تقارير

الأرباح على حساب الوجع.. متى تُشفَى شركات الأدوية من مرض رفع الأسعار؟

إعداد وتحرير: علي البلهاسي

مع بداية كل عام جديد يأمل الناس في تحسن أوضاعهم، ويترقبون أخبارًا سارة تدفعهم للتفاؤل، لكن يبدو أن رياح 2019 جاءت على عكس ما تشتهي السفن، وبصفة خاصة سفن الفقراء والمرضى التي تكافح بصعوبة لشق طريقها وسط موجات الغلاء وارتفاع الأسعار.

هؤلاء الناس قد يتحملون ارتفاع أسعار الغذاء، فيقضون يومهم بلقيمات من أي طعام تسد رمق الجائع منهم، لكنهم بكل تأكيد يقفون عاجزين أمام توحش وجشع شركات الأدوية التي يبدو أنها لم تنجح حتى الآن في اختراع دواء يشفيها من مرض رفع الأسعار، غير مبالية بآلام الملايين من البشر حول العالم الذين يئنون تحت وطأة وجع الأمراض، بعد أن باتوا غير قادرين على شراء دواء لها.

زيادة جديدة للأسعار

شركات الأدوية في أمريكا أصرت على زيادة أوجاع الموجوعين، واستهلت عام 2019 بفرض زيادات على أسعار أكثر من 250 صنفًا دوائيًا في الولايات المتحدة، من بينها عقار هوميرا الأكثر مبيعًا في العالم.

ووفقا لبيانات من ركس سيفينغز سولوشنز، التي تساعد برامج الصحة وأصحاب الأعمال على البحث عن الأدوية الأقل تكلفة، فقد بلغ متوسط الزيادة على مئات المنتجات الدوائية نحو 6.3%. وقالت إن العدد الإجمالي لزيادات الأسعار انخفض بنحو الثلث عن العام الماضي. لكنها توقعت فرض زيادات جديدة هذا الشهر.

وكانت رويترز قد ذكرت في أواخر العام الماضي أن نحو 30 شركة لصناعة الأدوية أبلغت وكالات كاليفورنيا بأنها تنوي زيادة السعر المعروض للدواء. ولم يتم الإعلان عن جميع الزيادات بعد.

وأعلنت شركة فايزر بالفعل عن خططها لاستئناف ممارستها لرفع أسعار الأدوية في وقت لاحق من هذا الشهر، وزيادة قائمة الأسعار على 41 من العقاقير الطبية. وكانت الشركة قد تراجعت الصيف الماضي عن تطبيق بعض الزيادات بسبب ضغوط من الرئيس ترامب.

ووفقًا لتحليل جديد نشرته صحيفة وول ستريت جورنال عبر موقعها الإلكتروني، فإن شركات الدواء قامت بزيادة أسعار مئات الأدوية في مستهل عام 2019، حيث حددت شركة “أليرجان بى إل سى”، الزيادة بنسبة 10% تقريبا على أكثر من 20 منتجًا.

وكانت زيادات العديد من الشركات قليلة نسبيًا في 2018، وسط تزايد الضغط العام على الصناعة بسبب الأسعار، بحسب ما ذكرت الصحيفة. ومع ذلك، هناك عدد قليل منها مرتفع بشكل خاص، بما في ذلك بعض الأدوية التي تمثل بديلأً أرخص لأخرى ذات علامات تجارية في الولايات المتحدة.

تحدي جديد لترامب

أصبح ارتفاع أسعار الأدوية قضية وطنية في الولايات المتحدة على مدى العامين الأخيرين مع صعود تكلفة الرعاية الصحية. وتأتي الزيادات الجديدة في أسعار الدواء لتشكل تحديًا كبيرًا للرئيس دونالد ترامب، حيث خالفت توقعات كان ترامب قد أبداها الأربعاء الماضي، حيث قال الرئيس الأمريكي خلال لقاء في البيت الأبيض مع أعضاء حكومته إنه يتوقع خفضًا كبيرًا في أسعار الأدوية. وحضر الاجتماع وزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس أزار.

وكان ترامب قد حث مدراء بعض شركات الأدوية الرئيسية، على زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة وخفض الأسعار، متعهدا بتسريع الموافقات على الأدوية الجديدة.

وأكد ترامب خلال اجتماع عقده مع كبار المسئولين التنفيذيين لبعض شركات الأدوية الرئيسية، مطلع 2017، أن الحكومة الأمريكية تنفق أكثر من اللازم على الأدوية في برامجها الصحية لكبار السن والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة.

ودعا ترامب شركات الأدوية إلى تصنيع منتجاتها داخل الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنه بذلك يحاول السيطرة على المستويات الفلكية لأسعار العقاقير الطبية.

وأشار ترامب خلال الاجتماع إلى عزمه استخدام القوة الشرائية للحكومة الأميركية، والتي تعتبر أكبر مشتري للعقاقير الطبية في العالم، من أجل خفض أسعار الأدوية. وتعهد خلال الاجتماع بتسهيل إجراءات حصول شركات الأدوية على الموافقات التنظيمية، مشيرًا إلى أن إدارته في طريقها إلى تغيير الكثير من القواعد التنظيمية.

وهدف لقاء ترامب مع المسئولين التنفيذيين لشركات الأدوية وقتها إلى نزع فتيل التوترات بين الطرفين، الذي اندلع منذ الانتخابات الرئاسية. ووعد ترامب خلال حملته للانتخابات الرئاسية بخفض أسعار الأدوية الأميركية.

وتأثر الأداء الاقتصادي لشركات الأدوية منذ انتخاب ترامب، حيث صعدت أسهمها بفعل آمال عدم إحداث تغييرات وتراجعت في الفترة الأخيرة بفعل تعليقات عن إجراءات ربما يتخذها لخفض الأسعار.

ضغوط وانتقادات

وخلال العام الماضي 2018 خاض الرئيس الأميركي معركة مع شركات الأدوية داعيًا إياها لخفض الأسعار، وفي مايو الماضي قال ترامب إن بعض شركات الدواء ستعلن قريبًا عن تخفيضات «كبيرة وطوعية» في الأسعار، لكن ذلك لم يحدث.

وانتقد ترامب قرار سابق اتخذته شركة فايزر وغيرها من شركات الدواء الأمريكية برفع أسعار بعض الأدوية، ابتداء من الأول من يوليو/تموز 2018، مؤكداً أن إدارته ستتحرك ردا على ذلك الإجراء، وقال في تغريدة على “تويتر” “يجب أن تخجل فايزر وغيرها من رفع أسعار الدواء بلا سبب.. سنرد”.

ورفعت فايزر وقتها أسعار الدواء المعلنة لنحو 40 صنفا، وشملت قائمة الأدوية التي رفعت الشركة سعرها عقار فياجرا وعقار ليبيتور الذي يعالج الكولسترول وزيلغانز الذي يعالج التهاب المفاصل.

وتأثرت أسهم فايزر بتغريدة ترامب حيث أغلقت مرتفعة خمسة سنتات فقط عند 37.16 دولار للسهم بعد أن كان التداول يجري عليها بسعر 37.44 دولار للسهم قبل التغريدة.

وبحسب وكالة “رويترز”، تمكن ترامب وقتها من إقناع إيان ريد، المدير التنفيذي لـ”فايزر”، بتأجيل خطط الشركة لرفع الأسعار، وأوضح في مكالمة هاتفية معه أن الشركة عقّدت خطط إدارته بشأن أسعار الأدوية.

كما أوقفت شركة الأدوية السويسرية “نوفارتس” أيضا زيادات مقررة في الأسعار بعد ضغوط من إدارة ترامب ونواب في الكونجرس. وهو ما دفع ترامب لنشر تغريدة شكر فيها الشركتين لعدم رفعهما للأسعار، حيث كتب قائلاً: “شكرا نوفارتس على عدم رفع أسعارك للأدوية التي تباع بوصفة طبية، وشكر مماثل لفايزر، نبذل جهدا كبيرا بالفعل لخفض أسعار هذه الأدوية.. بشكل كبير”.

تراجع واستجابة

وكان الرئيس الأمريكي ترامب، انتقد مرارًا وتَكرارًا التكلفة المرتفعة لنظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، والذي يعتبر واحدًا من أكثر أنظمة العالم كفاءةً، واعتبرها جزءا من حربه التِّجارية المستمرة بعدما قام بتشجيع شركات الأدوية الألمانية لتقديم تنازلات والتخلي عن ارتفاع الأسعار على الأدوية في أمريكا.

وفي أواخر يوليو 2018 تعهدت شركات الأدوية الألمانية العملاقة “ميرك وباير” بعدم رفع أسعار الأدوية تلبية لمطالب الرئيس ترامب بعد موجة من الانتقادات الحادة التي وجهها لهم في الفترة الأخيرة، بحسب صحيفة “ديلي اكسبريس” البريطانية.

وقال متحدث باسم مجموعة الصناعات الدوائية والكيماوية ميرك ومقرها دارمشتات: “نحن لا نخطط حاليا لزيادة الأسعار في الولايات المتحدة لبقية العام 2018″، مشيرًا إلى أنهم قرروا خفض أسعار الأدوية في الولايات المتحدة.

وتبعت شركة “باير” الطبية العملاقة، شركة “ميريك” بتوقيعها اتفاقًا بعدم فرض أي زيادة في الأسعار لأي عقاقير طبية حتى نهاية عام 2018، كما تم إبلاغ اليكس أزار وزير الصحة الأمريكي بهذا القرار.

وفي نهاية سبتمبر 2018 أعلنت شركة “جلعاد” العلمية، إحدى كبرى شركات الأدوية في البلاد، عن خفض أسعار علاجات التهاب فيروس “سي” الكبدي الوبائي، في استجابة لضغوط الأسعار التنافسية والتحولات في نظام الدفع الأمريكي للأدوية.

ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن جون ميلجان، الرئيس التنفيذي للشركة: “ابتداءً من العام 2019، ستبدأ الشركة في بيع الإصدارات العامة من علاجات التهاب فيروس سي الأكثر مبيعاً، وهي (إيبكلوسا) و(هارفوني) بسعر يبلغ 24 ألف دولار لكل دورة علاج كاملة، أي ما يعني خصومات بنسبة 68% و62% على التوالي على السعر الحالي لكل دواء لأكثر فترات العلاج شيوعاً”.

وذكر بيان للشركة أنها “تحاول التخلص من نظام الدفع القديم للعقاقير الأمريكية، الذي لا تفيد فيه التخفيضات والخصومات التي يقدمها صانعو الأدوية لشركات التأمين، والمستهلكين على الدوام”.

وكانت شركات الأدوية انتقدت بشكل متزايد نظام الدفع للأدوية في الولايات المتحدة، والتي يقولون إنها “تشجع على ارتفاع الأسعار التي تستفيد منها الشركات المختلفة المشاركة في ملء الوصفات الطبية”، لكن حتى الآن، سعت شركات أدوية قليلة إلى إيجاد حل بديل لها.

الربح أولاً

يروي كتاب عن مافيا صناعة الدواء مثالاً صارخًا على تجرد شركات صناعة الدواء من إنسانيتها وسعيها للأرباح على حساب أوجاع المرضى، فيقول إنه منذ أكثر من ‏45‏ عامًا‏,‏ ظهر فيروس يفتك بالبشر في أمريكا‏,‏ وقد تم التوصل بالفعل إلى مصل يقي من شرور هذا الفيروس‏,‏ ونجح في أن ينقذ حياة نحو‏2000‏ طفل كانوا يموتون يوميا‏..

لكن بعد فترة تبين أن تأثير المصل أصبح ضعيفًا في أمريكا‏, (‏لكنه لم يكن كذلك في دول العالم الثالث‏)، فرفضت الشركة التي كانت تملك المصل أن تقدمه إلى دول العالم الثالث‏,‏ كما رفضت أن تقوم بأبحاث جديدة لتقوية فعاليته لأنها في الحالتين ستحقق خسائر‏.‏

ومن ثم قررت سحبه من الأسواق غير عابئة بالآلاف الذين يموتون يوميا في الدول النامية‏,‏ لأن الهدف كان وسيظل هو تحقيق الربح وليس العلاج‏,‏ ومادام هذا الهدف لم يتحقق‏,‏ فلا حاجة لطرحه في الأسواق‏.‏

ومنذ سنوات عديدة تتزايد المطالب بخفض أسعار الدواء في الولايات المتحدة، خاصة وأن هناك شبه إجماع على أنها أسعار مبالغ فيها، وتشهد من وقت لآخر ارتفاعات غير مبررة.

وكان العام 2015 قد شهد ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأدوية بالولايات المتحدة، حيث رفعت شركة تيرنغ سعر العقار الذي يعتمد عليه مرضى الإيدز بواقع 5000 في المائة، بحجة أنها ستوجه الأموال إلى أبحاث تستهدف الحصول على علاج جديد.

واستحوذت الشركة الناشئة Turing Pharmaceuticals على العقار “Daraprim” في أغسطس/آب 2015، وعلى الفور رفعت سعر قرص الدواء من 13.50 دولار إلى 750 دولاراً، مما رفع تكاليف العلاج السنوية لبعض المرضي إلى مئات الآلاف من الدولارات.

وكتبت الجمعية الأمريكية للأمراض المعدية، وجمعية علاج الإيدز مؤسسات الرعاية الطبية خطابا مفتوحا إلى شركة تيرنغ تحثها على إعادة النظر في قرارها في رفع سعر العقار. وجاء في الخطاب أن “هذه التكلفة ليست منطقية ولا تتناسب مع أغلب المرضى الذين يحتاجون هذا العلاج، كما أنه ليس في استطاعة نظام الرعاية الصحية تحملها.”

وفي أغسطس/آب 2015، كتب اثنان من أعضاء الكونجرس يحققون في الزيادات العامة في أسعار الأدوية إلى “Valeant Pharmaceuticals” بعدما استحوذت الشركة على اثنين من عقاقير القلب “Isuprel”و “Nitropress” من “Marathon Pharmaceuticals” ورفعت على الفور أسعارهما بحوالي 525% و 212% على الترتيب.

فوق الاحتمال

وتترك الولايات المتحدة أسعار الأدوية لتحددها آليات العرض والطلب في السوق التنافسية، مما يجعل ذلك شركات الأدوية الأمريكية من أكثر الشركات ربحية، ما أدى إلى شكاوى بشأن مدى دعم أنظمة الرعاية الصحية الأمريكية.

وقالت مؤسسة “اكسبريس سكريبتس” أضخم شركة أمريكية للخطط الخاصة بالدواء إن أسعار العقاقير الرئيسية الأمريكية ارتفعت بنسبة 127% بين عامي 2008 و2014 بالمقارنة بنسبة زيادة 11% في مجموعة السلع المنزلية الأساسية.

وأكد تحليل أجرته رويترز وقتها أن أسعار 20 من أكثر العقاقير مبيعًا في العالم تباع داخل الولايات المتحدة بزيادة تصل إلى 3 أمثال في المتوسط عن بريطانيا.

ويظهر المسح مدى الهوة التي تفصل بين أسعار علاج الأمراض المختلفة على جانبي المحيط الأطلسي. وهذه العقاقير العشرين التي مثلت في مجموعها 15% من إجمالي الأنفاق العالمي على المستحضرات الدوائية عام 2014 من مصادر الربح الرئيسية لشركات كبرى مثل ابفي واسترازينيكا وميرك وفايزر وروش.

ووجد باحثون من جامعة ليفربول البريطانية إن أسعار الأدوية في الولايات المتحدة تفوق كثيرًا مثيلاتها في الأسواق الأوروبية في حين تزيد أسعار الأدوية الأمريكية عن مثيلاتها في البرازيل مثلا بواقع ست مرات و16 مرة عن متوسطات أخرى مثل الهند.

وعلى الرغم من تركز الانتباه بشأن أسعار الأدوية على العقاقير الجديدة لأمراض مثل السرطان، إلا أن هناك مخاوف متنامية أيضاً حول الارتفاعات الضخمة في أسعار عقاقير قديمة التي ظلت لوقت طويل الدعائم الأساسية للعلاج.

وفي الوقت الذي تنتج فيه بعض الزيادات السعرية من نقص العقاقير، إلا أن البعض الآخر يأتي بسبب إستراتيجية عمل تكمن في شراء الأدوية القديمة المهملة وتحويلها على عقاقير متخصصة باهظة الثمن.

أدوية السرطان الأعلى سعرًا

من جهتها أوضحت دراسة جديدة أن الأمريكيين يدفعون أعلى أسعار في العالم لأدوية السرطان إلا أن تلك الأدوية هي الأبعد عن المتناول في الدول الأقل دخلا. وأجريت الدراسة في سبع دول وعرضت في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لعلم الأورام السريري في شيكاجو.

وأظهرت الدراسة أن أقل سعر للأدوية يوجد في الهند وجنوب أفريقيا إلا أنه بعد حساب السعر كنسبة من الدخل وحساب تكلفة المعيشة تبين أن أسعار أدوية السرطان هي الأبعد عن المتناول في الهند والصين.

وفي أحدث حلقات الاستغلال التي تنتهجها أغلب شركات الأدوية في العالم، رفعت شركة «نكست سورس بيوتكنولوجي» ثمن عقار «لوموستين» – دواء لسرطان الدماغ – بنسبة 1400%؛ ليصبح ثمن القرص الواحد منه أكثر من 700 دولار، بعدما كان يباع بـ50 دولارًا، وذلك بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» التي ذكرت أن سعر القرص أصبح 768 دولارًا، والمثير للدهشة أن هذا العقار ليس عقارا جديدًا، بل يتجاوز عمره 40 عامًا، وهو الأمر الذي يكشف عن مدى جشع الشركة، برفعها سعر دواء شائع الاستخدام عند مرضى هذا النوع من السرطان.

وفي محاولة من جوزيف ديماريا، محامي الشركة لنفي تلك الممارسات الاستغلالية وغير التنافسية، أثبت دون قصد جشع الشركة؛ إذ قال: إن المادة الفاعلة في العقار «سر صناعي»، ارتفعت تكلفة صنعها بنسبة 30%، في حين أن الزيادة أضعاف هذه النسبة.

وكشف تقرير أن تكاليف أدوية السرطان أقل بكثير مما تدعيه الدراسات المدعومة من قبل الشركات، مشيرا إلى أن تكاليف الأبحاث والتطوير السبب الرئيسي الذي تلجأ إليه شركات الأدوية لتبرير أسعارها المرتفعة، لذلك فإن هذا النزاع له تأثير مباشر على تكاليف الرعاية الطبية.

وذكر التقرير الذي نشره الراديو الوطني الأمريكي أن «تحليلا تم نشرته مجلة «JAMA Internal Medicine» خلص إلى أن تطوير دواء جديد للسرطان يكلف في متوسط 650 مليون دولار، وأضاف الباحثون حوالي 100 مليون دولار إضافية لحساب دخل هذه الشركات إذا استثمرت الأموال في سوق الأسهم بدلا من المنتجات الجديدة».

وأضاف أن «الإجمالي أقل بكثير من تكلفة تطوير الدواء والتي أعلنها قطاع الأدوية لتبرير تكاليف الأدوية الباهظة، وهو الـ2.7 مليار دولار».

اللجوء للأدوية المزيفة

كلما زادت نسب الفقر، تضاءلت فرص المرضى في الحصول على الأدوية المطابقة للمعايير؛ بسبب كلفتها الباهظة وأسعارها الخرافية التي تفرضها شركات الأدوية الكبرى التي تحتكر سوق الدواء في العالم، وهو ما يدفع المرضى الفقراء للاعتماد على أدوية مزيفة أقل سعرًا.

وباعتبارها أفريقيا القارة الأكثر فقرًا، فهي المتضرر الأكبر من الأدوية المزيفة؛ إذ تتراوح نسبة الأدوية المزيفة التي تباع في أفريقيا ما بين 30 و70%. وبلغت قيمة معاملات تجارة الدواء المزيف نحو 200 مليار دولار، وهي أرباح تتجاوز إيرادات تجارة المخدرات ما بين 20 إلى 45 مرة.

ويقول بعض الصيادلة في أفريقيا لوكالة «رويترز» إنهم مضطرون للشراء من أرخص الموردين، وليس بالضرورة أكثرهم التزامًا بالمعايير، وهو الأمر الذي يشكل تهديدًا كبيرًا على حياة المرضى، إذ إن الأدوية المزيفة تحتوى على جرعات غير صحيحة ومكونات خاطئة أو غير فعالة، وغالبًا ما ينتج عنها مضاعفات تؤدي إلى الوفاة. ونتيجة لذلك يموت ما يربو عن 100 ألف شخص سنويًا عبر العالم بسبب الدواء المزيف.

وتشير دراسة قام بها فريق من جامعة أدنبره إلى أن نحو 72 ألف حالة وفاة بسبب الالتهاب الرئوي في الأطفال حدثت بسبب استخدام مضادات حيوية قليلة الفاعلية، ويمكن أن يرتفع العدد إلى 169 ألفًا، إذا كانت العقاقير بدون أية فاعلية، وسبق أن قالت منظمة الصحة: «إن 122 ألف و 350 طفلًا أفريقيًا لقوا مصرعهم في عام 2013، بسبب دواء مزيف مضاد للملاريا، وآخر غير ذي فاعلية».

أرباح كبيرة

وفقًا لموقع “أرقام” يعتبر قطاع الرعاية الصحية والأدوية من أكثر القطاعات الاستثمارية أمانا وقد أثبت مقاومته للركود والتقلبات الاقتصادية. وحققت شركات الأدوية وغيرها العاملة في القطاع الصحي نموا بطيئا لكنه مستقر وهو ما يفضله المستثمرون العازفون عن المجازفة.

وتقدم العديد من الشركات الكبيرة توزيعات أرباح تجعلها وسيلة استثمار مثالية للمستثمرين الباحثين عن دخول ثابتة. فعلى سبيل المثال لم تكتف “جونسون آند جونسون” الأمريكية بتوزيعات أرباح سنوية طوال 50 عامًا فحسب، بل تزيد نسب التوزيعات كل عام.

وتتمتع شركات الأدوية العملاقة بميزة تنافسية قوية على الوافدين الجدد للقطاع بسبب إنفاقها الكبير على الأبحاث والتطوير اللازمين لطرح عقاقير جديدة. وواجهت الشركات الكبيرة انتقادات لاذعة لفرضها أسعارا باهظة لبعض الأدوية المهمة لعلاج أمراض مزمنة وخطيرة. لكن الشركات تقول إنها تحتاج إلى جني أرباح من منتجاتها كي توفر الأموال اللازمة لميزانياتها الضخمة في الأبحاث والتطوير.

ووفقًا لقائمة أعدها موقع «إنسايدر مانكي» للشركات الأكثر إنتاجًا للأدوية في العالم، جاء ترتيب أكبر خمس شركات كالتالي:

1- ماكيسن: شركة أمريكية بلغت إيراداتها نحو 189.1 مليار دولار، وسجلت صافي أرباح نحو ملياري دولار، وهي واحدة من كبار موزعي الأدوية في أمريكا الشمالية.

2- أميريسورس بيرجن كورب: شركة أمريكية أيضًا، بلغت إيراداتها نحو 139.1 مليار دولار في عام 2015، وتستأثر بنحو خمس إجمالي الأدوية الموزعة في الولايات المتحدة الأمريكية.

3- كاردينال هيلث: وهي الأخرى شركة أمريكية بلغت إيراداتها نحو 112.4 مليار دولار، واحتلت الشركة ترتيبًا في قائمة مجلة «فورشن» بأكبر 26 شركة في العالم، ولها أنشطة في 60 دولة.

4- روش هولدنج: وهي شركة سويسرية، بلغت إيراداتها نحو 50 مليار دولار، وهي أكبر شركة في العالم في قطاع التقنيات الحيوية، وقد تخصصت في علاجات الأورام والجهاز المناعي والأمراض المعدية والعيون والجهاز العصبي.

5- نوفارتس إيه.جي: وهي شركة سويسرية يقع مقرها بمدينة بازل، وبلغت إيراداتها نحو 50 مليار دولار في عام 2015، وهي أكبر شركة أدوية في العالم من حيث الأرباح.

وبعيدًا عن الشركات، فقد بلغ إجمالي قيمة صادرات الأدوية عالميًا، نحو 318 مليار دولار في 2016، وذلك بسيطرة أوروبية خالصة؛ إذ بلغت الحصة السوقية للقارة العجوز نحو 79.2% في صناعة الأدوية حول العالم، بينما بلغ إجمالي ما تصدره أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية وأفريقيا نحو 1.8% فقط، وتشارك أفريقيا بنسبة تصدير تبلغ 0.2% فقط، بالرغم من أن بها 15% من سكان العالم، وبلغت حصة أمريكا الشمالية 9.7%، بينما تساهم قارة آسيا بنسبة 9.3%.

وتصدرت ألمانيا قائمة الدول الأكثر تصديرًا للأدوية بحوالي 48.6 مليار دولار، تليها سويسرا بصادرات قيمتها 39.9 مليار دولار، وبلجيكا في المركز الثالث بـ26.5 مليار دولار، وفرنسا رابعًا بـ22.8 مليار دولار، وأمريكا خامسًا بصادرات 22.5 مليار دولار.

محاولات لتنظيم الأسعار

وقوبل ارتفاع أسعار الأدوية التي تساعد على إنقاذ الأرواح بانتقادات في جميع أنحاء العالم، ويطالب نشطاء في الدول النامية بإصلاح نظام براءات الاختراع بما يجعل الأدوية الضرورية في متناول أيدي الجميع بحسب رويترز.

وفي عام 2016 قالت فرنسا إنها ستضغط على شركائها في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى لإطلاق عملية “لا رجعة فيها” للسيطرة على أسعار الأدوية الجديدة في إطار حملة عالمية لجعل أسعار الأدوية الضرورية لإنقاذ الأرواح في متناول المرضى. وتم طرح القضية على جدول أعمال قمة مجموعة السبع في إيسي- شيما باليابان، وواصل وزراء الصحة العمل عليها فيما بعد.

وتضم مجموعة السبع معظم شركات الأدوية الكبرى، لكن بينما تحرص الحكومات على التصدي لارتفاع تكاليف الأدوية، فإنها قد لا تنجح في ذلك لأنها لا ترغب في الدخول في مواجهة مع شركات صناعة الأدوية لديها، حيث سيتعين عليها أن توازن بين الحاجة لإبقاء التكاليف منخفضة وحاجة شركات الأدوية للاحتفاظ بحوافز مالية من أجل الابتكار.

ولأن الحكومات قد تواجه صعوبات في مواجهة الشركات التي تحتكر صناعة الدواء في العالم‏,‏ وهي شركات كبري‏, وذات نفوذ وتأثير واسع‏,‏ يرى البعض أنه يجب أن تتم تعبئة الشعوب في مواجهة هذا الطغيان‏، وكذلك إقامة علاقات مباشرة مع الأطباء والعلميين، وفتح مناقشات معهم للتعرف علي طبيعة الأهداف والمصالح الإنسانية.

ويدعو آخرون إلى إقرار مشروع ميثاق اجتماعي كميثاق هلسنكي الشهير، يتم من خلاله إطلاق نداءات بالشفافية واستقلال الباحثين في شركات الأدوية، خصوصًا في ضوء الشكوك المثارة حول صلاحية التجارب التي يقومون بها لخدمة رؤوس الأموال‏,‏ وليس لخدمة المرضي‏.‏

ويشدد هذا الميثاق علي أن نتائج التجارب لا يمكن احتكارها تحت أي ظرف لأنها تصبح تراثا إنسانيا يستفيد منه جميع البشر‏.‏ كما يدعون إلى عدم إخضاع المنتجات الطبية لقواعد السوق، وإخضاعها لقواعد الإنسانية‏.‏

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى