الراديو

شخصيات صنعت تاريخًا- د. محمد نور الدين.. بطل حرب أكتوبر وعبقري موقعة كبريت

By فريق راديو صوت العرب من أمريكا

October 16, 2023

أجرى الحوار: مجدي فكري ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة جديدة من برنامج “شخصيات صنعت تاريخًا”، والتي نقدم لكم من خلالها قصة أحد أبطال حرب أكتوبر 1973 بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي للانتصارات المجيدة، ضيف الحلقة هو الكيميائي الدكتور محمد نور الدين، أحد أبطال حرب الاستنزاف، وهي الحرب التي مهدت لتحقيق النصر على العدو الإسرائيلي.

كما أنه أحد أبطال موقعة كبريت الشهيرة التي حدثت خلال حرب أكتوبر 1973، وهو صاحب فكرة تحلية مياه البحيرات عن طريق التقطير اليدوي، والتي ساهمت في توفير مياه الشرب للجنود المصريين خلال حصارهم الذي استمر 134 يومًا، مما ساعد على صمودهم طوال هذه المدة بعد أن نفذت منهم مياه الشرب التي كانت بحوزتهم.

دار اللقاء حول مشاركته في العمليات العسكرية أثناء حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973، والمهمات القتالية التي أسندت إليه بعد عبور قناة السويس، كما روي لنا قصة الحصار البطولية التي تعرض لها هو وزملاؤه في موقعة كبريت الشهيرة، وفكرته العبقرية حول تحلية المياه بشكل يدوي، والتي أنقذتهم أثناء الحصار الطويل.

خلال حرب الاستنزاف بدأ د. محمد نور الدين حديثه عن حرب 6 أكتوبر 1973، حيث قال إنها بدأت منذ هزيمة 1967، حيث بدأ شعور بضرورة إزالة العدوان الإسرائيلي واسترداد الأرض والكرامة.

وأضاف: “كان هناك قرارًا هامًا اتخذه الفريق محمد فوزي والفريق عبدالمنعم رياض بإعادة تشكيل الجيش المصري عبر إدخال كافة المؤهلات التعليمية ضمن صفوفه، وذلك لتسريع استيعاب الأسلحة الجديدة التي سيتم شراؤها للجيش، وأنا كنت من بين من انضموا كضباط احتياط آنذاك”.

لفت نور الدين إلى أنه شارك في حرب الاستنزاف، وأضاف: “في تلك الفترة، كان الإسرائيليون يضربون بشكل متكرر منطقة الزيتيات أو معامل التكرير في السويس بالمدفعية، وعلى العكس كان لدينا قصور في تصحيح نيران المدفعية على المدى البعيد، من هنا تم إنشاء أول فرقة لإدارة النيران المدفعية بالهليكوبتر وكانت مكوّنة من 16 فردًا من خريجي كليات الهندسة والعلوم، وتم تدريب الفرقة من قِبَل خبراء روس، وكان المشرف على تلك الدورة التدريبية هو المقدم عفت السادات، شقيق الرئيس أنور السادات، وأنا كنت من بين أعضاء هذه الفرقة”.

وأكد نور الدين على أن هذه الفرقة كان لها دور مؤثر في ضبط نقاط الأهداف التي تضرب نحوها المدفعية، مما زاد من دقة الضربات ونتائجها.

تمهيد للحرب تابع نور الدين: “في فترة لاحقة، بدأ الجيش المصري في تشكيل لواء جديد في العامرية بمحافظة الإسكندرية، تحت رعاية مباشرة من الفريق سعد الدين الشاذلي، اسمه اللواء 130 مشاة أسطول، وهو مكوّن من كتيبتين صاعقة 603 و602 ومعهم عدة كتائب دعم من المدفعية، مع مجموعة من الدبابات البرمائية”.

“انضممت إلى هذا اللواء، وكانت تدريباتنا تتم في منطقتي أبو قير أو سيدي كرير، لم نكن نعلم حينها طبيعة مهمتنا الأساسية إلى أن حضر ذات يوم الفريق الشاذلي أحد تدريباتنا، وأخبرنا نصًا: أنتم إن شاء الله ستكونون الشماعة التي سيتم تعليق النصر عليها”، ولفت نور الدين إلى أن تلك الجملة أعطتهم ثقة كبيرة في أنفسهم وأسعدتهم، ومن ثمَّ تم نقلهم إلى الجبهة على خط القنال.

عندما اندلعت الحرب، كان جنود اللواء 130 مشاة أسطول يعبرون المياه من خلال أضيق نقطة في الممرات المائية، وذلك في أعقاب الضربة الجوية، وفيما كانت نيران المدفعية مستمرة، قال نور الدين: “حدث ذلك حوالي الساعة 2:15 ظهرًا يوم السادس من أكتوبر 1973، كنا من أوائل العابرين لمياه القنال، وكان هناك زملاء أخرين يعبرون بالزوارق المطاطية، كان دورنا الأساسي بعد العبور هوا اندفاع إحدى الكتيبتين إلى ممر متلا، وأخرى إلى ممر الجدي، حيث كانت تتواجد النقط الحصينة في خط بارليف”.

استعادة نقطة كبريت بعد العبور وفي اليوم الثاني للحرب، 8 أكتوبر، جاءت أوامر لقائد الكتيبة التي كان ضمنها د. محمد نور الدين، وهو المقدم إبراهيم عبدالتواب، بأن تقوم كتيبته باحتلال النقطة الحصينة للعدو في منطقة كبريت،

يقول نور الدين: “بدأنا في محاصرة النقطة، ومن ثمَّ دخلناها لاحقًا، وأسرنا بعضًا من الجنود الإسرائيليين فيما هرب الباقون، وبدلًا من العودة لتدعيم الصفوف مجددًا والتحضير لانطلاقة جديدة، مكثنا فيها وبدأنا في تدعيم خطوطنا وتحصينها، إلى أن جاء يوم 16 أكتوبر حيث وجدنا قصفًا مكثفًا من الطيران الإسرائيلي علينا، حينها كانت ثغرة الدفرسوار قد حدثت، وبدأ الإسرائيليون يتجهون صوب السويس، حيث كانت نقطة كبريت أقرب للسويس، وكانت ذات أهمية كبرى لدى الإسرائيليين لأنها الأقرب للضفة الغربية للقناة”.

أشار نور الدين إلى أن كتائب الدفاع الجوي التي كانت بالقرب من تلك النقطة في كبريت كانت قد تراجعت أو تم قصفها، وبالتالي اشتد الضرب على النقطة مع محاولات إسرائيلية ليلية مستمرة لاقتحام هذه النقطة.

تابع نور الدين: “مع شدة القصف تم تدمير جزء من هذه النقطة المحصنة واستشهد عدد من جنودنا، ومع توقف ضرب النار بدأنا في إحصاء خسائرنا ودفن شهدائنا، وللأسف تم تدمير جهاز اللاسلكي لدينا فكنا منعزلين عن القيادة، وهو ما اضطرنا إلى إخراج دورية مكونة من فردين في محاولة للتواصل مع الجيش الثالث على بعد 15 كم تقريبًا.

وكانت الفرقة السابعة هي الأقرب إلينا والتي كان يرأسها آنذاك العميد (المشير لاحقًا) أحمد بدوي، وكانت مفاجأة بالنسبة لهم في الفرقة عندما علموا أن هناك جنود لا زالوا أحياءً في نقطة كبريت، فتم تزويد الدورية بجهاز لاسلكي وبعض المؤن ومن ثمَّ عادوا مجددًا إلى النقطة”.

يقول نور الدين: “كانت المشكلة الكبرى بالنسبة لكتيبتنا في نقطة كبريت هي إسعاف الجرحى، فتم تشكيل دورية لإعادتهم إلى الجهة المقابلة للقنال، وكنت ـ بفضل الله ـ من بين القادة الثلاثة للدورية، والتي كانت بمثابة مهمة انتحارية لأننا كنا نحمل جرحى بمعدات وإمكانيات متواضعة، ونمرّ من بين خطوط العدو، عبرنا بهم بأعجوبة وبفضل من الله، ومن ثمَّ بدأنا التجهيز لعودتنا مجددًا إلى نقطة كبريت مع بعض المؤن والذخيرة.

ولكن أثناء العودة اكتشف العدو أمرنا وأطلق النيران علينا، وأصيب بالفعل بعضنا، لكن في النهاية عبرنا وبدأنا في إعادة تنظيم صفوفنا في النقطة”، وروى نور الدين موقف جسارة وإصرار الجنود المتواجدين في تلك النقطة رغم محاولات الإسرائيليين في محادثات الكيلو 101 بين الجانبين المصري والإسرائيلي أن يتم إخلاء تلك النقطة من الجنود المصريين.

بطولات وتضحيات لفت نور الدين إلى الدور البطولي لقائد كتيبته، المقدم البطل إبراهيم عبدالتواب، الذي استشهد في يوم 14 يناير 1974م وكان من أواخر الشهداء في حرب أكتوبر، وبعد استشهاده بـ 4 أيام تم فصل القوات.

وروى نور الدين عن بعض المشاهد والذكريات البطولية لقائد الكتيبة، ولفت إلى أصعب المواقف التي تعرضوا لها أثناء وجودهم في نقطة كبريت الحصينة لا سيما مواجهة العطش ونقص المياه.

قال نور الدين: “بدأنا في تناول كل ما تبقى لدينا من مياه، ومع نفاد المياه بدأ الإعياء يصيبنا، جاءتني في تلك اللحظة فكرة تبخير مياه القناة، ثم تكثيف البخار للحصول على المياه الصالحة للشرب، فاستعملت أدوات بدائية متوفرة لدينا، ومن ثمَّ بدأت في عملية تقطير المياه”.

ولفت إلى مواقف صعبة وتحديات تعرضوا لها أثناء تلك العملية التي كللت في النهاية بالنجاح وتوفير المياه العذبة الصالحة للشرب.

كما روى نور الدين قصة استشهاد المقدم البطل إبراهيم عبدالتواب ووصيته بأن يتم لفّ جثمانه بعلم مصر إذا ما استُشهِد، وإعطاء مصحفه إلى ابنته ومسبحته إلى ابنه.

وأشار إلى أنه لم تُطلق طلقة نار واحدة بعد استشهاد هذا القائد، وحتى تم فصل القوات بعد 4 أيام، حيث جرى تسليم موقع كبريت،

وقال نور الدين إن القوات الإسرائيلية وقفت وأدت تحية سلام سلاح، وأطلقت طلقات نارية احترامًا لقوتنا التي كانت متحصنة في نقطة كبريت، كما تحدث عن ذكرياته عن مرحلة تسليم النقطة وبعض التضحيات التي لا تزال عالقة في ذاكرته عن تضحيات زملائه وبطولاتهم الفدائية.