مسؤولون بالبيت الأبيض يلتقون زعماء عرب ومسلمين في ميشيغان لإنقاذ شعبية بايدن
التقى كبار المسؤولين في إدارة بايدن أمس الخميس مع القادة الأمريكيين العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان، وذلك في محاولة لإنقاذ شعبية بايدن المنهارة هناك بسبب موقفه من الحرب على غزة، وإصلاح العلاقات مع مجتمع له دور مهم في تقرير ما إذا كان يمكنه الفوز بولاية متأرجحة حاسمة في انتخابات 2024.
ووفقًا لوكالة “أسوشيتد برس” يواجه بايدن رد فعل عنيف متزايد من الأمريكيين العرب والمسلمين وكذلك التقدميين بسبب دعمه الصريح لحرب إسرائيل في غزة منذ هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حماس ضد إسرائيل.
وقالت الوكالة إن الاجتماعات بين مسؤولي البيت الأبيض وزعماء الجالية العربية والإسلامية في ديربورن عقدت في مركز ديربورن الإداري في شارع ميشيغان، وبدأت صباح أمس الخميس واستمرت حتى بعد الظهر.
وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن مسؤولي الإدارة الذين قاموا بزيارة ميشيغان أمس الخميس كان من بينهم سامانثا باور، رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ونائب مستشار الأمن القومي جون فاينر، وستيفن بنجامين، مدير المشاركة الشعبية بالبيت الأبيض ونائبه جيمي سيترون.
وأضاف المسؤول أن من ضمن المسؤولين أيضا توم بيريز الذي يرأس مكتب البيت الأبيض للشؤون الحكومية الدولية ونائبه دان كوه، وجون فاينر النائب الرئيسي لمستشار الأمن القومي، ومازن بصراوي مدير الشراكات والمشاركة العالمية في مجلس الأمن القومي.
وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من رفض قادة المجتمع المحلي في ميشيغان الاجتماع مع مسؤولي حملة بايدن، قائلين إنهم لن يتعاملوا إلا مع صناع السياسات لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة وتوصيل المساعدات للفلسطينيين.
تأثير عربي
وتضم ميشيغان أكبر تجمع للأمريكيين العرب في البلاد، وأكثر من 310.000 نسمة من أصول شرق أوسطية أو شمال أفريقية. ويقول ما يقرب من نصف سكان ديربورن البالغ عددهم 110.000 نسمة أنهم من أصل عربي.
وقالت ريما مروة، مديرة الشبكة الوطنية للمجتمعات العربية الأمريكية: “إن ديربورن هي واحدة من الأماكن القليلة التي يوجد فيها أمريكيون عرب بهذا الحجم الذي يمكن أن يكون لصوتهم فيها أهمية فعلية، لذا فإن الأمر يحظى باهتمام المسؤولين المنتخبين، لأنهم إذا أرادوا الفوز بالولاية، فسيتعين عليهم التعامل مع هؤلاء السكان”.
وبعد فوز الجمهوري دونالد ترامب بولاية ميشيغان بفارق أقل من 11 ألف صوت في عام 2016، ساعدت مقاطعة واين والمجتمعات المسلمة الكبيرة فيها بايدن على استعادة الولاية لصالح الديمقراطيين في عام 2020 بفارق 154 ألف صوت تقريبًا. وحظي بايدن بفارق 3 مقابل 1 في ديربورن و5-1 في هامترامك، وفاز بمقاطعة واين بأكثر من 330 ألف صوت.
وذهبت مديرة حملة بايدن، جولي تشافيز رودريغيز، ومساعدين آخرين في الحملة إلى ضواحي ديترويت أواخر الشهر الماضي، لكنهم وجدوا أن عددًا من قادة المجتمع غير راغبين في مقابلتهم.
وزار بايدن ديترويت الأسبوع الماضي لمخاطبة عمال النقابات، لكنه لم يلتق بأي من الزعماء العرب الأمريكيين، حيث قاطعت شخصيات عربية وإسلامية مؤثرة هذه الزيارة.
ويصرّ بايدن على أنه يحاول تقليل الخسائر في صفوف المدنيين هناك، لكنه لا يوافق على وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 27 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والقاصرين، منذ 7 أكتوبر الماضي.
حوار مباشر
من جانبه قال أبراهام عياش، ثاني أكبر نائب ديمقراطي في مجلس النواب عن ولاية ميشيغان، إن المباحثات التي تمت مع مسؤولي بايدن كانت مباشرة، مشيرًا إلى أنه نقل إليهم مشاعر ومخاوف المجتمع العربي والإسلامي.
وأضاف: طلبنا منهم اتخاذ خطوات ملموسة لتدارك ما حدث، نريد أن نرى وقفًا دائمًا لإطلاق النار. نريد أن نكون قادرين على رؤية القيود والشروط على أي مساعدات عسكرية يتم إرسالها إلى إسرائيل. ونريد أن نرى الولايات المتحدة تتخذ التزامًا جديًا تجاه إعادة بناء غزة”. وأكد عياش أنه “لن يكون هناك تسامح مع إدارة بايدن إذا لم نرى أي تغييرات ملموسة بعد هذا النقاش”.
فيما قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، للصحفيين يوم الخميس إن الاجتماعات كانت “خاصة”، وأضافت: “نريد أن نمنحهم المساحة لعقد اجتماع يتسم بالصراحة، حيث يمكننا الاستماع إليهم”.
وتابعت: “نريد أن نسمع منهم مباشرة. نريد أن نسمع مخاوفهم. نعتقد أنه من المهم أن يتمكن هؤلاء القادة من التحدث مباشرة إلى المسؤولين في البيت الأبيض”.
مطالب محددة
والتقى عمدة ديربورن، عبد الله حمود، بشكل فردي مع مسؤولي إدارة بايدن لمدة ساعتين تقريبًا صباح الخميس. وتمحور النقاش حول خطوات الإدارة نحو وقف إطلاق النار، وزيادة الرقابة على الدعم العسكري لإسرائيل، واستئناف تمويل وكالة الأونروا.
وقال حمود لوكالة أسوشييتد برس: “كان هناك استعداد لإجراء محادثة حول كل موضوع سياسي طرحناه”. وأضاف: “إن عقد هذا الاجتماع كان للتأكد من أن البيت الأبيض يفهم بشأن موقفنا من كل هذه القضايا بشكل واضح”.
وتابع قائلًا: “لكن الأهم هو ما سيخرج من هذا الاجتماع. لقد قمنا بواجبنا. التقينا، عبرنا، طالبنا، والأهم ما سيتم بشأن ما تحدثنا عنه وطالبنا به”.
وعقب اللقاء قال عبد الله حمود في بيان له: “في الساعة 10 صباحًا هذا الصباح، قمنا بتمثيل أصوات ديربورن في مناقشة سياسية استمرت ساعتين مع كبار المستشارين – وليس موظفي الحملة – من إدارة بايدن. على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن موقفنا بشأن الصراع الدائر لم يتم التعبير عنه بدقة من قبل وسائل الإعلام الرئيسية، وفشل في الوصول إلى أعلى منصب في حكومتنا”.
وأضاف: “لقد عقد هذا الاجتماع للتأكد من أن البيت الأبيض وأولئك الذين لديهم القدرة على تغيير مسار الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة يسمعون ويفهمون بوضوح مطالب مجتمعنا – مباشرة منا، وبقينا ثابتين على قيمنا ومطالبنا بوقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء الدعم العسكري غير المحدود لدولة إسرائيل، وتسريع المساعدات الإنسانية والتمويل للأونروا، من بين أمور أخرى”.
وتابع: “عندما ترشحت لمنصب عمدة ديربورن قبل ثلاث سنوات، كان ذلك لضمان تقديم الخدمات الأساسية للمدينة، وليس للمشاركة في مناقشات السياسة الخارجية. ومع ذلك، عندما تؤثر قرارات السياسة الخارجية بشكل مباشر على رفاهية سكان ديربورن، فمن غير المسؤول الابتعاد عن المحادثات السياسية الصعبة التي يمكن أن تؤدي إلى إنقاذ حياة الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. وكمواطنين للولايات المتحدة الأمريكية وممثلين لمدينة ديربورن، قمنا بواجبنا؛ والآن يتعين على الرئيس أن يفعل الشيء نفسه”.
تعامل مشروط
وبالإضافة إلى عياش وحمود، التقى مسؤلي الإدارة أيضًا بزعماء عرب أمريكيين ومسلمين آخرين، بما في ذلك المدير التنفيذي لمقاطعة واين، أسعد تورفي.
وأصدر تورفي، بيانًا عقب الاجتماع قال فيه: “في اجتماعنا المحوري مع مسؤولي البيت الأبيض، وقفت مع زعماء آخرين من الجالية العربية الأمريكية والمسلمة بتصميم لا يتزعزع، والضغط من أجل وقف فوري وغير قابل للنقض لإطلاق النار”.
وأضاف: “من المهم أن نفهم أننا دخلنا هذه المحادثة بسبب ضرورة سماع أصواتنا. يجب الاعتراف بألم مجتمعنا. كان هذا يتعلق بضمان أن الإدارة ترى التأثير الحقيقي لسياساتها، ليس فقط على الأراضي الأجنبية ولكن هنا، مما يؤثر على شعبنا وعائلاتنا”.
وتابع: “لقد أوضحنا أن أي تعامل مستقبلي مع الإدارة مشروط بإجراء حقيقي. إن التطورات في غزة ستكون بمثابة معيار لتقييم فعالية إجراءات الإدارة. يجب على إدارة بايدن أن تتحرك بسرعة وحسم من أجل وقف هذا العنف، واحترام مبادئ العدالة وحقوق الإنسان. التزامنا ثابت ومطالبنا واضحة. نحن نقف متحدين في دعوتنا للعمل والسلام”.
استمع إلى ميشيغان
وقال بعض قادة المجتمع المحلي، بما في ذلك عمدة ديربورن هايتس، بيل بزي، إنهم رفضوا الدعوات الموجهة من البيت الأبيض.
وقال بزي: “من غير المعقول الدخول في مناقشات دبلوماسية بينما يتم تمزيق وقتل المدنيين الأبرياء بسبب هذا العنف الأحمق، يجب أن تكون أولويتنا هي إنهاء هذه الحرب، وضمان سلامة ورفاهية جميع المدنيين، بغض النظر عن جنسيتهم أو عرقهم. لا أستطيع بضمير حي أن أجلس اليوم لمناقشة الأزمة الإنسانية الأليمة مع مسؤولي الرئيس بايدن، في نفس اليوم الذي تستمر فيه المحادثات في واشنطن لزيادة تمويل توزيع المزيد من الأسلحة التي ستستخدم ضد المدنيين”.
ومن المعروف أن عياش وحمود وتورفي هم من بين أكثر من 30 مسؤولاً منتخباً في ميشيغان وقعوا على حملة “استمع إلى ميشيغان” وقالوا إنهم سيختارون التصويت بأنهم “غير ملتزمين” في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في الولاية التي ستجرى يوم 27 فبراير الجاري. وقال آخرون إنهم لن يصوتوا لصالح بايدن في نوفمبر المقبل.
وقال كل من حمود وعياش إن اجتماع أمس الخميس لم يؤثر على قرارهما بالتصويت “غير الملتزم”، وأضاف حمود، الذي رفض لقاء مع تشافيز رودريغيز الشهر الماضي، أنه لن يفكر في اللقاء مع فريق ترامب في المستقبل القريب، قائلاً إن ترامب “لم يفعل شيئاً لهذا المجتمع ولن يفعل شيئاً”.
احتجاجات مستمرة
وبالتزامن مع الاجتماع بين مسؤلي إدارة بايدن والزعماء العرب والمسلمين سار عشرات المتظاهرين من ساحة انتظار السيارات في أحد مراكز التسوق إلى الفندق الذي انعقد فيه الاجتماع.
وهتف المتظاهرون بعدد من الشعارات من بينها “فلسطين حرة” و”أوقفوا الإبادة الجماعية”، وسار بعضهم بعربات أطفال في إشارة إلى ارتفاع عدد ضحايا الحرب من الأطفال في غزة.
وقالت أمانة علي، 31 عاماً، التي قالت إنها ولدت في الولايات المتحدة: “أنا فلسطينية 100%”. “أشعر بالحاجة إلى الكفاح من أجل المكان الذي أتيت منه ومن حيث أتى شعبي”
وقالت أروبا إلدر من ديربورن إن هناك حاجة إلى كلمات جديدة لوصف الفظائع التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة. وأضافت: “لقد تجاوزنا الوحشية. لقد مررنا بكل كلمة يمكن أن تفكر بها لوصف أزمة إنسانية”. مشيرة إلى أنها تأمل أن يستمر هذا الاحتجاج وغيره من الاحتجاجات في خلق الوعي.
ووفقًا لموقع wxyz فقد قال المتظاهرون إن مظاهرة اليوم لم تكن فقط لزيادة الوعي بالوضع على الأرض في غزة، ولكن أيضًا لتغيير السياسة الأمريكية، حيث لا يزال المدنيون يموتون نتيجة القصف. وأضافوا: “مطالبنا بسيطة، وهي وقف إطلاق النار الآن”.
وقالت الناشطة مسعدة غانم وهي تقف حاملة مكبر الصوت: “لن نتراجع. لن نستمر في جعل أمريكا تعتقد أن أصواتنا ليست مهمة”.
وأضافت: كأمريكية من أصل فلسطيني، كان من الصعب للغاية مشاهدة فظائع هذه الحرب، لدي صديق فقد 83 فرداً من أفراد عائلته. لقد رحل 83 شخصاً من عائلة واحدة، لا أستطيع حتى أن أفهم كيف تدفن 83 شخصاً؟ كيف تودع 83 شخصاً”.
وقال متظاهر آخر: “أنا من الضفة الغربية. قُتلت إحدى أقاربي. كان عمرها 37 عامًا. أصيبت بالرصاص بينما كانت في سيارتها التي يقودها زوجها. وكان ابنهما في الخلف. وتركت وراءها ثمانية أطفال”. وأضاف: “أريد أن يتوقف القتل. أريد أن تتحمل إسرائيل المسؤولية. هذا كل شيء.”
وقال الناشط المجتمعي، ليكسيس زيدان: “نحن مواطنون في هذا البلد، ورئيسنا لديه مسؤولية تجاه مجتمعنا ومطالبنا، نحن نطالب بأن ندرك أن حياة البشر على المحك. نطالب بأن نفعل شيئًا كدولة لإنقاذ هذه الأرواح، لأن هذه هي مسؤوليتنا الأخلاقية وهذه هي رسالتنا ببساطة”.
ويقول المتظاهرون إنه إذا لم يروا أي إجراء الآن، فلن يرى بايدن أصواتهم في نوفمبر. وقال عمران صالحة، إمام المركز الإسلامي في ديترويت، إنه يدعو “جميع أصحاب الضمائر الحية إلى اختيار التصويت بأنهم “غير ملتزمين” في الانتخابات التمهيدية المقبلة بالولاية.
وأضاف: “هذه ليست قضية إسلامية. هذه ليست قضية عربية. هذه قضية الإنسانية جمعاء. لليهود والمسلمين والمسيحيين وذوي الضمائر الحية. مهما كانت عرقهم ومهما كانت معتقداتهم”.