هل يكتب ربيع الجامعات الأمريكية فصلًا جديدًا في تاريخ الولايات المتحدة؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

استضاف راديو صوت العرب من أمريكا الدكتورة سحر خميس، أستاذ الإعلام في جامعة ميرلاند حول استمرار الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية على المستوى الوطني، حيث ناقشت الحلقة هل أصبحت ذريعة معاداة السامية ذريعة لقمع الحقوق والحريات في أمريكا؟، أيضا ادعاءات أن الطلبة استخدموا العنف وشعارات ضد اليهود في أمريكا من عدمه.

كما تطرقت الحلقة الى التدخل السافر لرئيس وزراء دولة أجنبية في الشأن الأمريكي الداخلي ودلالاته وانعكاسه على العلاقات الامريكية الاسرائيلية، ايضا تطرقت الحلقة الى مدى قانونية استخدام العنف اللفظي والجسدي ضد أعضاء في هيئة التدريس وطلبة من قبل بعض أفراد الشرطة في العديد من الولايات الأمريكية.

حراك كبير
* دائما الحراك الطلابي عامل وعي ويقظة للشعوب، فكيف ترين هذا الحراك بالنسبة لطلبة الجامعات الأمريكية؟

** حقيقةً نحن الآن أمام لحظة تاريخية فارقة، وأمام حراك شعبي كبير جدا في الجامعات الأمريكية، لا سيما الجامعات التي تسمى بجامعات القمة؛ مثل كولومبيا وهارفارد وغيرهما، وهذه الجامعات لها أهمية خاصة جدا لأنها هي التي تفرّخ القادة الذين سوف يقودون الولايات المتحدة الأمريكية ويشكلون سياساتها الداخلية والخارجية في المستقبل.

هذه الجامعات تخرج منها رؤساء سابقين للولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال: جورج دبليو بوش وبيل كلينتون تخرجا من جامعة ييل، وهكذا علينا أن نعرف أن هذه الجامعات هي التي ستخرج لنا رؤساء وقادة وأعضاء كونغرس، ومن هنا تأتي أهمية هذا الحراك.

كما أن هذا الحراك يمثل نقطة فارقة بين أمريكا الجديدة وأمريكا القديمة، ربما يكون هناك بالفعل تغيّر في تعاطي الولايات المتحدة في ملفات خارجية وأهمها بالطبع التعامل مع حليفتها الأولى إسرائيل، والتي كانت تُعامل حتى الآن على أنها الطفل المدلل الذي لا يُرفض له طلب، والذي يتم تخطي جميع القوانين الدولية والتغاضي عنها وغض الطرف عنها من أجلها.

ولكن هل سيستمر هذا الوضع في المستقبل؟؛ لا أعتقد هذا، بل أعتقد أنه على المدى البعيد بسبب هذا الحراك الكبير وهذا الزخم للاحتجاجات أن يكون هناك لا محالة تغيير في هذه السياسة حيال التعامل مع إسرائيل.

مزاعم خاطئة
* هناك من يروج بأن ما استدعى تدخل الشرطة لمواجهة هذه الاحتجاجات هو وجود عنف من قبل الطلاب ومعاداة السامية، فهل هذه المزاعم صحيحة؟

** في الواقع هذه مزاعم مغلوطة وغير دقيقة ويشوبها الكثير من الأكاذيب، هذه مجرد ذرائع لتبرير العنف ضد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والقبض عليهم وكذلك التعدي عليهم، وهذه مشاهد صادمة لا يمكن تخيّلها تُظهر وكأننا في دولة من دول العالم الثالث وليس في الولايات المتحدة.

مزاعم استخدام الطلاب للعنف أو المناداة بمعاداة السامية هي مزاعم مغلوطة، يتم استخدامها وترديدها لتبرير وتفريق المتظاهرين واستعمال العنف ضدهم كما شهدنا في جامعات كولومبيا وتكساس وجامعات أخرى، للأسف الشديد.

مخاوف من الاحتجاجات
* هل نستطيع القول بأن هذا الحراك الطلابي في جامعات النخبة يثير مخاوف النخب السياسية في أمريكا؟، وكيف سنعكس ذلك على الانتخابات الرئاسية القادمة؟

** بالتأكيد هو يثير قلق كبير لدى البيت الأبيض ولدى كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، دعينا نذكر بأن أكبر التجمعات الآن هي في جامعة جورج واشنطن، جامعة جورج تاون، وهي من الجامعات الكبيرة والعريقة وتقع على بعد أميال قليلة جدا من البيت الأبيض، وبالتالي بالتأكيد فإن أصوات الطلبة المتظاهرين قد وصلت إلى مسامع الرئيس جو بايدن وإدارته.

وبالتأكيد هناك قلق من اتساع نطاق هذه المظاهرات التي بالفعل قد شملت حتى الآن أكثر من 33 جامعة في الولايات المتحدة، بل وامتدت أيضا إلى جامعات خارج الولايات المتحدة، فهناك الآن زخم طلابي واعتصامات في كندا مثل جامعة مكغيل، وكذلك في فرنسا، وغيرها من جامعات العالم، ودعينا أذكر بأن عدد المعتقلين الآن من الطلاب والطالبات وأعضاء هيئة التدريس في أمريكا قد وصل إلى أكثر من 900 شخص بحسب أخر تقرير لصحيفة واشنطن بوست.

مطالب المحتجين
* ما هي مطالب الطلبة من وراء احتجاجاتهم؟

** هناك قائمة من المطالب يرفعها هؤلاء الطلبة، منها ألا يكون هناك مزيدًا من العنف أو الاعتقالات أو الإيقاف لطلاب وطالبات يتظاهرون بشكل سلمي، وأن يتم الإفراج عن أي طلبة تم اعتقالهم، وأيضا إعادة الطلاب الذين تم إيقافهم عن الدراسة إلى مقاعدهم مجددًا، وبالمناسبة هناك جامعات قامت بإلغاء حفلات التخرج خوفًا من أن يكون هناك أي نوع من أنواع الاحتجاجات أو التظاهر خلال تلك الحفلات.

وهناك مطالب للمحتجين أيضا تطالب بإيقاف استثمارات الجامعات في بعض الشركات والمؤسسات التي تدعم النشاط التجاري والاقتصادي والعسكري الإسرائيلي، وهناك عدد قليل جدًا من الجامعات قد وافقت على هذا القرار مثل جامعة جنوب كاليفورنيا، وهناك جامعات أخرى عديدة لم يتم تمرير هذا القرار فيها، مثل جامعة ماريلاند.

أعتقد أننا الآن أمام كرة ثلج تتدحرج ويزداد حجمها وتأثيرها، وبالتالي أعتقد أنه على المدى البعيد سيكون هناك حتمًا نوعًا ما من أنواع التغيير في السياسة الأمريكية حيال إسرائيل والتعاطي معها، وسيكون هؤلاء الشباب هم الأبطال الذين يصنعون هذا المستقبل الجديد للولايات المتحدة الامريكية.

تدخل صادم
* كيف يجرؤ نتنياهو على التدخل بهذا الشكل في الشأن الأمريكي، ويطالب بمعاقبة الطلبة الأمريكيين؟

** بالطبع هذا شيء صادم وغير مسبوق أن يكون هناك رئيس وزراء دولة يقوم بالمطالبة بقمع مظاهرات في دولة أخرى، وفي نفس الوقت لا يكون هناك رد قوي من البيت الأبيض، بل المتحدث باسم البيت الأبيض وبعض المسؤولين عندما تم سؤالهم حول هذه النقطة تحديدًا تهربوا من الإجابة عليها بشكلٍ وافي وكافي، وهذا في حد ذاته يسيء لصورة بايدن وإدارته، ويظهرهم في صورة ضعيفة ومضطربة ولا يمكنها التحدث بشكل قوي.

وفي رأيي؛ يزداد الأمر سوءًا في المجمل عندما يتعلق الأمر بفوز بايدن بفترة رئاسة ثانية، وخاصةً وأننا نقترب أكثر فأكثر من انتخابات نوفمبر 2024، وأعتقد أن هذه المظاهرات الطلابية الحاشدة التي تزداد برغم القمع ستكون هي القشة التي تقصم ظهر البعير عندما نتحدث عن فرص بايدن في الفوز بالرئاسة مجددًا.

استدعاء الحرس الوطني
* رئيس مجلس النواب مايك جونسون قدم طلبًا للرئيس بايدن لاستدعاء الحرس الوطني إلى حرم الجامعات للتعامل مع الاحتجاجات الشديدة، هل نعود إلى تلك الذكريات الأليمة في عام 1970م حيث قُتِلً طلاب عزّل برصاص عناصر من الحرس الوطني خلال الاحتجاجات ضد حرب فيتنام؟

** بالطبع هناك الآن ما يذكرنا بالأحداث التي وقعت في الستينات والسبعينات عندما كان الطلاب يعتصمون في كبرى الجامعات الأمريكية ويطالبون بوقف الحرب على فيتنام، هناك أيضا مظاهرات طلابية كبرى حدثت في الماضي ضد سياسة الفصل والتمييز العنصري، وبالفعل نحن نتذكر الآن مثل هذه الأحداث ونحن نرى الآن مشاهد العنف والقمع ضد الطلاب عندما نرى ما يحدث الآن في عدة جامعات كبرى كما تحدثنا.

هناك بالفعل قمع شديد في عدة جامعات، ولكن هناك أيضا دروس تعلمتها بعض الجامعات، فجامعة كولومبيا لم تستدعي الحرس الجامعي مرة أخرى لتفريق المعتصمين خوفًا من اتساع رقعة المظاهرات كما حدث في المرة السابقة عندما استدعت رئيسة الجامعة مينوش شفيق الحرس الجامعي لتفريق الطلاب، وشهدنا الآثار العكسية لذلك باتساع رقعة المظاهرات في 33 جامعة داخل أمريكا، ناهيك عن جامعات أخرى حول العالم.

وأرى أن استخدام الحرس الوطني ضد هذه المظاهرات فسيكون أمرًا خطيرًا جدا، لا سيما إذا ما قرر بايدن استخدامه، وأعتقد أنه سيكون شرارة لاندلاع المزيد من المظاهرات التي ستشمل فئات أكبر من المجتمع الأمريكي بحيث يكون حراكًا شعبيًا وليس طلابيًا فقط.

صورة الديمقراطية الأمريكية
* اهتزت صورة أمريكا عالميًا بسبب مشاهد القمع والعنف ضد المتظاهرين، وهناك من يقول إن الديمقراطية الأمريكية باتت أكذوبة، فكيف تردين؟

** أعتقد أن ملف غزة بصفة عامة، والمظاهرات الطلابية الحاشدة بصورة خاصة، هي كاشفة بالفعل لكثيرٍ من الأمور، كاشفة للمزاعم الأمريكية فيما يتعلق بحرية الراي والكلمة والتعبير وحرية الفكر والحرية الأكاديمية، فكل هذه الأمور أصبحت على المحك عندما نتحدث عما نراه ونشاهده في هذه المظاهرات الحاشدة.

نفس الشيء بالنسبة لمصداقية وسائل الإعلام الأمريكية التي أيضا انكشفت وأظهرت عدم قدرتها على إظهار نوع من الشفافية والموضوعية والتوزان في التعامل مع ملف غزة وتغطيته، وفي نفس الوقت انكشفت سياسة بايدن التي لم تكن بالفعل محايدة أو موضوعية في التعامل مع ملف غزة.

لذا فإنني أشكر غزة وأشكر الحراك الطلابي لأنهم أظهروا هذا الوجه الآخر للولايات المتحدة، وعلى أمريكا أن تغيّر مسارها وتعاملها مع كل هذه القضايا إذا أرادت أن تحتفظ باي قدر بسيط من المصداقية حول العالم.

* هل نستطيع أن نقول إن الحراك الطلابي سيستمر، ويكتب الطلاب فصلًا جديدًا في التاريخ الأمريكي؟

** نعم، أنا أعتقد هذا، وأتصور أن هذا الربيع الطلابي سيكون له بالتأكيد أكبر الأثر في تشكيل سياسة الولايات المتحدة حول العالم، وتغيير صورتها على المدى البعيد في تحولها إلى دولة ديمقراطية بالأفعال، وليس فقط بالأقوال والشعارات.

تعليق
Exit mobile version