سلام رجوب وسوزان ماشطة.. قصة نجاح أسرة عربية في أمريكا

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
لكل مجتمع قصص نجاحه.. لكن المجتمع العربي في أمريكا لديه قصص نجاح من نوع خاص، فتجربة الهجرة إلى مجتمع جديد تكون قاسية في البداية، ومليئة بالصعوبات والتحديات، وتخطي هذه الصعوبات يحتاج إلى أسرة متماسكة ومتعاونة وداعمة لبعضها البعض، أسرة تعلم أن نجاحها يتوقف على نجاح كل فرد فيها في تحقيق أهدافه.
أسرة سلام رجوب وسوزان ماشطة، واحدة من الأسر العربية التي صنعت قصة نجاح لافتة للنظر في أمريكا، والمهم في هذه القصة حرص كل فرد في الأسرة أن يكون له دور كبير في نجاح الآخر.
أسرة سلام وسوزان نموذج للأسرة العربية الأمريكية الناجحة والمتماسكة، ما بين أم طموحة متفانية، وأب ناجح وداعم لزوجته وأبنائه، ومع هذه الأسرة الرائعة سيكون لقاؤنا في حلقة خاصة تتناول قصة نجاحهم وبداياتهم في سوريا، ثم تجربة هجرتهم لأمريكا ورحلتهم فيها، ومسيرة سوزان مع الرياضة ونجاحها فيها ودعم زوجها لها في مسيرتها بالدراسة والرياضة، وأهمية الرياضة في حياتها وحياة أسرتها
البدايات في حلب
بدأت الحلقة بالعودة قليلًا إلى الوراء، مع البدايات في مدينة حلب السورية الجميلة، حيث أوضح د. سلام رجوب أن تلك المدينة قد شهدت طفولته ودراسته وتكوّن شخصيته، وأجمل ذكرياته في منطقة السريان بحلب، لافتًا إلى تاريخها وحضارتها التي تفوق 3000 سنة، مشيرًا إلى أنه تخرج من كلية الطب في عام 1990م، ووصل إلى الولايات المتحدة في 28 فبراير 1991م، ومن هنا كانت انطلاقته.
من جهتها، قالت سوزان ماشطة إنها حملت حلب في قلبها بالكامل وجاءت بها إلى هنا منذ أن جاءت إلى أمريكا في عام 2000م، حيث حافظت على نفس التقاليد والعادات والأكلات الحلبية الشهيرة، كما روت قصة تعرّفها على زوجها د. رجوب، والتي كانت حلب شاهدة عليها.
وأكد د. رجوب على ضرورة وحدة العائلة في المهجر، ودور الأسرة في اختيارات الأولاد وتوجيههم نحو الاختيار الصحيح ومراقبة أفعالهم لمنع أي انحرافات، فيما أكدت ماشطة أن الحرية أحيانا يتم استخدامها بشكل خاطئ، وهو ما يجعل تربية الأبناء في المهجر شيئًا صعبًا للغاية ويحتاج إلى دقة وعناية فائقة.
صعوبات وتحديات
حول التحديات التي واجهته عند تربية أبنائه في أمريكا، قال د. رجوب إن “أهم شيء ألا ينسى الشخص جذوره وتراثه وثقافته، بل يجب عليه أن يتمسك بحضارته لأنها تشكل الأساس المتين الذي يجب أن ينطلق منه، ثم يضع هدفًا أمامه ولا ينحاز عنه مهما حدثت من مصاعب، وإذا فشل يجب ألا يتوقف، بل يعاود المحاولة مرة أخرى ويستمر في المحاولة إلى أن يصل إلى هدفه”، وأشار د. رجوب إلى ضرورة شغل وقت فراغ الأبناء على الدوام بما هو مفيد ونافع، ولفت إلى أن تركيز زوجته على رياضة التايكوندو وتفوقها فيها وتشجيعها للأبناء على ممارسة هذه الرياضة.
وأضاف د. رجوب: “المواطن الأمريكي يحترمنا عندما نحترم حضارتنا، وأنا ـ على سبيل المثال ـ في عيادتي أضع شهادة تخرجي من جامعة حلب كشهادة رئيسية لأنها هي الأساس، أما شهاداتي من جامعة لويفيل وجامعة بطرسبرغ فأضعها في الـ Waiting area، وعندما يأتي المرضى إلى العيادة ويسألونني عن شهادة تخرجي، فأقول لهم بكل فخر إن هذه هي شهادة تخرجي من جامعة حلب، فالافتخار بحضارتنا ليست بالقول، وإنما بالفعل”.
ولفت رجوب إلى ما تمتلكه حضارتنا العربية من عادات وتقاليد جميلة يجب ألا ننساها أو نتخلى عنها، وأشار إلى أنه حافظ على ربط أولاده بسوريا وبتاريخها وبأكلاتها ولغتها، وأنه مهما كانت الخلافات السياسية فإنه ظلّ محافظًا على تنحية هذه الخلافات جانبًا، وأن يظل حب الوطن هو الهدف الذي يزرعه في قلوب أبنائه.
من جانبها؛ أشارت ماشطة إلى أنها حافظت على الحديث باللغة العربية مع أولادها في المنزل حتى لا تجعلهم ينسونها، ورغم معرفتها الجيدة بالإنجليزية إلا أنها كانت تصرّ على أن يظل الحديث داخل الأسرة في المنزل باللغة العربية، فالحفاظ على الهوية العربية هي مسؤولية الأهل أولًا وأخيرًا.
الأسرة أولًا
عن حلم سوزان ماشطة الذي لم يتحقق في إكمال دراستها، وتفضيلها أن تهتم بأسرتها وبأولادها وبمستقبلهم، قالت: “العائلة بالنسبة لي تعدّ أولوية قبل أي شيء آخر، فانا بعدما كبر أول طفلين، اتجهت مرة أخرى للدراسة على أمل تحقيق حلمي، ولكن سرعان ما حدث حمل مجددًا، فتوقفت وتفرغت للأسرة ولتربية الأطفال، وحتى الآن لم أعدّ مرة أخرى لأن الصغار لدي لا زالوا بالمرحلة الإعدادية وهم بحاجة إلى متابعة مستمرة، من دراسة وأنشطة واهتمام، فهذه الأيام مختلفة تماما عن الأيام التي تربينا نحن فيها”.
يُذكر أن أبناء د. رجوب والسيدة ماشطة هم: الابن الأكبر حسين والذي يدرس في السنة الثانية بالجامعة، تخصص هندسة الأمن السيبراني، وسارة تدرس في السنة الأولى بالجامعة تخصص Biology وترغب في دراسة الطب مثل والدها، ولايانا تدرس بالصف السابع، والابن الأصغر سلام ويدرس بالصف الخامس.
من جهته، أشار د. رجوب إلى أن كل شخص يرغب في الدراسة فهو يريد في النهاية تحقيق ما يمكن وصفه بـ “الأمن الاقتصادي”، من خلال تأمين وضع مادي مريح ومناسب له، لذلك فقد أوجد لزوجته سبيلًا لتعويض ما فقدته من تحقيق حلمها باستكمال الدراسة، حيث أرسلها لتعلم ودراسة العزف على البيانو، حيث كانت تتمنى أن تتعلم العزف على آلة موسيقية، إضافةً إلى ذلك فتحت لنفسها مجالًا آخر من خلال تعلم التايكوندو، وبإمكانها من خلال إتقان البيانو والتايكوندو أن تُدرّسهما للأطفال أو النساء في المستقبل.
أهمية الرياضة
عن رياضة التايكوندو وما أضافته لها ولأطفالها، قالت ماشطة إن “الرياضة بمثابة دواء للاكتئاب وتهذيب للنفس، وتواجدي مع أطفالي في هذه الرياضة يعزز علاقتي معهم، ويصحح سلوكهم الاجتماعي عند التعامل مع الناس”.
فيما أشار د. رجوب إلى أن الرياضة مهمة جدا، ولا سيما إذا كان هناك أطفال مصابين بمرض ADHD أو يعانون من قلة التركيز، لذلك فإن الرياضات مثل التايكوندو والكاراتيه والأيكيدو والجوجيتسو تساعد كثيرًا على زيادة هرمون الدوبامين في الدماغ، ومن ثمَّ تزيد من التركيز”، ولفت د. رجوب إلى أن أجازاته من العمل يأخذها دائما في وقت بطولات الأبناء، من أجل تشجيعهم ودعمهم والتعرف على مدن جديدة ومأكولات جديدة ومجتمعات جديدة.
عن الإنجازات التي حققتها في حياتها وخلال فترة تواجدها في أمريكا، قالت ماشطة إن “تواجدي هنا كامرأة مسلمة ومحجبة، في منطقة لا يوجد بها الكثير من العرب، وتحقيقي لهذه الإنجازات الرياضية وتفوقي في تدريب التايكوندو، هذا كله يعطيني شعور كبير بالإنجاز والتميّز، ولا شك أن جزء كبير من الدعم للوصول إلى هذا النجاح يعود إلى زوجي؛ سلام”.
سر النجاح
عن الخلطة السرية لنجاح العائلة واستمرار العلاقات الطيبة والروابط القوية داخلها، قال د. سلام رجوب: “على كل إنسان أن يدرك أن الزواج يمرّ من حينٍ لآخر بمطبات وعقبات وخلافات، وأن العلاقة بالأبناء والعلاقات في العمل وكل شيء تمر بلحظات من النجاح والفشل، والسر هو أننا يجب أن نجلس معا ونتحدث عن هذه الأمور، ونناقشها ونحلّها، وألا يترك أي طرف الآخر دون حديث حولها”.
فيما قالت السيدة سوزان ماشطة، إن “سر نجاح العائلة يكمن في الحفاظ على المحبة والاحترام، وتجاوز أخطاء الغير، فكلنا نخطئ، وعلينا أن نتجاوز الماضي لأنه أصبح ماضيًا، وكل يوم هناك شيء جديد”.