أخبارأخبار أميركاالراديو

كيف تؤثر الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية على الداخل الأمريكي وسباق البيت الأبيض؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

مع مرور أكثر من 120 يومًا على حرب غزة؛ ازداد الانقسام في الشارع الأمريكي بين الداعمين لسياسة الرئيس جو بايدن وإدارته في التعامل مع هذه الحرب والمعارضين لها. فمنذ 7 أكتوبر الماضي شهدت العديد من المدن والولايات الأمريكية موجة من الاحتجاجات والمظاهرات الداعية لوقف إطلاق النار، فضلًا عن انتقادات متصاعدة داخل الحكومة للدعم غير المشروط الذي قدمه الرئيس بايدن لإسرائيل، والتي وصلت إلى حد استقالة مسؤولين.

ووسط هذه التحركات صدرت تحذيرات من وزارة الأمن القومي بشأن ما تسببت فيه الحرب من تنامي مظاهر الكراهية وخطاب التحريض ضد العرب والمسلمين واليهود في الولايات المتحدة، وكان آخرها مقال رأي نشرته “وول ستريت جورنال” للباحث ستيفن ستالينسكي، المعروف بتاريخه المعادي للإسلام، يصف فيه مدينة ديربورن، والتي تضم أكبر تجمع عربي داخل مدن الولايات المتحدة، بأنّها “عاصمة الجهاد الأمريكية”.

وكان لهذا المقال تداعيات كبيرة لدى عمدة المدينة، عبد الله حمود، وفي أوساط الجالية العربية الأمريكية، التي وصفت مثل هذه المقالات بأنها تحرض على العنف والكراهية، مطالبة بتوحد المجتمع ضد هذا الخطاب الخطير، والتوقف عن تأجيج حرائق الانقسام والكراهية.

“راديو صوت العرب من أمريكا” فتح هذا الملف الهام، وتأثيره على الداخل الأمريكي وعلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر المقبل، وذلك في لقاء هام مع السيد عماد حمد، المدير التنفيذي للمجلس الأمريكي لحقوق الإنسان.

تداعيات الحرب
* ما تداعيات دعم إدارة بايدن المطلق لإسرائيل، سواء خارجيًا أو داخليًا؟

** لا شك أن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على أهلنا في غزة على مدار الـ 4 أشهر الماضية تقريبًا، خلقت مناخًا سياسيًا جديدًا وغير مسبوق، ولم يكن بهذا الحجم من حيث التوقعات أو الحسابات، وبأي حال فإن العالم الآن أمام مرحلة جديدة من الهيمنة والسيطرة الأمريكية المباشرة والمشاركة الفعّالة في هذه الحرب.

لقد اعتدنا في مراحل سابقة أن يكون دور الولايات المتحدة مجرد دور داعم أو مساعد؛ معنوي وسياسي وعسكري، أما الآن فنحن نتحدث عن مرحلة مختلفة نوعيًا، حيث تشارك الولايات المتحدة فعليًا في هذه الحرب التي تحمل صفة إبادة للشعب الفلسطيني في غزة، وأنا أعتقد أن هذه حرب أمريكية وأوروبية وشبه عالمية بشكل غير معلن، ولكن الجميع يعلم حقيقتها.

وقد أثبتت هذه الحرب أن إسرائيل لا تملك القدرات العسكرية التي كان تزعمها، وأن إسرائيل الكبرى والجيش الذي لا يُقهر مجرد حلم وخيال، وهو ما خلق مناخًا سياسيًا يعزز الكراهية والعنصرية، وأحدث شرخًا كبيرًا بين من يؤيد هذه الحرب وبين من يعارضها، والملاحظ أيضًا أن أكثرية شعوب العالم وقفت ضد هذه الحرب وساندت الشعب الفلسطيني المظلوم.

دعم أمريكي مطلق
* إذن نستطيع القول إن أمريكا عامل مهم في الحرب على غزة، وأنها لم تتخذ خطوات للتهدئة، بل شاركت في الحرب ودعمت إسرائيل عسكريًا وعلى كافة الأصعدة، برأيك لماذا اتخذ الرئيس بايدن هذا القرار؟

** الخيار الأمريكي ليس فقط خيارًا مهمًا في المعادلة، وإنما خيارًا أساسيًا، وأقول إن المعركة الحالية أشبه ما تكون بأنها معركة أمريكية مباشرة، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي نشهد ما نشهده من وقائع على الأرض، وأمريكا ترى أن هناك مصلحة إستراتيجية لها تقتضي عدم السماح بانهيار إسرائيل، ويبدو أن صدمة 7 أكتوبر بالنسبة لأمريكا كانت أكبر من صدمة إسرائيل ذاتها.

ولعل هذا ما يبرر الجنون الإسرائيلي في حرب الإبادة، والتسابق المحموم بين الديمقراطيين والجمهوريين لتقديم الدعم غير المحدود وبشكل مطلق وبدون شروط لإسرائيل، ولا ننسى أن من يعرقل قرارات مثل وقف إطلاق النار أو التهدئة أو غيرها هي القرارات الأمريكية قبل أن تكون الإسرائيلية.

وهذا لا يلغي أن هناك خلافات ثانوية، ولكن أيضا هناك اتفاقات رئيسية حول أهداف هذه الحرب وما يُراد لها من نتائج سياسية، والتي من أهمها: تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة، وبشكل عام إنهاء أي حلم فلسطيني في إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة، وذلك رغم التباكي على موضوع حل الدولتين الذي لا يتعدى كونه ذرًا للرماد في العيون، والواقع على الأرض حتى الآن يجبر كل الأطراف المعنية بأن حل الدولتين غير واقعي.

خلافات بشأن الحرب
* في ظل وجود انقسامات واستقالات داخل إدارة بايدن على خلفية الحرب، هناك من يرى بأن سياسات الإدارة الحالية أضعفت من مكانة الولايات المتحدة أخلاقيَا وقوضت من قدرتها للدفاع عن الحرية والعدالة وحقوق الإنسان على مستوى العالم، فكيف ترى ذلك؟

** نحن نشهد حالة من ازدواجية المعايير في أعلى مستويات الوقاحة، وهناك ادعاءات أثبتت كذبها؛ مثل احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية والمعاهدات المتعلقة بالحروب، وحتى عندما رفعت جنوب أفريقيا وبعض الدول دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وجدنا الولايات المتحدة وبعض الدول الحليفة لإسرائيل تضغط من أجل إسقاط الدعوى.

وفي ظل السياسات الأمريكية الحالية؛ لم تعد أمريكا طرفًا عادلًا أو متوازنًا في معادلة الحرب الحالية، ولو تحدثنا عن الخلافات الداخلية هنا الآن سنجد أن نصف الجيل الجديد الناشئ يقف ضد إدارة بايدن، وهذا هو ما يهدد حملته الانتخابية وإعادة انتخابه، ونلاحظ أيضا الآن تزايد في عدد أعضاء الكونغرس المطالبين بوقف إطلاق النار.

من المؤسف أن ازدواجية المعايير للولايات المتحدة لم تعد تمر على العالم، والعالم أصبح يعي جيدًا ما هو الدور الحقيقي للولايات المتحدة، ونحن كأمريكيين معنيين بالدفاع عن مصالح الولايات المتحدة ـ التي هي وطنٌ لنا ونفتخر بذلك ـ ولكن لا نعتقد بأن السياسة الأمريكية المتبعة حاليًا للدفاع الدائم عن إسرائيل، تفيد المصالح الأمريكية العليا.

وبالتالي نحن كمواطنين نمارس حقنا الدستوري في تصويب هذه السياسة لتحقق مصالحنا أولًا، وليست مصلحة إسرائيل أولًا، الرئيس بايدن الآن في أزمة، ولعلنا لاحظنا زيارته الأخيرة إلى ميشيغان ومحاولته الفاشلة في أن يلتقي ببعض الشخصيات من الجاليات العربية والمسلمة.

توسيع رقعة الحرب
* هل ترى أنه من الممكن أن تنجر الولايات المتحدة إلى توسيع رقعة الحرب في الشرق الأوسط، في ظل ما نشهده الآن من ضربات انتقامية على سوريا والعراق والمشهد المتوتر في الشرق الأوسط؟

** كل الاحتمالات مفتوحة، نحن أمام مشهد يحمل في طياته كل الاحتمالات، سواء من حيث إبقاء الأمر مرهونًا بضربات انتقائية أو انتقامية هنا وهناك، أو جر المنطقة إلى حرب أوسع، فهذا يعتمد على مسار الأمور وتطوراتها على الأرض.

من الواضح جدًا أن إسرائيل في أزمة، فبعد 4 أشهر من حربها الطاحنة لم تستطع تحقيق أي إنجاز على الأرض، وفشل إسرائيل هو فشل لأمريكا، فمن يشرف على المعركة هم الخبراء الأمريكيون وليس الإسرائيليون، وبالتالي هذا فشل جماعي، ولذلك يتم البحث عن مخرج أو نصر ما لتبرير هذا الدعم المجنون وهذه الحرب التي تحمل إبادة واسعة.

الوضع الداخلي في البلاد والسباق الانتخابي الحالي والمزايدات بين الحزبين، قد تفرض على بايدن فتح جبهة ما أخرى إلى جانب جبهة غزة، فهذا قد يوفر مخرجًا سياسيًا يظهر من خلاله بايدن وكأنه هو المنتصر.

أنا أرى أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الآن توسيع رقعة هذه الحرب، سواء على جبهة لبنان أو مع إيران أو غيرها، وأتوقع أن تظل هذه الضربات جزئية ومحدودة، فقط لكي تظهر الولايات المتحدة وكأنها في موقع المسيطر، ولكي تخفف من ضغوط الجمهوريين وبعض الديمقراطيين.

