سر الإقالات المفاجئة في CNN و Fox News.. هل تغير المشهد الإعلامي الأمريكي؟

في إعلان مفاجئ وصادم هز وسائل الإعلام وعالم السياسة في أمريكا، أعلنت شبكة Fox News عن طرد مقدم البرامج اليميني تاكر كارلسون Tucker Carlson، كما أعلنت شبكة CNN عن طرد المذيع دون ليمون Don Lemon.
الإعلان المتتالي عن طرد المذيعين الكبيرين أثار جدلًا كبيرًا في الأوساط الإعلامية، وأثار الكثير من التساؤلات حول توقيت الطرد وأسبابه.
وأكد مراقبون أن هذه الخطوة من الشبكتين، بغض النظر عن أسبابها الحقيقية، قلبت المعايير في الإعلام الأمريكي، حيث قدمت رسالة مفادها بأنه “لم يعد أحد في مأمن من الطرد”، خاصة بعد أن أصبح اثنان من كبار الإعلاميين وأكثر الشخصيات إثارة للجدل في وسائل الإعلام بلا عمل الآن.
طرد تاكر كارلسون
وأعرب كثيرون عن اندهاشهم من قيام شبكة فوكس نيوز بطرد تاكر كارلسون، رغم أنه يعتبر مذيع الشبكة الأكثر مشاهدة. وقالت فوكس نيوز في بيان لها: “اتفقت فوكس نيوز ميديا وتاكر كارلسون على الانفصال. نشكره على خدمته للشبكة كمضيف وقبل ذلك كمساهم”.
وكان آخر ظهور لـ”كارلسون” في برنامجه “تاكر كارلسون تونايت” يوم الجمعة الماضي 21 أبريل، وأعلنت فوكس عن برامج يحمل اسم “فوكس نيوز تونايت” سيتم بثه بشكل مؤقت يقوده مذيعون بالتناوب، حتى يتم اختيار خليفة لـ”تاكر كارلسون”.
ووفقًا لـ CNN فد قال شخص مطلع على الأمر إن قرار فوكس “بطرد كارلسون اتخذه الرئيس التنفيذي، لاتشلان مردوخ والرئيسة التنفيذية لفوكس نيوز سوزان سكوت، مساء الجمعة الماضي، وتم إبلاغ كارلسون بالقرار صباح الاثنين.
صعود ونفوذ
وكان كارلسون قد انضم إلى Fox News كمساهم في عام 2009، وعمل كمضيف مشارك لبرنامج “Fox and Friends Weekend” من 2012 إلى 2016. ثم ظهر عرضه الليلي الذي يحمل اسمه في نوفمبر 2016، وانتقل إلى الساعة 8 مساءً في أبريل 2017.
ويحظى كارلسون بسمعة غير جيدة في الولايات المتحدة، بسبب آرائه التي وُصفت بالعنصرية، خاصة في ظل تطرقه لنظريات المؤامرة والتلاعب بالرأي العام، كما يوصف بأنه يميني متطرف.
ولم يكتفِ كارلسون بالتشكيك مرارًا حول شرعية انتخابات 2020 الرئاسية، بل روج أيضًا لنظريات المؤامرة حول لقاحات كوفيد-19 والهجوم على مبنى الكابيتول.
كما لعب كارلسون دورًا في التأثير على كبار ساسة الحزب الجمهوري، حتى أصبح أحد أكثر الشخصيات نفوذًا داخل الحزب، وحرص المشرعون الجمهوريون على نيل رضاه، ومنحه ترامب فرصة المقابلة الأولى له بعد اتهامه في قضية الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز.
أسباب الطرد
وجاء رحيل كارلسون عن شبكة فوكس نيوز بعد أيام من وصول شركة فوكس كورب، الشركة الأم لـ”فوكس نيوز”، إلى تسوية بقيمة 787.5 مليون دولار مع شركة “دومنيون” لأنظمة التصويت، التي رفعت دعوى قضائية ضد فوكس نيوز في مارس 2021، متهمة إياها ببث بيانات كاذبة تدعي أن شركة دومينيون ساعدت في تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020 ضد الرئيس السابق دونالد ترامب.
ووفقًا لموقع “الحرة” فقد نشر محامو “دومينيون” محادثات داخلية صادمة جرت بين عاملين في “فوكس نيوز”، من بينهم كارلسون، كشفت عن مواقف شخصية لهم مغايرة تمامًا لما يروجون له على الشاشة.
فقد عُرف كارلسون بعلاقته الوطيدة بترامب، والتي وصلت إلى ذروتها خلال انتخابات 2020، واقتحام مبنى الكابيتول، حيث دافع كارلسون باستماتة عن ترامب، واتهم السلطات بتزوير الانتخابات، بينما في الحقيقة كان يرسل برسائل لزملاء له في “فوكس نيوز”، يبدي فيها “كرهه الشديد” لترامب، واعتقاده بأن “فترة ولايته في البيت الأبيض كانت كارثة”، متهماً الرئيس السابق بتوريطه هو والشبكة في معلومات خاطئة عن الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
ولعب كارلسون دورًا كبيرًا في تلميع مشاهد أعمال الشغب واقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، حتى أن كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب الحالي، ألقى اللوم على كارلسون متهماً إياه بالتعليق على أعمال الشغب تلك وتقديمها على أنها نزهة عابرة لسياح مسالمين وليسوا متمردين عنيفين، عرّضوا أعضاء الكونغرس للخطر، وفقًا لـ independentarabia.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن برنامج كارلسون لعب دورًا كبيرًا في إذكاء عنصرية البيض، والتعاطف الكبير مع الحركة العنصرية المؤيدة لحقوق المولودين في أمريكا على حساب حقوق المهاجرين إليها، وذلك بهدف تحقيق أكبر قدر من المشاهدات، ووصفته بأنه البرنامج الأكثر عنصرية في تاريخ الشبكات الإخبارية.
كما واجه كارلسون اتهامات من جانب زميلات له بنشر كراهية النساء والتمييز في مكان العمل، والسلوك غير اللائق والمضايقات ضد النساء العاملات معه في برنامجه ومن بينها التحرش الجنسي.
وكان برنامج كارلسون في السابق محط اهتمام مقاطعة المعلنين، حيث تراجعت شركات كبرى مثل AstraZeneca و Pacific Life عن رعايته بسبب تعليقاته الجنسية والعنصرية.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن “الرسائل المبتذلة والمسيئة” عن زملائه والتي تم اكتشافها في دعوى شركة ساهمت في الإطاحة به، مشيرة إلى أن غياب كارلسون قد يفتح الباب أمام فوكس نيوز لجذب المعلنين الذين فقدتهم، وهو ما يجعل اللعبة إعلانية في الأساس، وفقًا لمحللين.
الخطوة التالية
وتحدثت تقارير إعلامية عن أن العامل المادي أيضًا كان وراء قرار “فوكس نيوز” طرد كارلسون، مشيرة إلى أنه أصبح يشكل “عبئا” على القناة.
لكن وفقًا لشبكة cbsnews فإن Fox News ستواجه خطر تراجع حجم المشاهدات في فترة الذروة التي كان يقدم فيها برنامج “Tucker Carlson Tonight”، حيث تشير التقييمات المبكرة إلى أن الجمهور في تلك الساعة قد انخفض منذ آخر عرض لكارلسون يوم الجمعة.
فقد اجتذب برنامج “فوكس نيوز تونايت” الذي يذاع في الساعة الثامنة مساءً حاليًا، التي 2.6 مليون مشاهد ليلة الاثنين و1.7 مليون مشاهد ليلة الثلاثاء، وهما أول يومين بعد الإطاحة بكارلسون، ويمثل هذا انخفاضًا بنسبة 2% و36% على التوالي من 2.65 مليون مشاهد شاهدوا عرض كارلسون النهائي في 21 أبريل.
وحول الخطوة التالية لكارلسون قالت الشبكة إن كارلسون سيكون لديه الكثير من الفرص والعروض من مؤسسات إخبارية محافظة أخرى بسبب شهرته وشعبيته.
وبالفعل عبرت شبكة “آر تي” الإخبارية التلفزيونية الحكومية الروسية عن ترحيبها به في صفوفها، كما تلقى كارلسون عرضًا غير مباشر من One America News Network، منافس Fox News، التي علقت على رحيله قائلة “ربما تكون خسارة فوكس نيوز مكسبًا لشركة OANN”
فيما استبعد البعض انضمام كارلسون إلى شبكة إعلامية رئيسية بسبب نهجه المتعصب، مشيرين إلى أنه ربما ينضم بدلًا من ذلك إلى “عملية إعلامية لليمين المتطرف الهامشي، مثل NewsMax أو OANN، أو أن ينشئ منصته الإعلامية الخاصة على غرار جلين بيك ، الذي أنشأ BlazeTV بعد مغادرة Fox News.
وأوضحوا أن إنشاء شركة تحمل علامة Tucker Carlson قد يكون الأنسب له، لانه يستطيع من خلال ذلك اجتذاب رأس المال والجمهور المطلوبين دون أي مساعدة من علامة إعلامية موجودة مسبقًا”.
طرد دون ليمون
من ناحية أخرى أعلنت شبكة CNN في بيان لها عن الاستغناء عن المذيع دون ليمون Don Lemon، الذي يقدم برنامج “CNN This Morning” مع بوبي هارلو وكايتلان كولينز.
وقال كريس ليخت، الرئيس التنفيذي للشبكة، في مذكرة للموظفين: “سيبقى دون إلى الأبد جزءًا من عائلة CNN، ونشكره على مساهماته على مدار الـ 17 عامًا الماضية”. و”نتمنى له التوفيق وسنشجعه في مساعيه المستقبلية”.
وقال ليمون، في تغريدة على حسابه في تويتر إن الشبكة CNN أقالته، مشيرًا إلى أنه “ذُهل” بعد إبلاغ وكيله له بخبر إقالته بعد 17 عامًا من العمل في الشبكة، وقال إنه كان يفضل أن يتحدث إليه مسؤول في الإدارة مباشرة لإبلاغه بذلك، بعد هذه المدة الطويلة.
وأضاف أنه لم تصدر أي إشارات من الشبكة عن رغبتها في إنهاء خدماته، متوقعًا وجود “مشكلات أكبر” وراء هذا القرار.
— Don Lemon (@donlemon) April 24, 2023
من جانبها ردت CNN على ما قاله ليمون، واصفة روايته للأحداث بأنها “غير دقيقة”، وقالت الشبكة في بيان لها على تويتر إنها عرضت عليه فرصة لقاء الإدارة، لكن بدلًا من ذلك أصدر بيانا على تويتر.
Don Lemon’s statement about this morning’s events is inaccurate. He was offered an opportunity to meet with management but instead released a statement on Twitter.
— CNN Communications (@CNNPR) April 24, 2023
وكان ليمون قد انضم إلى CNN في سبتمبر 2006. وقبل مشاركته في تقديم برنامج “CNN This Morning”، استضاف Lemon برنامج وقت الذروة “Don Lemon Tonight” لأكثر من 8 سنوات.
واكتسب شهرة كبيرة خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، بسبب تعليقاته على الرئيس السابق، والرد على أكاذيبه ووصفه بأنه “عنصري”.
وتعرض ليمون لانتقادات واسعة بسبب التعليقات الجنسية التي أدلى بها في برنامج CNN This Morning في فبراير الماضي، خلال مناقشة على الهواء حول اقتراح المرشحة الجمهورية للرئاسة نيكي هايلي بأن يخضع السياسيون الأكبر سنًا لاختبارات الكفاءة، وجادل ليمون بأن هايلي البالغة من العمر 51 عامًا “ليست في أوج حياتها”، مشيرًا إلى أن المرأة “تعتبر فقط في أوجها في العشرينات والثلاثينيات وربما الأربعينيات”.
ووصفت إدارة CNN هذه التعليقات بأنها “غير مقبولة”، وقال ليخت إنه أجرى محادثة “صريحة” مع ليمون، الذي اعتذر عما قاله.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، نشرت مجلة Variety تقريرًا يفصل مزاعم كراهية النساء التي يطلقها ديمون وتستهدف زميلات العمل، ونفى ليمون هذه المزاعم.
تغيير لمواجهة الاستقطاب
وفقًا لمجلة fortune فإن كلًا من تاكر كارلسون ودون ليمون هما نتاج المشهد الإعلامي الأمريكي، الذي يبدو أنه يتجه في هذه المرحلة إلى العمل على تقليل الاستقطاب في البلاد، ويرى أننا نعيش أن لحظة حرجة تتطلب تغيير ما يتم تغطيته ومن يغطيه.
وأشارت إلى أنه بعد طرد اثنين من الإعلاميين البارزين في الصراع خارج الصورة، يمكن لـ CNN وFox إما الحفاظ على الوضع الراهن وإحضار نسخ كربونية منهما تستمر في إثارة الغضب والانقسام، أو يمكنهما رسم مسار جديد لا يخفض درجة الاستقطاب فحسب، بل يقف أمامه ويواجهه أيضًا.
وأوضحت المجلة أن CNN وFox ليستا هما الشبكتان الوحيدتان اللتان تلعبان دورًا في إحداث التغيير، مؤكدة أنه بعد طرد كارلسون وليمون لا بد أن يمارس الجمهور دوره والاستفادة من قوته لتحديد من سيأتي بعد ذلك، خاصة وأن هناك أدلة كثيرة تظهر أن الناس يريدون تغطية إخبارية أكثر توازناً وموجهة نحو الحلول لا افتعال المشاكل والاستقطاب.
وفي هذا الإطار وجدت دراسة جديدة من More in Common أن 63% من الأمريكيين يعتقدون أنه يجب على وسائل الإعلام تقديم تقارير عن الحلول بقدر المشاكل – و88% يريدون الاحتفال بما هو صواب بدلاً من انتقاد الخطأ.
وهناك علامات على أن بعض المنافذ الإعلامية تشعر برغبة الأمريكيين في التغيير، وتقوم بإنتاج محتوى يركز بشكل أكبر على المواضع التي نتفق فيها أكثر من تلك التي نختلف بشأنها.
على سبيل المثال فإن برنامج بريت باير الليلي على قناة فوكس نيوز يحتوي على مقطع أسبوعي يشجع ضيفين على إيجاد مجالات اتفاق، وهذا أمر لم يكن من الممكن تصوره حتى قبل 5 سنوات. وفيما يتعلق بأزمة مناقشة سقف الديون، سلطت منافذ إعلامية متعددة الضوء على الاقتراحات التي تجمع حل المشكلات من الحزبين.
وأشار استطلاع أجراه معهد رويترز لقادة دوليين إلى أن ثلاثة أرباعهم يخططون لتركيز أكبر على صحافة الحلول. ويجب أن تتحرك CNN وFox والصناعة بأكملها بسرعة لجذب هذا الاهتمام المتزايد بالحلول لا بالصراع.
ويجب على الجمهور أن يمارس دوره ويضغط لدفع وسائل الإعلام إلى هذا الاتجاه، ففي كل مرة نضغط على عنوان بذيء، أو نشاهد حتى دقيقة واحدة من برنامج إخباري مثير للانقسام، فإننا نقوم بتصويت لصالح هذا النوع من المحتوى.
وإذا انضم عدد كافٍ منا لهذا الأمر، فيمكننا إحداث تغيير عميق في المشهد الإعلامي لدينا، فبقدر ما تبدو الأشياء مظلمة، نعتقد أن بذور التغيير تُزرع حاليًا، ولدينا جميعًا ما بداخلنا لمساعدتها على النمو.