الراديوطبيبك الخاص

لماذا يحدث العقم عند الرجال؟.. وما هي المخاطر وطرق العلاج؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة هامة من برنامجكم المميز (اسأل الدكتور شما)، مع الدكتور فائق نيكولاس شما، أخصائي الغدد الصماء والأمراض التناسلية، والذي أجاب خلال الحلقة على العديد من الأسئلة المتعلقة بمشكلة العقم عند الرجال وأسبابها ومخاطرها وطرق العلاج.

تشير الإحصاءات إلى أن 1 من بين كل 7 أزواج يُصاب بالعقم، حيث يكون الرجل غير قادر على إنجاب طفلٍ لمدة عام أو أكثر، ويمثل العقم عند الرجال سببًا جزئيًا في نصف حالات عقم الأزواج على الأقل.

من بين الأسئلة التي تناولتها الحلقة؛ ما هو عقم الذكور، وما مدى انتشاره؟، وما هي أهم أسبابه، سواء الطبية أو البيئية أو الأسباب الأخرى المتعلقة بنمط الحياة؟، وما هي الأعراض والمؤشرات التي تعني أن الشخص مصاب بعقم الذكور؟، وهل تكون هذه الأعراض والمؤشرات واضحة في كل الحالات أم تكون كامنة؟، ومتى يتأكد الرجل أنه مصاب بالعقم ويحتاج لزيارة الطبيب؟، وما هي التأثيرات العاطفية والنفسية على الرجال المصابين بالعقم؟

مدى انتشار العقم
* د. شما، الكثير من علماء النفس وأساتذة علم الاجتماع احتاروا في أمر تعامل المجتمعات على اختلافها مع قضية التأخر في الإنجاب، فدائمًا تُلَام المرأة على هذا الأمر، رغم أنه في العديد من الحالات يكون الرجل هو السبب، فما رأيك في ذلك؟، وما مدى انتشار عقم الرجال؟

** أنا أودّ أن أطمئن كل الرجال، وأقول لهم إن 93% منهم تقريبا ليست لديهم أي مشكلة تمنعهم من إنجاب الأطفال، وإذا كان الرجال تحت سن الـ 35 عامًا فإن أغلب زوجاتهم يمكن أن تحمل خلال أول 3 أشهر من الزواج.

وكما ذكرتِ فإن عقم الرجال منتشر بنسبة 7%، وتقريبًا 15% من كل الأزواج الذين يحاولون الإنجاب لا يستطيعون الإنجاب، ونصف هذه الحالات يكون السبب فيها له علاقة بالرجل، وبشكل عام هناك العديد من الأسباب، لذا فإننا عند العلاج نبدأ بفحص الرجل والمرأة معًا وفي نفس الوقت.

أسباب مختلفة
* ما هي الأسباب الطبية والبيئية المتعلقة بالعقم؟، وهل هناك أسباب مرتبطة بنمط الحياة تجعل ما نسبته 7% غير قادرين على الإنجاب؟

** هناك الكثير من الأسباب؛ بعضها يعود إلى الرجل الذي قد تكون لديه مشكلة جينية تؤثر على قدرته على إفراز نطف أو سائل منوي يساعد على الإنجاب، وفي بعض الحالات يكون الأمر معروف منذ البداية، وأحيانا لا نعرفه إلا بعدما نقوم بفحص السائل المنوي.

وبالمناسبة فإن كل 500 إلى 600 طفل ذكر يُولدون يكون لديهم كروموزوم “X” إضافي، وتعرف هذه الحالة بالإنجليزية باسم “Klinefelter Syndrome”، وهؤلاء لا يمكنهم الإنجاب، لأن السائل المنوي يكون خالي من النطف، أغلب هؤلاء الأطفال يكونون طبيعيين في صغرهم رغم وجود هذه الحالة الجينية لديهم، ولكن مستقبلًا عندما يكبرون يكتشفون هذه المشكلة.

والأشخاص المصابون بهذه الحالة الجينية يكون طولهم أكبر من الطبيعي، وكذلك حجم اليدين، وفي بعض هذه الحالات ـ حوالي 30% ـ نقوم بأخذ النطف من الخصية بشكل مباشر، ويمكنهم الإنجاب في تلك الحالة.

هناك أسباب أخرى خِلقية تؤثر على القدرة على الإنجاب، ففي بعض الحالات تكون الخصية مختفية (الخصيتين غير النازلتين)، وفي بعض الحالات تنزل الخصية خلال سنة، ولكن في بعض الحالات الأخرى تظل داخل البطن وبالتالي فإنها تكون معرضة لحرارة أكبر من اللازم، ولا يمكنها إفراز الحيوانات المنوية.

وهناك أسباب أخرى مرتبطة بالعمليات التي قد يجريها الأطفال الذكور وهم صغار، وأيضا إذا ما حدثت اختلاطات مرتبطة بالهرمونات لديهم.

أعراض ومؤشرات
* ما هي الأعراض أو المؤشرات التي قد تنبّه الأهل إلى وجود مشكلة قد تؤثر سلبًا على طفلهم عندما يكبر، وقد تؤدي إلى إصابته بالعقم أو التأخر في الإنجاب؟

** إذا وُلِدَ الطفل ولديه تشوهات أو لديه أشياء خِلقية غير طبيعية فإن هذا مؤشر مهم، أو إذا كانت لديهم مشكلة عند الوصول إلى سن البلوغ، فالنساء يبلغن عند سن 13 عامًا، حيث تأتيهن العادة الشهرية في تلك المرحلة، أما الرجال فإنهم يبلغون عند سن الـ 14 تقريبًا، فإذا ما وصلوا إلى هذا العمر ولم يكن لديهم الصفات الدالة على البلوغ فقد تكون هناك مشكلة.

وهذه الأمور يجب على الأهل مراقبتها والانتباه إليها، وهناك أيضًا بعض الأمراض التي قد تصيب الأطفال في صغرهم وقد تؤثر على قدرتهم المستقبلية على الإنجاب، مثل مرض كعيب أو النكاف “mumps disease”.

نحن هنا في الولايات المتحدة نعطي للأطفال الصغار لقاح يسمى “MMR vaccine”، لكن في بعض الدول ومنها دول عربية لا يعطون هذا اللقاح، وبالتالي فإن الأطفال قد يصابون بالنكاف، ومن ثمَّ فإن هذا المرض يؤثر سلبًا على خصية واحدة في 75% من الحالات، ويؤثر على الخصيتين في ثلث الحالات، وجزء كبير من هذه الحالات عمومًا قد لا تستطيع الإنجاب مستقبلًا.

هناك بعض الأطفال قد يُصابون بالسرطان في صغرهم، مما يضطرهم إلى العلاج الكيماوي أو الإشعاعي الذي يؤثر سلبًا على عدد الحيوانات المنوية بالخصية وعلى القدرة الإنجابية، لذا فإننا في الغالب قبل أن يبدأ الأطفال والصبيان ـ في سن الـ 14 وما فوق ـ أخذ العلاج الكيماوي، فإننا نحفظ لهم بعض الحيوانات المنوية لأنهم في الغالب لن يكونوا قادرين على إفرازها بعد العلاج الكيماوي والشفاء.

الأدوية الخطأ والهرمونية

* هل هناك أسباب أخرى مخفية قد لا ينتبه إليها الأهل؟

** نعم، هناك العديد من الأسباب، منها على سبيل المثال إذا ما أصيب الطفل بمرض السكري أو مرض بالكبد أو مرض بالكلى وغيرها من الأمراض، وفي نفس الوقت لا يتلقى العلاج المناسب، فإن هذه الأسباب تؤثر سلبًا على عدد الحيوانات المنوية في الخصية.

كما أن هناك العديد من الذكور يأخذون أدوية دون وصفات مما يؤثر سلبًا على قدرتهم على إنتاج النطف وبالتالي على قدرتهم على الإنجاب.

والشيء المحزن أن لدينا الكثير من الشباب والرجال، حوالي 3 ملايين رجل، يأخذون أدوية هرمونية لتكبير العضلات، وهذا يؤثر سلبيًا على عدد النطف في السائل المنوي.

لذا على الشخص أن يقرر ما إذا كان يريد أن يكون شكله جميلًا وقويًا بعضلات ضخمة وفي نفس الوقت عدد النطف لديه صفر، أو أن يحافظ على رشاقته بصورة طبيعية بدون هرمونات وفي نفس الوقت يحافظ على حيواناته المنوية وإنجاب طفل في المستقبل.

نقص التوعية
* من المؤسف أن هناك نقصًا كبيرًا في البرامج الطبية التوعوية، سواء باللغة العربية أو الإنجليزية أو غيرهما، لكي توعيّ الناس وتنبههم إلى أضرار مثل هذه الأدوية الهرمونية أو الأمراض التي قد تؤثر على القدرة الإنجابية للأطفال مستقبلًا، ما تعليقك، دكتور شما؟

** نعم، هذا صحيح للغاية، والمؤسف أنه يتم الترويج لهذه الأدوية الهرمونية دون توضيح أضرارها، وفي ظل هوس وانشغال الناس مؤخرًا بوسائل التواصل الاجتماعي لا أظن أن هناك من لديه الوقت كي يبحث عن معلومة توعوية أو طبية من أجل معرفة المخاطر والأضرار، لذا أؤكد مرارًا وتكرارًا على دور الأسرة في توعية الأبناء والاهتمام بصحتهم.

الكحول والطعام والوزن الزائد

لو واصلنا الحديث عن الأشياء التي يمكن للشخص ان يتفاداها منعًا لتأثيرها السلبي على قدرته على الإنجاب، سنجد كثرة تناول الكحول، لأنه يؤثر على عدد وجودة الحيوانات المنوية.

يُضاف إلى ذلك السمنة والوزن الزائد والتدخين والمركبات الكيميائية التي باتت منتشرة في حياتنا من مستحضرات تجميل وغيرها أو في المأكولات والمشروبات التي نتناولها، والتي يكون لبعض تأثير سلبي كبير على هرموناتنا.

وعلى ذكر الأكل، أود أن أشير إلى الأكل الموجود في مجتمعنا العربي أفضل وأجود بكثير من الموجود بالمجتمع الأمريكي، فأفضل نظام غذائي ننصح به دائمًا ويمكن للشخص تناوله كي يساعد ويحسن من قدرته على الإنجاب هو حمية البحر المتوسط “Mediterranean diet”، حيث يضم خضروات أكثر، و”أوميجا 3” أكثر، ونسبة دهون أقل.

كانت هناك دراسة أجريت على سكان 3 قارات لمدة 50 سنة، وظهرت نتائجها قبل انتشار جائحة كورونا، حيث وجد الباحثون أن عدد النطف قد قلّ بنسبة 50% خلال الـ 50 عامًا، والملاحظ انها كانت تقل بنسبة 1% إلى 1.5% حتى عام 2000، ثم زادت النسبة لتصل إلى 2% وصولًا إلى عام 2018، فتخيلوا بعد 50 سنة أخرى ماذا سيحدث لعدد النطف؟!

نمط الحياة اليومي
* كيف يمكن لنمط حياتنا اليومي أن يؤثر على هذا الأمر؟

** عندما خلق الله الإنسان، جعل الخصيتين خارج الجسم حتى تظل درجة حرارتهما أقل بدرجة أو درجتين من درجة حرارة الجسم، لذلك إذا ظلتا داخل البطن فإن درجة حرارتهما ستكون مثل درجة حرارة الجسم، وبالتالي ستتأثر سلبيًا القدرة على الإنجاب.

لذلك أي نمط حياتي أو تصرف مضر بالجسم سيكون له تأثير، كأن يواصل الشخص البقاء في الساونا يوميًا لمدة ساعة أو ساعة ونصف، كذلك ركوب الدراجات الهوائية يوميًا ولفترات طويلة يكون له تأثير سلبي على الخصيتين وبالتالي على القدرة الإنجابية.

أسباب جينية

وهناك أشياء جينية يكون لها تأثير؛ فهناك 0.6% من البشر لديهم مشاكل جينية، ولكن هناك من 6% إلى 10% من الرجال الراغبين في الإنجاب لديهم مشكلات جينية، بعضها يمكن علاجها، وبعضها للأسف يكون من الصعب علاجها.

بالأمس زارنا مريض من الأردن جاء للعلاج هنا في أمريكا، كانت لديه مشكلة جينية تسببت في أن الخصيتين لديه لا يوجد بهما أي نطف بالمرة، طلبنا منه بعض الفحوصات واستقرينا على إجراء عملية نفتح من خلالها الخصية وننتقي بعض النطف من أجل استعمالها في عملية التخصيب، الخلاصة أن بعض الحالات الجينية يمكن علاجها بالفعل.

في حالة وجود دوالي حول الخصية، فإن هناك عملية جراحية يتم عملها للتخلص من الدوالي ومن ثمَّ يتحسن إنتاج الخصية للنطف، ولكن هناك حالات أخرى يكون فيها من الصعب الانتظار، فيتم اللجوء إلى طفل الأنابيب، وخاصةً إذا المرأة لديها مشكلة في إتمام الحمل، حيث يتم تلقيح البويضة بالحيوان المنوي ثم زرعها داخل الرحم، ونسبة النجاح تكون أكثر بـ 8 إلى 10 أضعاف.

مشكلة تأخر الحمل

* هل تأخر الحمل لمدة عام بعد الزواج يعني أن هناك سبب وراء الأمر؟

** صحيح، ولكن الأمر ليس مرتبطًا بوقت تأخر الحمل فقط ولكن بعمر الزوجين أيضًا، فكما ذكرت من قبل إذا كان الزوجان صغيرين بالعمر فإن احتمالية الحمل تكون في فترة ما بين 3 إلى 6 أشهر، ولكن 15% من الأزواج صغار السن قد يتأخر الحمل لديهم لأكثر من سنة، وفي ظرف سنتين يكون هناك فقط من 5% إلى 10% بدون حمل.

لكن إذا كان الرجل قد تلقى مثلًا علاجًا كيماويًا وهو صغير، أو أن المرأة لا يوجد تبويض لديها، ففي مثل هذه الحالات لا يجب الانتظار لمدة عام، وإذا كانت مثلًا المرأة أكبر في العمر من 35 عامًا فأيضا لا يجب أن تنتظر لمدة سنة أو 6 أشهر، فالعمر له تأثير على القدرة الإنجابية وأيضا له تأثير على الأطفال من الناحية الخِلقِية.

انتقال الأمراض
* وصلنا سؤال يقول: هل الأسباب الجينية التي ذكرتها، د. شمّا، تنتقل إلى الطفل ويرثها عن والده إذا كان الطفل هو طفل أنبوب؟

** هذا سؤال مهم للغاية، بلا شك إذا كان لدى الرجل مشكلة في الجينيات الموجودة على كروموزوم “Y”، فإن هذه المشكلة ستنتقل إلى الطفل الذكر وستؤثر سلبيًا عليه لاحقًا، والطريقة الوحيدة التي يمكن ألا تنتقل المشكلة الجينية الموجودة على كروموزوم “Y” إذا أنجب بنتًا، وكما قلت فإن الإنجاب في سن متقدمة قد يؤدي إلى ظهور مشكلات جينية لدى الأطفال لاحقًا.

نصائح وتوصيات
* ما هي نصيحتك وتوصياتك التي تقدمها للرجال المصابين بالعقم أو من يحاولون الإنجاب ولم ينجحوا في ذلك حتى الآن؟

** أنصحهم أولًا بتفادي الأشياء التي يمكنهم تفاديها، مثل السمنة والكحول والتدخين والأكل غير الصحي والمخدرات وكل الأشياء التي يمكن تفاديها وتضر بالقدرة الإنجابية.

والنصيحة الثانية هي عدم الانتظار طويلًا والتأخر في العلاج إذا كان السبب وراء عدم الإنجاب واضحًا.

والنصيحة الثالثة هي ألا يفقدوا الأمل إذا أخبرهم شخص ما بأنه لا يوجد أمل، لأن هناك حالات كثيرة يمكن مساعدتها وينتهي بهم الأمر إلى الإنجاب بالفعل.

* ولا شك أن أهم شيء في العلاج هو اختيار الطبيب المناسب والمختص من أجل اكتشاف المشكلة وعلاجها، وردني سؤال يقول: هل يمكن علاج العقم لدى الرجال خارج الموضوع الطبي؟

** نعم، من الممكن ذلك ولكن من خلال تفادي كل الأشياء التي يمكن تفاديها.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى