Photo courtesy of news.un.org

أخبار

عندما قُتل 800 ألف شخص في 100 يوم.. العالم يتذكر الإبادة الجماعية في رواندا ولا يتحرك لمنع تكرارها في غزة

By فريق راديو صوت العرب من أمريكا

April 07, 2024

في مثل هذا اليوم منذ 30 عامًا، بدأت أحداث أكبر إبادة جماعية في إفريقيا في العصر الحديث، والتي قتل خلالها أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل في رواندا خلال 100 يوم فقط، بينما كان العالم يراقب ويشاهد دون تحرك فعلي لوقف المذبحة التي ارتكبها متطرفو الهوتو ضد أقلية التوتسي عام 1994.

وما أشبه اليوم بالبارحة، فلا زال العالم يراقب ويشاهد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة والمستمرة منذ 6 أشهر، وراح ضحيتها حتى الآن 33 ألف قتيل، بينهم نحو 14 ألف طفل، والآلاف من النساء، فيما لا يزال الآلاف مفقودين تحت الأنقاض، وبلغ عدد الجرحى نحو 76 ألفًا بينهم نحو 1000 طفل بترت إحدى أرجلهم أو كلتيهما، وفقًا لإحصائيات لهلال الأحمر الفلسطيني.

جريمة الصمت تتكرر

وخلال خطاب له بمناسبة الذكرى الـ30 للإبادة الجماعية في رواندا قال الرئيس بول كاغامي “إن المجتمع الدولي خذلنا جميعًا في فترة الإبادة الجماعية للتوتسي، سواء بسبب الازدراء أو الجبن”. وأضاف: “كانت رحلتنا طويلة وشاقة. والدروس التي تعلمناها محفورة بالدم”.

من جانبه قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، خلال المراسم “لا يمكن لأحد ولا حتى للاتحاد الأفريقي، أن يبرر تقاعسه وقت الإبادة الجماعية. لنتحلى بالشجاعة للاعتراف بذلك وتحمل المسؤولية”.

وقبيل الذكرى، اتخذّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي اعترف عام 2021 بـ”مسؤوليات” فرنسا في الإبادة الجماعية، خطوة إضافية، بقوله إن فرنسا “كان بإمكانها وقف الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994 مع حلفائها الغربيين والأفارقة”، لكنها “لم تكن لديها الإرادة للقيام بذلك”. وفقًا لموقع euronews

وواجه المجتمع الدولي انتقادات شديدة لفشله في حماية المدنيين إذ خفضت الأمم المتحدة عدد قوتها لحفظ السلام بعد فترة قصيرة من اندلاع أعمال العنف، فيما لم تتحرك القوى الكبرى لوقف المذبحة.

من جانبه قارن عاهل الأردن، الملك عبدالله الثاني، خلال زيارته إلى العاصمة الرواندية كيغالي، بين الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا عام 1994 وبين ما تشهده غزة حاليًا، وفقًا لوكالة الأنباء الأردنية.

وخلال زيارته للنصب التذكاري للإبادة الجماعية، قال الملك عبد الله: “يذكرنا هذا الصرح التذكاري المؤثر بأن وراء كل فرد قتل في الإبادة الجماعية في رواندا عالم بأكمله، عائلة فقدت أحد أفرادها، أم أو أب أو طفل، حلم تلاشى، وإمكانيات هائلة اختطفت قبل أوانها”.

وتساءل “كم مرة قلنا إننا لن نسمح لمثل هذه الجرائم أن تتكرر”، وأضاف: “إن هناك أكثر من 30 ألفاً في قطاع غزة أصبحوا في عداد القتلى والمفقودين خلال الأشهر الماضية، والغالبية العظمى منهم، أي حوالي 70% من النساء والأطفال”.

وتابع: “لقد تجاوز عدد الضحايا الأطفال في غزة عدد الضحايا من الأطفال في كل الصراعات والحروب التي شهدها العالم خلال العام الماضي مجتمعة. وفقد العديد من الأطفال الناجين أحد والديهم أو كلاهما. أمامنا جيل كامل من الأيتام”.

جريمة إبادة مروّعة

في الفترة بين 7 أبريل ويونيو 1994، قُتل ما يقدر بنحو 800 ألف شخص رواندي في غضون 100 يوم فقط. وكان معظم القتلى من قبيلة التوتسي، فيما كان معظم الذين ارتكبوا أعمال العنف من قبيلة الهوتو.

ووفقًا لموقع france24 توصف المذابح التي شهدتها رواندا في ذلك الوقت بأنها “أكبر إبادة جماعية في إفريقيا في العصر الحديث”.

واندلعت الإبادة الجماعية إثر وفاة الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا، وهو من الهوتو، عندما أُسقطت طائرته فوق مطار كيغالي في 6 أبريل 1994. ولم يتم تحديد من قتل الرئيس بالضبط – ومعه رئيس بوروندي والعديد من كبار الموظفين.

وأثار الحادث موجة غضب في أوساط متطرفي الهوتو وميليشيا “إنترهاموي”. ووفقًا لموقع “بي بي سي” فقد بدأ الحرس الرئاسي على الفور حملة انتقامية في العاصمة كيغالي، حيث قتل قادة المعارضة السياسية، وعلى الفور تقريباً، بدأ ذبح التوتسي والهوتو المعتدلين. وفي غضون ساعات، تم إرسال المجندين في جميع أنحاء البلاد لتنفيذ موجة من المذابح.

وكان من بين المنظمين الأوائل لعمليات القتل مسؤولون عسكريون وسياسيون ورجال أعمال، ولكن سرعان ما انضم كثيرون آخرون إلى الفوضى.

وتم تسليم قوائم بمعارضي الحكومة إلى الميليشيات التي ذهبت وقتلت هؤلاء مع جميع عائلاتهم. وقتل الجيران جيرانهم، كما قتل بعض الأزواج زوجاتهم من التوتسي، قائلين إنهم سيُقتلون إذا رفضوا.

وأقامت الميليشيات حواجز على الطرق، حيث تم ذبح التوتسي، غالباً بالمناجل التي احتفظ بها معظم الروانديين في المنزل.

كما خُطفت الآلاف من نساء التوتسي وتم اغتصابهن الاحتفاظ بهن كرقيق جنسي. وتشير التقديرات إلى تعرض ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة للاغتصاب، وفق أرقام الأمم المتحدة.

وبالإضافة إلى مهاجمتهم بالمناجل، قامت عصابات منظمة من جنود الحكومة والميليشيات بتفجير السكّان التوتسي في الكنائس التي لجأوا إليها.

وبتشجيع من الحرس الرئاسي والدعاية الإعلامية، تم حشد ميليشيا غير رسمية تسمى إنتراهاموي، كانت تضم 30 ألف جندي، وكثيراً ما أعطي المشاركون فيها حوافز، مثل المال أو الطعام، حتى أن بعضهم قيل لهم إن بإمكانهم الاستيلاء على أراضي التوتسي الذين قتلوهم.

وبدا أن نظام الهوتو العرقي المتطرف الذي تولى السلطة في عام 1994 يعتقد حقاً أن الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها التمسك بالسلطة هي القضاء على التوتسي تماماً.

وكانوا يقتلون ضحاياهم بإطلاق النار عليهم أو ضربهم أو طعنهم حتى الموت في عمليات قتل غذتها الحملة الدعائية المناهضة للتوتسي التي تم بثها على التلفزيون والإذاعة.

وفرّ مئات آلاف الأشخاص، معظمهم من عرقية الهوتو الذين شعروا بالخوف من الهجمات الانتقامية في أعقاب الإبادة إلى بلدان مجاورة بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية. وما زالت المقابر الجماعية تُكتشف في رواندا حتى اليوم.

وتفيد السلطات الرواندية بأن مئات المشتبه بهم في الإبادة ما زالوا فارين، بما في ذلك في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا المجاورتين. وحتى الآن، تم تسليم 28 فقط إلى رواندا على مستوى العالم.

ودعت منظمات حقوقية بما فيها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى تسريع محاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية في رواندا.

دور فرنسا والاستعمار

لطالما كانت هناك خلافات بين أغلبية الهوتو وأقلية التوتسي في رواندا، لكن العداء بينهما ازداد بشكل كبير منذ الفترة الاستعمارية.

فعندما وصل المستعمرون البلجيكيون في عام 1916، أصدروا بطاقات هوية تصنّف الناس وفقاً لعرقهم. واعتبر البلجيكيون التوتسي متفوّقين على الهوتو. وقد رحّب التوتسي بهذا التمييز، وعلى مدى السنوات العشرين التالية تمتعوا بوظائف وفرص تعليمية أفضل من جيرانهم.

وتراكم الاستياء وسط الهوتو تدريجياً، وبلغ ذروته في سلسلة من أعمال الشغب في عام 1959. قُتل في حينه أكثر من 20 ألف من التوتسي، وفرّ كثيرون آخرون إلى البلدان المجاورة مثل بوروندي وتنزانيا وأوغندا.

وعندما تخلّت بلجيكا عن السلطة ومنحت رواندا الاستقلال في عام 1962، حلّ الهوتو مكان التوتسي. وعلى مدى العقود اللاحقة، تم تصوير التوتسي على أنهم كبش فداء لكل أزمة.

وعندما بدأت الإبادة الجماعية عام 1994حافظت فرنسا على علاقات وثيقة مع نظام الهوتو، ودائما ما اتهمتها رواندا بـ”التواطؤ”.

وخلصت لجنة فرنسية في العام 2021 إلى أن فرنسا “تتحمل مسؤولية كبيرة” في تلك الأحداث، مع استبعاد “التواطؤ”. وفي نفس العام أقر الرئيس إيمانويل ماكرون بدور فرنسا في الإبادة ورفضها الاستجابة إلى التحذيرات من مجازر مقبلة.

تخاذل المجتمع الدولي

يذكر التاريخ أن المجتمع الدولي ترك الروانديين وحدهم في مواجهة المذابح وجريمة الإبادة الجماعية، ففي اليوم التالي لوفاة الرئيس هابياريمانا، جددت الجبهة الوطنية الرواندية هجومها على القوات الحكومية، وباءت محاولات الأمم المتحدة العديدة للتفاوض على وقف إطلاق النار بالفشل.

ووفقًا لموقع “بي بي سي” فقد كانت القوات الأمريكية قد انخرطت قبلها بمعارك مقديشو في الصومال عام 1993، وتكبدت خسائر كبيرة، لذا فضلت عدم التورط في صراع أفريقي آخر.

وبعد مقتل 10 جنود بلجيكيين، قررت بلجيكا سحب قواتها من رواندا، وكذلك فعلت الأمم المتحدة بسحب معظم قوات حفظ السلام التابعة لها.

من جهتهم، أرسل الفرنسيون الذين كانوا حلفاء لحكومة الهوتو، قوة خاصة لإجلاء مواطنيهم وأقاموا لاحقاً منطقة يفترض أنها آمنة، لكنهم اتهموا بعدم القيام بما يكفي لوقف المذبحة في تلك المنطقة. واتهم رئيس رواندا الحالي فرنسا بدعم من نفذوا المذابح وهو اتهام نفته باريس.

وفي يوليو استولت الجبهة الوطنية الرواندية على كيغالي بدعم من الجيش الأوغندي. وانهارت الحكومة وأعلنت الجبهة الوطنية الرواندية وقف إطلاق النار.

وبمجرد انتصار الجبهة الوطنية الرواندية، فر ما يقدر بنحو مليوني من الهوتو إلى زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن) خوفًا من الانتقام، ومن بينهم العديد ممن تورطوا في المجازر.

وعلى الرغم من انتهاء عمليات القتل في رواندا، إلا أن وجود ميليشيات الهوتو في جمهورية الكونغو الديمقراطية أدى إلى سنوات من الصراع هناك، مما تسبب في مقتل ما يصل إلى خمسة ملايين شخص.

ولا تزال جماعة متمردة من التوتسي الكونغوليين نشطة، وترفض إلقاء السلاح، قائلة إنه بخلاف ذلك فإن مجتمعها سيكون عرضة لخطر الإبادة الجماعية.