طبيب أمريكي عائد من غزة: الوضع هناك يفوق ما تتخيله في أبشع كوابيسك

د. عمار غانم – جراح بوحدة العناية المركزة في ديترويت، ونائب رئيس الجمعية الطبية السورية الأمريكية

عدت مؤخرًا من مهمة طبية إلى غزة، نظمتها الجمعية الطبية الفلسطينية الأمريكية، كان من المفترض أن تستمر لمدة أسبوعين وتنتهي في 13 مايو، ولكن بسبب إغلاق معبر رفح تأخرنا لعدة أيام أخرى.

وبسبب التصعيد من الجانب الإسرائيلي، كانت الأيام السبعة الأخيرة من المهمة هي الأقسى عاطفيًا على الأطباء المتطوعين وعلى أهل غزة.

الوضع هناك يفوق ما تتخيله في أبشع كوابيسك. الناس ينزحون من مكان إلى مكان عدة مرات. إنهم يعيشون في خيام صغيرة مصنوعة يدوياً، ولديهم نقص في الطعام، ولا يوجد ماء نظيف. وبعض المناطق المأهولة بالسكان تغمرها مياه الصرف الصحي.

المستشفى الذي عملت فيه كان المستشفى الوحيد المتبقي الذي يعمل جزئياً. واجهتنا العديد من التحديات أثناء عملنا في وحدة العناية المركزة، لم يكن هناك سوى 26 سريرًا، ونفتقر إلى وسائل مكافحة العدوى، ونقص في معدات الوقاية الشخصية، ونقص في أدوية التخدير وتخفيف الألم، وأجهزة التنفس الاصطناعي، والشاشات القديمة التي لا تعمل، وهناك نقص جميع أنواع الإمدادات ونقص في الموظفين.

العناية بحالات الصدمات المعقدة مثل صدمات الدماغ والحروق يتطلب الكثير للقيام به. معظم المرضى هم من الأطفال والنساء والشباب. توفي العديد من المرضى بسبب الظروف الصعبة ونقص الإمكانيات، وبعض الذين نجوا انتهى بهم الأمر بإصابات بالغة وأعراض لا نراها كثيرًا في الولايات المتحدة.

ف

ي وحدة العناية المركزة، كنا نتعامل فقط مع المرضى والمصابين الذين نجوا وتم نقلهم للمستشفى. بينما تعاملت المستشفيات الميدانية والطوارئ مع أسوأ حالات الصدمة التي كانت تأتي لهم مباشرة. وعندما ذهب أحد المتطوعين من فريقنا للمساعدة في علاج بعض هذه الحالات في غرفة الطوارئ، عاد لاحقًا غير قادر على التحدث من هول ما رآه من إصابات بشعة وجثث مشوهة.

من ناحية أخرى، هناك العديد من القصص الإيجابية الناجحة. فتأثيرنا كان أبعد من رعاية المرضى. فقد قمنا بتعليم الكوادر المحلية أثناء جولات التدريس والمحاضرات اليومية. وعملنا معهم كفريق، وبنينا معهم علاقة داعمة قوية. لقد أعطيناهم من خلال مشاركتنا فرصة للاستراحة من العمل المتواصل الذي كانوا يقومون به طوال الـ 7 أشهر الماضية. تمكنا معاً من إنقاذ حياة العديد من المرضى من خلال العمل الجماعي والإمدادات التي أحضرناها من الولايات المتحدة.

فقد اصطحبنا معنا 21 حقيبة مليئة باللوازم الطبية من تبرعات مجتمعية ومستشفيات في ديترويت، بينما جلب طبيبان آخران في العناية المركزة من كاليفورنيا المزيد من الإمدادات.

وسط كل الأهوال التي عشناها كنا نحصل على التشجيع والتحفيز من روح الناس الذين كنا نتعامل معهم. كانوا دائما يبتسمون في وجهنا ويرحبون بنا رغم معاناتهم التي لا يمكن وصفها. لقد قدروا وجودنا ودعمنا لهم، وشعروا بأمان أكثر عندما كنا بجوارهم.

يريدون أن تنتهي الحرب ويريدون أن يعيشوا في سلام. وبغض النظر عن آرائهم السياسية، كانوا جميعًا يتطلعون إلى العيش في سلام. كانوا على استعداد لفعل أي شيء لتحقيق ذلك. وأعتقد أن كل إنسان يستحق هذا الحق. فالسلام والاقتصاد الجيد والتعليم هي كل ما يبحث عنه الناس. وكل أسباب الحرب ستزول إذا أتيحت لهم الفرصة للعيش الآمن.

لقد أرفقت بعض الصور مع هذا المنشور. أريد أن أقدم امتنانًا حارًا وشكرًا خاصًا لزوجتي وأطفالي الذين عانوا حرفيًا أكثر مني في الأسابيع الثلاثة الماضية. كلنا اتفقنا على الذهاب في هذه المهمة الإنسانية بنية القيام بها لوجه الله، وحماية أهلنا من هول ما يتعرضون له.

أود أيضًا أن أرسل شكرًا خاصًا لمجتمعي وأصدقائي الذين دعموني خلال هذه المهمة. لقد ذهبت إلى غزة أمثلكم، ورجعت برسالة منهم. وسنناقش هذه الرسالة في اجتماع مجتمعي قريبًا إن شاء الله.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


 

تعليق
Exit mobile version