
فهرس المحتوى
أجرى الحوار: مجدي فكري ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
حلقة جديدة من برنامج “قصة نجاح”، بمناسبة احتفالاتنا في شهر مارس بيوم المرأة العالمي ويوم المرأة العربية، استعرضنا خلالها قصة نجاح امرأة عربية تمثل نموذجًا للتحدي والإصرار على النجاح، وصاحبة رحلة أدبية وإبداعية متميزة في عالم القصة والرواية والنقد الأدبي.
إنها قصة نجاح الكاتبة والناقدة والأديبة الليبية، الدكتورة فاطمة سالم الحاجي، والتي تحدّت كل المعوقات، وتجاوزت كل الصعاب، وسارت في طريق النجاح إلى أن أصبحت واحدة من أهم الكتاب والنقاد في ليبيا والعالم العربي.
تناول اللقاء مسيرة المرأة الليبية بشكل عام، وحركة الأدب النسائي أو أدب المرأة في ليبيا، كما وقفنا مع محطات من مشوارها، منذ بدايتها في سنوات الدراسة، وحتى التخرج من الجامعة، وتحولها إلى طريق النقد الأدبي، رغم حصولها على الليسانس في الفلسفة والدراسات الاجتماعية.
وضع المرأة الليبية
في البداية؛ قدمت د. فاطمة سالم الحاجي صورة أدبية عن المرأة في ليبيا بشكل عام، حيث قالت إن “المرأة في ليبيا خطت خطوات كبيرة بما قدمته من أعمال ومنجزات، فهي فاعلة ومؤثرة رغم كل الإحباطات الموجودة الآن، وقسوة الظروف التي نعيشها”.
ولفتت إلى أن “المرأة وصلت إلى مستوى وزيرة في العهد السابق، وكانت هناك الكثير من القوانين التي تحميها وتحفظ حقوقها، ولكن الآن الظروف اختلفت نتيجة ما تعيشه البلاد من انقسامات وحرب أهلية ودخول تيارات جديدة على المجتمع الليبي، وهو ما دفعها نحو الخلف وليس الأمام”.
وبالنسبة لوضع الأديبة الليبية في الوسط الأدبي عربيًا، قالت: “على غير المتوقع فإن هذه الظروف الحالية دفعت الأديبة الليبية إلى الإنجاز أكثر من السابق، حتى أن هناك روائيتين ليبيتين وصلتا إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، وهناك أصوات واعدة على مستوى الشعر والرواية، لكن النشر محدود نتيجة عدم رسوخ الدولة وإهمال الحالة الثقافية”،
وأشارت إلى النساء الليبيات يشاركن في الندوات الأدبية والأمسيات الثقافية ومعارض الفنون التي تُقام في الداخل الليبي، ولكن هناك غياب عن المشاركات الخارجية بسبب الظروف المادية والاقتصادية الموجودة الآن.

صورة من البدايات
وعن بداياتها وطفولتها في أزقة وحواري ليبيا، قالت: “طفولتي كانت عادية، ولكنني نشأت في بيت علم وبيئة متفتحة في حي قرقارش بمدينة طرابلس، وكان أبي متصوفًا ومتنورًا ويقرأ شعر المتصوفين، وأخي الأكبر محمد وكذلك أخي عمر كانا من الشعراء.
وكانت الحياة في تلك الفترة جميلة وبسيطة، وقد تزوجت مبكرًا، وأنجبت مبكرًا، ولكني واصلت دراستي، وخلال فترة الطفولة لم تكن هناك متنزهات كثيرة للأطفال أو مسارح أو أي أنشطة تقدم لهذه الفئة، فنشأتي كانت في الفترة السابقة لثورة الفاتح”.
وأضافت: “عندما كبر والدي في السنّ، لم يكن يستطيع القراءة، لذلك كنت أقوم بالقراءة له، وهذا بنى لدي وجدانًا مختلفًا، فكنت أقرأ في كل الاتجاهات ومختلف الموضوعات، لا سيما الموضوعات الصوفية، وكنت مثلًا أقرأ عن مقتل الحسين وأبكي عما حدث له، وقرأت ألفية ابن مالك وحفظتها وأنا لا أزال طفلة”.
وتابعت: “دخلت معهد المعلمات لأنه كان قريبًا من بيتنا، ثم تزوجت وأنا في سنّ الـ 18، وكان شرطي الوحيد على زوجي هو أن أواصل تعليمي، وأكملت دراستي من المنزل، ثم دخلت الجامعة ودرست في قسم الفلسفة”.
في رحاب الشعر
عن حبها للشعر وكتابته وهي لا تزال في سنّ مبكرة، قالت الحاجي: “عندما تقرأ شعرًا كثيرًا تتولد لديك مشاعر وخيالات، فبدأت أكتب الشعر، وكانت مُدرّستي في الابتدائية تشجعني وتصفق لي وتلقبني بالشاعرة، وكنت أقرأ للخنساء وأنا لا أزال في الابتدائية، لأن والدي كان يحب شعر الخنساء.
وكان أخي محمد يأخذني معه إلى المركز الثقافي المصري، وذات مرة قدّمني أخي لمدير المركز، وأخبره بأنني أكتب الشعر، فدعاني لإلقاء قصيدة أمام الحضور، وصفق لي الجمهور يومها بقوة، ومنذ تلك اللحظة تفتحت مواهبي على الكتابة”.
وروت الحاجي عن واقعة حدثت في طفولتها، عندما سخر مدرسها في معهد المعلمات من قصيدة عاطفية ألقتها، حينها انكمش شيء ما في داخلها، وواصلت الكتابة، لكنها كانت تخفي ما تكتبه، وسرعان ما اتجهت إلى الفلسفة وتثقيف الذات، وبدأت في إعداد وكتابة برامج إذاعية مثل برنامج “المكتبة العربية” مع الأستاذ علي أحمد سالم، الذي قدّم دور بلال في فيلم الرسالة، كما كتبت برامج إذاعية متعددة أخرى.

(راديو صوت العرب من أمريكا)
إلى عالم النقد
بالرغم من دراستها للفلسفة وكتابتها للشعر، إلا أنها تركتهما واتجهت إلى عالم النقد الادبي، وعن السبب وراء ذلك قالت: “الفلسفة جزء مهم من النقد الأدبي، ومن لا يعرف الفلسفة لا يستطيع أن يكتب نقدًا أدبيًا خلاقًا، ولذلك نجد الآن أن مساحة كبيرة من الكتابات النقدية الآن سطحية، لأنها بلا بُعد فلسفي.
مع العلم بأنني قرأت ودرست الفلسفة حبًا وشغفًا بهذه الموضوعات التي تعمّق الفكر والذات والمعرفة بالوجود، وعندما بدأت رسالتي للماجستير كانت الفلسفة من المغضوب عليها والاتجاه كله نحو علم الاجتماع، ولكنني لم أكن أحبه، لذا اتجهت إلى قسم اللغة العربية ـ فرع الأدبيات لكي أدرس لمدة عامين تجهيزًا للدراسات العليا”.
حصلت الحاجي على الماجستير في مجال النقد الأدبي من جامعة محمد الخامس بالرباط، وعن سبب اختيارها لهذه الجامعة قالت: “اكتشفت الضعف النظري الذي نعاني منه كطلبة للدراسات العليا عندما زارنا الدكتور فائز الزبيدي، وكان أستاذًا عراقيًا مهمًا، والدكتور عمر أبو حاقة، وكان من لبنان.
وبما أنني كنت متميزة في تلك الفترة في دراسة النظريات الأدبية وتحليل النص النقدي، فقد كنت اكتشف للتو عالم الرواية الكبير، لكن المقاربات لم تكن سهلة وكذلك البناء المنهجي، وهذا الجانب تميّز به المغرب أكثر من غيره من الدول، لذا اتجهت إلى الرباط، وشجعني أكثر على ذلك أن زوجي كان يسافر دائمًا إلى هناك بحكم عمله في الإذاعة”.
وتابعت: “كانت دراستي للماجستير عن ثلاثية الأديب الكبير أحمد إبراهيم الفقيه، كنموذج لتحليل هذه الثلاثية، وفي تلك المرحلة اكتشفت أن الزمن في العمل الأدبي مختلف عن الزمن في مفهومنا نحن الآن كحياة عادية”.
تحدي الدكتوراة
اتجهت الحاجي إلى بريطانيا من أجل استكمال دراستها العليا، حيث حصلت على الدكتوراة من هناك، وعن تلك الفترة قالت: “بعدما حصلت على الماجستير كنت أتمنى الحصول على الدكتوراة، وكان يؤلمني جدا أنني لا أستطيع الدراسة بالإنجليزية نتيجة منعها في ليبيا، فطرقت الأبواب للحصول على منحة ولكن فشلت، فذهبت إلى كندا واستكملت دراستي لمستويات أعلى في الإنجليزية والكمبيوتر، ودرست لمدة عامين في جامعة مكغيل، ولكنني لم أكمل بسبب إصابتي بالسعال الدائم، ونصحني الطبيب بأن هذه البيئة لا تناسبني”.
وتابعت: “بعدها اضطررت إلى الذهاب إلى بريطانيا، وهناك كان الجو أفضل، وأكملت دراستي في جامعة دورهام بإنجلترا مع الأستاذ بول ستاركي، رئيس قسم الدراسات الشرق ـ أوسطية، وبعدما أنهيت الدكتوراة بامتياز عدت إلى ليبيا لكي أُدّرس في جامعة الفاتح (التي هي الآن جامعة طرابلس)”.

نجاحات متعددة
عن عملها كمحكمة في لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية ذائعة الصيت، قالت: “هذه من أمتع الفترات في حياتي، حيث أحسست بالاعتراف بي كناقدة في الوطن العربي بعدما حققت الكثير من النجاحات في مواطن عديدة”.
ولفتت الحاجي إلى أنها كتبت القصة القصيرة أيضا، كما كتبت الرواية حيث استهوتها كجنس أدبي، وقالت: “بدأت روايتي “صراخ الطابق السفلي” رغم أن النظام كان لا يزال قائمًا، وهذه جرأة، وكنت أخطط للرحيل عن البلاد ونشرها في الخارج، وذلك لوضع بصمتي في هذه الحياة قبل أن نموت صمتًا وكبتًا بسبب ما نعاني منه بسبب ذلك النظام”.
وأضافت: “وعندما غادرت ليبيا، وكان زوجي مصابًا بجلطة، أصبت أنا أيضا بأزمة قلبية، وكدت أن أفقد حياتي، لذا أسرعت الخطى في الانتهاء من هذه الرواية”.
أما عن روايتها “رحيل آريس”، فقالت: “هذه رواية حرب، وآريس هو إله الحرب عند الإغريق، وهذا هو الذي نريد أن نطرده من أرضنا بعدما شبّت النيران في أوطاننا”.