تقاريررمضان

بمناسبة ذكرى غزوة بدر.. تعرّف على أهم 10 انتصارات حققها المسلمون في رمضان

تمر اليوم، 17 رمضان، ذكرى عزيزة وغالية على قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهي ذكرى غزوة بدر الكبرى، التي حدثت في العام الثاني من الهجرة، وتعتبر من أهم الغزوات في التاريخ الإسلامي، لأن انتصار المسلمين فيها كان فاتحة للانتصارات والفتوحات والخيرات والتمكين لهم فيما بعد. وقد سمَّى القرآن الكريم ذلك اليوم “يوم الفرقان”؛ أي الذي فرق الله تعالى فيه بين الحقّ والباطل.

كما أن وقوعها في شهر رمضان المبارك أعطاها ميزة خاصة، فإذا ما تم ذكر الأحداث المهمة في تاريخ المسلمين والتي حدثت في رمضان؛ فإن أول ما يحضر في بال كل مسلم هو غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون بقيادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) على كفار قريش.

وتعد هذه المناسبة فرصة ليس للتذكير بغزوة بدر وحدها، ولكن للتذكير بأهم الانتصارات التي حققها المسلمون خلال شهر رمضان المبارك، والذي يعتبره البعض منا حاليًا شهرًا للنوم والكسل والانصراف عن العمل والجد والاجتهاد، بحجة التعب والإرهاق الناتج عن الصيام والجوع والعطش، فإذا بأسلافنا قد خاضوا فيه أشقّ الأعمال، وهي الحروب، وحققوا فيه أعظم الانتصارات وهم صائمون، وكثير منهم لقي ربه شهيدًا فنال عند الله تعالى أعظم منزلة.

شهر الجد والاجتهاد والجهاد

لقد كان شهر رمضان على مرّ تاريخ المسلمين شهرًا محفزاً للجد والاجتهاد في العمل والعبادة، حتى لو تطلب الأمر الخروج للجهاد والقتال، فلا مجال إلا لتلبية النداء والخروج لنصرة الحق والدين.

ولم يكن الصيام عن الطعام والشراب أبدًا مدعاة لتكاسل المسلمين عن أي شيء حتى ولو كانت الحرب؛ بل كان دافعاً لشنّ الغزوات وتحقيق الانتصارات، إيماناً منهم بأنّ الموت فيه في سبيل الله أسمى غاية للمؤمن.

ولهذا وقعت في هذا الشهر الكريم كبرى الغزوات، وحقق فيه المسلمون أعظم الانتصارات على أعدائهم، حتى أنه استحق عن جدارة أن يحمل اسم “شهر الانتصارات الكبيرة”، التي غيرت وجه التاريخ، بدءًا بغزوة بدر الكبرى وفتح مكة، ومرورًا بفتح الأندلس وفتح عمورية، ووصولًا إلى معركتي حطين وعين جالوت وحرب أكتوبر العظيمة.

في هذا التقرير نعيش مع عدد من أهم المعارك والحروب الخالدة التي خاضها المسلمون في هذا الشهر الكريم، ونجحوا من خلالها في كسر شوكة الهوان، وقهر المستحيل، وصنع المعجزات، وحققوا انتصارات وإنجازات لا تنسى ولا تمحى من ذاكرة تاريخ الأمة الإسلامية، لما كان لها من أهمية كبيرة في توجيه مصيرها ومسارها.

غزوة بدر الكبرى

وقعت بين المسلمين وكفار قريش في 17 رمضان من العام الثاني للهجرة، أي منذ 1442 عامًا، وسميت بغزوة بدر لأنها وقعت في أرض بدر، التي تعتبر محطة لمرور القوافل المتجهة إلى الشام والعائدة إلى مكة المكرمة، كما كانت تمثل سوقًا من أسواق العرب المشهورة بفضل موقعها الجغرافي المميز بين مكة والمدينة.

في هذه الغزوة المباركة قاد النبي -صلى الله عليه وسلم- 313 من أصحابه لاعتراض قافلة لقريش يقودها أبوسفيان بن حرب، إلا أن القافلة اتخذت طريقا آخر، مما طمّع كبار قريش على الخروج من مكة والتخطيط لمواجهة المسلمين بـ1000 رجل منهم، في معركة مباشرة، ظنوا أنها ستكون نزهة.

كان عدد المسلمين في هذه المعركة قليلا جدًا مقارنة بأعداد المشركين (أقل من الثلث)، لكن المسلمين صبروا وصابروا وثبتوا ورابطوا في أرض المعركة، وأظهروا شجاعة وبطولة أذهلت عدوهم.

ودعا النبي، صلّى الله عليه وسلم، ربّه، وناشَده أن يكتب له النصر الذي وعده به، فأنزل الله تعالى نصره على المؤمنين وأمدهم بالملائكة المسومين، ونزلت الآية الكريمة: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 123 – 126].

وبالفعل كتب الله النصر للمسلمين في هذه المعركة، وقتلوا 70 من المشركين من بينهم “أبو جهل” وأُسروا 70 آخرين، وحققوا الانتصار الأول لهم في تاريخهم الحربي، وأكسبهم هذا الانتصار روحًا معنوية عالية، أعطتهم الثقة في أنفسهم لمواجهة أعدائهم، بعد أن أزال الله من قلوبهم الوهن، وقذف في قلوب أعدائهم الرعب القاتل.

فتح مكة

ولا ننسى أيضًا أن فتح مكة الذي يُسمَّى أيضاً (الفتح الأعظم) وقع يوم 20 رمضان في العام الثامن من الهجرة، واستطاع المسلمون خلاله فتحَ مدينة مكة وضمَّها إلى دولتهم الإسلامية.

ففي هذا اليوم المبارك قاد النبي صلى الله عليه وسلم 10 آلاف مقاتل لفتح مكة بعد أن نقضت قريش الهدنةَ التي كانت بينها وبين المسلمين في صلح الحديبية، وأعانت حلفائها في الإغارة على قبيلة خزاعة، الذين هم حلفاءُ المسلمين، فنقضت بذلك عهدَها مع المسلمين.

ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة بعد أن استسلم أهلها وعلى رأسهم سيد مكة أبوسفيان بن حرب، فطاف صلى الله عليه وسلم بالبيت الحرام، ثم حطم 360 صنماً حول الكعبة، وهو يقول: “جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا”.

ثم دخل الكعبة، فصلّى فيها ركعتين، وكبّر في نواحي البيت، وخطب في الناس خطبة عرفت بخطبة فتح مكة، وبايعه أهل مكة، رجالاً ونساء، على الإسلام،  وأطلق سراح أسرى كفارها، وقال قولته الشهيرة: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

وأصبحت مكة جزءاً من دولة المسلمين، وأقام بها النبي، صلى الله عليه وسلّم، 19 يوماً، يرشد الناس إلى الإسلام، ويبثّ سراياه حول مكة للدعوة إلى الإسلام وتحطيم الأوثان.

وفتح مكة من الأحداث الفاصلة في تاريخ الإسلام التي أعز الله فيها دينه وأذل أعداءه، فبهذا الفتح خسر الكفر أهم معاقله وحماته في بلاد العرب، وكان الفتح بداية سيطرة الإسلام على الجزيرة العربية بأكملها، إذ أثر تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهالي مكة من الصفح والعفو الجميل تأثيرًا كبيرًا أدى إلى انتشار الإسلام بين العرب، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، وأصبحت مكة المكرمة قلعة منيعة لدين التوحيد والهداية.

معركة القادسية

كانت في رمضان، سنة 15 للهجرة، بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص، وهي من المعارك الفاصلة بين المسلمين والفرس، وقد عانى المسلمون في هذه المعركة من الأفيال، التي نفرت منها الخيل، ولكن القبائل العربية التي كانت حليفة لكسرى قبل إسلامها، انضمت لجيش المسلمين، ومنها قبيلة تميم، التي كان لها دور كبير في وضع خطة لهزيمة الفيلة، بحكم خبرات أفرادها السابقة في القتال بجوار الفرس في السابق، فنجحت هذه الخطة في هزيمة الفرس بعد أن استشهد الآلاف من جيش ابن أبي وقاص.

فتح الأندلس

في عام 92 هجرية كانت جيوش المسلمين بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير تقرع أبواب أوروبا عن طريق الأندلس (إسبانيا والبرتغال حاليًا)، فعبر طارق المضيق الذي عرف باسمه فيما بعد (مضيق جبل طارق)، ومعه جيش معظمه من الأمازيغ، وسيطر على ذلك الموقع بعد اصطدامه بالحامية القوطيَّة، ثم أقام عدة أيام في قاعدة الجبل نظَّم خلالها جيشه، واستولى على القلاع والمدن القريبة مثل قرطاجنة والجزيرة الخضراء، ثمَّ تقدم باتجاه الغرب حتى بلغ خندة جنوبي غربي إسبانيا التي يقطعها نهر برباط عبر وادي لكة الشهير، وعسكر هناك.

حين بلغ رودريك، ملك القوط، خبر جيش المسلمين جمع جيشًا قوامه حوالي 40 ألف جندي، وزحف به من عاصمته طليطلة. وحين بلغ طارق خبر حجم حشود رودريك، طلب المدد من موسى بن نصير فأمده بخمسة آلاف مقاتل، ليصبح جيشه 12 ألف مقاتل. والتقى الجيشان في 28 رمضان 92 هـ/ 17 يوليو 711 م قرب شذونة جنوب بحيرة خندة عند وادي لكة، فهزم المسلمون جيش رودريك، وفر هذا الأخير ولم يظهر مرة أخرى. وبذلك صار الطريق سالكًا أمام المسلمين لاستكمال فتح الأندلس.

ومن المعروف أن بالفتح الإسلامي للأندلس (إسبانيا حاليًا)، بدأ بحملة عسكرية انطلقت في سنة 92هـ الموافقة لِسنة 711م،  قادها المسلمون تحت راية الدولة الأموية ضد مملكة “القوط” الغربيين المَسيحيَّة في هسبانيا، التي حكمت شبه جزيرة أيبيريا والتي عرفها المسلمون باسم “الأندلُس”، بجيشٍ معظمه مِن البربر بقيادة طارق بن زياد، فنزل عام 711م ، ثم توجه شمالًا حيث هزم ملك القوط لُذريق (رودريك) هزيمةٌ ساحقة في معركة وادي لكة.

واستمرت الحملة حتى سنة 107هـ المُوافقة لِسنة 726م واستولتْ على مناطق واسعة من إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا، وكان من أسباب فتح الأندلُس إقبال البربر على اعتناق الإسلام بعد تمام فتح المغرب، وتوقهم لِلغزو والجهاد في سبيل الله، وكَان هذا الفتح بداية للتواجد الإسلامي في الأندلس الذي امتد لِنحو 800 عام تقريبًا، لتصبح الأندلس عروس الأمة، وبوابة ومعبرًا لدخول الإسلام في عمق أوروبا.

معركة بلاط الشهداء

تسمى أيضًا معركة تور أو معركة بواتييه، وهي معركة دارت في رمضان 114 هـ/ أكتوبر 732م، في موقع يقع بين مدينتي بواتييه وتور الفرنسيتين، وكانت بين جيش المسلمين بقيادة والي الأندلس عبد الرحمن الغافقي من جهة، وقوات الفرنجة والبورغنديين بقيادة شارل مارتل من جهة أخرى.

فبعد أن فتح المسلمون نصف فرنسا الجنوبي كله، وكانوا على بعد كيلومترات قليلة من باريس، جمع شارل مارتل جيشًا من المرتزقة ومقاتلين من حدود الراين ومن بورغانديا، وكان وقتها عبد الرحمن الغافقي قد وصل إلى تور بمن تبقى من جيشه، بعد معاركه في أقطانيا وقطلونية وسبتمانيا أو الحاميات التي خلفها وراءه.

وفي رمضان 114 هجرية، التقى الجيشان في معركة بلاط الشهداء، أو كما تسمى في الغرب بمعركة بواتيه، وهو سهل قريب من مدينة بُواتييه الفرنسية، قرب باريس.

ودارت مناوشات عديدة بين الجيشين لعدة أيام، إلى أن لجأ المسلمون للهجوم في اليوم الأخير بفرسانهم على جيش شارل، وبدا كما لو أن المسلمين اقتربوا من النصر. إلا أن شارل أرسل فرقًا يعتقد أنها كانت بقيادة أودو هاجمت معسكر المسلمين من الخلف؛ مما دفع المسلمين لمحاولة إنقاذ معسكرهم.

حاول الغافقي ومن بقي من جنوده معه الثبات في القتال والسيطرة على الموقف بعد أن اضطربت صفوف المسلمين، وظل يقاتل حتى استشهد في المعركة، ثم نجح بقية جيش المسلمين في الدفاع عن معسكرهم حتى نهاية اليوم.

وفي الليل، اجتمع قادة الجيش ورأوا أن ينسحبوا ليلًا بعد أن فقدوا قائدهم عبد الرحمن الغافقي، وفي اليوم التالي، عندما وجد الفرنجة أن القتال لم يتجدد تخوفوا من أن يكون ذلك كمينًا، إلى أن استطلعت قواتهم مخيمات المسلمين التي تركوها وراءهم ووجدوها فارغة، بعد أن اضطر المسلمون للانسحاب من الميدان، وكانت هذه آخر محاولتهم لفتح فرنسا.

وانقسم المؤرخون حول أهمية هذه المعركة، بين مسلمين ذكروها في مصادرهم باقتضاب، وغربيين بالغوا في وصفها بالمعركة الفاصلة التي أوقفت المد الإسلامي في أوروبا، رغم أن التاريخ يسجل حدوث معارك أخرى لاحقة كسب من خلالها المسلمون ثغورًا أخرى في بلاد أوروبا.

فتح عمورية

في رمضان من العام 223 هجرية، قاد الخليفة العباسي المعتصم بنفسه جيشًا كبيرًا لفتح عمورية بعد أن استنجدت به امرأة بصرختها الشهيرة “وامعتصماه”.

وعمورية هي بلدة كبيرة قرب أنقرة التركية، وكانت من أفضل البلاد الأوروبية، وأكثر مكانة من القسطنطينية، وكان الروم قد هاجموا المسلمين، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، كما أوردت كتب التاريخ، وأسروا الرجال وسبوا النساء، فصاحت منهم امرأة هاشمية: “وا معتصماه”، فبلغ الخبر المعتصم، فأجابها وهو جالس على عرشه: “لبيكِ، لبيكِ”، وجهّز جيشاً عظيماً، وخرج إلى الروم في السادس من شهر رمضان، وحاصر عمورية إلى أن سقطت وفتحها المسلمون ودخلوها في 17 رمضان سنة 223هـ.

معركة الزلاقة

في شهر رمضان من سنة 479هـ، جرت المعركة الشهيرة بين جيش المرابطين، بقيادة يوسف بن تاشفين، الذي دخل الأندلس من المغرب، وجيش الفرنجة، في مدينة الزلافة وهي تقع في جنوب دولة إسبانيا حالياً.

وكان قائد الفرنجة قد كتب كتاباً يتهدّد فيه المسلمين، فكتب له ابن تاشفين على ظهر كتابه: “الذي يكون ستراه”، وقاد المعركة بنفسِه، وكان في الرابعة والثمانين من عمره،  وكتب الله فيها النصر له ولجيشه.

وكانت هذه المعركة سبباً في بداية عصر المرابطين في الأندلس، وهو العصر الذي تلا عصر الطوائف الذي كادت فيه الأندلس أن تسقط، لولا انتقال المرابطين من المغرب إلى الأندلس، بعد استنجاد آخر ملوك الطوائف، المعتمد بن عباد، بابن تاشفين، مع أنّ هذا الأخير أطاح بحكمه فيما بعد وتولى هو إمارة الأندلس.

موقعة حطين

هي المعركة التي أعادت للأمة هيبتها وقبة قدسها، وحدثت في 26 من شهر رمضان سنة 584 هجرية، الموافق 27 شهر نوفمبر للعام الميلادي 1188 بقيادة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي.

وكانت معركة فاصلة بين المسلمين والصليبين، ووقعت عند قرية تسمى حطين تقع بالقرب من قرية المجاورة، بين الناصرة وطبريا، وانتصر فيها المسلمون، وأسفرت عن تحرير مملكة القدس وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون في الشام، وينظر إليها على أنها المعركة التي مهدت لتحرير بيت المقدس وأنهت الوجود الصليبي في المشرق.

معركة عين جالوت

وقعت معركة عين جالوت يوم 25 رمضان 658 هـ، وكانت إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي؛ حيث استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول، وذلك بعد انتكاسات مريرة لدول ومدن العالم الإسلامي، حيث سقطت الدولة الخورازمية بيد المغول، ثم تبعها سقوط بغداد بعد حصار دام أياماً، ثم استبيحت المدينة، وتم تدمير مكتبات بغداد، وقُتل الخليفة المستعصم بالله، آخر الخلفاء العباسيين، فسقطت معه الخلافة العباسية، وتبع ذلك سقوط جميع مدن الشام وفلسطين والتي خضعت لهولاكو.

لكن الله قيض لهم جيش مصر بقيادة الملك المظفر سيف الدين قطز وقائده الباسل ركن الدين بيبرس، والذين خيبوا ظن المغول ولقنوهم درسًا قاسيًا في معركة جالوت.

كانت مصر في تلك الفترة تئِنُّ من الصراعات السياسية الداخلية، وانتهت هذه الصراعات باعتلاء سيف الدين قطز عرش مصر سنة 657 هـ/ 1259 سلطانًا لمماليك مصر، حيث بدأ بالتحضير لمواجهة المغول، فقام بترتيب البيت الداخلي لمصر وقمع ثورات الطامعين بالحكم، ثم أصدر عفوًا عامًا عن المماليك الهاربين من مصر بعد مقتل فارس الدين أقطاي بمن فيهم بيبرس.

وما إن انتهى قطز من تجهيز الجيش حتى سار به من منطقة الصالحية شرق مصر حتى وصل إلى سهل عين جالوت الذي يقع تقريبًا بين مدينة بيسان شمالًا، ومدينة نابلس جنوبًا في فلسطين.

وفيها تواجه الجيشان الإسلامي والمغولي، وكانت الغلبة للمسلمين، واستطاع الآلاف من المغول الهرب من المعركة واتجهوا قرب مدينة بيسان، وعندها وقعت المعركة الحاسمة وانتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا، وأُبيد جيش المغول بأكمله.

وتروي كتب التاريخ أنه خلال المعركة ألقى سيف الدين قطز خوذته عن رأسه إلى الأرض، وصرخ بأعلى صوته: “وا إسلاماه”، ثم بدأت المعركة فانهزم المغول في البداية، ثم عاودوا الكرّة،  فكاد جيش المسلمين أن ينهزم، لولا أن صرخ قطز صرخة وصفتها بعض كتب التاريخ بالعظيمة، فسمعه معظم العسكر، فحفزهم على القتال، ونزل السلطان عن فرسه، ومرَّغ وجهه في الأرض وقبَّلها، وصلّى ركعتين، فكانت الغلبة لجيشه.

وكان هذا الانتصار بداية انحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجوا منها نهائياً، وتم إيقاف المد المغولي بالعالم الإسلامي.

فتح أنطاكية

في الرابع من رمضان من عام 666 للهجرة ( 1268 ميلادي)، نجح المسلمون بقيادة الظاهر بيبرس في استرداد مدينة إنطاكية من يد الصليبيين بعد أن ظلت أسيرة في أيديهم 170 عامًا.

وكان بيبرس قد تولى سلطنة المماليك في مصر سنة 658هـ، وظهر إبداعه في السلم والحرب، فأنشأ اتحادا بين اثنين من أعظم أقاليم الإسلام هما الشام ومصر، وتسلم زمام الحكم والمسلمون في أشد محنهم وضعفهم، فبلغ بهم أعلى ذرى المجد والتمكين، وتغلب على أعظم عملاقين عاثا في بلاد الإسلام فسادا هما المغول والحملات الصليبية، ليسطر اسمه في صفحات التاريخ المشرقة.

وسقطت أنطاكية في أيدي الصليبيين عام 491 هجرية، وركز عليها الصليبيون بسبب أهميتها، وذلك بحكم موقعها الذي يصل بين الشام وبلاد الروم، فضلاً عن أهميتها الدينية عندهم.

أزال الصليبيون كل الآثار الإسلامية التي فيها، وحولوا مساجدها إلى كنائس، وكان حاكمها أشد الحكام أذى للمسلمين، حيث وجدوا منه من الأذى ما لم يجدوه من قبل، واهتموا بتحصينها غاية الاهتمام، حتى بنوا عليها سورا طوله 12 ميلا، وعلى هذا السور ما يقارب 136 برجا، وفي هذه الأبراج 24 ألف شرفة، يطوف عليها الحراس كل يوم وليلة بالتناوب، فغدت من أعظم المدن في ذلك الحين مناعة وحصانة.

وظلت أنطاكية مستعمرة نحو 170 سنة، إلى أن جاء الظاهر بيبرس، الذي أخذ على عاتقه استرجاع البلاد الإسلامية، فقام بطرد التتار من الشام إلى العراق ليتفرغ لقتال الصليبيين، وبدأ يفتح المدن، الواحدة تلو الأخرى، ومهد الطريق للتوجه إلى أنطاكية بأن فتح كل المدن التي في طريقه إليها، فعمل على عزلها عما جاورها من المدن وقطع عنها الإمدادات.

وخرج بيبرس بجيشه من مصر إلى فلسطين ففتح يافا وتلتها طرابلس ثم توجه إلى أنطاكية، وعمل على تقسيم جيشه إلى 3 فرق، اتجهت فرقة منها إلى ميناء السويدية لتقطع الصلة بين أنطاكية والبحر، وفرقة أخرى اتجهت إلى الشمال لسد الممرات بين قلقلية والشام، ومنع وصول الإمدادات من أرمينية الصغرى.

أما الفرقة الرئيسية التي كانت بقيادته فتوجهت مباشرة إلى أنطاكية، وضرب حولها حصارًا محكما في أول رمضان سنة 666هـ، حتى طلب أهلُها الأمان، وأرسلوا وفدا للتفاوض معه، ولكنهم اشترطوا شروطا كثيرة رفضها بيبرس، وشدّد في حصارهم حتى فتحها، وأطلق من فيها من أسرى المسلمين، وعادت هذه المدينة إلى المسلمين بعد أن سيطر عليها الصليبيون 170 عاما.

حرب أكتوبر 1973

وفي العصر الحديث يتذكر العرب والمسلمون انتصار حرب أكتوبر 1973 والتي وقعت يوم 10 رمضان 1393هـ، وانتصر فيها الجيش العربي بقيادة مصر وسوريا على إسرائيل، ونفض عار الهزيمة التي تلقاها العرب في نكسة 1967 التي احتلت فيها إسرائيل شبه جزيرة سيناء من مصر، وهضبة الجولان من سوريا، بالإضافة إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني وقطاع غزة.

في هذه الحرب المجيدة هزم الجيش المصري العربي أسطورة “الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر”، بعد أن حطّم خطّ بارليف الحصين، وأشعل في الجزيرة العربية والعالم الإسلامي تباشير الأمل والثقة في النفس بعد أن خارت قوة الأمة وطار طيرها بعد النكبة الكبرى والنكسة النكراء.

ومن أهم نتائج هذه الحرب تحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي، وتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979، واسترداد جزء من مرتفعات الجولان السورية بما فيها مدينة القنيطرة وعودتها للسيادة السورية، وكذلك واسترداد مصر لسيادتها الكاملة على سيناء وقناة السويس في 25 أبريل 1982، عدًا طابًا التي تم تحريرها عن طريق التحكيم الدولي في 19 مارس 1989، ليظل هذا اليوم احتفالًا رسميًا بذكرى النصر الأعظم في مصر والدول العربية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى