الراديورمضان

رمضان والشباب.. كيف نحافظ على العقيدة ونفوز بالهدايا والمنح الربانية؟

تقديم: أ. د. عبدالجليل منصور ــ أعدها للنشر: أحمد الغـر

حلقة جديدة من برنامجكم المميز “رمضان والشباب”، مع فضيلة الدكتور عبدالجليل منصور، تناولت الحلقة 3 محاور هامة؛ أولها حول كيفية الفوز بالهدايا والمنح والهبات الربانية التي اختص بها المولى عز وجل عباده المؤمنين بها في شهر رمضان.

وثانيها حول أثر التدين والعقيدة في الشباب، مع طرح أمثلة من القرآن الكريم وسيرة النبي حول دور الشباب في حمل الرسالة، والاعتناء بهم، وأثر الصوم في هذه الفئة الطيبة المباركة.

بينما تناول المحور الثالث دور الفتيات والشابات في حمل العقيدة، وكيف أن الإسلام لم يفرق بين الذكر والأنثى، ولا بين الشباب والفتيات، وكذلك عرض نموذج لأحد الشباب الصائم القائم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثر الصوم وتقوى الله فيه.

يُذكر أن الدكتور عبدالجليل منصور هو مهندس ميكانيك، وحاصل على ليسانس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، ودبلوم في الفقه وخطيب سابق في مساجد دمشق وخطيب في عدة مساجد بولاية ميشيغان.

رمضان.. منحة ربانية

يقول رسولنا الكريم ﷺ: ” قدْ جاءَكمْ شهرُ رمضانَ، شهرٌ مباركٌ افترضَ اللهُ عليكُمْ صيامَهُ، يفتحُ فيهِ أبوابُ الجنةِ، ويغلقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ”، وقال أيضًا: ” إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ”، فإذا أتى على المسلم شهر رمضان وهو في صحة جيدة وعافية ونشاط، فهي نعمة كبيرة وعظيمة.

لقد كان المسلمون ـ وما زالوا ـ ينتظرون هذا الشهر الكريم المبارك ويدعون الله عز وجل قبل أن يأتي، بأن يتفضل عليهم بأن يكونوا من أهل شهر رمضان وقلوبهم وألسنتهم تدعوا الله بـ “اللهم بلغنا رمضان، فإذا بُلّغوا، نادوا من أعماق قلوبهم: يا رب سلّمنا لرمضان، وسلّمه لنا، وتسلّمه منا متقبلا حتى ينقضي وقد غفرت لنا ورحمتنا وعفوت عنا”، فلله الحمد أننا شهدنا هذا الشهر الكريم هذا العام وقد مضى إخوتنا منذ شهر رمضان الماضي للقاء الله ولم يُكتب لهم شهود هذا الشهر المبارك، فرحم الله من مضى منهم وغفر لهم وعفا عنهم.

إن هذا الشهر يحتاج إلى شكر الله، لذا ندعوه بأن يعيننا على صيامه وقيامه، وأن يجعلنا من أهل ليلة القدر، فصيام هذا الشهر وقيامه يكفر الذنوب والخطايا ويمحو السيئات ما اجتنبت الكبائر لما له من فضل كبير ومكانة عظيمة، ففيه نزل القرآن ونزلت الكتب السماوية على أنبياء الله، حيث قال ﷺ: “نزَلَتْ صُحُفُ إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أوَّلَ ليلةٍ مِن رمَضانَ، وأُنزِلَتِ التَّوراةُ لسِتٍّ مضَيْنَ مِن رمَضانَ، وأُنزِلَ الإنجيلُ لثلاثَ عَشْرَةَ خلَتْ مِن رمَضانَ، وأُنزِلَ الزَّبُورُ لثمانَ عَشْرَةَ خلَتْ مِن رمَضانَ”.

ليلة القدر

وقد نزل القرآن في ليلة القدر التي تعدّ من أخص خصائص شهر رمضان، والتي قال عنها الله سبحانه وتعالى: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ”، إنها ليلة كريمة مباركة يفتح الله فيها الباب ويكتب للعاملين المخلصين فيها عظيم الأجر والثواب، وفيها ينزل جبريل والملائكة فيطوفون على الصائمين والقائمين والركع الساجدين والمستغفرين والباكين والمتضرعين.

وقد قال النبي ﷺ: “إذا كانت ليلة القدر، نزل جبريل في كوكبة من الملائكة، يصلُّون ويسلِّمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى”، ولا يخرج الشيطان في هذه الليلة حتى يُضِيء فجرها، وفي هذا الشهر يتضاعف الأجر للأعمال الصالحة التي يقوم بها المسلم، وخاصةً الصدقة في سبيل الله، والجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنّة، وقد قال ﷺ: “إنَّ في الجنَّةِ غُرفًا تُرَى ظُهورُها من بطونِها وبطونُها من ظُهورِها، فقامَ أعرابيٌّ فقالَ لمن هيَ يا رسولَ اللَّهِ، فقالَ لمن أطابَ الكلامَ وأطعمَ الطَّعامَ وأدامَ الصِّيامَ وصلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ”، وهذه كلها مجتمعة في شهر رمضان.

وكان بعض السلف يقول: “الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك”، وكان أبو الدرداء (رضي الله عنه) يقول: “صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يومًا شديد الحر لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة مخافة يوم عسير”، وكان نبينا وحبيبنا ﷺ أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، والجود هو الكرم والبذل والإنفاق والعطاء من غير سؤال.

شهر الجود والعمل الصالح

في هذا الشهر المبارك، من كرم الله عز وجل على عباده، أنه يجود عليهم بالرحمة والعتق من النار ولا سيما في ليلة القدر، والله يرحم من عباده الرحماء كما قال النبي الكريم ﷺ، فمن جاد على عباد الله.. جاد الله عليه، فأعطاه ومنحه ورقّاه والجزاء من جنس العمل، وفي صفات المؤمنين الأبرار يقول الله عز وجل: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً”، فهؤلاء مخلصون يريدون من وراء إطعامهم أن ينالوا رضا الله ومغفرته، فكان جزاؤهم “فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً* وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً”.

وقد رُوي أنه أهدى إلى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال: فلان أحوج إليه مني، فبعث به إليه. فبعث به هو أيضاً إلى آخر يراه أحوج منه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول، بعد أن تداوله سبعة!، وقد قال رسول الله ﷺ: “إن الله يقول يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي”.

طريقٌ إلى الله

يعتبر الصيام الذي كتبه الله على عباده المسلمين كما كتبه على الأمم التي قبلنا من أعظم ساحات الجهاد الروحي، فالمسلم يمتنع فيه عن الطعام والشراب وعن شهوة الجنس، بملء إرادته، وذلك تنفيذًا لأمر الله عز وجل وابتغاء مرضاته، فهو يرى الطعام أمامه وهو جائع فلا يأكل، ويرى الشراب في متناول يده ولكنه لا يشرب، ويمتنع عن زوجته وهي بجانبه مع أنها حلال له، ولكن الله منعه من هذه المبيحات خلال الصوم، فيطيع أمر الله وينفذ ما يُطلب منه بكل صدق وإخلاص ومحبة.

في شهر رمضان، يشعر الإنسان بنعمة الله ونعمة الطعام والشراب، ويتعاطف مع الفقراء والمساكين ويشعر بشعورهم ويحس بآلامهم وعذاباتهم، إن الصيام في شهر رمضان تجديد لشخصية المسلم ولعقله وقلبه، وتطهير لما يمكن أن يكون قد علق فيه من خطايا وآثام طوال أيام السنة.

ويكفي أن هذا الشهر قد شهد نزول كتاب الله على قلب سيدنا محمد ﷺ، ليكون لنا نبراسًا وهدى وهداية، فشهر رمضان معسكر إيماني فيه يكون التجديد للطاقات وتقوية العزائم وشحذ الهمم وإذكاء البواعث، فهو طريق عظيم إلى الله عز وجل، يرى المسلم نفسه في آخر يوم من أيامه، قريبًا من المولى، صافيًا رقيق القلب، سليم الفؤاد.

ذكر الإمام الشعراوي في تفسيره، أن رسول الله ﷺ سأل الصحابي الشاب حارثة بن مالك الأنصاري، وكان كثير الصيام والقيام والعبادة؛ كيف أصبحت يا حارثة؟، فرد قائلًا: أصبحت مؤمنًا حقًا، فقال له النبي ﷺ: انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟، فقال حارثة: عزفت نفسي عن الدينا فأسهرت لذلك ليلي، وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يتصايحون، فقال له النبي ﷺ: عرفت فالزم عبدًا نوّر الله قلبه بالإيمان.

عظمة الإسلام

لم يفرق الإسلام بين الذكر والأنثى، ولا بين الرجل والمرأة، ولا بين الشاب والفتاة، إلا في الأمور الخاصة بطبيعة الرجل أو بطبيعة المرأة، فالكل يلتقي في الواجبات نفسها، والكل عليه نفس الحقوق، وما أجمل هذه الكلمات في كتاب الله عندما يتكلم عن هذين النصفين المتكاملين من هذا المخلوق الكريم الذي أبدعه الخالق ورفع درجاته عنده: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”.

ويقول النبي ﷺ: “إنما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ”، أي أن النساء نظائر وأمثال الرجال في الأحكام المشتركة بينهما، فهن ـ كما قال العلماء ـ نظيرات الرجال فيما شرع الله وفيما منحهن من النعم إلا فيما استثناه الشرع فيما يتعلق بطبيعة المرأة، فحسب طبيعة الرجل وحسب طبيعة المرأة اختص الشرع الرجل بأشياء كما اختص المرأة بأشياء، والأصل أنهما سواء إلا فيما استثناه الشارع الحكيم.

وفي السيرة النبوية نماذج عظيمة ورائعة للفتيات المؤمنات الصادقات، حيث ضربن أروع الأمثلة في محبة الله ورسوله، وحمل دين الله وتقديم الغالي والرخيص في سبيل هذه العقيدة، عقيدة التوحيد والإيمان بالواحد الأحد، ولعل أعظم مثال يقدمه لنا كتاب الله على الفتاة الصادقة المؤمنة التي نشأت في طاعة الله وامتحنت وصبرت فكافأها الله ورعاها.

هي السيدة مريم بنت عمران وأم سيدنا عيسى وهي سيدة نساء العالمين، والتي بلغت القمة في صلاحها وتقواها، تلك الصدّيقة التي اعتزلت الناس لعبادة الله، واختبرت في أعز ما تختبر فيه فتاة شابة عذراء، فقد صدمت عندما حملت طفلًا دون أب وتمنت أن تُنسى فلا تذكر، لشدة عفافها وطهارتها ونبلها، لكن الله عز وجل خلّد ذكرها في كتابه، وأعلى شأنها وأعلن براءتها وجعلها نموذجًا يُحتذى، ثم جعل الله ابنها نبيًا ورسولًا من أولى العزم، وأجرى رب العزة على يديه الخير الكثير.

وفي تاريخ الدعوة الإسلامية وعندما كان الإسلام يشق دروبه الأولى في طرقات مكة، ثم عند هجرة الرسول الكريم ﷺ وفي المدينة المنورة، قدّم لنا الإسلام نماذج كبرى لفتيات مؤمنات صادقات في عمر الشباب، خُلِّدَ ذكرهن على مرّ الأيام والتاريخ، فهذه مثلًا أسماء بنت أبي بكر التي خلّد الإسلام ذكرها في صفحات ناصعات بيضاء بالنور الإيمان، والتي لها مواقف عظيمة ومشرقة في تاريخ الإسلام، كما خلّد الإسلام قصص أخريات مثل أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.

الشباب ورمضان

إن شهر رمضان فتحٌ للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وخاصةً الشباب والفتيات، لما فيه من منح المولى وأعطياته وتجلياته، ولا شك أن مرحلة الشباب أو الفتوة هي مرحلة عمرية هامة يمر بها الإنسان ذكر او أنثى وتبدأ من سن الخامسة عشر وتنتهي عند سن الأربعين تقريبًا، وأصل هذه الكلمة اللغوي يدل على القوة والنماء، قال تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً”، فبلغ أشده أي قوي وشبّ، وبلغ أربعين سنة أي تناهى الفهم عنده والعقل والإدراك.

وكلمة الشباب تشابه هذا المعنى في لغات كثيرة، ففي اللغة الإنجليزية مثلًا فإن كلمة “Youth” تعني أول الشيء، أي انه طازج وحيوي، وقد قيل قديمًا إن الشمس لا تسطع في المساء بل تسطع في الصباح، ففترة الشباب هي فترة القوة والإنتاج والحيوية والنشاط، وقال قال تعالى: “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ”.

وفترة الشباب تهفو إليها قلوب الصغار، يريدون أن يصلوا إليها سريعًا، كما يتمناها الكبار بعد أن تجاوزوها وابتعدوا عنها، قال الشاعر: “ألا ليت الشباب يعود يومًا .. فأخبره بما فعل المشيبُ”، ولأهمية هذه الفترة ونضارتها فقد جعل الله أعمار أهل الجنة هي أعمار الشباب، فهم لا يهرمون ولا يتحولون عن هذا العمر، وقد قال الرسول ﷺ: “أَهلُ الجنَّةِ جُردٌ مُردٌ كُحلٌ لا يفنى شبابُهم ولا تَبلى ثيابُهم”، لقد اهتم الإسلام بهذه المرحلة من العمر اهتمامًا عظيمًا، لأنها هي فترة القوة والإنتاج، وهي أفضل مراحل العمر وأطولها.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى