أخبارأخبار العالم العربيالراديو

إلى أين تتجه دفة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

استضافت الإعلامية ليلى الحسيني، الأستاذ عماد حمد، المدير التنفيذي للمجلس الأمريكي لحقوق الإنسان، وذلك للتعقيب على الحرب المشتعلة حاليا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتقرير الذي أعدته الزميلة رواء أبو معمر، مراسلة راديو صوت العرب من أمريكا في قطاع غزة، حول هذه الأحداث.

تطور غير مسبوق
* د. عماد.. الصراع الأخير هو الأعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث سقط المئات من المدنيين من الطرفين قتلى وجرحى، فإلى أين تتجه دفة الصراع برأيك؟

** نحن الآن أمام مرحلة نوعية من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والأحداث الأخيرة أكدت من جديد على أن إسرائيل بجبروتها وقوتها المستمدة بشكل أساسي من الولايات المتحدة لن تستطيع أن تحسم المعركة، ولن تستطيع أن تصفي القضية الفلسطينية، أو أن تلغي حق الشعب الفلسطيني في أرضه واستقلاله، وحقه في أن يعيش بكرامة وحرية، وبحياة خارج نطاق الاحتلال المقيت الذي دام لمدة 75 عامًا حتى اليوم.

نحن الآن أمام مرحلة جديدة تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت القادمة، ولكن كأي حرب أو صراع ـ للأسف ـ سيكون هناك ضحايا من المدنيين، وهنا أؤكد على أنه لا أحد يؤيد استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال، ولكن الحرب عمياء، والمواجهات العسكرية تأتي في ظل تحولات تاريخية يصعب تقديرها بدقة، ولكن تفاعلاتها ستكون كبيرة على واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى واقع المنطقة والعالم.

واقع مختلف
* الرئيس محمود عباس في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قال إن التصعيد الأخير يعود إلى ممارسات المستوطنين والقوات الإسرائيلية والاعتداءات على المقدسات وخاصةً المسجد الأقصى، وأيضا قطار التطبيع المستمر في ظل تجاهل تام للقضية الفلسطينية، حفّزَ طوفان الأقصى، وهناك من قالوا إن سبب الهجوم المفاجئ يعود إلى غياب الأفق السياسي للتسوية التي من شأنها أن تضمن حقوق الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة دولة عاصمتها القدس، فهل ترى هذا واقعًا ملموسًا من جانب حقوقي وإنساني؟.

** بالتأكيد، وأنا أعتقد أن هذا توصيف دقيق جدًا، خاصةً لو ابتعدنا قليلًا عن ماكينة الإعلام الغربية المنحازة بشكل كبير لصالح إسرائيل والتي تتسم بازدواجية في المعايير، ولو تحدثنا عن هذا الهجوم الأول من نوعه ضد إسرائيل سنجد أن العالم قد تناسى بسرعة أن هناك 75 سنة من الاحتلال والقهر والإذلال والتنكيل، تناسى العالم أن هناك 17 عامًا من حصار غزة غير الإنساني وغير الشرعي أو القانوني، فغزة طوال تلك السنوات بمثابة سجن ليس أمامه إلا 7 معابر لإحكام الحصار.

وقطاع غزة جغرافيًا هي منطقة صغيرة المساحة، ولكن كثافة سكانها هائلة وبها اكتظاظ سكاني كبير جدا، الناس هناك يعيشون كارثة إنسانية حقيقية، ناهيك عن وجود آلاف السجناء الفلسطينيين المتواجدين في سجون الاحتلال وهناك من مكث في السجن حتى الآن 30 أو 40 عامًا، وهناك نساء في السجون، وهذا على مرأى ومسمع من العالم بأسره، ولكن للأسف فإن إسرائيل تُعطى وحدها حق الدفاع عن النفس.

ولو نظرنا نظرة سريعة حول مقررات الأمم المتحدة سنرى أن هناك عشرات وعشرات من المقررات الدولية التي تطالب إسرائيل بالانسحاب والتقيّد بالقانون الدولي، لكن إسرائيل مدللة في العالم بسبب الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة، إسرائيل تمارس عدوانها باعتبارها أنها فوق القانون الدولي وفوق كل اعتبارات العالم، ولذلك عندما قام الفلسطينيون بهجوم نوعي ومميز وهو الأول من نوعه، انقلبت نظرة العالم بسحر ساحر لإدانة هذا الهجوم وتدين حق الدفاع عن النفس، فالعالم يعتبر حق الدفاع عن النفس هو حق مُصَان لإسرائيل فقط.

ردود فعل متفاوتة
* لو توقفنا قليلًا عند حادثة مقتل سياح إسرائيليين في مصر، نجد أنه لا مبرر أبدًا لما قام به الشرطي المصري حتى لو كان هذا من باب تأييد القضية الفلسطينية، فمن يدخل بلدًا يجب أن يكون آمنًا، ما تعليقك على هذه الحادثة؟

** ستكون هناك ردود فعل تأخذ أشكالًا وأبعادًا مختلفة، منها ما هو منطقي ومعقول، ومنها العاطفي والأيديولوجي والسياسي، ومنها العفوي ومنها المنظّم، فنحن الآن نشهد حالة من الحرب الشاملة والقاسية تجاه قطاع غزة، لو بحثنا عن هدف إسرائيلي محدد أو حتى مشروع من وجهة نظرهم فإننا لن نجد، بل نجد قصفًا عشوائيًا ضد المدنيين الأبرياء، نجد قصفًا ضد الأبراج السكنية المدنية مما يسقط عائلات بأكملها في عداد الشهداء، وللأسف فإن العالم لا ينظر إلى هؤلاء الضحايا لأن الإعلام الغربي لا يركز إلا على ضحايا الجانب الإسرائيلي.

إسرائيل لا تتورع في القيام بأي فعل إجرامي سواء في غزة أو حتى في الضفة الغربية، فهي لديها الضوء الأخضر من الولايات المتحدة بالقيام بأي عمل تحت شعار الدفاع عن النفس، أنا أتفهم أن الهجوم الذي نفذته حماس لم يكن بالحسبان، وقد أذهل إسرائيل وأمريكا وكل الجهات الغربية التي تعمل بشكل وثيق مع إسرائيل، وأعتقد أن همّ إسرائيل الأول الآن هو إعادة الاعتبار لهيبة الجيش الذي دأبت تقول عنه أنه “لا يُقهر”، رغم أن التاريخ قد سجّل خلال الأيام الماضية للمرة الثانية أن هذا الجيش هشّ.

وبالمناسبة، حتى لو تحدثنا عن أن إسرائيل كقوة محتلة قد فرضت الحصار على قطاع غزة، فإن القانون الدولي يفرض على القوة المحتلة أن توفر المياه والدواء والغذاء للشعب المحاصر أو الشعب المحتلة أرضه، لكننا نجد أن إسرائيل توفر لهم هذه الأساسيات بمقدار ضئيل للغاية، والآن نشهد حرب إبادة ومجازر إنسانية.

الحياد الإعلامي
* نلحظ انحيازًا واضحًا في الإعلام الغربي لوجهة النظر الإسرائيلية وأن ما قامت به حماس هو عمل إرهابي ضد إسرائيل، ولكن كما يُقال دائما فإن السياسة التحريرية هي قاتل لا يحاسبه أحد، وأن الحياد الإعلامي وتبني كل الآراء هي مجرد شعارات يتم تقديمها للعوام. ما تعليقك؟

** المستوطنات الأمريكية بنظر القانون الأمريكي نفسه هي غير شرعية وغير قانونية، والمستوطنين الإسرائيليين يقومون باستفزاز الفلسطينيين والاعتداء اليومي المتواصل عليهم، نلاحظ الآن المستوطن يُسمَح له بالدخول إلى الضفة وكل أرض فلسطينية ويعتدي على الفلسطينيين ويقتلهم، ولا يمكن لأحد أن يقول عنه أنه مجرم، بل يظل ما يفعله من وجهة نظر العالم أنه يدافع عن نفسه!، رغم أنه محتل ويقيم على تلك الأرض بشكل غير قانوني وغير شرعي.

الآن عندما نتحدث عن نساء أو أطفال فلسطينيين في سجون الاحتلال منذ سنوات طويلة، نجد العالم يغمض عينيه عن ذلك، كما يغمضها أيضا عما يحدث بحق الفلسطينيين في المسجد الأقصى وكذلك في المقدسات المسيحية، فقبل يومين كان هناك وفد مسيحي يجول في القدس وتم الاعتداء عليه من قِبَل مستوطنين إسرائيليين والبصق عليه بدون أي احترام، ومن المؤسف أن هذه الأفعال تجد من يبررها في الصحافة الغربية والإعلام الأمريكي، ولكن عندما يقوم شاب فلسطيني بأي فعل حتى ولو كان ردة فعل عاطفية فإن هذا الشاب يعتبرونه إرهابيًا وأن ما فعله يجب دفع ثمنه من قبل الشعب الفلسطيني بأكمله.

عندما يتم الاعتداء على شعب بأكمله وتتم إهانة كرامته ويتم حرمانه من كل أساسيات الحياة الكريمة والبسيطة، فما الذي يتوقعه العالم من هذا الشعب؟، الضغط يولد الانفجار، لو تحدثنا عن مجموعات وفصائل المقاومة؛ كيف تكوّنت في الأساس؟، سنجد أنها تشكّلت نتيجة العذابات والقهر والإرهاب الذي يمارسه الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، لذلك فإن الجولة الحالية من الحرب القائمة لن تكون هي النهائية، بل ستأتي أجيال قادمة وستكون أكثر إصرارًا على المواجهة، والشعب الفلسطيني أثبت أنه مستعد على تقديم التضحيات وأنه معتاد على تقديم التضحيات، والمقام لن ينتهي هنا، لأن هناك حق تاريخي لا يمكن التنازل عنه.

فشل قطار التطبيع
* إذن قطار التطبيع السياسي مع الدول العربية لن يحل هذه الأزمة المستمرة أو ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذا لم يحدث حل عادل وسلام شامل بين الطرفين.

** بالتأكيد، فأصحاب الحل والحوار هم الفلسطينيون أنفسهم وليست أي جهة أخرى، لو نظرنا إلى الدول التي قامت بعملية التطبيع أو التي لديها علاقات تاريخية مع إسرائيل، ما الذي استفادته من وراء ذلك؟، لو تحدثنا على سبيل المثال عن الأردن وهي المسؤولة عن القدس والأوقاف الإسلامية هناك، سنجد أن إسرائيل تعتدي يوميًا على تلك المقدسات بدون أي احترام للأردن أو لوصايته على تلك الأوقاف، والأمر ذاته بالنسبة لمصر ودول الخليج.

نحن لسنا ضد السلام، ولكننا نريد سلامًا عادلًا حقيقيًا يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه، والسلام الحقيقي يبدأ بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وبإقرار إسرائيل بأن هناك شعب فلسطيني له حق لن يموت طالما وراءه مقاوم ومُطالب به.

لذلك أتمنى ـ رغم آلام وأوجاع الحرب الحالية وما تنذر به الأيام القادمة ـ أن تكون هناك صحوة واستفاقة، وأن يكون هناك يقين بأن هذا الصراع لا يمكن أن ينتهي أو يُحسَم بالقوة العسكرية، لأنه لا مفر ولا مجال للحل إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي كمدخل أساسي للاستقرار في المنطقة.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى