أجرى الحوار: مجدي فكري ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الإذاعة المصرية الـ 89، قدمنا لكم حلقة خاصة من برنامج “قصة نجاح”، مع الإذاعي والشاعر المصري الكبير زينهم البدوي، نائب رئيس الإذاعة المصرية الأسبق، والأمين العام لاتحاد كتاب مصر.
تناولت الحلقة الحديث عن الإذاعة المصرية ونشأتها في 31 مايو 1934، وتطورها ودورها في إثراء الحياة الثقافية، كما دار اللقاء مع البدوي حول نشأته ومرحلة تعليمه وتفوقه في مراحل الدراسة المختلفة، وتخصصه في دراسة الإذاعة والتليفزيون.
ثم انتقل الحديث إلى حياته العملية بالإذاعة المصرية، وبصفة خاصة إذاعة صوت العرب، وذكرياته خلال فترة عمله بها، ووصوله إلى منصب نائب رئيس الإذاعة المصرية كمحطة هامة في تاريخه، كما تطرق اللقاء لأعماله الشعرية ورحلته في عالم الأدب والشعر.
رحلة إذاعية طويلة
بدأ اللقاء، بإلقاء الإذاعي والشاعر الكبير زينهم البدوي لإحدى قصائده من إبداعاته الشعرية والتي كانت تحت عنوان “ملامح”، ثم انتقل الحديث إلى رحلته الطويلة مع الإذاعة المصرية وما تمثله بالنسبة له، فقال: “أعتز بأن بدايتي في رحلة العمل الإذاعي كانت عبر شبكة الإذاعات الإقليمية، حيث كان صوتي هو أول صوت ينطلق من إذاعة وسط الدلتا من طنطا، وذلك بعد فترة تدريب إذاعية في إذاعة الشعب، ثم إذاعة الشباب قبل أن تصبح إذاعة الشباب والرياضة، وإذاعة القاهرة الكبرى”.
وأضاف: “بعد ذلك بدأت رحلتي مع إذاعة صوت العرب، وهي قلعة من قلاع الإعلام العربي الشامخ، ويمثل عملي بها محطة من أهم محطات عملي الإعلامي الناطق، حيث أنني منذ الصغر تعلقت بأهداب المذياع وسبق وأن رويت هذه القصة عبر حوار صحفي تم نشره بمجلة الإذاعة والتلفزيون”.
عشقٌ منذ الصغر
لفت البدوي إلى أن طفولته كانت متواضعة للغاية في منطقة ساحلية تطل على بحيرة البرلس، حيث كان والده صيادًا شأنه شأن معظم سكان تلك المنطقة، ورغم أن المذياع لم يكن متوافرًا في بلدته ولا يمتلكه سوى فئة قليلة إلا أنه كان مغرمًا به، وكانت أخته لديها راديو في منزل زوجها، فكان دائم الزيارة لها من أجل الاستماع للراديو الذي كان يعشقه منذ الصغر.
وعن أهم البرامج الإذاعية التي كانت تجذب انتباهه، قال: “كنت مولعًا بالاستماع إلى عمو حسن في إذاعة الشرق الأوسط، وبالمناسبة فقد التقيت بـ (عمو حسن)، وهو الإذاعي الكبير حسن شمس، في وقتٍ لاحق، لأنه كان واحدًا من أعضاء هيئة اختبار المذيعين، وأيضًا كنت أعشق الاستماع إلى برامج عديدة عبر كل إذاعات مصر”.
وأكد أن كل الإذاعات المصرية كانت لديها برامج ودراما مميزة، وأنه ليس من الإنصاف أن يتم اختزال ذلك كله في الترويج لبرامج إذاعة بعينها.
قصة تعليمه
الشعراء زالإذاعيون من أقدر الناس على وصف الأماكن والأحداث، من هذا المنطلق بدأ البدوي في وصف مدينة البرلس التي عاش فيها طفولته، حيث قال: “حين كنت طفلًا كنت أذهب مع والدي وأشقائي في رحلات الصيد، حيث نشأت على احتراف هذه المهنة.
كان يدعونني حينها بـ (الأستاذ)، وكنت أذهب معهم للصيد في أشهر الصيد خلال سنوات التعليم العام والتعليم الجامعي، ولو لا عملي واجتهادي في هذا المجال ما تيسر لي أن أكمل تعليمي”.
ولقصة تعليمه واقعة فريدة من نوعها، رواها قائلًا: “قرر والدي أن يكتفي بتعليمي الابتدائي وأن أواصل عملي كصياد، إلا أن أستاذي في المرحلة الابتدائية رفض ذلك وألحّ على والدي بأن يتم التقديم لي في امتحان القبول، وبفضل الله اجتزت الامتحان بدرجة كبيرة، ومن ثمَّ أكملت تعليمي الإعدادي والثانوي”.
كما روي واقعة أخرى تتعلق باستثنائه للقبول، وكيف ساعده سكرتير مدير التعليم في محافظته في ذلك. وأضاف: “قصة تعليمي لم تكن آتية من فراغ، بل كانت بعد عناء وتعب، وكان أقصى طموحات أي صياد هي أن يحصل ابنه على دبلوم تجارة أو زراعة أو صناعة، أو على الأكثر أن يحصل على شهادة معهد معلمين، أما أنا فقد أصررت على إكمال تعليمي الجامعي، حيث التحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة”.
الالتحاق بالإذاعة
عن توقعه بأن يلتحق بالإذاعة المصرية بينما كان لا يزال طالبًا بكلية الإعلام، قال: “كان حلمًا، فخاطرًا، فاحتمالًا، ثم أضحى حقيقةً لا خيال، لا أقول إن دخول مبنى ماسبيرو كان أمرًا سهل المنال، ولكن خلال تواجدي في كلية الإعلام أتيحت لي فرصة التدريب في مبنى الإذاعة، حيث كان يدرّس لنا الأستاذ إبراهيم وهبي مادة الصحافة الإذاعية، فانتقى منا 5 طلاب لدخول المبنى، وهناك تعرّفت على نجوم لمعت في سماء الخيال من كبار الإذاعيين، حيث اقتربت منهم وتعلمت على أيديهم”.
داخل كلية الإعلام كان البدوي حريصًا منذ اللحظة الأولى على أن يلتحق بقسم الإذاعة، وبعد تخرجه من الكلية، وقعت عينه على إعلان لاختبار مذيعين بالإذاعة المصرية، فتقدم للاختبار، حيث نجح وكان ترتيبه هو الأول على المتقدمين، ومن هنا بدأت رحلته مع الإذاعة المصرية.
تدرج البدوي في عدد من المناصب بالإذاعة المصرية، إلى أن أصبح نائبًا لرئيس الإذاعة، وأشار إلى تلك المرحلة بقوله: “بداية رحلتي كانت من خلال إذاعة وسط الدلتا في طنطا في صبيحة عيد الفطر في عام 1982م، وبقيت بها حتى انتهاء عام 1983م، ثم كانت لي تجربة للعمل خارج مصر، حيث عملت في الصحافة الأردنية ثم الإذاعة العراقية، إلى أن عدت في عام 1986م، حيث عدت إلى إذاعة وسط الدلتا ثم التحقت بإذاعة صوت العرب في نهاية الثمانينات”.
ولفت البدوي إلى أنه خلال فترة عمله كمذيع، فإنه كان مولعًا بتدريب زملائه من الأجيال اللاحقة، ثم تمت ترقيته إلى منصب مدير عام للبرامج الخاصة بإذاعة البرنامج العام، وكانت هذه أول مرة يتم فيها ترقية إذاعي من خارج البرنامج العام في البرنامج العام.
ثم تولى منصب المدير العام لمركز التراث الإذاعي، ثم منصب المدير العام للتدريب العملي بقطاع الإذاعة، قبل أن يصبح نائبًا لرئيس الإذاعة المصرية، كما تولى العديد من المناصب الأخرى المرتبطة بالعمل الإعلامي والإذاعي.
برامج مميزة
عن أهم البرامج التي تولى تقديمها، قال البدوي: “بحكم كوني أنتمي إلى حقل الإبداع الأدبي، كانت لي برامج في إذاعة وسط الدلتا منها: مع الأدباء ـ قصة قصيرة ـ نادي الأدب ـ نبضة قلب ـ جولة في قصور الثقافة.
وبحكم كوني صيادًا للأسماء كان لي برنامج أعتز به اسمه: مجتمع الصيادين، وبحكم انتمائي لبيئة تعدّ مصيفًا لأنها بالقرب من مصيف بلطيم، فكان لي برنامج: مصايف بلدنا، إلى جانب برنامج: المنبر الحر، والذي كان من أشهر البرامج التي تتصدى لأفكار جريئة وقضايا المجتمع، وكذلك برنامج أوائل الدلتا”.
وتابع: “بعد انتقالي إلى صوت العرب، كانت لي اسهامات برامجية أعتز بها إلى جانب عملي على الهواء، وحسبك أن تعلم بأن كثيرًا من قوالب الفن الإذاعي العصرية وُلِدَت على أيدينا، منها على سبيل المثال: البث المشترك، البث التفاعلي، الفترات المفتوحة على الهواء.
وكذلك الطفرة التي حدثت في البروموهات والفواصل الترويجية، إلى جانب العديد من البرامج منها: اللقاء المفتوح، وسهرة الأحد، تليفون وميكروفون و200 مليون مع الأستاذ حمدي الكنيسي ثم الأستاذة نجوى أبو النجا ثم الزميلة العزيزة نهلة حامد، فقد واصلت تقديمه لمدة تجاوزت الربع قرن”.
تأثير الإذاعة المصرية
حول دور وتأثير الإذاعة المصرية؛ قال البدوي: “لا يختلف اثنان على أن الإذاعة المصرية هي نموذج يُنظر إليه بكل الفخر والتباهي، لأنها من حيث النشأة والأهداف والميثاق الأخلاقي تعدّ مضرب المثل للكيان الإعلامي الذي يستهدف تحقيق رسالة الإعلام، وهي بناء الإنسان من خلال غرس القيم واستنهاض الهمم”.
ولفت إلى أن الإذاعة المصرية وُلِدت من رحم الإذاعات الأهلية، التي وصفها بأنها كانت تُشكّل مرحلة الفوضى الإعلامية، إلى أن جاءت الإذاعة المصرية اللاسلكية، حيث شكلّت بداية لمرحلة تقنين الإعلام الناطق.
مسيرة أدبية إبداعية
وعن مسيرته الإبداعية والأدبية والشعرية، قال البدوي: “بدأت كتابة الشعر لأول مرة منذ مرحلة الطفولة والصبا، ثم مرحلة الشباب ثم النضج، وإلى الآن لا أستطيع أن أحدد على وجه اليقين منذ متى بدأت الكتابة.
لكني أرى أن العمل الإعلامي هو أيضا عمل إبداعي، ولا يستطيع الإعلامي الناطق أن ينهض بأداء الرسالة ما لم تكن لديه مقومات النجاح، وفي الصدر منها مجموعة وسائل وأدوات، من أهمها الثقافة الأدبية، وأنا شخصيًا لم أكن لأنجح في عملي الإعلامي الناطق ما لم تكن لدي ملكة الإبداع الأدبي”.
وتابع: “لو أنعم الله بنعمة الإبداع الأدبي على المذيع، فإن كل موهبة منهما تضفي على الأخرى بفيوضات، وأنا يقينًا قد أفدت من عملي الإذاعي في الإبداع، وأفدت من إبداعي الأدبي في عملي الإذاعي، فقد علمنا الفن الإذاعي الكثير والكثير، لدرجة أني قلت: لو لم أكن إذاعيًا، لوددت أن أكون إذاعيًا”.