أخبار أميركاالراديو

هل خالفت احتجاجات طلاب الجامعات القانون أم خالفت هوى معارضيها؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

موجة من الاعتصامات والاحتجاجات ضد الحرب على غزة اجتاحت الجامعات الأمريكية مؤخرًا، وأثارت جدلًا كبيرًا بين مؤيدين يدعمونها ومعارضين ينتقدونها ويطالبون بفضها.

الإعلامية ليلى الحسيني التقت الأستاذ عماد حمد، المدير التنفيذي للمجلس الأمريكي لحقوق الإنسان، لمناقشة مواقف المؤيدين والمعارضين لاحتجاجات طلاب الجامعات، وتفنيد مزاعم الجانبين حولها، وفهم الموقف القانوني لهذه الاحتجاجات، لمعرفة ما هو قانوني وغير قانوني في فعالياتها والأمور الجدلية المرتبطة بها.

قانونية المظاهرات
* بدايةً أستاذ عماد؛ فض الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية أثار العديد من التساؤلات حول قانونيتها، ماذا تقول قوانين البلاد ودستورها في هذا الشأن؟.

** لو بدأنا بالعنوان الأساسي: هل ما يقوم به الطلبة من احتجاجات طلابية يتم وفقًا للدستور الأمريكي والقوانين الأمريكية؟، الإجابة: بالتأكيد نعم، فهذا ليس موضع جدال، ولكن إذا ما وضعناه بالمعنى السياسي فإن كل شيء في الولايات المتحدة وفي العالم يصبح موضعًا للجدل في وجهات النظر، بالرغم من أن اختلاف وجهات النظر بين من يؤيد ومن يعارض يجب ألا يغيّر في القانون.

فنحن في النهاية عندما نتحدث عن حق التعبير والتظاهر، فهذا حق إنساني وقانوني، ولكن للأسف في خضم الحراك السياسي وتناقضات وجهات النظر حيال ما يجري من حرب إبادة في غزة، يصبح كل شيء قابل للتأويل وللتحريض.

في أمريكا وحتى من قبل بدء حرب الإبادة على غزة؛ هناك وجهتي نظر، فهناك من يرى أنه آن الأوان لتجميد الدستور الأمريكي وتغييره، وهناك من يتمسك بهذه الحقوق القائمة والثابتة، والحراك الطلابي الحالي منسجم تمامًا مع هذه الروح السائدة.

التاريخ يعيد نفسه
* هناك من يقول إن الجامعات هي أماكن للدراسة والتعلم فقط، وليست للاعتصامات، بيْد أن التعديل الأول للدستور ينص على حربة التعبير، فكيف تعلّق على ذلك؟

** الاعتصام السلمي حق مكفول في الدستور، ولذلك فإن الاحتجاجات والاعتصامات الطلابية السلمية التي نشهدها سيكون لها تأثير مباشر على مجريات الانتخابات المقبلة في نوفمبر، ومن الملاحظ أن الحراك الطلابي قد انتشر من جامعاتنا إلى جامعات أخرى عريقة في بلدان أخرى، وجميع هذه الجامعات ليست مؤسسات سياسية، بل هي مؤسسات تعليمية عريقة.

الملاحظ أيضا أن الاحتجاجات الطلابية قد وُلِدَت طبيعية، وكانت نتاجًا طبيعيًا للتعبير عن رفض حرب الإبادة التي تحدث في غزة، وهؤلاء الطلاب كانوا شرارة التغيير المجتمعي بعد مضيّ 7 أشهر على بدء الحرب، وقد لاحظنا مشاركة الأساتذة مع الطلاب في هذا الحراك.

وجامعة كولومبيا لها رمزية تاريخية، فهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها طلابها بالانتفاضة حيال موقف إنساني وأخلاقي، فلو عدنا إلى عام 1968م إبان حرب فيتنام سنجد أن اعتصام طلاب جامعة كولومبيا كان بمثابة الشرارة التي امتدت لتصل لكل أركان المجتمع الأمريكي، وكانت أحد العوامل الأساسية لإيقاف الحرب في فيتنام.

والتاريخ يعيد نفسه بشكل أو بآخر، فالحركة الطلابية الحالية ليست مصطنعة من الخارج، ولذلك نجد أن من هم ضد هذا الحراك وهذه الاحتجاجات يحاولون تفريغها من مضمونها الحقيقي، ويشوهون صورة المعتصمين لخدمة مصالحهم السياسية الضيقة.

تجاذبات فردية
* هناك من يدّعي أن بعض المخربين قد اندسوا بين الطلاب، وهناك من يتهم الطلاب بالدعوة إلى العنف وممارسته ضد الطلاب اليهود، فهل حقًا هناك حوادث فردية من هذا القبيل، أم أنها مجرد مزاعم للنيل من الاحتجاجات؟

** في ظل الوضع السياسي المحتدم والانقسام الحاد حول حرب الإبادة في غزة، من الطبيعي أن نجد من يريد التشويش على تلك الاحتجاجات، وبالتالي سيكون بلا شك هناك بعض التجاذبات بشكل فردي، ولكن لا يمكن لأي جهة أن تحكم على كل هذا الحراك الطلابي وتصفه بوصفٍ ما.

من المؤسف أن بعض وسائل الإعلام وبعض الأصوات المتطرفة تريد تفريغ هذا الحراك الطلابي من مضمونه، ويستغلون مسألة العداء للسامية كأداة لتخويف المتظاهرين وقمعهم، والمؤسف أكثر ان هناك من يقع في هذا الفخ، ونرى قوات الشرطة مدججة بالسلاح وهي تواجه المتظاهرين السلميين وكأنهم إرهابيين عنيفين، وهذه مشاهد مؤسفة تنال من قيم أمريكا وصورتها في الداخل والخارج.

ونلاحظ أن الاحتجاج الطلابي به تنوع فريد من كل فئات المجتمع، فهم ليسوا طلابًا مسلمين أو عربًا فقط، بل من بينهم طلاب يهود أيضا، وأنا قد عايشت تحركات طلابية هنا في أمريكا منذ أكثر من 40 سنة وحتى اليوم، ولم أشهد حالة من القمع ضدها مثلما يحدث اليوم.

وجهة نظر قانوينة
* فيما يتعلق بفض الاحتجاجات الطلابية بالجامعات من الناحية القانونية البحتة، ماذا تقول القوانين الأمريكية في هذا الصدد؟

** منطق البيت الأبيض في التعامل مع هذه الاحتجاجات يعتمد على المراوغة السياسية؛ حيث أكد البيت الأبيض أن هذه الاحتجاجات الطلابية حق، وأنها طبيعية طالما هي سلمية، ولكنه ركز في انتقاده على موضوع الكراهية والعداء للسامية، والتي أصبحت أسطوانة مكررة وقديمة، ونحن لسنا في حاجة إلى أنه كلما حدث شيئًا ما، يكون علينا الخروج للتأكيد على أننا لسنا في عداء للسامية أو كراهية مع أي فئة.

هناك من يريد أن يلبسنا هذا الطوق ويرمي بهذه التهمة علينا دائما، لا سيما وأن هذا الحراك الطلابي ليس وليد أي حركة سياسية، بل نتيجة ولادة طبيعية من تراكم الأحداث وتبعات حرب الإبادة في غزة.

* في ظل المشاهد المخجلة التي رأيناها أثناء فض الشرطة للاحتجاجات؛ هل يحق للمحتجين الذي تم الاعتداء عليهم أن يرفعوا دعاوي أمام المحاكم الفيدرالية؟

** بالتأكيد، فعندما نشهد تجاوزات للقانون وممارسة قمعية من قبل الشرطة واستعمال للقوة المفرطة غير المبررة ضد الطلبة وأعضاء هيئات التدريس وضد مرشحين سياسيين لمناصب سياسية مختلفة، فلا بد للقضاء أن تكون هناك كلمة، وهذه من النقاط المميزة هنا في الولايات المتحدة، أنه عند كل خلاف يأتي القضاء الأمريكي ليقول كلمته لصون الحرية، والناس الآن في استغراب شديد من قيام الشرطة بقمع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات العريقة بشكل يجعلنا نكاد نكون في دولة متأخرة.

ذريعة تعطيل الدراسة
* ماذا عن قيام إدارات بعض الجامعات باستدعاء الشرطة بذريعة أن الاحتجاجات قد تسبب في تعطيل الدراسة؟

** لا أعتقد أن هذا الكلام دقيق، بل يتم إطلاق هذه المزاعم من أجل تقويض الحراك الطلابي وتشويه معناه الحقيقي، وبالتالي إظهاره أمام المجتمع الأمريكي على أنه حراك يضرّ بالدراسة وبالمصلحة العامة، ولكن هذا كلام واهي.

نحن نفهم أن الحراك الطلابي له من يؤيده لارتباطه بموقف إنساني أخلاقي واضح ضد إسرائيل وضد حرب الإبادة وضد سياسية إدارة الرئيس بايدن الحالية المؤيدة للحرب والداعمة لها، ولا يجب نسيان أن الجامعات الأمريكية لها مصالح وعلاقات مشتركة مع إسرائيل، وبعضها يحصل على تبرعات كبيرة من أصحاب المال الداعمين بقوة لإسرائيل، وهناك لوبي اقتصادي وسياسي يمارس ضغوطًا قوية على الجامعات الأمريكية.

وعلينا أن نتيقّن من أن الحراك الطلابي الحالي سيظل عرضة لحملات التشويه والاتهامات وتجويفه من مضمونه، وهذا الأمر سيظل قائمًا طالما استمر الحراك موجودًا، والذي بدوره سيستمر طالما الحرب على غزة ظلت مستمرة.

تهمة معاداة السامية
* في ظل تمسك بعض الجهات هنا في الولايات المتحدة ببعض المصطلحات كشمّاعة لاستعمالها ضد الحق في حرية التعبير والتظاهر السلمي، هل لك أن توضح لنا الفرق بين معاداة السامية ومعادة الصهيونية؟

** بدايةً نؤكد أن جميعنا لا نكنّ أي عداء تجاه أي ديانة أو عرق أو لون أو شعب أو جماعة سياسية، وبالتالي إذا كنا نقف ضد العداء للسامية فإننا نقف ضد العداء للكراهية للمسلمين أو المسيحيين أو غيرهما من الديانات.

هناك فرق شاسع بين الوقوف ضد الصهيونية كأيديولوجية معروف عنها تاريخيًا أنها أيديولوجية عنصرية، والتي يُراد لها أن يتم استعمالها كسلاح لترهيب منتقديها ومنتقدي إسرائيل، فمن هنا يأتي مصطلح معاداة السامية، فإذا ما أراد الشخص انتقاد الصهيونية كأيديولوجية فبسرعة يتهمونه فورًا بمعاداة السامية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى