أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
ملف الهجرة غير الشرعية أحد أكثر الملفات تعقيدًا في أمريكا، فعلى مدى عقود فشلت الأحزاب الحاكمة في التوصل إلى توافق حول كيفية معالجة اختلالات القوانين المنظمة للتعامل مع ملايين المهاجرين غير الشرعيين، وكذلك الآلاف الذين يعبرون الحدود الجنوبية للبلاد بشكل يومي، والذين ارتفع عددهم بشكل حاد منذ تولي بايدن منصبه في يناير 2021، حيث تم اعتقال 4.6 مليون شخص عبروا الحدود بكل غير قانوني خلال ولاية بايدن.
ويلجأ الأشخاص عادة للهجرة غير الشرعية بسبب المصاعب الاقتصادية وانعدام الأمان والقمع السياسي في دول مثل فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا ودول أخرى من الشرق الأوسط، لكن أزمة الهجرة غير الشرعية تلحق خسائر كبيرة بالولايات المتحدة، ويمكن تقدير صافي ما تتحمّله البلاد بسببها على المستويات الفدرالية والولائية المحلية بـ150.7 مليار دولار على الأقل في بداية العام المالي 2023.
الإعلامية ليلى الحسيني تناولت ملف الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وطرحت العديد من الأسئلة الهامة على المحامي المخضرم في قضايا الهجرة والتجنس، محمد الشرنوبي.
فهل تبدو سياسة الديمقراطيين والرئيس جو بايدن أكثر تعاطفًا مع المهاجرين وطالبي اللجوء من سلفه ترامب؟، وما هي التحديات القانونية التي ستواجه عابري الحدود بطريقة غير قانونية بعد انتهاء العمل بالمادة 42، التي ساهمت في إبعاد نحو 2.8 مليون شخص منذ بدء تطبيقها في مارس 2020؟
إنجازات ونجاحات
* في بداية حديثنا؛ دعنا نبدأ بإنجازات مكاتبكم خلال العام 2023، هل من إضاءة بسيطة على أبرز ما قمتم به خلال العام الماضي؟
** في الواقع أنا لا أحب الحديث كثيرًا عن الإنجازات، لأن الموكلين هم من يتحدثون عنها، ولكن بشكل عام يمكنني القول إننا تمكنا من تحقيق أحلام الكثير من الموكلين وطموحاتهم من خلال فوزنا بقضايا ترحيل وقضايا لجوء وقضايا استثمار داخل أمريكا، وهذا هو ما يريد أن يصل إليه أي محامي، والأهم من ذلك هو لمّ شمل الأسر، وتلك الأخيرة هي أكثر ما يسعد قلبي.
الهجرة والانتخابات
* ملف الهجرة غير الشرعية يعدّ من أكثر الملفات المعقدة في أمريكا منذ سنوات طويلة، ويبرز على الساحة مع اقترابنا من موعد الانتخابات الرئاسية، برأيك كيف تؤثر قضية المهاجرين على مسار الانتخابات القادمة؟
** لا شك أن هذه القضية سيكون لها تأثير كبير على الانتخابات، خاصةً وأن كل إدارة لها إيجابياتها ومساوئها بخصوص هذا الملف، أنا شخصيًا أرى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب كانت أكثر لطفًا مع ملف الهجرة مقارنةً مع الإدارة الحالية.
وسواء اتفقنا مع إدارة ترامب أو اختلفنا إلا أنها على الأقل حققت ما وعدت به؛ مثل منع هذه الفئة أو تلك من دخول البلاد، وإصدار قرارات صارمة كانت قد وعدت بها، لكن على الجانب الآخر كنا نستطيع تحقيق النجاح في العديد من القضايا المرتبطة بالهجرة.
على العكس نجد الإدارة الحالية سمحت بدخول المهاجرين من الحدود الجنوبية، وسمحوا بدخول المسلمين من سوريا والعراق، ولكن في نفس الوقت نجد حتى الآن السفارات مغلقة ومواعيد الحصول على التأشيرات مؤجلة، وهناك بطء شديد في إنجاز المعاملات، أيضا أصبح هناك تدقيق كبير في الملفات، وبات هناك رفض للعديد منها، مقارنةً بما كان يحدث في عهد ترامب.
إنجازات بايدن
* ونحن مقبلون على الانتخابات الرئاسية؛ ما هي الإنجازات التي حققتها إدارة بايدن في ملف الهجرة؟
** أنها فتحت الباب أمام السوريين وبعض الجنسيات الأخرى لدخول أمريكا، وانتهت من بعض قضايا الهجرة الموجودة في المحاكم، وانتهت من بعض قضايا اللجوء في مكاتب اللجوء، ووعدت بأن تنهي المعاملات الخاصة بقضايا الترحيل بشكل أسرع من إدارة ترامب حتى يتمكن الشخص من الحصول على الجرين كارد بصورة أيسر.
بخلاف ذلك فإن إدارة بايدن لم تحقق أي شيء، وحتى عندما وعدت بأن يصل عدد اللاجئين من 125 ألفًا إلى 200 ألفًا أو 250 ألفًا لم يحدث ذلك، ورغم وجود أفراد لهم الحق في القدوم إلى هنا ولكنهم عالقين منذ سنوات في لبنان وسوريا والعراق، وجدنا إدارة بايدن تفتح الحدود الجنوبية لدخول أشخاص مختلفين تمامًا.
ترامب مجددًا
* ما الذي تتوقعه في ملف الهجرة إذا ما وصل ترامب مجددًا إلى سدة الحكم؟
** أكثر ما يميز ترامب هو أنه صريح ويفيّ بوعوده، وهذا ما يجعله مختلفًا عن بايدن أو غيره من الرؤساء، وبالتالي فإننا نستطيع أن نعرف توجه إدارته بشكل صريح منذ بداية حكمه.
* لكن ما رأيك حين يقول في تجمع انتخابي في ولاية أبوا إن المهاجرين يفسدون دماء بلدنا، إنهم يدمرون بلدنا، فما الذي تتوقعه منه عندما يصل إلى الحكم؟
** قد يكون لديه الحق في هذه الكلمات إذا كان يتحدث عن مسألة الحدود، لأن فتح الحدود الجنوبية بالطريقة الحالية هو تدمير للاقتصاد الأمريكي، وعلى العكس هناك أطباء ومهندسين وأفراد أسرة معلومي الأصل والمهنة والهوية ومصدر الدخل ولكنهم لا يستطيعون القدوم في ظل قرارات الإدارة الحالية.
ورغم أنني مستفيد من هذا الدخول الكبير كمحامي هجرة، ولكن عليّ أن أقول إن هذا الدخول غير المحسوب للمهاجرين من الحدود الجنوبية سيجعل البلاد تعاني لسنوات طويلة، اليوم نرى نسبة البطالة مرتفعة للغاية، بعض المهاجرين يأتون إلى مكتبي ولا يجدون أي عمل، وبعضهم يخبرونني بأنهم كانوا أفضل حالًا في بلادهم.
وأنا أعتقد أن ترامب حين قال إن المهاجرين يفسدون دماء بلادنا، فإنه كان يقصد فئة المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون من خلال الحدود الجنوبية، فمعظمهم لا يجيد الإنجليزية وليس لديهم أي مهنة أو شهادات علمية، وليس لديهم أي هدف من الدخول سوى أنهم يريدون دخول أمريكا.
ملف معقد وشائك
* هناك سجالات طويلة وقديمة بين الحزبين حول إصلاح نظام الهجرة، ورغم ذلك لم يتم التوصل إلى أي حلول لهذا الملف المعقد والشائك، برأيك ما الذي يجب أن نفعله ونحن نقترب من الانتخابات؟، وما الذي تقترحه؟
** أول ما يجب فعله هو تسريع معاملات الأشخاص داخل أمريكا، فهناك قوى بشرية مهمة وفعّالة على الأراضي الأمريكية ولكنها معلّقة، فلو تم توفيق أوضاعهم بشكل سريع داخل المحاكم وفي مكاتب اللجوء، فإن ذلك سيكون له مردود مهم وكبير على البلاد، أيضا يجب الانتهاء من معاملات لمّ الشمل العالقة منذ سنوات بلا سبب.
تحديات ومخاطر
* ما هي المخاطر والتحديات التي قد يواجهها من يدخلون إلى الولايات المتحدة بشكل غير شرعي؟
** أول التحديات التي تواجه المهاجر غير الشرعي هو إيجاد فرصة عمل، وإذا لم يحصل هذا المهاجر على فرصة عمل فإنه قد يلجأ إلى طرق غير شرعية للحصول على مصدر رزق أو معيشة، أيضا المهاجر غير الشرعي ليست لديه دراية بالقوانين الأمريكية مما قد يوقعه تحت طائلة القانون، ويجد نفسه قد ارتكب جريمة بالرغم من أن ما قام به قد لا يكون جريمة في بلده الأصلي القادم منها.
المهاجر القادم حديثًا إلى الولايات المتحدة، وخاصة المهاجر غير الشرعي، ليست لديه دراية بالعادات والتقاليد الموجودة هنا في أمريكا، وبالتالي فإن جهله بها قد يوقعه في مشكلات كثيرة تُضاف إلى التحديات والمخاطر الأخرى التي يواجهها.
وأودّ ان أشير هنا ونحن نتحدث عن هذا الجانب إلى بعض المنظمات الموجودة في مجتمعنا التي تتحصل على ملايين الدولارات من الحكومة الأمريكية من أجل رعاية ودمج هؤلاء الأشخاص في المجتمع وإعادة تأهيلهم، إلا أنها لا تقوم بدورها المنوط بها بالشكل الفعّال أو على المستوى المطلوب.
بالنسبة لبعض المهاجرين الذين قاموا بتسليم أنفسهم إلى خفر الحدود والسواحل، فإن بعضهم تم حبسه، وبعضهم تمكنا من إخراجه، وهناك من صدرت قرارات بترحيله، وللأسف معظم هؤلاء لم يخططوا أو لديهم معرفة بمعنى اللجوء، فهؤلاء كل ما فعلوه أنهم اجتازوا الحدود وفقط.
وبالمناسبة فإن هناك قرار الآن بأن كل من يتسلل إلى داخل أمريكا ويتم القبض عليه فإنه يواجه جريمة فيدرالية بالحبس، وينتهي به الحال في المحكمة، وفي الغالب قد يواجه السجن لمدة سنوة ونصف أو سنتين، إلى أن يتم ترحيله إلى خارج البلاد.
شرط هام
* هل من شروط قبول الشخص في أي معاملة هجرة أو لجوء في أمريكا، أن يصل إليها بطريقة شرعية، وليس من خلال التسلل عبر الحدود؟
** بالضبط، ويتم التشديد جدًا على هذه النقطة حاليًا، لا سيما وأن الولايات المتحدة فيما يشبه حالة الحرب هذه الأيام مع عدة جهات، وبالتالي فإن هناك ضرورة لمعرفة كل من يدخل إلى البلاد، وهناك حاجة إلى إيقاف التسلل المتزايد بشكل كبير مؤخرًا.
وبالتالي فإن كل شخص يأتي بطريقة غير شرعية، أو يأتي بلا خطة واضحة أو هدف، فإنني أتوقع له الفشل، لا سيما وأنني أرى أن هناك مؤخرًا نوع من تسريع قضايا المهاجرين المتسللين عبر الحدود، بخلاف من يأتون بصورة شرعية من خلال المطارات أو غيرها من الطرق الشرعية.
* ما الذي قد يتوقعه المهاجر غير الشرعي بعد عبوره الحدود، وإلقاء القبض عليه؟، هل يمكن أن يُخلى سبيله، أم يمكث في نقطة العبور، أم يتم ترحيله، أم حبسه، أم ماذا؟
** من المحزن أن أقول ذلك؛ ولكن إذا كان هذا المهاجر يمنيًا أو سوريًا فإنه سيتم حبسه على الفور، فالأمر أصبح وفقًا للجنسيات الآن، فإذا كان مصريًا يمكن أن يتم حبسه أو لا، أما إذا كان من موريتانيا مثلًا فإنه سيدخل بسهولة، فالأمر لا يحكمه إطار واضح ومحدد.
