اسأل الدكتور شما: فقدان الحمل المتكرر.. الأسباب والتشخيص والعلاج
أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
حلقة جديدة من برنامج (اسأل الدكتور شما) مع الدكتور فائق نيكولاس شما، أخصائي الغدد الصماء والأمراض التناسلية، تناولنا خلالها موضوع (فقدان الحمل المتكرر.. الأسباب والتشخيص والعلاج).
يعتبر الإجهاض في أي مرحلة من الحمل تجربة مدمرة، حيث يكون لها تأثير كبير على الزوجين، خاصة من الناحية النفسية. لذلك، من المهم تحديد أسباب هذه المشكلة وتشخيصها بدقة للوصول إلى الطرق الأنسب والأفضل لعلاجها.
في هذا الإطار أجاب الدكتور شما خلال الحلقة على العديد من الأسئلة التي تتعلق بمشكلة الإجهاض، ومن بينها: ما هي أسباب الإجهاض المتكرر؟، وكيف يتم تشخيص حالات الإجهاض المتكرر والتعامل معها؟، وما هي أفضل الطرق العلاجية المتوفرة لهذه المشكلة؟
كما تطرقت الحلقة إلى مسألة وفيات الأجنة، ومدى شيوعها، والعوامل المساهمة في حدوثها، ومن هم المعرضون لخطر وفاة الجنين في الرحم، وكيف نفهم الفروق بين وفاة الجنين في الرحم والإجهاض، وما هي الأعراض الجسدية التي قد تواجه الأمهات بعد وفاة الجنين في الرحم؟
حلم الأمومة
* د. شما.. احتفلنا قبل أيام قليلة بعيد الأم في أمريكا، فماذا تودّ أن تقول لكل سيدة تحلم بأن تكون ام وأن يكون لديها طفل؟
** لا شيء أهم من الأم في الحياة، فكل عام وكل أم بخير وسعادة، وبالنسبة للنساء اللاتي يحلمن بالحمل، أدعو الله لهن بأن يرزقهن الله بالأطفال، لأن هذا أجمل وأحلى شعور لأي امرأة في العالم.
وأنصح كل امرأة لم تُرزق بعد بطفل، وترغب في الحمل، بأن تذهب لاستشارة الطبيب، لأن 90% منهن يمكنهن الحمل وإنجاب الأطفال وعيش حياة عائلية يملؤها الحب والسعادة.
نسبة حدوث الإجهاض
* الأمل دائمًا يكمن في اختيار الطبيب الذي يفهم المريضة بصورة صحيحة، ويستطيع أن يساعدها، فهل يمكننا أن نقول إن هذه العبارة صحيحة؟
** الأهم من الطبيب أن تُحسن المرأة أولًا اختيار الزوج، ثم بعد ذلك أن تُحسن اختيار الطبيب، ومثلما ذكرت هناك 90% من النساء لديهن القدرة على الإنجاب وهناك 10% فقط يحتجن إلى الطبيب، وبعضهن قد تواجهن مشكلة فقدان الحمل المبكر أو الإجهاض المتكرر.
وفي الواقع فإن الإجهاض المتكرر (Miscarriage) في الولايات المتحدة يُعرف بأنه فقدان الحمل خلال الفترة من 12 أسبوعًا وحتى 20 أسبوعًا،
أما وفيات الأجنة (Stillbirth) فهي ولادة الجنين ميتًا بعد 20 أسبوعًا، وهي مقسّمة إلى 3 مراحل؛ ما بين 20 و27 أسبوعًا، وتسمى (Early Stillbirth)، وما بين 27 و37 أسبوعًا وتسمى (Late Stillbirth)، وما بعد 37 أسبوعًا وتسمى (Term Stillbirth).
أما بخصوص نسبة حدوث الإجهاض فهي متعلقة دائمًا بعمر المرأة، فإذا كانت صغيرة في السن، وتحديدًا ما بين 20 إلى 25 عامًا فإن نسبة الإجهاض تكون حوالي 10%، وأغلب الحالات يكون السبب فيها له علاقة بالوزن.
وكلما تقدم عمر المرأة كلما زادت نسبة حدوث الإجهاض، فالمرأة بعمر ما بين 30 إلى 35 عامًا تكون نسبة الإجهاض ما بين 12 إلى 15%، وفوق سن الـ 35 عامًا تصبح نسبة الإجهاض ما بين 25 إلى 30%، وإذا كان العمر فوق الـ 40 سنة فإن نسبة الإجهاض تقريبًا تكون ما بين 50 و75%.
لذلك باختصار فإن عمر المرأة هو المحدد الرئيسي، فكلما تقدمت في العمر كلما زادت نسبة وجود خطأ جيني، وبالتالي تزداد نسبة حدوث الإجهاض، وتكون الأسباب معروفة إلى حد ما، أما إذا كانت صغيرة في العمر فإننا نحتاج إلى عمل المزيد من الفحوصات للتوصل إلى السبب.
نصيحة هامة
* كيف يمكن للفتيات الموازنة ما بين سنوات الدراسة والتي تستدعي منهن التأخر في الزواج، وبين القدرة على الإنجاب لاحقًا؟، وما هي نصائحك لمن تتوجه للزواج بعد عمر الـ 30؟
** نصيحتي دائمًا أن الإنجاب كلما كان في سن مبكرة، كلما كانت فرص الإنجاب أكثر، وهناك نصيحة دائمًا أقولها لأي امرأة ما بين عمر 30 و32 عامًا ولم تتزوج بعد بسبب العمل أو الدراسة أو أي سبب، أن تقوم بتجميد بويضاتها، انتظارًا للعمر الذي تجد فيه شريك حياتها أو العمر الذي تصبح فيه مؤهلة للزواج والإنجاب.
ونحن لدينا في مركزنا كل أسبوع سيدتين على الأقل تقومان بتجميد بويضاتهن حتى يتخلصن من القلق بشأن عدم الإنجاب إذا رغبن في الإنجاب في سنّ متقدمة، والمشكلة التي تواجه هذه العملية هي أن كثير من السيدات لا يعرفن بهذا الأمر، وأنها مكلّفة ماديًا، ولكن مثلما يقوم الكثيرون بالحصول على تأمين لسياراتهم أو منازلهم، فهذا بمثابة تأمين على حياتهم وعلى قدرتهم على الإنجاب.
وهناك سبب آخر بخلاف العمر يؤثر على 2% إلى 3% من الحالات، وخاصةً النساء الصغيرات، حيث يكون لديهن مشكلة جينية بالكروموسومات، مثلًا تكون كروموسومة مكسورة ومعلّقة بأخرى، وهذه تسمى “Balanced translocation”، وهذه المشكلة قد تسبب الإجهاض بنسبة كبيرة، لذا نحتاج إلى إجراء فحص دقيق للرجل والمرأة للتأكد من عدم وجود أي أخطاء في الكروموسومات وترتيبها.
الأسباب والتشخيص
* هل هناك عمر محدد لإجراء تلك الفحوصات؟
** نحن نجري هذه الفحوصات حتى سنّ الـ 37 إذا كان هناك إجهاض متكرر، لأن هناك أسباب أخرى عديدة قد تؤثر على الإجهاض المتكرر لدى المرأة؛ مثل السكري والغدة الدرقية والسمنة وتليّف الرحم، وهناك أسباب أخرى مرتبطة بالأمراض المناعية، وكذلك في حالة وجود مشكلات مرتبطة بلزوجة الدم، وأسباب مرتبطة بالعادات السيئة مثل التدخين أو تناول الكحول، وكل هذه الأسباب يكون لها تأثير ضار قد يؤدي إلى الإجهاض المتكرر.
* إذن كيف نشخّص الأسباب التي تؤدي إلى الإجهاض المتكرر؟، وهل بعد أول مرة يجب على المرأة أن تبحث عن السبب أم بعد الثانية أم ماذا؟
** كما ذكرت فإن الأمر يتوقف على عمر المرأة، وسأعطيكِ مثالًا شخصيًا عني وعن زوجتي، حيث تعرضت زوجتي للإجهاض 3 مرات، ولكن السبب كان واضحًا، لذا لم نحمل همَّا حيال ما حدث، حيث كانت في عمر الـ 41، ولكن الحمد لله رُزِقنا بالطفل في المرة الرابعة.
إذن إذا كانت المرأة صغيرة وتعرضت للإجهاض فلا شك هناك سبب وراء ذلك، ويجب الفحص والتشخيص لدى طبيب مختص، وعلى العكس كلما كبرت وتقدمت في العمر.
واليوم أصبحت هناك وسائل متقدمة نستطيع أن نمنع من خلالها الإجهاض، خاصةً بالنسبة للسيدات الصغيرات في السنّ، لكن العلاج يتوقف في المقام الأول على التشخيص، والتشخيص يجب أن يتم عند أطباء متخصصين وماهرين في هذا المجال.
* هل يمكن أن تذكر لنا بعض التحاليل التي يتم إجراءها؟
** أغلب التحاليل تكون مرتبطة بفحوصات الدم؛ من حيث الكروموسومات ولزوجة الدم والأمراض المناعية والسكري والغدة، وهناك تشخيص آخر خاص بالرحم وتكوينه.
أضرار وتطورات
* ما هي الأضرار المتوقعة للإجهاض المتكرر؟
** يوجد شقين للأضرار؛ الأول أنه يتم إجراء بعض التدابير من أجل تنظيف أو تجريف الرحم بعد الإجهاض، وفي هذه الحالة قد تحدث بعض الالتصاقات داخل الرحم، والثاني هي المشكلات النفسية التي تتعرض لها المرأة بسبب تكرار الإجهاض، وهذا الجانب مهم جدا ولا يجب الاستخفاف به.
* هل يمكن أن يؤدي الإجهاض المتكرر إلى العقم؟
** نعم، بالتأكيد يمكن ذلك، خاصةً في حالة إذا ما حدثت التصاقات داخل الرحم مثلما ذكرت.
العلاج بالأدوية
* هل هناك علاج بالأدوية لحالة الإجهاض المتكرر؟
** العلاج بالأدوية يكون بحسب السبب المؤدي إلى الإجهاض، فمثلًا إذا كان سبب الإجهاض مرتبط بالغدة فتكون العلاجات المقدمة لعلاج الغدة، أو إذا كان السبب مرتبطًا بالسكري فإن العلاج يكون من خلال أدوية السكري وضبط نسبة السكري بالدم.
* هل يمكن لبعض الأدوية أن تؤدي إلى الإجهاض، لا سيّما وأن هناك كثيرين يستخدمون الأدوية لسبب أو بدون سبب؟
** نعم، ولذلك أنا أنصح كل سيدة خلال أي فترة من فترات حملها بأن تستشير الطبيب المتخصص قبل أن تتناول أي أدوية.
لدينا في الولايات المتحدة كل يوم حوالي 11 ألف حالة ولادة (4 ملايين كل سنة تقريبًا)، والشيء المحزن أن هناك طفل يُولد ميتًا من كل 175 طفل يُولد كل نهار؛ أي هناك 60 طفلًا كل يوم يُولدون ميتين.
وبالمناسبة نصف حالات الوفاة هذه كان بالإمكان منع حدوثها إذا ما تم إتباع العادات السليمة والتشخيص والمتابعة الدقيقة، والشيء المثير أكثر أن 95% من النساء اللاتي تم معالجتهن على يد طبيب متخصص يمكنهن الإنجاب بشكل طبيعي في المرة التالية.
تكرار الإجهاض
* إذا ما حدثت وفاة للجنين وهو في مرحلة متقدمة من الحمل، فهل من الوارد أن يحدث فقدان للجنين لنفس السيدة في حملها التالي أيضا، خاصةً إذا لم يتم معرفة السبب في المرة الأولى؟
** لا، ولو تحدثنا عن الإحصائيات حول وفيات الأجنة “Stillbirth” في الولايات المتحدة سنجد أن هناك 3% فقط من النساء من الوارد أن يتكرر معهن هذا الأمر في المرة التالية للحمل، وبالرغم من ذلك فإن هذه النسبة أكبر بـ 8 مرات من المعدل العالمي، لهذا أؤكد مرة أخرى على ضرورة الفحص ومعرفة سبب حدوث الإجهاض.
وإذا شعرت المرأة بأي تغيّر في حركة الجنين بداخلها ـ على الأقل 10 مرات كل ساعتين ـ فيجب عليها التوجه فورًا للطبيب، لأن هناك سبل الآن موجودة لفحص الجنين، والتأكد من حالته، وهناك إمكانية لولادته قبل ميعاده، بدلًا من تركه داخل الرحم في وضع غير مهيئ قد يؤدي إلى وفاته.
وبالمناسبة؛ ثلث الحالات فقط هي التي لا نستطيع معرفة سبب وفاة الجنين فيها، أما في ثلثي الحالات فيمكننا معرفة السبب، ومعظمها تكون مشكلات مرتبطة بالخلاص أو المشيمة “Placenta”، حيث يحدث انفصال فيها، ومن ثمَّ لا يصل الدم والأكسجين للجنين ثم يتوفى، وهناك مشكلات أخرى لها علاقة بالضغط والسكري والسمنة، أو مشكلات جينية لدى الجنين نتيجة زواج الأقارب، أو مشكلات خاصة بالأمراض التناسلية أو طريقة الأكل وطبيعته، وغيرها الكثير، وإذا عرفنا السبب، فبإمكاننا أن نمنع هذا السبب.
خطر أكبر
* من هن السيدات المعرضات أكثر لخطر وفاة الجنين في الرحم؟
** السيدات اللاتي لديهن أمراض مناعية، لأن المشاكل التي لديهن تؤثر بصورة كبيرة على فرص الحمل، كذلك السيدات اللاتي لديهن سمنة مفرطة أو نسبة سكري غير مستقرة أو ضغط دم مرتفع على الدوام، وبالطبع كلما قللنا من هذه الأسباب ومن خطورتها كلما قلت نسب حدوث الإجهاض المتكرر.
* ما هي الأعراض التي تواجهها الأمهات بعد وفاة الجنين في الرحم؟
** هذا الأمر ليس سهلًا، وأظن أن الأمهات اللاتي يفقدن أجنتهن عليهن أن يأخذن الوقت الكافي لتجاوز ذلك نفسيًا، والأهم من ذلك ألا يستقر في ذهنهن أنهن السبب فيما حدث، وأن يحصلن على الدعم والعلاج النفسي الكافي والملائم، مع ضرورة تفادي تناول الأدوية غير الموصوفة، والاهتمام بصحتهن وبأكلهن، وألا يفكرن في الحمل مرة أخرى إلا بعدما تصبح المرأة قادرة على ذلك ومستقرة من الناحية النفسية.
نصيحة أخيرة
* ما هي نصيحتك لكل سيدة تستمع إلينا الآن؟
** نصيحتي دائما للجميع.. ألا تفقدوا الأمل، وأن تحسنوا اختيار الطبيب المتخصص لمشكلتكم حتى يتم تفادي حدوث الإجهاض مرة أخرى.