دعم لا مشروط
* مع كل هذا الدعم الأمريكي اللامحدود واللا مشروط لإسرائيل، نجد أن هناك من لا يرضى بذلك، فوزير الأمن القومي الإسرائيلي “بن غفير” قال مؤخرًا في تصريح إن بايدن لا يقدم الدعم الكامل لإسرائيل في حربها ويعرقل نصرها، وأن ترامب أفضل منه، فكيف تعقّب على ذلك؟

** إسرائيل لا تكتفي بأي دعم، وبن غفير يعبّر عن حقيقة العقل الصهيوني العنصري الذي يريد تصفية كاملة وشاملة للقضية الفلسطينية، وهذا هو الطرح الإسرائيلي الحقيقي بغض النظر عن الأوجه الزائفة التي تظهر هنا وهناك، فهناك مخطط يجب عليهم تنفيذه، والرئيس بايدن بالنسبة لهم لا يزال مقصرًا، وهم يضغطون عليه للحصول على دعم أكبر ومساعدات أكثر.

ولكن الصمود الفلسطيني الأسطوري ـ في تقديري ـ أفشل كل هذه المشاريع، والطرفان الإسرائيلي والأمريكي، ومعهما الدعم الغربي من معظم الدول الكبيرة، فشلوا في تحقيق أي إنجاز على الأرض، باستثناء قتل الأبرياء وإحداث الدمار الشامل.

قراءة موضوعية
* أظهر استطلاع رأي حديث أن عدد كبير من الجمهوريين يرون أن رد فعل إسرائيل على هجوم السابع من أكتوبر، كان مبالغًا فيه، فكيف تقرأ هذا التحذير من الجمهوريين؟

** هو ليس تحذيرًا، وإنما في رأيي هي قراءة موضوعية ودقيقة للأزمة القائمة، فإسرائيل تمرّ بأزمة رغم التكاتف الدولي معها ورغم حجم الدمار والقتل، فلا أحد يمكن أن يجد أي مبرر أخلاقي أو سياسي لطبيعة الرد الإسرائيلي.

القتل والدمار وقصف المستشفيات ومنع دخول الطعام والمياه وغيرها من جرائم، هي ليست إجراءات للدفاع عن النفس، بل هي جزء من حرب إبادة بامتياز.

عنصرية متعمدة
* الباحث ستيفن ستالينسكي، المعروف بتاريخه المعادي للإسلام، وصف في مقال رأي نشرته “وول ستريت جونال” مؤخرًا، مدينة ديربورن، والتي تضم أكبر تجمع عربي داخل مدن الولايات المتحدة، بأنّها “عاصمة الجهاد الأمريكية”، وهو ما دفع عمدة المدينة إلى اتخاذ إجراءات احترازية حول دور العبادة، فكيف ترد على هذا المقال؟، وبما تفسر نشره في هذا الوقت بالتحديد؟

** بدايةً فإن حملة الكراهية ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة ليست بظاهرة جديدة، بل هي ظاهرة وُلِدَت وغُذّيِت منذ سنين وعلى مراحل مختلفة، والآن نجد أن حرب غزة على مدار الأربعة أشهر الماضية وبشهادة كل المنظمات المعنية بالدفاع عن الحقوق المدنية والدستورية ومحاربة العنصرية، هناك أعداد هائلة من القضايا وحوادث الكراهية.

حملات الكراهية لا تنتهي، وتأخذ أشكالًا مختلفة من حينٍ لآخر، ولعل آخرها هذا المقال الذي سمحت وول ستريت جورنال بنشره على صفحاتها، ورغم المناشدات والمطالبات لا يزال المقال منشورًا على الموقع الإلكتروني للصحيفة.

وأريد هنا توجيه التحية للسيد عبدالله حمود، عمدة ديربورن، على مبادرته واتخاذ إجراءات احترازية، وتواصله مع مختلف الدوائر لاتخاذ إجراءات مرتبطة بالحيطة والحذر، لأن مقالًا مثل مقال ستيفن ستالينسكي قد يشكل دعوة مفتوحة للاعتداءات وحوادث الكراهية.

نحن نعيش في وضع حساس في الولايات المتحدة، لا سيما في ظل الصراعات السياسة الساخنة، فنجد أن حوادث الكراهية تزداد وتمثل تحديًا كبيرًا للمجتمع الأمريكي بشكل عام، نحن نؤكد على أنه لا يمكن القبول بالكراهية ضد أي فئة من الناس، أيًا كانت ديانتهم أو عرقهم، ولذلك أنا أناشد كافة المؤسسات الدينية والمدنية المختلفة باتخاذ الحيطة والحذر.

أنا لست من دعاة التخويف والرهبة، ولكن يجب علينا أن نكون يقظين، وعلى المؤسسات أن تتخذ إجراءات السلامة بعين الاعتبار وبشكل جدّي، وليس كردة فعل أو بصورة موسمية عند وقوع حادثة هنا أو هناك.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى