Image by Pexels from Pixabay

الراديو

دور التلقيح الاصطناعي في منع انتقال الأمراض الوراثية للأبناء

By فريق راديو صوت العرب من أمريكا

December 02, 2023

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة جديدة من برنامج “اسألوا الدكتور شما”، ناقشت موضوع “التلقيح الاصطناعي والاضطرابات الوراثية”، حيث أجاب خلالها خبير الخصوبة والعقم، الدكتور فائق نيكولاس شما، على العديد من التساؤلات الهامة التي تتعلق بالعلاقة بين الإخصاب والوراثة؟، وإلى أي مدى أصبح العلم قادرًا على التحكم في الجينات الوراثية؟، وهل أصبح من الممكن التغلب على العديد من المشكلات مثل الإجهاض المتكرر أو الولادة المبكرة؟، وكيف يقدم التلقيح الاصطناعي حلاً قابلًا للتطبيق للأزواج الذين يعانون من اضطرابات وراثية؟

الوراثة والإخصاب

* ونحن مقبلين هذه الأيام على عيد الشكر، فما الذي تتمناه لكل العائلات؟

** أتمنى السلام لكل العالم، لا سيما في ظل ما نشاهده هذه الأيام من وفيات بين الأطفال والأطفال الخدج والنساء بسبب الحرب والسياسة، وحالة الحزن بين العديد من الأسر، لذا كل ما أتمناه الآن هو أن يعمّ السلام.

* لو انتقلنا للحديث عن موضوع الحلقة، هل لنا أن نبدأ بالحديث عن العلاقة بين الوراثة والإخصاب؟

** جينات الرجل وكذلك جينات المرأة تؤثر بشكل كبير في قدرة كلٍ منهما على الإنجاب، ولكل منهما علاجات وأدوية للمساعدة في تجاوز التأثير السلبي، وأحيانا قد لا تنجح تلك العلاجات، فمن 10% إلى 15% من الحالات التي يتم علاجها لدينا في مركزنا ـ والذي يعدّ أكبر مركز في ميشيغان وأوهايو، ومن أكبر المراكز في البلاد ـ تكون بسبب مشكلات جينية موجودة لدى الحالات، وهذه المشكلات لديها تأثير مهم، لأن علاجها يمنع انتقال الأمراض إلى الأطفال إلى جانب التأثير إيجابًا على نجاح العملية.

وبالمناسبة فإننا نجري فحصًا جينيًا لكل الأشخاص الراغبين في القيام بعملية طفل الأنابيب، كما نجري فحصًا جينيًا على الجنين أيضا قبل وضعه في رحم المرأة، وبالمناسبة هناك بعض المشكلات الجينية التي لا يمكن علاجها.

تأثير الجينات

* من الملاحظ عادةً أن الجاليات الشرق أوسطية لا تهتم كثيرًا بمسألة الجينيات وتأثيرها على الإنجاب، من خبرتك الطويلة.. هل ترى ما أقوله واقعًا؟

** نعم، حقيقي 100%، فهذا موجود بالفعل لدى الجاليات الشرق أوسطية، ولدى العرب عمومًا، صحيح أننا جميعًا نتوكل على الله في كل أمورنا، ولكن يجب أن نأخذ بالأسباب كي نتفادى الأمراض وكي نزيد من نسبة النجاح للعملية، ولذلك قلت إننا نجري فحصًا دقيقًا للجنين قبل وضعه في الرحم، فنحن نقوم بكل ما نستطيع القيام به كبشر.

قديمًا، كنا نضع أكثر من جنين في الرحم كي تحمل المرأة، وذلك لأن نسبة النجاح تزداد كلما كان الجنين طبيعي جينيًا، فإذا كانت المرأة عمرها 25 سنة فإنه من 60% إلى 70% من كل الأجنة تكون طبيعية، وإذا كانت المرأة بعمر 30 سنة فإن 50% من الأجنة تكون طبيعية، أما إذا كان عمرها 40 سنة فإن 25% من الأجنة تكون طبيعية، وإذا كان عمرها 45 سنة تكون 10% فقط من الأجنة طبيعية، لذا كلما كان الحمل في سن مبكرة كلما كانت نسبة نجاح الحمل أكبر، وكان الجنين طبيعيًا بشكل أكبر.

في الوقت الراهن، نقوم بفحص الجنين بشكل دقيق يسمى Preimplantation genetic testing (PGT)، حيث نقوم بأخذ 4 أو 5 خلايا من الجنين ونقوم بفحصهم جينيًا وإذا كان الجنين لديه كل العدد الكافي من الكروموزومات، نقوم بوضعه في الرحم، وفي هذه الحالة فإن المرأة تحمل من أول مرة وبجنين واحد فقط، دون الحاجة إلى وضع أكثر من جنين مثلما كنا نفعل في السابق، لأن وضع أكثر من جنين كان له بعض الجوانب الأاخرى، فإذا حملت المرأة بتوأم مثلًا، فإن نسبة الطلق المبكر تزداد من 3% إلى 18%، كما تزداد معدلات ضغط الدم والسكري، كما تزداد نسبة ولادة طفل لديه إعاقة جسدية أو عقلية بـ 10 مرات، إلى جانب زيادة نسبة احتمالية وفاة الطفل أثناء الحمل أو بعد الولادة بـ 400%، لذلك فإننا بتنا نضع جنينًا واحدًا بعد فحصه جيدًا، حتى نزيد من نسبة النجاح ونقلل فرص ولادة تواءم.

وأودّ أن أشير مجددًا إلى أننا كبشر نقوم بكل ما نستطيع القيام به من فحصوات، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون نسبة النجاح 100%، إذ لا يمكننا رصد كل المشكلات الجينية، ولذا نجد مثلًا حدوث بعض حالات الإجهاض والتي يكون السبب وراءها هو مشكلات جينية، إلى جانب ما ذكرناه من قبل حول عمر المرأة وأنها كلما تقدمت في العمر كلما كانت مشكلات الحمل والجنين أكثر.

زواج الأقارب

* لماذا لدى الجاليات العربية والشرق أوسطية مشكلات جينية أكثر؟، وما هو الحل من وجهة نظرك؟

** من أهم وأشهر العوامل هو زواج الأقارب، فمثلًا في لبنان نجد أن هناك 10% من الناس يتزوجون من الأقارب، وإذا انتقلنا إلى دول أخرى مثل العراق والكويت والسعودية وغيرها سنجد أن النسبة تتراوح ما بين 25% إلى 30%، لو ذهبنا إلى السودان سنجد أن النسبة ترتفع إلى ما يقارب الـ 40% يتزوجون من الأقارب؛ لو تحدثنا مثلًا عن زواج أبناء العم أو الخال من الدرجة الأولى، سنجد أن 6% من هذه الحالات تكون جينيات أولادهم متشابهة، وبالتالي إذ حدث أي خطأ جيني في أيٍ من هذه الجينات، فإن الطفل يكون معرّض بشكل أكبر كي يكون لديه أمراض جينية.

لو أخذنا مثالًا، سنجد مرض الثلاسيميا هو اضطراب وراثي في خلايا الدم، ويوصف بانخفاض مستوى الهيموجلوبين وانخفاض عدد كريات الدم الحمراء عن المعدل الطبيعي، السبب وراء هذا المرض هو أن 1 إلى 10 من الأشخاص لديهم الجين المسؤول عن الثلاسيميا، وإذا ما تزوج الشخص الذي لديه خطأ بهذا الجين من ابنة عمّه أو خاله، وهي أيضا بالتأكيد سيكون لديها نفس الخطأ الجيني، فبالتالي سيكون طفلهما لديه مشكلة كبيرة مرتبطة بمرض الثلاسيميا، وتبعتها من فقر للدم وتأثيرات سلبية أخرى على الصحة.، وتزداد المشكلة إذا كان الزوجان هما من أبناء العم والخالة في نفس الوقت.

عند الأمريكيين نجد أن اكثر جين به مشكلة هو المتعلق بـ Cystic fibrosis، وهذا الجين يتسبب في عدم قدرة الطفل على التنفس بشكل جيد، وهذا كان يتسبب في ألا يعيش الولد أكثر من 20 سنة في الماضي، ولكن الآن اختلف الأمر، وبشكل عام فإن 1 من كل 30 شخص أبيض بالولايات المتحدة إذا ما تزوج من امرأة لديها نفس هذا الجين، فإن كل طفل من 1000 إلى 4000 آلاف طفل سيكون لديهم مشكلة في جينين، وبالتالي سيعاني من Cystic fibrosis، لذا كل مريضة وزوجها يأتيان إلينا فإننا ننصحهما أولًا بإجراء الفحص الجيني قبل إجراء عملية طفل الأنبوب، لا سيما الأزواج من جاليتنا العربية، لأن أبناء هذه الجالية هم الأكثر احتمالية بأن تكون لديهم جينات متشابهة.

* ما هي نسبة ولادة أطفال لديهم مشكلات في حالة زواج الأقارب؟

** تقريبًا 6.5 من الجينات عند الزوجين تكون متشابهة، وبالتالي فإن 10% إلى 15% من هؤلاء الأشخاص تكون لديهم أكثر من جين متشابه، وبالتالي فإنه في كثير من هذه الحالات سيكون الطفل المولود لديه مشكلة جينية، لذا فإننا ننصح جميع الأزواج ـ لا سيما الأقارب ـ دائما بعمل الفحص الجيني قبل إنجاب الأطفال.

* هل تقلّ هذه النسب مع الأجيال اللاحقة من الأقارب؟

** نعم، تقلّ بنسبة 50% مع كل جيل لاحق، ولكن تظل احتمالات وجود مشكلات جينية لدى الأطفال قائمة.

أهمية الفحص الجيني

* هل الفحص الجيني مكلّف؟، وهل يمكن تغطيته من خلال التأمين الطبي؟

** الفحص يكلّف حوالي 200 دولار، وغالبية برامج التأمين الطبي تغطّيه، والمهم هنا هو أن نقول هل نجري فحصًا جينيًا تكلفته 200 دولار الآن، أم ننتظر ليأتي طفل لديه مشكلة جينية وأمراض ستكلفنا آلاف الدولارات على مدار عمره كله.

* هل المشكلات الجينية يمكن أن تؤدي إلى أمراض سرطانية؟

** الكثير من الأمراض السرطانية؛ مثل سرطان الثدي وسرطان الأمعاء الغليظة وسرطان المبايض وسرطان البروستاتا، نجد أن من 12% إلى 14% من المصابين لديهم مشكلة جينية في الأساس، وتقريبًا 1 من كل 8 أشخاص لديهم هذه الامراض يكون لديه سبب جيني وراء هذا المرض، وقد يكون لدى إخوته أيضا، ومحتمل أن يكون لدى أولاده أيضا نفس هذا السبب الجيني.

بُعد أخلاقي

* هناك بُعد أخلاقي في موضوع الإخصاب والإنجاب، هل من توضيح لهذا الشق؟

** سأعطي مثالًا على البعد الأخلاقي لأن الشرح في هذا الجانب سيطول؛ لو قلنا إن هناك مريضة كانت مثل أنجلينا جولي على سبيل المثال لديها جين خطأ له علاقة بسرطان الثدي وسرطان المبيّض، ونصف الأطفال الذين ستنجبهم سيكون لديهم نفس الجين، هنا لا بد لي من إجراء فحص على كل الأجنة كي أمنع وضع كل الأجنة التي لديها الجين الخاطئ في رحم المريضة، المشكلة الأخلاقية هنا تكمن في مسألة منع تكوّن جنين قد يكون مثل انجلينا جولي في المستقبل، فهناك أمراض تؤثر على عمر الإنسان مثلما ذكرنا الثلاسيميا، وهناك أمراض أخرى قد تؤثر على الشخص ولكن في مرحلة عمرية متقدمة جدا وهذه الأمراض بالمناسبة بعضها بات لها علاج الآن.

البُعد الأخلاقي يكمن في أننا ننصح الأهل بتفادي الأمراض لأولادهم، ولكن في نفس الوقت نشير إلى أن هؤلاء الأولاد ليسوا بالضرورة إذا بات لديهم جين خاطئ ونتج عنه أمراض على المدى الطويل، فإن هذا السبب كافي لحرمان الأهل من حلم الأبوة والأمومة، وبالتالي نقول إن الفحص الجيني في غاية الأهمية، وهناك بعض الأمراض تستدعي تفكير وتقدير الأهل للأمر، وهناك أمراض أخرى قد لا تسبب عائقًا أمام الأهل كي يأخذوا الخطوة.