تقارير

الجزائر- بوتفليقة ينسحب من السباق الرئاسي ويتعهد بإرساء أسس جمهورية جديدة

علي البلهاسي

باتت الجزائر على عتبة التغيير السلمي في هرم السلطة بعد قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في 18 من أبريل/ نيسان المقبل متعهدا بعدم الترشح في أي سباق رئاسي. ودعا بوتفليقة إلى تشكيل حكومة من التكنوقراط لإدارة شؤون البلاد وإجراء حوار شامل قبل إجراء أي انتخابات مقبلة.

وجاء قرار الرئيس الجزائري في أعقاب مظاهرات حاشدة ضد ترشحه لعهدة رئاسية خامسة شهدتها البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتصاعدت وتيرة الضغط على بوتفليقة لسحب ترشحه بعد أن أعلن أكثر من ألف قاض جزائري رفضهم الإشراف على الانتخابات الرئاسية إذا ظل بوتفليقة مرشحًا فيها.

كما انتقد رجال دين بارزون الضغوط عليهم لإصدار خطب دينية مؤيدة للحكومة، وقال الإمام جمال غول، رئيس المجلس الوطني للأئمة في الجزائر للصحفيين : “اتركونا نعمل دون تدخل”.

وفي إشارة إلى تعاطف الجيش مع الاحتجاجات قال رئيس أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، إن الجيش والشعب لديهما رؤية بشأن المستقبل، وأكد صالح، أن جيش بلاده يحرص دائما على المحافظة على رصيد ثقة شعبه، مشيرًا إلى أن “الجيش ينظر إلى المصلحة العليا للبلاد نظرة شاملة وبعيدة ليصبح الوطن وديعة في أيد أمينة”.

عدم الترشح وتأجيل الانتخابات

ونشرت الوكالة الرسمية الجزائرية القرارات الهامة التي اتخذها بوتفليقة والتي جاءت في رسالته التي وجهها للشعب الجزائري، وتمثلت في الآتي:

أولا: عدم الترشح للرئاسة: “لا محل لعهدة خامسة، بل إنني لـم أنو قط الإقدام على طلبها، حيـث أن حالتي الصحية وسني لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا وهو العمل على إرساء أسس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد الذي نصبو إليه جميعا”.

ثانيا: تأجيل الانتخابات الرئاسية: “لن يُجْرى انتخاب رئاسي يوم 18 من أبريل المقبل، والغرض هو الاستجابة للطلب الـمُلِح الذي وجهتموه إلي، حرصًا منكم على تفادي كل سوء فهم فيما يخص وجوب وحتمية التعاقب بين الأجيال الذي اِلْتزمت به”.

حكومة جديدة

ثالثا: تغيير الحكومة: “عزمًا مني على بعث تعبئة أكبر للسلطات العمومية، وكذا لمضاعفة فعالية عمل الدّولة في جميع المجالات، قررتُ أن أُجري تعديلات جمة على تشكيلة الحكومة، في أقرب الآجال، والتعديلات هذه ستكون ردًا مناسبًا على الـمطالب التي جاءتني منكم، وكذا برهانا على تقبلي لزوم المحاسبة والتقويم الدقيق لـممارسة الـمسؤولية على جميع الـمستويات، وفي كل القطاعات”.

رابعًا: تشكيل حكومة كفاءات وطنية: “بغرض الإسهام على النحو الأمثل في تنظيم الانتخاب الرئاسي في ظروف تكفل الحرية والنزاهة و الشفافية لا تشوبها شائبة، سيتم تشكيل حكومة كفاءات وطنية، تتمتع بدعم مكونات النّدوة الوطنية. والحكومة هذه ستتولى الإشراف على مهام الادارة العمومية ومصالح الأمن، و تقدم العون للجنة الانتخابية الوطنية الـمستقلة”.

دستور جديد

خامسًا: إعداد دستور جديد: ” تشكيل ندوة وطنية جامعة مستقلة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسس النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية، هذا الذي أعتبر أنه مهمتي الأخيرة، التي أختم بها ذلكم المسار الذي قطعته بعون الله تعالى ومَدَدِهِ، وبتفويض من الشعب الجزائري”.

“ستكون هذه الندوة عادلة من حيث تمثيلُ المجتمع الجزائري ومختلف ما فيه من المشارب والمذاهب، وستتولى النّدوة تنظيم أعمالها بحريّة تامة بقيادة هيئة رئيسة تعددية، على رأسها شخصية وطنية مستقلة، تحظى بالقبول والخبرة، على أن تحرص هذه النّدوة على الفراغ من عُهدَتها قبل نهاية عام 2019. وسيُعرض مشروع الدستور الذي تعده الندوة الوطنية على الاستفتاء الشعبي. والندوة الوطنية الـمُستقلة هي التي ستتولى بكل سيادة، تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي الذي لن أترشح له بأي حال من الأحوال”.

انتخابات نزيهة

سادسًا: تشكيل لجنة انتخابية مستقلة: “سيُنظَّم الانتخاب الرئاسي، عقب الندوة الوطنية الجامعة الـمستقلة، تحت الإشراف ألحصري للجنة انتخابية وطنية مستقلة، ستحدد عهدتها وتشكيلتها وطريقة سيرها بمقتضى نص تشريعي خاص، سيستوحي من أنجع وأجود التجارب والـممارسات الـمعتمدة على الـمستوى الدَّوْلي”.

“لقد تقرر إنشاء لجنة انتخابية وطنية مستقلة استجابةً لـمطلب واسع عبرتْ عنه مختلف التشكيلات السياسية الجزائرية، وكذا للتوصيات التي طالـما أبدتها البعثات الـملاحظة للانتخابات التابعة للـمنظمات الدّولية والإقليمية التي دعتْها واستقبلتها الجزائر بمناسبة الـمواعيد الانتخابية الوطنية السابقة. ومن جانبه، سيتولى الـمجلس الدستوري، بكل استقلالية، الاضطلاع بالمهام التي يخولها له الدستور والقانون، فيما يتعلَّق بالانتخاب الرئاسي”.

عودة جديدة

وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد عاد إلى بلاده مساء الأحد بعد قضاء أسبوعين في مستشفى سويسري “لإجراء فحوص طبية روتينية”، بحسب الرئاسة الجزائرية.

وسافر بوتفليقة، البالغ من العمر 82 عامًا، قد سافر إلى جنيف في 24 فبراير بعد يومين من خروج عشرات الآلاف من الجزائريين في مظاهرات احتجاج ضد ترشحه لولاية رئاسية خامسة.

وكان بوتفليقة قد تعهد الأسبوع الماضي بأنه سيعلن عن انتخابات مبكرة خلال أقل من عام في حال إعادة انتخابه في إبريل/نيسان المقبل. ويشعر كثيرون بالقلق من أن عدم القدرة على تسمية خليفة لبوتفليقة، الذي يحكم البلاد منذ عام 1999، قد يؤدي إلى حقبة من عدم الاستقرار في حال موت بوتفليقة خلال حكمه.

وظل بوتفليقة في سدة الرئاسة الجزائرية نحو 20 عامًا، ولم يظهر بشكل علني عام إلا نادرًا منذ إصابته بجلطة دماغية عام 2013 .

ويعود آخر خطاب جماهيري معروف لبوتفليقة إلى عام 2014، وكان ذلك هو خطاب الانتصار في الانتخابات الرئاسية الرابعة له عندما شكر الجزائريين على تجديد ثقتهم في قيادته للبلاد.

استجابة سريعة

وفي تنفيذ سريع لما تعهد به في رسالته للشعب حل الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات برئاسة عبدالوهاب دربال. ووقع بوتفليقة مساء الاثنين “مرسومًا رئاسيًا ينهي مهام رئيس الهيئة الوطنية العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات عبد الوهاب دربال والأعضاء المعينين بذات الهيئة”.

كما قبل بوتفليقة استقالة الحكومة برئاسة أحمد أويحيى، وكلف وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية في الحكومة المستقيلة نور الدين بدوي، بتشكيل الحكومة الجديدة. كما قرر تعيين رمطان لعمامرة وزير الخارجية الأسبق في منصب نائب رئيس الوزراء، وهو منصب مستحدث في الجزائر، إضافة لمنصب وزير الشؤون الخارجية

رئيس الحكومة الجديد

ويعد نور الدين بدوي من أقدم الوزراء في الحكومات الجزائرية السابقة، وأحد الشخصيات التي وثق بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ما جعله يحرص على إبقائه في مختلف التعديلات الحكومية التي جرت في السنوات الخمس الأخيرة بالجزائر.

كما يعد بدوي رئيس الوزراء الجزائري الجديد والمولود في 22 ديسمبر/كانون الأول 1959 بمنطقة عين طاية في العاصمة الجزائرية، من أبوين ينحدران من محافظة ورقلة، جنوب البلاد، من جيل ما قبل استقلال الجزائر الذين تولوا مناصب المسؤولية في البلاد.

كما يعتبر من الشخصيات التي تخرجت في المدرسة العليا للإدارة، وسبق له تقلد عديد المناصب، أبرزها قاضٍ بمجلس المحاسبة، وإداري في محافظات الجزائر العاصمة، تيزيوزو، عنابة، ورئيس لدائرة بولوغين في الجزائر العاصمة وعين الطويلة بمحافظة خنشلة (شرق الجزائر)، وتمت ترقيته بعدها إلى أمين عام لولاية وهران، ثم عيّن والياً في محافظات سيدي بلعباس وبرج بوعريريج وسطيف وقسنطينة.

ودخل بدوي للمرة الأولى الحكومة الجزائرية كوزير للتكوين والتعليم المهنيين في سبتمبر/أيلول 2013. ومنذ 14 مايو/ أيار 2015، حافظ نور الدين بدوي على حقيبة وزارة الداخلية والجماعات المحلية في حكومات عبد المالك سلال وعبد المجيد تبون وأحمد أويحيى.

وعُرف عن رئيس الوزراء الجزائري الجديد تواضعه وحنكته في تسيير أعمال وزارته بحسب المقربين منه، وسمح له ذلك بأن يكون واحداً من الشخصيات القليلة التي حافظت على منصبها كوزير للداخلية في عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة.

وسبق أن طرح اسم نور الدين بدوي منذ 2017 لرئاسة الحكومة الجزائرية، بالنظر إلى الاحترام الشعبي الذي تحظى به شخصيته، وثقة بوتفليقة فيه.

ظهور الأخضر الإبراهيمي

من ناحية أخرى استقبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مساء الاثنين، الأخضر الإبراهيمي الدبلوماسي الجزائري ووزير الشؤون الخارجية الأسبق.

وكانت بعض وسائل الإعلام الجزائرية قد رشحت الإبراهيمي لرئاسة المؤتمر الوطني الشامل الذي دعا له الرئيس الجزائري بوتفليقة.

وكان آخر منصب شغله الأخضر الإبراهيمي هو مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا قبل أن يستقيل منه نهاية مايو 2014، ويعتبر حاليا عضوا بكل من مجموعة حكماء الاتحاد الإفريقي ولجنة الحكماء التي أسسها الراحل نيلسون مانديلا.

وقال الإبراهيمي – في تصريحات للصحفيين عقب لقائه الرئيس بوتفليقة – “إنه يجب تحويل الأزمة الحالية في البلاد لمناسبة بناء وتشييد”، مؤكدًا أن صوت الجماهير وخاصة الشباب منها مسموع. وتابع الإبراهيمي قائلا “إن الشباب الذين خرجوا في شوارع الجزائر تصرفوا بمسؤولية أثارت إعجاب الجميع في الداخل والخارج”.. داعيا إلى الاستمرار في التعامل بهذه المسؤولية والاحترام المتبادل وأن تتحول هذه الأزمة إلى مناسبة بناء وتشييد”.

ترحيب داخلي

من جانبه اعتبر القيادي في جبهة التحرير الوطني وليد بن قرون، أنّ القرار الرئاسي هو “انتصار للشعب والمؤسسات والأمن القومي الجزائري”. وأكد بن قرون أنّ بوتفليقة “تنازل عن الترشح تلبية لمطلب الشعب وحفاظاً على استقرار الجزائر وأمنها”.

فيما قال البرلماني والقيادي في حركة مجتمع السلم المعارضة ناصر حمدادوش، إن قرار بوتفليقة هو “جزء من مطالب الشعب الجزائري”. وأضاف: “نثمّن قرار الرئيس لكن ندعو الشعب الجزائري إلى الانتباه من سرقة تضحياته”، داعياً إيّاه إلى أنّ “يكون يقظًا ويواصل الكفاح حتى لا يتمّ الالتفاف على مطالبه”.

وأوضح حمدادوش أنّ “الشعب الجزائري خرج من أجل تغيير النظام السياسي عبر الانتخابات لكن يجب توفير آلية لنزاهتها”، مبرزاً أنّ “حركة مجتمع السلم تقدمت بمبادرة إلى الحكومة لتأجيل الانتخابات من أجل التوافق الوطني”.

وشهدت الجزائر، مساء الاثنين، احتفالات عارمة من قبل المواطنين الذين خرجوا في الشوارع، احتفالا بإعلان الرئيس بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية وعدم ترشحه مجددًا. وفي العاصمة الجزائرية، تجمع الآلاف في ساحة البريد المركزي بوسط العاصمة رافعين الأعلام الجزائرية وأطلقوا أبواق السيارات مرددين هتافات مؤيدة للقرارات التي أعلنها الرئيس بوتفليقة.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى