الطائرات التي تستخدمها الحكومة الإيرانية. وأضاف أن “مقاربتنا لإيران لم ولن تتغير، وسنواصل دعم الشعب الإيراني ومواجهة دعم نظام طهران للإرهاب”.
تشكيك تركي
وبينما توالت التقارير عن ملابسات حادثة تحطم المروحية الرئاسية الإيرانية خرجت تركيا- التي شاركت في عمليات البحث عن الطائرة- بتصريحات قالت فيها إن الطائرة لم تبعث أي إشارة.
وقال وزير النقل التركي، عبد القادر أورال أوغلو، أمس الاثنين “نظام الإشارة لم يكن مفعلا على الأرجح لسوء الحظ، أو أن الطائرة المروحية لم يكن لديها نظام الإشارة هذا، لأنه لم تظهر أي إشارة”.
وبعد إعلان السلطات الإيرانية عن تعرض المروحية الرئاسية لحادث، استغرقت فرق الإنقاذ نحو 15 ساعة للوصول إلى الحطام في ظل ظروف جوية بالغة الصعوبة.
وتمكنت طائرة مسيّرة تركية من طراز “أقنجي” من تحديد موقع تحطم المروحية، حيث شاركت في عمليات البحث بناء على طلب تقدمت به طهران لأنقرة.
وقالت وسائل إعلام إيرانية إن رئيس الأركان، اللواء محمد باقري، وجّه بتشكيل لجنة رفيعة المستوى للبدء بالتحقيق في أسباب سقوط المروحية.
بينما اعتبر رولاند دانغرفيلد، وهو ضابط سابق بالجيش البريطاني والرئيس التنفيذي لشركة “سينتنال أفييشن”، أن عمر المروحية وطرازها أقل أهمية من مستوى صيانتها.
وأضاف في تصريحات لموقع “بزنس إنسايدر” أن الطائرات التي يعود تاريخها إلى الأربعينيات من القرن الماضي تحلق فوق المملكة المتحدة “بأمان تام”، بينما كانت قاذفات القنابل “بي-52” في الولايات المتحدة موجودة منذ الخمسينيات من القرن الماضي.
وأوضح قائلا إن “السر في ذلك هو ما إذا كانت المروحية قد تمت صيانتها وفقا لنظام الصيانة الخاص بالشركة المصنعة”. لكن دانغرفيلد قال إن الحظر التجاري الأمريكي والقيود على أجزاء طائرات الهليكوبتر ربما منعت النظام الإيراني من صيانة الطائرة “بيل 212”.
نفي إسرائيلي
وحول الاتهامات الموجهة لإسرائيل بأنها قد تكون وراء حادث تحطم الطائرة الرئاسية الإيرانية، قال مسؤول إسرائيلي، إنه “لا علاقة لإسرائيل” بالحادث، وأضاف: “لم نكن نحن من وراء هذا الحادث”.
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” فقد عكس إسراع إسرائيل إلى تأكيد عدم ضلوعها في حادث تحطم مروحية الرئيس الإيراني، حتى قبل إعلان طهران رسميًا عن مصرعهم، هواجسها من تداعيات الحادث على مشهد الصراع في الشرق الأوسط، وتوظيفه من قبل طهران لتصعيد العلميات ضدها.
واستبعد خبراء إسرائيليون أي تصعيد فوري بين الجانبين على خلفية تحطم المروحية، وقدّروا أن مسار التوتر ستحسمه نتائج التحقيق بالحادث، وأجمعوا على أن الإستراتيجية الإيرانية تجاه إسرائيل لن تتغير بسبب مصرع رئيسي.
ورأوا أن مقتل رئيسي لا يعني أن إيران لن تبقى بلا قيادة، أو أنها ستشهد حالة من الارتباك والفوضى، أو أنه سيكون هناك تغيير مفاجئ في سياساتها العالمية والإقليمية، لكون الكلمة النهائية والحاسمة تبقى بيد المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يبقى صاحب القول الفصل، في حين الرئيس المنتخب هو في موقع الرؤساء المسؤولين عن تنفيذ قرارات خامنئي.
وفي محاولة لإبعاد الشبهات والشكوك عنها بمسألة تحطم المروحية الإيرانية، ذهبت كافة السيناريوهات الإسرائيلية إلى أن التحطم نجم عن تضاريس صعبة وسوء الأحوال الجوية أو خطأ بشري.
ويقول الباحث في حوادث الطيران أهارون لابيدوت إنه لا توجد حتى الآن إجابة موثوقة على سؤال سبب تحطم المروحية الإيرانية، ولكن، برأيه، هناك بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام التي يمكن أن تشير إلى اتجاه مفاجئ بشأن أسباب الحادث.
وتساءل بما أن الظروف الجوية القاسية على طول مسار الرحلة كانت معروفة مسبقا، فلماذا تمت الموافقة على الرحلة التي ضمت 3 مروحيات؟، ولماذا تم اختيار مسار الرحلة هذا؟، قائلا “عادة ما يكون سبب وقوع حادث جوي جراء خطأ بشري، أو عطل فني، أو حالة الطقس”.
وأوضح الباحث الإسرائيلي أن سبب حوادث الطيران الأكثر شيوعا، والذي يسبب حوالي 85% منها، هو الخطأ البشري الذي هو على الأرجح وراء تحطم المروحية الإيرانية، حسب تقديره.
واستبعد خبراء إمكانية تورط إسرائيل في حادث من هذا النوع في ظل ظروف الحرب الحالية في الشرق الأوسط والتصعيد الأخير الذي حدث بينها وبين إيران، لأنها ستكون خطوة لها تداعيات خطيرة جدًا.
توترات متزايدة
وووفقًا لموقع “الحرة” فقد تزايدت حدة التوترات بين إيران وإسرائيل مع اندلاع الحرب في قطاع غزة قبل 7 أشهر، ودخول ميليشيات مسلحة موالية لإيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن على خط التصعيد في جبهات إقليمية عدة ضد إسرائيل.
وفي الأول من أبريل، اتهمت طهران إسرائيل بتنفيذ ضربة جوية دمّرت مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، وأسفرت عن مقتل 7 من مسؤولي الحرس الثوري الإيراني.
وردت إيران على ذلك بتنفيذ أول هجوم مباشر في تاريخها على إسرائيل، واستخدمت فيه مئات المسيّرات والصواريخ، والتي أعلنت إسرائيل إسقاط معظمها بالتعاون مع الحلفاء.
وقال الجيش الإسرائيلي حينها إن الغالبية الساحقة من الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها إيران وتخطى عددها الإجمالي الـ300، تم اعتراضها بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، وإن الهجوم لم يسفر إلا عن أضرار طفيفة.
وبعد أقل من أسبوع، دوت انفجارات في محافظة أصفهان الإيرانية، قالت عدة مصادر إنها نجمت عن “ضربة إسرائيلية” ردا على الهجوم الإيراني.
فيما لم يرد أي ذكر لإسرائيل في معظم التصريحات والتقارير الإخبارية الرسمية الإيرانية وقتها. وبث التلفزيون الرسمي آراء محللين قللوا من حجم الواقعة. كما قللت طهران من شأن تقارير عن تعرضها لضربة إسرائيلية، وقالت إنها لن ترد ما لم يتم استهداف “مصالح” إيران.
في المقابل، لم تصدر أي تعليقات رسمية من إسرائيل أو الجيش بشأن الضربة، لكن منذ الهجوم الإيراني، أكد المسؤولون الإسرائيليون أنه “ليس أمامهم بديل سوى الرد”.