أميركا بالعربيتقاريررمضان

المسلمون في أمريكا خلال رمضان.. عادات وتقاليد أصيلة وخير وعطاء لا ينقطع

رغم اختلاف أصولهم، يحرص المسلمون في المجتمع الأمريكي على الاحتفاظ بالعادات والتقاليد الإسلامية خلال شهر رمضان، ونظرًا لأنهم ينتمون إلى أصول وبلاد مختلفة جاء منها أسلافهم الذين هاجروا إلى أمريكا، فإن عادات وتقاليد المسلمين الأمريكيين في رمضان متنوعة.

وغالبًا ما يتذكر المهاجرون لأمريكا أول شهر رمضان مرّ عليهم في الولايات المتحدة، باعتباره الوقت الذي بدأوا يتعلمون فيه عادات جديدة غير التي كانوا قد تعودوا عليها في بلد المنشأ.

عادات وتقاليد أصيلة

ورغم ذلك لا زالت كل أسرة تحتفظ بتقاليدَ مجتمعها الذي قدمت منه إلى أمريكا وتعمل على إحيائها، فعلى سبيل المثال لا تزال الأُسر تحرص على التجمعِ على مائدةٍ واحدةٍ للإفطار معًا من أجلِ تقوية العلاقات بين جميع أفرادِ الأسرة.

كما أن من أهم عادات المسلمين بالولايات المتحدة خلال شهر رمضان إقامة موائد إفطار جماعية تتبعها صلاة التراويح، مما يعد مناسبة مهمة لتحقيق التقارب الاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي الأمريكي.

ومن خلال تجمعهم معًا يحاول المسلمون في أمريكا التغلب على غياب الأجواء الرمضانية في بلد يمثلون فيه أقلية. فعلى خلاف ما يحدث في الدول الإسلامية بالشرق، فإن المسلمين في أمريكا لا يشهدون في رمضان تغييرات كبيرة تُشعرهم بالشهر الكريم.

ففي حين يحصل المسلمون في الدول العربية على أجازات ومواعيد عمل خاصة في رمضان تتضمن تخفيض ساعات العمل اليومية، لا يلحظ المسلمون في أمريكا أي تغيير ملموس يشعرهم بأن هناك شهر مختلف أقبل عليهم.

لذلك يفضل بعض المسلمين الأمريكيين قضاء هذا الشهر الكريم في بلاد الشرق، سواء في الأماكن المقدسة مثل مكة والمدينة، أو في بعض المدن الإسلامية مثل اسطنبول وماليزيا، أو في بلدهم الأم التي قدموا منا لأمريكا، حتى يشعروا أكثر بأجواء رمضان.

أجواء رمضان في أمريكا

أما في الولايات المتحدة نفسها فتقتصر الأجواء الرمضانية على حياة المسلمين الخاصة، وعلى المساجد. لكن الأمر لا يخلو من بعض مظاهر تفاعل المجتمع الأمريكي بصفة عامةً مع الشهر الكريم،

فهناك اهتمام من وسائل الإعلام بحلولِ رمضان، ونشر الصحف مواعيد بدء الصيام، وكذلك نشر المواد الصحفية الخاصة بالشهر من عادات وتقاليد المسلمين، وأشهر الأكلات التي تنتشر في أوساط الجالية الإسلامية.

كما يهتم الرئيس الأمريكي بدعوة المسلمين إلى الإفطار في البيت الأبيض، وينص الدستور الأمريكي على احترام العبادات والأديان كلها دون تفرقة.

ويلمس المراقب لحياة المسلمين الأمريكيين نشاطا في أداء العبادات خلال الشهر الكريم، ويكون الأمر أقوى حضوراً في المناطق التي تتواجد بها جالية مسلمة كبيرة العدد.

ففي مدن مثل ميشيغان وشيكاغو تكون أجواء الشهر أفضل، لكون الجالية المسلمة في هذه المدن كبيرة العدد، وبالتالي توجد عشرات المساجد كبيرة الحجم، والتي تزدحم بشكل كبير أثناء صلاة التراويح.

ويستطيع أي عابر خارج المسجد أن يشعر أن هناك احتفالاً أو مناسبة خاصة، فالموقف التابع للمسجد يكون مليئاً بالسيارات بشكل غير طبيعي، مما يستوجب وجود رجال كل مهمتهم تنظيم حركة ووقوف سيارات المصلين.

وتقيم المساجد إفطارًا مجانيًا جماعيًا أيضاً، حيث تجد المصلين يفطرون سوياً بعد الأذان وقبل أداء صلاة المغرب، ومن ثم فإن الحضور الرمضاني يكون قوياً.

كذلك تشعر بالأجواء الرمضانية بشكل كبير في المطاعم العربية في وقت الإفطار، حيث تجد صحبة كبيرة من رواد المطعم الصائمين يفطرون معك في نفس المكان.

أما في المدن الصغيرة فيشعر المسلمون بأجواء رمضان من خلال الصحبة والإفطار الجماعي، فهذه هي الفرصة الوحيدة للشعور بما كانوا يشعرون به على مائدة الإفطار الرمضانية قبل الهجرة إلى أمريكا.

وخلال الشهر الكريم تحرص المؤسسات والمراكز والجمعيات الدينية الإسلامية على تنظيم العديدَ من الأنشطة التعريفية بشهر رمضان وعباداته وروحانياته، وعن الصيام وفضله، وعن الإسلام بصفة عامة، حيث يتحول الشهر الكريم إلى مناسبةٍ دعوية إرشادية للمسلمين وغير المسلمين.

رمضان مختلف

استطلع موقع Share America آراء عدد من المسلمين حول عاداتهم وتقاليدهم في رمضان، ومن بينهم رضوان جاكا، من منطقة واشنطن العاصمة، الذي قال إن العديد من زملائه في المركز الإسلامي مهاجرون أو لهم أصول مختلفة، وبالتالي يتم تقديم إفطار يومي يشمل قوائم طعام متنوعة بين مأكولات جنوب آسيا والشرق الأوسط والأطعمة الأفريقية والأمريكية وغيرها.

وحول طقوسه في رمضان يقول إنه مثله مثل المسلمين في كل مكان، يبدأ يومه بالصيام والصلاة وتلاوة القرآن والتصدُّق للجمعيات الخيرية وأداء الأعمال الصالحة ثم التجمع لتناول الإفطار. ويقول جاكا إن رمضان في الولايات المتحدة هو وقت التكافل الاجتماعي والنمو الروحي.

بينما تقول سميرة جويد، التي هاجرت من باكستان في سن 29 عامًا، إنها تتذكر شهر رمضان الأول لها في الولايات المتحدة على أنه مختلف تمامًا عن رمضان الذي كانت تحتفل به مع أسرتها في باكستان في المنزل، بينما في أمريكا اعتادت على المشاركة في الأنشطة الرمضانية التي يتم تنظيمها في المسجد بالمركز الإسلامي، مشيرة إلى أن “هذا تقليد تنفرد به أمريكا.

وتقول جويد إن أكبر تحدي واجهته في أمريكا خلال شهر رمضان هو التوقيت الصيفي، حيث يؤدي تغيير الساعة إلى تأخير وقت الإفطار إلى ما بعد الساعة 9 مساءً، حيث يمكن أن يصل عدد ساعات الصيام في بعض المناطق إلى 18 ساعة، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة.

وأشارت إلى أنها في الأعوام الأولى لها في الولايات المتحدة كان رمضان يحلّ خلال فصل الشتاء، حيث يكون غروب الشمس حوالي الساعة 5 مساءً.

طارق رشيد، وصل إلى أمريكا من الهند وهو شاب، وأصبح الآن إمامًا بالمركز الإسلامي في أورلاندو بولاية فلوريدا، يقول إنه يستمتع بالطريقة التي ينظم بها الأمريكيون الأنشطة الرمضانية لجميع أفراد الأسرة.

ويتذكر رشيد شهر رمضان الأول له في أمريكا قائلًا إنه كان مميزًا للغاية، مشيرًا إلى أن المسلمين في المجتمع المحلي كانوا يتجمعون كل مساء، وكان أفراد عائلته يصلّون معًا، ويفطرون معًا، ويلتقون بالآخرين، ويكوّنون صداقات جديدة في كل ليلة من ليالي الشهر المبارك.

وفي عطلة نهاية الأسبوع، يستضيف المسجد فعاليات رياضية بعد الصلاة، يشارك فيها كل من الرجال والنساء. ويقول: “كان كل هذا جديدًا بالنسبة لي”، مشيرًا إلى أنه في الهند، يحضر الرجال فقط إلى المساجد وهي مكانًا للصلاة فقط، بينما المساجد في الولايات المتحدة غالبًا ما تكون محور الأنشطة الاجتماعية والدينية وحتى الرياضية.

وينظم رشيد في المسجد تجمعات للإفطار للمسلمين مع معتنقي الديانات الأخرى، وذلك بمشاركة الكنائس والمعابد اليهودية المحلية. ويقول إن تجمعات الإفطار هذه هي أهم ما يميز شهر رمضان في أمريكا بالنسبة له، لأنها تخلق صداقات قوية بين المجتمعات المختلفة.

التصدّق والأعمال الخيرية

تركّز التعاليم الإسلامية تركيزًا شديدًا على التصدّق وأداء الأعمال الخيرية، وخاصّة خلال شهر رمضان المبارك. والمسلمون الأمريكيون، شأنهم شأن المسلمين في كل مكان، عادة ما يبذلون جهدًا خاصًا لزيادة أنشطتهم الخيرية طوال شهر رمضان.

فهم يجمعون التبرّعات لتوفير الطعام والدواء للاجئين، ويتطوّعون في المطابخ التي تقدم الوجبات المجانية للمحتاجين، ويزورون إخوانهم المسلمين في المستشفيات المحلية، ويبحثون عن طرق أخرى لمساعدة المحتاجين، وفقًا لموقع Share America.

وتقدم منظمة الإغاثة الإسلامية في الولايات المتحدة الإغاثة الإنسانية والمساعدة الإنمائية للناس في جميع أنحاء العالم، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الديانة. وتقوم المنظمة سنويًا بتوزيع صناديق الطعام الرمضانية على المسلمين المحتاجين في عشرات البلدان، بما فيها الولايات المتحدة.

أما مؤسسة الحياة للإغاثة والتنمية Life for Relief and Development فهي مؤسسة خيرية إنسانية غير ربحية، ذات خبرة كبيرة في العمل الإغاثي والتنموي، تمتد لأكثر من 30 عامًا، وتقدم المساعدات الإنسانية للشعوب التي تعاني من ظروف صعبة، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين والخلفية الثقافية.

وتقدم المنظمة خدماتها ومساعداتها من خلال شبكة من الموظفين والمتطوعين تنتشر في أكثر من 46 دولة، وعلى مدى السنوات الـ 29 الماضية، أنفقت Life أكثر من 520 مليون دولار من المساعدات الإنسانية وخدمات الإغاثة في عشرات الدول حول العالم، وخدمت أكثر من 20 مليون شخص تضرروا من الكوارث الطبيعية أو الأوبئة أو الحروب.

وبالإضافة إلى العديد من المشاريع الخيرية التي قدمتها، قامت منظمة الحياة بتوزيع سلال غذائية وإفطارات جماعية خلال شهر رمضان الكريم.

وبلغ عدد الإفطارات الجماعية أكثر من نصف مليون وجبة غذائية في الدول الفقيرة خلال أيام الشهر الفضيل، كما تم إعداد إفطارات جماعية على مستوى قرى كاملة في أكثر من بلد في أفريقيا.

وتقوم Life بإعداد سلة غذائية تقوم بتوزيعها على آلاف الأشخاص في امريكا وحول العالم في رمضان، وهي تضم مواد أساسية للطبخ، وتكفي عائلة مكونة من 7 أشخاص لمدة أكثر من أسبوعين.

جرعة روحانية مكثفة

إن القيام بالأعمال الصالحة خلال شهر رمضان، يمنحان المسلم جرعة روحانية مكثفة، وبالنسبة لـ “أوزما فاروق”، نائبة رئيسة منظمة ائتلاف النساء المسلمات ومديرة مكتب المنظمة في واشنطن العاصمة، فإن خدمة مجتمعها هي جزء لا يتجزأ من طقوس شهر رمضان.

فاروق انتقلت من موطنها الأصلي باكستان إلى الولايات المتحدة في عام 1980، وتعيش حاليًا في منطقة فولس تشيرش بولاية فرجينيا، وهي تؤدي دورًا قياديًا مع منظمة ائتلاف النساء المسلمات، وهي منظمة غير ربحية للنساء المسلمات الأمريكيات تكرّس جهودها للقضايا الإنسانية.

وقبل عدة سنوات، أطلقت فاروق وزملاؤها المتطوّعون مشروع سلّة رمضان، الذي يوزع الضروريات الأساسية على النساء والأطفال المحرومين في منطقة العاصمة واشنطن. ويستفيد من هذا المشروع، الذي أصبح حدثًا سنويًا، المسلمون وغير المسلمين على حد سواء.

ومع بدء شهر رمضان، يقوم المتطوّعون في المشروع بملء سلال كبيرة بمواد النظافة الشخصية والمواد الغذائية، وغالبًا ما تضاف كذلك بطاقات الهدايا التي يمكن استخدامها للشراء في محلات البقالة.

وتقول فاروق: “لدينا فرق مختلفة في مناطق شتى يقومون بملء السلال، والمساعدة على توصيلها وتسليمها لمستحقيها. ورغم أن منظمتها الإسلامية هي التي تدير البرنامج إلا أن هناك متطوعون من مختلف الجماعات الدينية يشاركون فيه.

تقول فاروق: “ما قمنا به هو أننا استحضرنا روح العطاء في رمضان.. وجلبناها إلى عتبات بيوت الناس”. وتضيف: “إن التطوع خلال شهر رمضان له أهمية خاصة، لأن الإسلام يعلمنا أن نهتم بجيراننا وأن نكون مواطنين مسؤولين، فشهر رمضان يربط ويوحّد جميع المسلمين برباط روحاني.. إنه أحد أجمل الأوقات في السنة التي نقضيها مع العائلة والأصدقاء والمجتمع ككل”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اشترك مجانا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

نحترم خصوصية المشتركين