أخبار العالم العربيالراديو

من يشعل فتيل العنصرية تجاه اللاجئين السوريين؟.. ولماذا؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

بانوراما العنصرية ضد السوريين، عندما يُنقش الألم على وشاح المهاجرين، حملة ظالمة تحت مسميات شتى يتعرض لها السوريون في دول الجوار ودول اللجوء.

وفي السنوات الماضية تحوّلت قضية اللاجئين السوريين إلى قضية رأي عام بعد الأزمة السورية التي خلّفت الكثير من النازحين واللاجئين الذين لجأوا إلى بعض دول الجوار ودول أوروبا، فلماذا يتعرض السوريون لحالات التمييز العنصري والتنمر؟

راديو صوت العرب من أمريكا استضاف الخبير الحقوقي عماد حمد، رئيس المجلس الأمريكي لحقوق الإنسان في برنامج “ما وراء الخبر”، حيث ناقشت معه الإعلامية ليلى الحسيني موضوع تزايد التنمر على اللاجئين السوريين في بلدان اللجوء، ومن يقف وراءه؟، ولماذا؟

اللجوء حق إنساني

* صباح الخير، أستاذ عماد حمد، نبدأ معك الحديث بالسؤال الأبرز؛ من أيقظ العنصرية تجاه السوريين؟، ولماذا؟

** عندما نتحدث عن العنصرية والكراهية فإننا نتحدث عن ظاهرة اجتماعية عالمية، لا تقتصر على جهة محددة ولا وطن محدد أو مجتمع محدد، هي ظاهرة للأسف موجودة في كل المجتمعات، ولكنها تأخذ تفاعلات وترددات مختلفة بين بلدٍ وآخر.

والواقع الحالي الذي نحن أمامه الآن في لبنان والضجة الإعلامية حول موضوع اللاجئين السوريين هي مسألة بغيضة ومرفوضة ومُدانة على كل المستويات.

طبعا حق العودة للاجئ إلى موطنه هو حق إنساني وطبيعي وتكفله كل المواثيق الدولية، ولكن هذه العودة يجب أن تكون آمنة وسالمة، وألا يكون اللاجئ الذي غادر بلده قصرًا، سواءً في سوريا أو فلسطين أو اليمن أو العراق أو أي بلد من بلدان العالم.

ونحن الآن أمام قضية أوكرانيا أيضًا التي للأسف عندما نتحدث عن قضية اللاجئين منها فإننا نتحدث عن معايير مختلفة وعدم عدالة، ولا شك أن النهج العنصري في التعاطي مع تواجد اللاجئين والنازحين السوريين في لبنان هو أمر مرفوض.

فهناك إجماع لبناني على أن الظروف المعيشية والاقتصادية في لبنان هي أحد أسباب هذا النفور أو التعاطي السيء مع قضية اللاجئين السوريين، وكأن اللاجئين السوريين هم المسؤولين عن الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمأساة والمعاناة التي يمر بها الشعب اللبناني.

وأنا أعتقد أن هناك جهات مختلفة تريد أن تشعل هذه النار لأسباب سياسية واجتماعية مختلفة، ويبقى شيء مهم يجب ألا يتم الجدل حوله، وهو أن حقوق الإنسان يجب أن تظل حقوقًا للإنسان وتشمل الجميع، وألا تكون هناك أي تجزئة أو انتقائية فيها، وما ينطبق على الإنسان السوري ينطبق على كل الناس تحت مفاهيم المواثيق الدولية التي تتعامل مع اللاجئين في أي دولة أو منطقة من العالم.

عنصرية ضد السوريين

* بالإشارة إلى لبنان تحديدًا، هناك أصوات كثيرة خرجت لتساند السوريين، كشعب أصيل ومثقف، ولن نقف طويلًا عند ما ذكرته الإعلامية اللبنانية نضال الأحمدية من تصريحات عنصرية تجاه السوريين في لبنان، ولكن بعيدًا عن لبنان، فإن ما يواجهه اللاجئ السوري من عنصرية موجود أيضا في تركيا وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا.

فلماذا كل هذه العنصرية ضد اللاجئ السوري بالذات؟، رغم أن سوريا استضافت عبر التاريخ لاجئين، وكان الشعب السوري مضيافًا وفتح كل أبوابه للجميع.

** أولًا، لا أحد يجادل في حقيقة أن الشعب السوري شعب أصيل وشهم، وساند كل القضايا العربية، وعاني بسبب هذا الدعم، واستضاف شعوبًا أخرى وإخوة عرب جاؤوا إلى سوريا وقت الحروب والأزمات.

وتجربة لبنان لا ينساها أحد من اللبنانيين، لا سيما إبان القصف الوحشي الإسرائيلي، حيث لم يكن أمام اللبنانيين سوى الملجأ السوري، وهذا ما يفسر أن الكثير من اللبنانيين يرفضون هذه النعرة الطائفية والعنصرية ضد اللاجئ السوري في لبنان.

وعندما نتحدث عن قضية اللاجئين، نجد أن هناك ازدواجية في المعايير للأسف، وذلك وفقًا للأجندات السياسية، فمثلًا الآن نجد أن اللاجئ من أوكرانيا معززًا ومكرمًا وله كل الحقوق وكل أبواب العالم مفتوحة أمامه، وله تسهيلات غير مسبوقة، لأنه من أوكرانيا.

ولكن نفس المأساة الإنسانية عاشها السوري والعراقي واليمني، لكن العالم لم يكترث بهم ولا حتى الأمم المتحدة، لدرجة أنه حتى اليمن لم يتم تصنيفها كبلد منكوب.

لذلك نحن أمام أزمة حقيقية كشف عنها التعاطي مع هذا الموضوع، لأننا عندما نتحدث عن حقوق الإنسان نصطدم بالمصالح السياسية التي تتحكم في الأمور ولا تنصف المظلوم، ولا تنصف اللاجئ المغلوب على أمره.

لذلك فإن الدول الغربية الآن تطالب مثلًا بعض الدول الأخرى بتشريعات ونظم وقوانين، وفي الوقت نجدها لا تطبق مثل هذه التشريعات وتتعامل معها بطريقة تمييزية، وللأسف فإن أزمات الدول العربية هي ورقة سياسية للأخذ والعطاء وحماية المصالح المحددة والتجاذبات السياسية.

حقوق اللاجئين

* أشرت في بداية حديثك إلى حقوق اللاجئ وعدم إجباره على العودة إلى وطنه دون أن تكون عودة آمنة، فما هي حقوق اللاجئ التي يجب ضمانها له؟، ومن الذي يستطيع أن يفرض أو يضمن حق العودة الآمن في سوريا اليوم؟

** عندما نتحدث عن حق العودة الآمن لأي لاجئ، سواءً في سوريا أو أي بلد آخر، فليس هناك أي ضمان مطلق، فنحن نعيش في ظل أوضاع غير مستقرة وفي بلدان تحكمها أنظمة لها مصالحها، وبالتالي من المستحيل إيجاد آلية شفافة تضمن سلامة كل من يعود، وهذا الموضوع لا ينطبق على سوريا فقط بل ينطبق على كل البلدان.

هذا الأمر يعود للمسألة السياسية البحتة، وما نعانيه حاليًا هو غياب العدالة في التعاطي مع مسألة اللاجئين السوريين، فقضية اللاجئين يجب أن تكون مسؤولية عالمية مشتركة وأن يتحمل المجتمع الدولي تبعاتها، لأن الحروب الدائرة ليست حروب داخلية أو اختارها الشعب السوري أو اليمني أو العراقي أو غيرهم، بل هي حروب إقليمية وعالمية، والدول الكبرى تحارب وتتصارع، وبلداننا وشعوبنا هي من يدفع الثمن.

يجب أن نتذكر دائما أنه لا يوجد أي شخص يحب أن يترك وطنه وأعماله وأن يصبح لاجئًا في هذه الدولة أو تلك، فمن منا يحب أن يعيش في خيمة في العراء معدومة الإمكانات وسط ظرف مناخية ومعيشية قاسية؟!، ونحن نعي جيدًا أن هناك الكثير من اللاجئين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لنزوحهم.

وفي الشأن اللبناني.. سنجد أن هناك من استعملوا الوضع الاقتصادي بشكل رخيص جدًا لكي يثيروا النعرة الطائفية بين السوريين واللبنانيين، والتي لم تكن أبدًا موجودة من قبل في ظل التآخي بين لبنان وسوريا، وللأسف هناك من يصوّر السوري على أنه يتلقى مساعدات بالدولار، وكأنه يتلقى ملايين الدولارات، وهذا بهتان لأن ما يتلقاه السوري يكاد يكفيه.

ونحن نتفق أن الإنسان إنسان، ويجب أن تُصان كرامته، ويجب أن يُحترم، ومن حقه أن يكون موجودًا في مكانٍ آمن، وألا يُجبَر على العودة لا سيما في ظل وجود خطر على حياته وحياة عائلته، وهذا الحق يضمنه القانون الدولي والمواثيق العالمية.

تعميم خاطئ

* بالعودة إلى ما قالته نضال الأحمدية، فقد نفت أن تكون الظروف والمخاوف الأمنية هي السبب الذي يمنع عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وأكدت أنهم يعيشون للتنزه في لبنان التي وصفتها بباريس الشرق، وقالت إنهم لا يصدقون أنهم يعيشون في لبنان، فكيف تردّ على ما قالته من تحريض ضد السوريين في لبنان؟

** هذا التعميم خاطئ، ويعبر عن نفسية مريضة وعنصرية، ونحن لا يمكننا أن نقول إن حال اللاجئين السوريين أو العراقيين أو اليمنيين هو حال واحد، فمن الممكن أن تكون هناك مجموعة من هؤلاء يستفيدون من هذا الوضع، وهذه حالة طبيعية في كل المجتمعات، وليست مسألة غريبة أو شاذة، لذلك فإن الحديث عن جزء بسيط لا يعبر عن الواقع الحقيقي وجعله كظاهرة عامة، وهذا الأمر له هدف سياسي.

لذلك أنا لا أكترث بذكر اسمها ولا التعرض لها، لأنني أقيس الموقف الوطني اللبناني بالموقف العام الذي كان واضحًا وثابتًا بضمان حق العودة الآمنة والسالمة بضمانات دولية، وبدون هذه الضمانات سنكون أمام مجزرة جديدة ومعاناة إنسانية جديدة.

وأنا أعتقد أن هذا هو حال اللاجئين في كل مكان، فحق العودة حق مُصان ويجب أن يتم توفيره لكل لاجئ في كل مكان وفقًا لخيار اللاجئ ذاته، فهو من يعرف ما إذا كان في خطر أم لا.

عودة قسرية

* رأينا خلال الفترة الماضية تقارير تتحدث عن عودة قسرية لبعض اللاجئين إلى سوريا، من لبنان ومن تركيا، وقد تعرضوا للاضطهاد بمجرد عودتهم، والبعض يتساءل عن دور المنظمات الحقوقية الدولية ومفوضية اللاجئين.

** المفوضية العامة للاجئين في الأمم المتحدة تحاول أن تقوم بدورها قدر المستطاع، ولكن لا يخفى علينا أن سياسات مثل هذه الجهات والمنظمات محكومة بأجندات سياسية وتوجهات تديرها وتتحكم فيها الدول العظمى، فوضع اللاجئ يعتمد على الجنسية والبلد القادم منها والدين والعرق ولون البشرة وغيرها، فهذه هي الصورة الحقيقية سواءً ظهرت بشكل واضح أو بقيت خفية.

وعندما نتحدث عن المواثيق الدولية فإن كل الدول توافق على هذه المواثيق وتوقع عليها، ولكن عندما نأتي إلى التطبيق العملي سنجد الأمر مختلفًا تمامًا.

فمنظمات المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان تسعى بكل إمكانياتها كي تدافع عن حقوق الإنسان واللاجئين وتسلط الضوء عليها لتحفيز الرأي العام وتشكيل لوبي سياسي قوي، من أجل أن تكون هناك سياسات شفافة وعادلة تجاه المآسي الإنسانية المختلفة،

ولكن حتى لا نتحدث عن أوهام أو ندور في محيطها فإن مسألة تغيير الموضوع بشكل جذري هي مسألة طويلة المدى وليست سهلة، ويدفع ثمنها اللاجئ الذي يعاني بشكل يومي.

عودة آمنة

* في رأيك من الذي يستطيع أن يقود أو يفرض أو يضمن عودة آمنة للاجئين السوريين إلى سوريا؟

** أنا لا أؤمن بأن هناك ضمانات مطلقة أو قطعية، ولكن قد تكون هناك ترتيبات يتم الاتفاق عليها من جانب كافة الأطراف المعنية وبرضا اللاجئين أنفسهم.

وأن يتم التدقيق بشكل شفاف وبعيدًا عن السياسة لإجراء هذا التقييم الذي على أساسه يتم وضع خيار العودة الآمنة والسالمة للاجئين، وأن تكون هناك مراقبة دولية ومحايدة وشفافة لضمان العودة الآمنة لهم بلا مخاطر أو عقاب أو اضطهاد.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى