
يصادف اليوم 13 مارس الذكرى العاشرة لانتخاب البابا فرنسيس الأول، والتي تمت في عام 2013 بعد تقاعد البابا بنديكتوس السادس عشر لأسباب صحية.
وبهذه المناسبة يُقام في الفاتيكان اليوم قداس خاص لإحياء الذكرى العاشرة لتولي البابا فرنسيس رئاسة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وفقًا لشبكة CNN
والبابا فرنسيس هو أول بابا في أمريكا اللاتينية في التاريخ والأول من الأمريكيتين، كما أنه أول يسوعي يصل إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية، وأول بابا غير أوروبي منذ أكثر من 1000 عام، وبالتحديد منذ عام 741، بعد وفاة البابا غريغورى الثالث، الذي ولد في منطقة تابعة للإمبراطورية البيزنطية تقع اليوم في سوريا.
وورد أن البابا فرانسيس حصل على ثاني أكثر عدد من الأصوات في الانتخابات البابوية التي جرت عام 2005، وقبل أن يصبح البابا، كان الكاردينال خورخي ماريو بيرغوليو، وهو اسمه الحقيقي، رئيسًا لأساقفة بوينس آيرس، وقد اختار اسم فرنسيس لتكريم القديس فرنسيس الأسيزي، الذي يحظى بالاحترام بين الكاثوليك لعمله مع الفقراء.
عُرف عنه التواضع وترك الفخامة مقابل البساطة، فخلال منصبه كرئيس أساقفة بوينس آيرس كان يستقل الحافلة إلى العمل ويطهو وجباته بنفسه، وأزيل جزء من رئته في فترة شبابه لكنه ما زال في صحة جيدة، وفقًا للمتحدث باسم الفاتيكان.
ووفقًا لموقع “بي بي سي” يُنظر للبابا فرنسيس، البالغ من العمر 86 عامًا، على أنه أدخل سلسلة من الإصلاحات على هيكل الكنيسة، بما في ذلك إعطاء دور أكبر للنساء، مما يثير حفيظة بعض أنصار التيار التقليدي المحافظ.
وكثيرا ما تحدث البابا فرنسيس بقوة لدعم اللاجئين والمهمشين، خلال رحلاته الخارجية، لكن بعض التيارات المدنية والإصلاحية تنتقد البابا لأنه لم يقدم ما يكفي من الدعم للتصدي لفضائح الاعتداء الجنسي في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
“Let the Church always be a place of mercy and hope, where everyone is welcomed, loved and forgiven.”
Happy Anniversary, Pope Francis! #TenYearsPopeFrancis pic.twitter.com/8SrhenMoQU
— Vatican News (@VaticanNews) March 13, 2023
رحلة طويلة
قبل توليه منصب رأس الكنيسة الكاثوليكية وبابا الفاتيكان، في 13 مارس 2013، خاض الكاردينال خورخي ماريو بيرغوليو، رحلة طويلة من العمل الخدمي بالكنيسة، بدأها بالأرجنتين مسقط رأسه، مروراً بألمانيا، حتى وصل إلى الكرسي البابوي بروما.
وُلد خورخي في الأرجنتين بمدينة بوينس آيرس لأبوين يتمتعان بالجنسية الأرجنتينية، لكنهما من أصول إيطالية، وكانت العائلة مكونة من الوالدين و5 أطفال هو أكبرهم، وعُرف بشغفه الكبير بالأعمال الفنية، خاصة الأفلام والموسيقى الشعبية وكرة القدم، التي لا يزال يتابعها حتى الآن.
وأصيب خلال مراهقته بالتهاب رئوي حاد، عانى منه خلال فترة مراهقته، وأثر سلبياً على صحته فيما بعد، حيث ظلت حالته الصحية خطيرة لمدة 3 أيام حتى اضطر الأطباء لاستئصال جزء من إحدى رئتيه.
وحصل خورخي على درجة الماجستير في الكيمياء من جامعة بوينس آيرس، وعمل لمدة 3 سنوات في مجال تخصصه، إلا أنه قرر بعدها دخول سلك الرهبنة، حيث انضم إلى الرهبنة اليسوعية في 11 مارس 1958، وقام بدراسة العلوم الإنسانية واللاهوتية، وبعد عامين أعلن نذره الرهباني النهائي ليصبح بذلك عضواً رسمياً عاملاً في الرهبنة اليسوعية، ورُسم كاهناً في 13 ديسمبر 1969.
ثم أصبح أستاذاً في كلية الفلسفة واللاهوت بجامعة سان ميغل بمسقط رأسه، ثم تم اختياره رئيساً إقليمياً للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين في الفترة ما بين 1973 حتى 1979، ثم أصبح عميد المعهد اللاهوتي حتى عام 1986، حيث انتقل إلى فرانكفورت بألمانيا للإشراف على أطروحة دكتوراه بطلب من الرهبنة اليسوعية، وأتقن 7 لغات هي الإسبانية واللاتينية والإيطالية والألمانية والفرنسية والأوكرانية والإنجليزية.
اختاره البابا يوحنا بولس الثاني ليكون أسقفاً مساعداً لرئيس أساقفة بوينس آيرس عام 1992، ثم تم تعيينه القائم بالأعمال الفعلي للإيبارشية مع حق الخلافة التلقائي بعد تقدم الأسقف الموجود في العمر أو وفاته، وبالفعل احتفل بتنصيبه رسمياً في 6 نوفمبر 1998، وكانت مهامه هي الإشراف على الكنائس الكاثوليكية الشرقية.
وعُرف عنه التواضع الشديد، إذ اكتفى بالعيش في شقة صغيرة بدلاً من مقر رئاسة الأساقفة الفخم، واستبدل السيارة الليموزين بسائقها الشخصي بالمواصلات العامة، حيث كان يتنقل بالحافلة، ويطهو وجباته بنفسه.
وفي عام 2001 عينه البابا يوحنا بولس الثاني كاردينالاً باسم “برجوليو”، وكلفه بـ5 وظائف إدارية في الكوريا الرومانية “حكومة البابا”، وكانت المهام هي عضوية مجمع العبادة الإلهية وتنظيم الأسرار، وعضو مجمع الإكليروس، وعضو مجمع مؤسسات الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية، وعضو المجلس الحبري للعائلة، وعضو مجلس أساقفة أمريكا الجنوبية.
As Pope Francis celebrates the 10th anniversary of his election to the papacy on 13 March 2023, we take a look at a few of the highlights of the tenth year of his pontificate: 2022 and 2023.#TenYearsPopeFrancis pic.twitter.com/VsIZZTtqdt
— Vatican News (@VaticanNews) March 13, 2023
الوصول للكرسي البابوي
بعد وفاة البابا يوحنا بولس الثاني كان برجوليو واحداً من الكرادلة المرشحين في المجمع المغلق، وقد قالت تقارير صحفية إنه حصل على ثاني أكبر عدد من الأصوات بعد جوزيف راتزنجر الذي نُصب فيما بعد باسم البابا بندكت السادس عشر.
وفي 11 فبراير 2013 تقدم البابا بندكت السادس عشر باستقالته بسبب حالته الصحية، وبموجب التقاليد الفاتيكانية اجتمع المجمع المغلق، وبدأت جلسات اختيار البابا الجديد في 12 مارس، لكن المجمع لم يُفضِ إلى شيء، فانبعث الدخان الأسود.
وفى مساء اليوم التالي حصل الكاردينال برجوليو على أغلبية الأصوات، أكثر من ثلثي الكاردينات، فغدا بذلك الحبر المنتخب وارتفع الدخان الأبيض، ليصبح البابا فرنسيس صاحب أقصر المجامع المغلقة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
وبعد تصاعد الدخان الأبيض وقرع الأجراس أطل الكاردينال رئيس الشمامسة في ساحة القديس بطرس للإعلان عن اسم البابا الجديد، ثم أطل البابا على الشعب، وكان خطابه على عكس المتوقع، فقد بدأ حديثه بـ”مساء الخير”، ثم طلب من شعبه الصلاة من أجل سلفه البابا بندكت السادس عشر، كما طلب من الجماهير أن تصلى كي يبارك الله أسقف روما.
وغيّر برجوليو اسمه ليصبح فرنسيس تيمناً بالقديس فرنسيس الأسيزى، أحد معلمي الكنيسة الجامعة والمدافع عن الفقراء والبساطة والسلام، وتم تنصيبه بشكل رسمي في 19 مارس 2013، في عيد القديس يوسف.
#TenYearsPopeFrancis: Pope Francis receives a message of well-wishes from the Grand Imam of Al-Azhar, Ahmed Al-Tayyeb, as the Pope celebrates the 10th anniversary of his election to the papacy.https://t.co/2WWHygrTpb
— Vatican News (@VaticanNews) March 13, 2023
تحديات صعبة
منذ توليه منصبه في 13 مارس 2013، قاد البابا فرنسيس سلسلة من الإصلاحات، ومر بالعديد من التحديات، لعل أبرزها فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال داخل الكنيسة الكاثوليكية، التي وصفت بأنها واحدة من أصعب التحديات التي واجهها في ظل انتقادات واتهامات بالتستر على المعتدين وحمايتهم.
وبعد سلسلة من المحاولات الفاشلة، بما في ذلك فشل لجنة خبراء دولية في عام 2014، اعتذر البابا فرانسيس للضحايا في عام 2018 لـ “التستر” على الأسقف التشيلي المتهم بالاعتداء الجنسي على الأطفال.
ومنذ ذلك الحين أخذ البابا فرنسيس على عاتقه تطهير اسم الكنيسة من فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال، وتبنى موقف “عدم التسامح” مع المعتدين، مشددًا على وجوب أن “لا تتسامح” الكنيسة الكاثوليكية “مطلقا” مع حالات الاعتداء الجنسي التي وصفها بأنها أمر “وحشي”.
وفي عام 2019 قبل البابا استقالة الأسقف التشيلي، ريكاردو إيزارى، المتهم بالاعتداء الجنسي على الأطفال، كما طرد الكاردينال الأمريكي، ثيودور ماكاريك، بعد إدانته بارتكاب تلك الجريمة.
كما أنشأ البابا لجنة استشارية لحماية القاصرين التابعين لحكومة الكرسي الرسولي، وأشرف على قمة غير مسبوقة في الفاتيكان حول هذه المسألة تبنت سلسلة من الإجراءات لمواجهة هذه القضية.
وبعد توليه منصبه بعد عام من فضيحة الفساد الضخم في الفاتيكان المعروفة باسم Vatileaks، عمل الباب فرنسيس على تسليط الضوء على تعامل الفاتيكان مع الشؤون المالية.
وفي عام 2014 أنشأ أمانة للاقتصاد، وطبق إطارًا من إجراءات الاستثمار ومكافحة الفساد، وأمر بإعادة تعديل بنك الفاتيكان، بإغلاق 5000 حساب، وخلال هذه العملية، استقال انخيلو بيتشو Angelo Becciu، أحد أقوى الكرادلة في الفاتيكان، بعد محاكمته بتهمة الشراء الفاسد لعقار باسم الفاتيكان.
The ten years of #PopeFrancis' pontificate have been marked by a passion for evangelisation and a constant journey to reform the Church to make her more missionary.#TenYearsPopeFrancis https://t.co/3XJXoZeNRQ
— Vatican News (@VaticanNews) March 12, 2023
إصلاحات مهمة
وخلال فترة توليه منصبه، اتخذ البابا فرنسيس إجراءات وتغييرات بعيدة المدى في الحكومة المركزية من أجل تقريب الكنيسة من الناس، ومن بين هذه الإجراءات إعطاء مساحة أكبر للمرأة والعلمانيين.
وسمح البابا بدور أكبر للنساء داخل الفاتيكان، وخلال السنوات العشر التي تولى فيها المنصب، ارتفعت نسبة النساء العاملات في الفاتيكان من 19.2% إلى 23.4%، ولا زال يدعو لحضور أكبر للمرأة في مناصب المسؤولية في المجتمع وفى الكنيسة.
ويواصل البابا تكييف مجمع الكرادلة مع صورته وفكره، حيث اختار حتى الآن 65% من الذين سينتخبون البابا الذي سيخلفه، كما تنتظره عدة مناسبات حول مستقبل الكنيسة في نهاية العام 2023.
وفي الأشهر الأخيرة، اكتسبت مقترحات مثل إنهاء العزوبة الإلزامية، أو السماح للمرأة بالوصول إلى الكهنوت قبولًا، مما أثار القلق داخل الفاتيكان.
ولم تلق إصلاحات البابا فرنسيس قبولًا لدى بعض المحافظين، الذين انتقدوا غياب التقاليد الراسخة عن المهام البابوية، بسبب أسلوب فرنسيس الخارج عن المألوف، حيث فضل شقة متواضعة على الفاتيكان، وكان يدعو بانتظام معتقلين ومشردين إلى طاولته.
وعُرف عن البابا فرنسيس الانخراط في الأزمات السياسية في دول العالم، ورغم أنه حافظ على “نظرة الراعي” وتجنب الإشارة إلى القضايا ذات الطبيعة السياسية الدولية، إلا أنه لم يتهرب أبدًا من الإعراب عن قلقه بشأن الأزمات السياسية في جميع أنحاء العالم، وقام بـ40 رحلة دولية.
وفي هذا الإطار ندد البابا في معظم جلسات الاستماع بمستويات الفقر في جميع أنحاء العالم، وأزمة المناخ، وشدد أيضًا على أن الحرب في أوكرانيا “مصدر قلقه الأكبر”، كما نوه في عدة مناسبات إلى خطورة أزمة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط التي أسفرت عن مقتل مئات المهاجرين على السواحل الأوروبية.