الراديوتغطيات خاصةرمضان

في رحاب رمضان.. تجديد الخطاب الديني واستثمار أثر الشهر الكريم خلال باقي العام

أجرى الحوار: سامح الهادي ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

في برنامجنا المميز “في رحاب رمضان”، استضاف “راديو صوت العرب من أمريكا” نخبة من العلماء والأئمة الأفاضل، من بينهم الإمام الدكتور محمد بشار عرفات، والإمام محمد المردينى، لاستعراض أحوال الناس في رمضان، ومناقشة طبيعة فهم المسلمين في أمريكا للدين، وكيف يمكن أن يتغير هذا الفهم للأفضل من خلال تجديد مستنير للخطاب الديني.

رمضان والنموذج الإسلامي
* نبدأ حوارنا مع الدكتور محمد بشار عرفات، ونسأله: كيف يمكن للمسلم أن يدرك دوره في تحسين صورة الإسلام على المستوى الدولي، ليُحسن تقديم النموذج الإسلامي في تصرفاته؟

** نحن ننتظر هذا الشهر المبارك من السنة إلى السنة، ولذلك نشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة رمضان، ونعمة الصيام والقيام، وأريد أن أتحدث فقط في 3 محاور؛ الأول وهو الهدف من الصيام حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ)، معنى هذا أن المسلم الذي يصوم ويعيش لحظات رمضان المباركة، عليه أن يفكر كيف يكون رحمةً لنفسه؟، وكيف يكون رحمةً للناس جميعًا؟، وذلك من خلال (هُدىً لِلنَّاسِ)، فيقول الله سبحانه وتعالى أن الهدف من القرآن هو هداية الناس.

والمسلم عليه أن يتعلم كيف أن يكون هاديًا للناس بعد أن يهديه الله، فنحن نقرأ في سورة الفاتحة كل يوم وفي كل رقعة، قوله (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)، فهذه الهداية إذا لم تكن موجودة فهذا يعني أن الإنسان في ضلال، ويقول تعالى في سورة الكهف (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا)، فالهداية من الله، وشهر رمضان هو محفِّز لكل السنة ولكل العمر، والعودة إلى طريق الاستقامة مع الله.

أثر ممتد
* كيف يمكن أن يستمر أثر رمضان الإيجابي والعملي ممتدًا معنا طوال الـ 11 شهرًا المتبقية من العام؟

** نحن مأمورون في هذا الشهر بزيادة الصلوات والعبادات والأذكار، وكان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر، فهذا الشهر هو شهر القرب من الله، والخلوة مع الله تعين الإنسان على أن يملأ خزان التقوى عنده وفي قلبه، ولكي يعيد حساباته مع الله من أجل أن يجلس مع الله الذي هو مصدر الأنوار والتجليات، ومن ثمَّ ستتأثر أفكارك وحياتك إيجابًا، فهدف رمضان هو أن نعود إلى معاني التقوى.

وعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن رمضان في سورة البقرة، قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وهذه ناحية مهمة علينا أن نبدأ بها قبل أن نتطرق إلى آثار هذا الشهر، فالتقوى تمد الإنسان بقوة إيمانية وربانية عظيمة، ويتحقق ما جاء في الحديث القدسي “كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها”.، فالتقوى هي التي تنجيّ من كل همِّ وغمّ، وعندما يتصل الإنسان بالله سبحانه وتعالى في شهر رمضان فإنه يتحول من إنسان شخص إلى إنسان أمة، وقد قال تعالى عندما تكلم عن إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا).

* ولكن هل يكفي وجود الإحساس بالتقوى خلال شهر رمضان بأن يكون العمل قليلًا؟

** يقول نبينا ﷺ: “سَدِّدُوا وقارِبُوا، وأَبْشِرُوا، فإنَّه لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه برَحْمَةٍ”، معنى هذا أن عملنا وحده لا يكفي إن لم يكن هناك فضل من الله، نحن مأمورون بالعمل ولكن العمل مهما كان جيدًا وصالحًا فلا بد له من عون وقبول من الله، لذا علينا دائما التواضع والوقوف دائما على عتبات الله والدعاء دائما بالقبول، فعلى الإنسان أن يعمل ويرجو البركة والقبول من الله.

فمعاني البركة تجدها أيضا في رمضان من خلال وجودك مع الله، وما يهم المسلم في عمله هي النيّة، فمهما كان العمل قليلًا وضعيفًا فإن الله يباركه ويجعل منه ما يهتدي به الناس حتى بعد موت هذا الإنسان.

شعور إيماني
* كيف يمكن لرمضان أن ينمّي عند المسلم الشعور الإيماني بينه وبين الله، وبينه وبين بيئته المحيطة، خصوصًا وأننا في مجتمع ليست به أغلبية مسلمة، وتقييم المسلم فيه ينعكس على تقييم المسلمين والإسلام ككل؟

** من نفحات وبركات رمضان أن يكون الإنسان أيضا رحمةً وهدى وخير للناس، ولذلك يفتتح الله ـ عز وجل ـ صورة الفاتحة بقوله (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، لم يقل رب المسلمين أو رب المؤمنين، ولكن رب العالمين، والخطاب في القرآن الكريم تجده مرةً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، ومرةً تجده (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، ومرةً (يَا بَنِي آدَمَ)، ومرةً (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) أي المسيحيين واليهود، ومرةً (يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، فحتى من كفروا ولا يؤمنون بالله قد أمر الله نبيه بأن يخاطبهم ويقول لهم (ا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).

هذه الآيات أنا أعتبرها من باب حرية الرأي وحرية المعتقد وكيفية مخاطبة الآخر، ولذلك فإن هذا يعادي تماما الأفكار المتزمتة والمتشددة عند الآخرين الذين يريدون أن يضربوا أو يقتلوا أو يفجروا، فهل هؤلاء قرأوا القرآن وقرأوا الآيات التي تتحدث عن المخالف لديننا وكيف نقوم بمحاورتهم؟، لذلك الهدف من قراءة القرآن هو مراجعة تاريخ البشرية كلها، كقصة خلق آدم ومخالفة إبليس لأوامر الله والتي انتهت بإخراج إبليس من الجنة، رغم أنه كان بمقدر الله ـ عز وجل ـ أن يقتله ويفنيه تماما، فجمال القرآن أنه يذكر لنا كل شيء منذ بداية الخلق وحتى وفاتك وما سيحدث بعدها.

كتاب لكل زمان ومكان
* ألا يمكن أن تكون هذه النظرة المستقاة من القرآن في سرده القصصي، تعتبر القرآن يقوم بدور كتاب التاريخ، وما يُقرأ من زاوية تاريخية ينتهي أثره بانتهاء الأثر الزمني الذي وردت فيه القصة؟، كيف يمكن للقصص الواردة في القرآن الكريم ممتدة بامتداد الزمان والمكان؟

** القرآن به تاريخ، ولكنه ليس كتابًا للتاريخ، كما أن القرآن به علوم فيزيائية وجغرافية وكل العلوم، ولكننا لا نقرأه ككتاب علوم، بل إنه يُظهر لنا عظمة الخالق فيما أتي وفيما سيأتي مستقبلًا، نحن نقرأ كل هذه القصص كي نتعظ منها، ولكي نعرف النظرة الصحيحة لوجودنا على هذه الأرض.

الله سبحانه وتعالى يريد منا ان نكون خليفته في أرضه، وأن نكون صالحين ومصلحين، ولذلك في هذا الشهر المبارك نحن نقرأ القرآن لكي نتعلم كيف نعيش، وهذا الشهر المبارك هو أيضا شهر للمهاجرين إلى أمريكا وأوروبا لكي يعرفوا كيف يمكن أن يكون لهم تأثير في أمريكا، وذلك من خلال ممارسة الشعائر الدينية التي يكفلها لهم الدستور الأمريكي.

وأنا أتمنى أن تقوم الجامعات الإسلامية في العالم العربي بأن تولي بعض المناهج لدراسة الدستور الأمريكي، الذي أراه وثيقة إنسانية هامة تحفظ لي كمسلم أعيش في أمريكا أن أقيم المسجد وأن أصلي في أي وقت ولا يأتي أي فرد ويقول لي أغلق المسجد بعد صلاة كذا.

وللأسف فإن أكثر من 60٪ من المراكز الإسلامية في أمريكا تخاطب المسلمين، ولا تخاطب غير المسلمين الذين يعيشون حولهم، فلماذا لا يتم تحويل المراكز الإسلامية إلى شعلة للعلم وللسلام، ولذلك أنا أقول إن قراءة القرآن في رمضان تعطي للمسلم في أمريكا تفكيرًا آخر؛ كيف يمكن أن يكون له تأثير في أمريكا وحول العالم.

تجديد الخطاب الديني
* لننتقل الآن للحديث عن طبيعة فهم الشريعة ومعطياتها وقواعدها من خلال الخطاب الديني والذي قد يؤثر بشكل أو بآخر على التطبيقات والسلوكيات لبعض الأفراد، فما رأيك فيما نشهده الآن من خطاب ديني والدعوات المطالبة بضرورة تجديده؟

** بالنسبة لي كخريج شريعة، تخرجت في أواخر الثمانينات ثم أتيت إلى أمريكا، فإن قراءاتي للقرآن تغيّرت كليًا بناءً على المعطيات التي أعيشها في هذا البلد، يؤسفني جدًا بانه لا توجد برامج تبادل ثقافي بين خريجي كليات الشريعة في العالم العربي والإسلامي وبين أمريكا، أنا أتكلم عن معايشة للواقع، لذلك أسسنا في مركزنا برامج للتبادل الثقافي وعندما يأتي الناس من الشرق الأوسط ويعايشوا الواقع الأمريكي نجد أن بعض المفاهيم لديهم تتغير.

فموضوع العادات والتقاليد وأثرها في التجديد من الأمور المهمة جدا، ولا سيما في ظل الحياة التي نعيشها نحن اليوم، ولذلك أنا أقول علينا أن نقرأ القرآن جيدًا، وأن نحوّل ما فيه إلى برامج على أرض الواقع ويكون لها تمويل لكي يتم تنفيذها.

* ألا يعدّ ذلك تغريبًا، بأن نترك التراث والقديم وننقطع عنه وننظر فقط لواقعنا، ونستقي قراءةً وفهمًا جديدًا؟، لا سيّما وأن هناك من يقول إن قطع صلتنا بالقديم لن يمكننا من التأسيس للحاضر.

** أنا أقرأ القديم لكي أتعلم من القدماء كيف أوجدوا وقائع جديدة لأشياء لم تكن موجودة، فمثلًا عندنا في التراث يُسئل بعض الائمة عن مسألة فيقولوا: هل وقعت؟، فيُجابوا: لا، فيردون: إذن دعوها لعالم زمانها.

ثمة موضوع آخر مهم كان لا بد أن نتحدث عنه، وهو موضوع الأندلس ووجود المسلمين هناك بعيدًا عن العراق ومصر وبلاد الشام، كان لديهم هناك فقه وإرث أندلسي يختلف عما وجدناه في المشرق، الآن التاريخ يعيد نفسه ونحن الآن في مرحلة جديدة في أمريكا، حيث بدأت المراكز الإسلامية والمنظمات الدينية في تقديم الكثير من البرامج التي لا توجد في المشرق.

وأنا أعتقد أن دور مسلمي أمريكا القادم سيكون له أثر وتأثير على مسلمي أوروبا ومسلمي الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى بسبب الحريات الدينية والدستور الأمريكي والذي ـ للأسف ـ هناك الكثير من المسلمين لم يقرأوه.

اختلاف لا خلاف
* ينطلق المسلمون في أمريكا من مذهبين رئيسيين؛ السنة والشيعة، كيف يمكن للخطاب الديني أن يكون مقنعًا للآخر إذا كان أساسه الرئيسي مختلفًا عليه ما بين سنة وشيعة؟

** مذهب إخواننا على مذهب أهل البيت قائم منذ أكثر من ألف سنة وسيبقى بعد موتنا، نحن مهمتنا هنا في أمريكا بألا نأتي بهذه الترهات ولا ما يحدث في عالمنا العربي أن نأتي به إلى أمريكا، وأنا أقول للمسلم: إياك ثم إياك أن تنصاع لهذه الدعوات، نحن هنا في هذا البلد نتواصل مع الجميع ونتكلم مع الشيعة وغيرهم، فهذا بلد الحريات، وهناك أمور عفا عليها الزمن، فأنا لا أريد أن أتكلم عما حدث بين علي ومعاوية (رضي الله عنهما)، بل أريد أن أتكلم عن وضعنا ـ نحن ـ الآن، وكيف يمكننا أن نبني مستقبل به الخير لنا ولكل الناس.

ونحن هنا عندما تأتينا الوفود من الازهر ومن مختلف البلدان الإسلامية، عادةً ما تكون هناك زيارات لمساجد إخواننا من أهل البيت، لذلك فإننا بحاجة لأن نكون مثالًا للحوار والتواصل مع بعضنا البعض رغم اختلاف الراي أو وجهات النظر.

نموذج متطور
* هل تعتقد أن هناك شيئًا يمكن أن نفعله لكي نقدم نموذجًا متطورًا في خطابنا الديني؟

** في أمريكا لا توجد وزارة أوقاف مثل الدول الأخرى، لذا فإن المهمة تقع على عاتق الجاليات المسلمة والأئمة والعلماء والحكماء في هذا البلد، لما يجب أن يكون عليه المسلم، ومرة أخرى أؤكد من وحي رمضان، والحمدلله أن هناك الكثير من المؤتمرات للأئمة هنا لكي يقوموا بهذا الواجب.

* هل تعتقد أن المسلمين استطاعوا أن يوجدوا مؤسسات تحسن تنسيق خطابهم الديني وأفكارهم بدرجة كافية؟

** نعم، ولكن لا تكفي، ربما هي لا تزال آخذة في الانتشار أكثر فأكثر، ومع الأسف لا تزال العقليات التي أتينا بها من بلادنا مؤثرة في المراكز الإسلامية، وأنا أعتقد اننا ما زلنا بحاجة لإعطاء الميكروفون لإخواننا وأخواتنا الذين أسلموا لكي يتقدموا وتكون لهم مشاركة في الصفوف الأولى، لا تزال هناك حواجز غير مرئية موجودة ونحن بحاجة إلى تجاوزها، لأنه وكما قال الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

واقع الخطاب الديني
* نستكمل الجزء الثاني من الحلقة مع فضيلة الإمام محمد المرديني، ونتحدث عن فهمنا للخطاب الديني في رمضان، كيف ترى فهم المسلمين في أمريكا للخطاب الديني؟، هل يفهمونه بشكل قاصر على الشكل دون المضمون؟، هل فقط نتمسك بالحجاب والجلباب القصير أم أن هناك فهمًا أعمق بما ينعكس على سلوكياتنا كمسلمين؟

** ما ذكرته من الظاهر، فهذه كانت من الأمور التي عاشها النبي ﷺ مع قومه ولم يغيّرها، فكانت من صميم عادات العرب ومن صميم ما كانوا يلبسون في ذلك الوقت، فالتأسيّ به خيرٌ وبركة، ولكن للإسلام معنى أعمق، فالرسول ﷺ عندما سُئِلَ عن دعوته ورسالته قال “إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ”، فمكارم الاخلاق هي دليل إيماننا بالله، أما فيما يخص اللبس فقد العرب قاطبةً يلبسون تلك الثياب.

أهم ما في الخطاب الديني هو أن يعبر للناس عما في رمضان من الالتزام بروحانيات الإسلام، وأعلاها الأخلاق، ولذلك قال الله تعالى “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، فالقرآن جاء كي يحيي هذه الأخلاق العظيمة في نفوسنا وفي أعمالنا، كما أن الصيام ليس صيامًا عن الطعام أو الشراب، بل صيام عن الأعمال المخلّة كما قال الرسول ﷺ في الحديث ” إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ”.

ما عِظَم هذه الأخلاق في شهر الصيام، الذي قال عنه الرسول ﷺ: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”، ومن معاني الصيام أنه يجعل الإنسان يشعر بألم الفقراء والمساكين الذين لا يملكون شيئًا، كما تعلو فيه الأرواح والنفوس عبر تقديم الخير.

وينبغي علينا أن نربط أخلاقنا بواقعنا، وأن نمد يدنا إلى الذين لا يملكون والذين يعانون، لا سيّما في هذا الشهر الكريم، فنحن بحاجة إلى أن نرفع اصواتنا من أجل العدل والحرية والسلام، فهذا ما ينبغي علينا أن نفعله، وما ينبغي للخطاب الديني أن يتحلى به.

تمرينٌ للنفس
* يرى البعض أن الصيام يحرمه من القهوة أو التدخين أو ما شابه، وهو ما يدفعه إلى تغيّر المزاج أو الانفعال، فهل هذا السلوك مبررًا؟

** بالعكس، فأنت في مرحلة تشبه تمرين النفس على أقصى درجة، لذلك قلت إن الصيام يجعلنا نشعر بألم المحتاجين والفقراء، فأنت ستعاني في داخلك من العطش والجوع، والحرمان من العادات المألوفة، لأن الصيام به تغيير لكل القواعد، فالإنسان يستيقظ من قبل صلاة الفجر من أجل الاستعداد لهذا الصيام.

كما أن الإنسان مأمور بتذكر نعم الله عليه، فنحن لا نعلم الخير إلا عندما نفقده، كما أن حرمان الشخص من قهوته أو ما شابه لا يجب ان يكون مزعجًا بل يجب أن يعودّه على الصبر، فهذا هو شهر الصبر، والصبر يُجازى عليه الناس بلا حساب، وكل الأبحاث والدراسات أثبتت أن الصيام مفيد للجسم نفسيًا وجسديًا وعصبيًا، فبالصيام تنتهي كل العوارض.

ختامًا، في هذا الشهر ينبغي أن تزول الضغائن والخلافات، وأن يكون هذا الشهر هو شهر السلام بكل معانيه، وأنا أتمنى من إخواني الذين يحملون لواء إنارة القلوب ورفعة الأرواح أن يستنيروا بها، وأن يعودوا إلى عهد التسامح وأن ندعو بعضنا بعضًا بأن نتسامح ونتعاون، فالخطاب الديني أمرٌ مهم جدا.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى