تقارير

ترامب ينسحب من سوريا.. فهل انتهت داعش؟

إعداد وتحرير: علي البلهاسي

تطورات سريعة ومتلاحقة شهدها ملف انسحاب القوات الأمريكية من سوريا عقب القرار الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب، وواجه انتقادات عدة داخل أمريكا وخارجها، حيث اعتبره البعض هدية لروسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، بينما قال آخرون إنه يعطي فرصة لـ”داعش” لاستعادة قوته والعودة من جديد.

وتصاعد الجدل حول القرار بعد استقالة كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس، والمبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش بريت ماكجورك، وزادت التكهنات والتحليلات حول أسباب القرار وتداعياته. وما بين هذا وذاك كان السؤال الأهم الذي تم طرحه هو: هل انتهت داعش بالفعل في سوريا كما قال ترامب؟

انسحاب مفاجئ

كان البيت الأبيض قد أعلن بدء انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وذلك بعد قرار مفاجئ اتخذه الرئيس دونالد ترامب، الذي قال إن قواته ألحقت الهزيمة بتنظيم الدولة ودحرته، مشيرًا إلى أنه بعد هذه الانتصارات التاريخية فقد “حان الوقت لعودة شبابنا إلى الوطن”. ودافع ترامب عن قراره في مواجهة الانتقادات الحادة التي تلقاها قائلاً: “أوقعت ضررًا بـ “داعش” أكثر مما فعل جميع الرؤساء الآخرين”.

وساعدت القوات الأمريكية في تطهير كثير من المناطق بشمال شرق سوريا من تنظيم الدولة الإسلامية، لكن مازالت هناك جيوب لمقاتليه.

من جانبه أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن قرار الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، جاء بعد سلسلة من المشاورات مع كبار المسئولين. وأضاف أنه رغم الانسحاب فإن الولايات المتحدة ستستمر في مكافحة الإرهاب لمواصلة القتال ضد داعش، سواء كان ذلك في سوريا أو في أماكن أخرى.

فيما قال المبعوث الدبلوماسي الأمريكي لدى الأمم المتحدة رودني هانتر، إن بلاده ملتزمة بتدمير تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية في سوريا وحول العالم بشكل نهائي. وأكد أن بلاده ستستخدم جميع أدوات الضغط من أجل انسحاب القوات المدعومة من قبل إيران من سوريا.

صدمة استقالة ماتيس

على خلفية القرار المفاجئ تقدم وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس باستقالته من منصبه، وأكد “البنتاجون” أن استقالة ماتيس تأتي بسبب عدم تطابق رؤيته لإدارة السياسات الدفاعية مع قناعات الرئيس ترامب. وفي رسالة استقالته ألمح الجنرال ماتيس بقوة إلى وجود اختلافات مع الرئيس ترامب في رسم السياسات ومعالجة عدد من القضايا.

وقالت “واشنطن بوست” إن خطاب استقالة ماتيس لا يقدم فقط نافذة على خلافاته السياسية مع الرئيس ترامب، بل إنه ربما شكك أيضًا في قدرة ترامب على أن يكون قائدًا أعلى في ظل لحظة خطيرة على الساحة العالمية. حيث أشار الخطاب ضمنًا إلى نهج ترامب المتقلب والمتهور في السياسة الخارجية الذي لا يرقى إلى مستوى التهديدات التي تواجه أمريكا.

وعلى الرغم من أن ماتيس لم يشر بشكل مباشر إلى قرار سحب القوات من سوريا، إلا أنه سبق أن حذر من أن الانسحاب المبكر من سوريا سيكون “خطأ استراتيجيًا فادحًا”.

كما أعلن المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش، بريت ماكجورك، استقالته من منصبه. وستسري استقالته يوم 31 ديسمبر كانون الأول. وقال شخص مطلع على الأمر إن ماكجورك استقال بسبب اعتراضه على قرار الرئيس ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا.

وأثارت استقالة ماتيس حالة من القلق والصدمة لدى السياسيين وأعضاء الكونجرس، حيث كان يعتبر من أعقل الأصوات داخل الإدارة الأمريكية في ظل تقلبات الرئيس ترامب في السياسة الخارجية، وتبنيه نهجًا يتعارض في الأغلب مع نصيحة كبار مستشاريه.

وقال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، إنه “قد فجع” لسماع أن الاستقالة كانت جراء “اختلافات شديدة” بين الجنرال ماتيس والرئيس. فيما قال السيناتور الديمقراطي جيف فلايك، إن وجود ماتيس كان يمنحنا جميعًا قدرًا كبيرًا من الارتياح أكثر مما نشعر به الآن بعد قرار استقالته، فقد كنا جميعا ننام بشكل أفضل ونشعر بشكل أفضل في ظل وجوده في وزارة الدفاع.

وأكدت صحيفة “نيويورك تايمز” أن ماتيس كان أحد عوامل التوازن أمام رئيس لا يمكن التنبؤ بقراراته. وفي نفس السياق، عبرت صحيفة “واشنطن بوست” عن حالة الصدمة والحزن التي صاحبت استقالة ماتيس بعنوان “يوم حزين لأمريكا”، مشيرة إلى مخاوف من أن يصبح الرئيس دونالد ترامب دون رقابة بعد هذا القرار.

وقالت الصحيفة إنه منذ أن تولى ماتيس منصبه، كان السياسيون في واشنطن والعالم يرونه حصنًا أمام قرارات ترامب. ففي الداخل كان ماتيس مستعدًا للوقوف أمام ترامب عندما يريد نشر قوات. وفي الخارج كان ماتيس هو المسئول الوحيد في إدارة ترامب الذي يحظى بثقة غير مشروطة من قبل أقرب حلفاء أميركا.

قرار صعب التنفيذ

لم يقدم البيت الأبيض جدولاً زمنيًا لانسحاب القوات من سوريا، لكن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نقلت عن مسئولين عسكريين قولهم إن ترامب يريد الانتهاء منه في غضون 30 يومًا.

وقالت مجلة “تايم” الأمريكية إن هذا القرار صعب التنفيذ، حيث يحتاج الأمر لوضع إستراتيجية لمواجهة التحدي اللوجستى الهائل لسحب القوات وعددها 2200، بالإضافة والعتاد والأسلحة الثقيلة خلال الجدول الزمني المطلوب. وبالإضافة إلى هذا، فإن المهمة مطلوب تنفيذها بطريقة لا تجعل الولايات المتحدة تتخلى تمامًا عن حلفائها ولا تخسر المكاسب الإستراتيجية التي حققتها بصعوبة ضد داعش منذ عام 2014.

وتقول “تايم” إن البنتاجون يسعى لمعالجة قضايا تتعلق بالانسحاب مثل هل يحاول الجيش استعادة الأسلحة التي وزعها بين القوات البرية السورية، وهل يمكن سحب العتاد الموجود في نحو خمس قواعد عسكرية في سوريا في غضون 30 يوما أم ينبغي تدميرها في مكانها، وما الذي ينبغي على الولايات المتحدة فعله مع المقاتلين الأكراد والتحالف الدولي المكون من 79 دولة الذي يهدف إلى القضاء على داعش.

كما أن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية الانسحاب من سوريا دون السماح لمقاتلي داعش السابقين بالعودة وأن يمثلوا تهديدا مرة أخرى، مثلما حدث عندما انسحبت الولايات المتحدة من العراق.

بدائل مقترحة

وحول مستقبل التواجد الأمريكي في سوريا بعد انسحاب القوات، قال مسئول في “البنتاجون” إن القوات الخاصة الأمريكية ستغادر سوريا في الأيام المقبلة وستنتشر في أربيل العراقية.

وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن البنتاجون يدرس استخدام فرق صغيرة من قوات العمليات الخاصة لاستهداف تنظيم “داعش” في سوريا، في محاولة لمواصلة الأعمال العسكرية الأمريكية في سوريا بعد سحب القوات من هناك.

ونقلت الصحيفة عن اثنين من المسئولين العسكريين الأمريكيين – لم تكشف هويتيهما- أن عناصر القوات الخاصة الأمريكية ستنتقل – وفق هذا المقترح- إلى العراق، حيث ستتمركز على طول الخط الحدودي مع سوريا، وتداهم الأراضي السورية في غارات بين الحين والآخر لتنفيذ عمليات محددة عند تصاعد التهديدات هناك.

وقالت الصحيفة إن فرق الإغارة المقترحة هي خيار بين عدد من الخيارات الأخرى – التي تتضمن استمرار الغارات الجوية وتزويد المقاتلين الأكراد بالأسلحة والمعدات- في إطار الإستراتيجية التي يطوّرها البنتاجون حاليا لنشاطه في سوريا.

وقال المسئولان بالبنتاجون إن الخطط التي تضعها وزارة الدفاع تسعى للإبقاء على تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية في حربها على “داعش”، والتي كانت أكثر الفصائل السورية تضررًا من قرار الانسحاب الأمريكي.

فيما قال المستشار السابق في حملة ترامب الانتخابية، وليد فارس، لموقع “سكاي نيوز عربية” إن قرار ترامب قد لا يطبق بحذافيره، فهو “يترقب ردود الأفعال الداخلية والخارجية، ومن الممكن أن يعدل طريقة تنفيذ القرار من حيث تمديد المهلة الزمنية، أو الاتفاق على إدخال قوات عسكرية بديلة في المنطقة لملء الفراغ الأميركي”.

الرابحون والخاسرون

ترى مجلة “التايم” الأمريكية أن الانسحاب الأمريكي من سوريا سيضر بالأكراد ويصب في مصلحة تركيا والرئيس السوري بشار الأسد ويعيد تنظيم “داعش” الإرهابي إلى المشهد.

ووصفت القرار الأمريكي بـ”المتجعل”، محذرة من أنه قد يذهب سدى “ما تم إنجازه في الحرب ضد “داعش” والخطوات التي خطاها الأكراد نحو الحصول على الحكم الذاتي، ويعود بالصراع في المنطقة إلى نقطة الصفر”.

وقالت المجلة إن القرار الأمريكي لن يستفيد منه مقاتلو “داعش” فحسب، بل يمكن أن تستفيد منه تركيا كذلك، إذ إن هذه الخطوة “ستعطي أنقرة الفرصة للتصرف بحرية على حدودها الجنوبية، وسحق المقاتلين الأكراد في شمال سوريا”.

وأضافت أنه “يمكن لقوات الأسد، وسط الحرب التركية – الكردية، استغلال الوضع واستعادة السيطرة على الأراضي الخاضعة لسيطرة الأكراد، ومد سلطتها ونفوذ حلفائها الروس والإيرانيين، وتسهيل وجود إيران في المنطقة الحدودية الإستراتيجية مع العراق، وهو ما يقوّض هدف واشنطن الأساسي المتمثل في “الحد من النفوذ الإيراني” في المنطقة”.

ويبدو أن قوات سوريا الديمقراطية لم يعد لديها بعد الانسحاب الأمريكي أي خيار سوى الارتماء في حضن روسيا والتنسيق المباشر مع النظام السوري، بالتالي يكون قد تم بيعها في صفقة تكون بموجبها مجبرة على تنفيذ الأوامر الجديدة ضمن تسوية الوضع السوري.

فبعد مغادرة الأمريكيين، سيضطر الأكراد للتصرف بحذر وحيطة أكثر مع أنقرة، ويصبحوا أكثر ليونة في المفاوضات مع دمشق، وسيتعاملون مع الجانب الروسي باهتمام أكبر.

وإذا كان الأكراد على رأس الخاسرين من قرار ترامب، فإن إيران تأتي على رأس قائمة المستفيدين بالمقارنة بالمكاسب التركية والروسية التي ستكون محدودة.

حيث أن تركيا تهدف في المقام الأول لتأمين حدودها ودرء خطر الأكراد وحرمانهم من تكوين منطقة حكم ذاتي في سوريا، كما أن وجود روسيا في سوريا يقتصر على الدعم العسكري لتوفير الحماية للنظام السوري، مقارنة بالوجود الإيراني الذي يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، ويهدف بشكل أساسي لدعم حلفاء لها في لبنان والعراق.

أسباب الانسحاب

إعلان ترامب بالانسحاب من سوريا لم يثر مخاوف حلفاء بلاده في الحرب على داعش مثل قوات سوريا الديمقراطية وبريطانيا وفرنسا وغيرهم فقط، بل وصل الأمر إلى أنصاره في الكونغرس من الحزب الجمهوري الذين أعربوا عن دهشتهم من اتخاذ مثل هذا القرار وتساءلوا عن أسبابه.

على رأسهم هؤلاء زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ليندسي غراهام، الذي يعد من أشد أنصار ترامب، والذي قال إن “كل ما جرى في العراق سيحدث في سوريا أيضًا إذا لم يعد ترامب النظر في قراره، ولا أحد يمكنه إقناعي بأن الدولة الإسلامية قد هُزمت”. وأضاف أن انسحاب القوات الأمريكية سيكون “انتصارًا كبيرًا لتنظيم داعش وإيران وبشار الأسد وروسيا”.

ورداً على غراهام، قال ترمب في تغريدة له: “من الصعب التصديق أن ليندسي غراهام، سيكون ضد الحفاظ على أرواح الجنود والحفاظ على مليارات الدولارات”. وأضاف متسائلاً: “لماذا نحارب بالنيابة عن أعدائنا في سوريا، بالبقاء وقتال داعش من أجلهم، روسيا وإيران وغيرهما من السكان المحليين؟”.واختتم بالقول: “الوقت حان للتركيز على بلدنا، وإعادة شبابنا إلى ديارهم حيث ينتمون”.

لكن خبراء لم يستبعدوا أن يكون ترامب قد اتخذ القرار بسبب أمور داخليه، وأنه ينطلق من حرصه على بقائه السياسي، مشيرين إلى أن الأمور بدأت تفلت من يد سيد البيت الأبيض داخل البلاد، لذا فهو يسعى بقراره إلى تحويل انتباه الجمهور عن الأوضاع السياسية الداخلية غير المواتية. كما أنه يريد أن يوحي لناخبيه بكل طريقة ممكنة أنه يفي بوعوده الانتخابية بإنهاء التورط العسكري في سوريا.

وتأتي نفقات التواجد العسكري في سوريا ضمن أسباب قرار ترامب بالانسحاب، وتقول صحيفة ” standard” إنه خلال اجتماع لفريق للأمن القومي، استشاط غضبًا من كمية الأموال الأمريكية التي أنفقت في سوريا.

وتشير “واشنطن تايمز” الأمريكية إلى أن الجيش الأمريكي ينفق حوالي مليون دولار للمساعدة في اعتقال الآلاف من مقاتلي داعش، وأفراد عائلاتهم في مخيمات مؤقتة يديرها الأكراد في شمال سوريا.

وترجح العديد من المصادر أن ترامب قرر الانسحاب من سوريا بعدما شكا من أن الحلفاء لم يفعلوا ما يكفى في الحرب على الإرهاب، فهو منزعج بشكل خاص من أن دول الخليج، مثل السعودية والإمارات لم يساهموا بموارد كافية لمحاربة داعش في سوريا.

ويرى ترامب إن الولايات المتحدة كسبت المعركة بشكل أساسي مع داعش، ولم تعد هناك حاجة إلى وجودها العسكري في سوريا، وانه قد آن الأوان لتسليم المسؤولية في سوريا للاعبين المحليين.

تسوية شاملة

لكن آخرون يرون أنّ الانسحاب العسكري الأميركي من سوريا يدخل في سياق اتفاقات بعيدة عن الأضواء بين واشنطن وموسكو، تقضي بسحب كل القوى المُسلّحة من سوريا بشكل تدريجي. وبحسب هذه النظريّة فإنّه من المُرتقب أن يلي الانسحاب الأميركي والغربي من سوريا، انسحاب للقوات الإيرانية منها أيضًا، بالتزامن مع التطوّر المتوقّع للحلّ السياسي الخاص بالأزمة السُوريّة.

ويقول أصحاب هذه النظريّة إن الانسحاب العسكري الأمريكي والغربي لا يعني انسحابًا سياسيًا من سوريا، فلا تزال أميركا والدول الأوروبيّة تملك العديد من أوراق الضغط، حيث أنّها قد تُعرقل أيّ تمويل للشروع في إعادة إعمار سوريا، ورفع العزل الإقليمي والدَولي عن النظام السُوري، إذا لم يتم التوصّل إلى تسوية سياسيّة مُرضية.

ويذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن فرضيّة التسوية الشاملة والتنسيق بين روسيا وتركيا وأمريكا، هي الأكثر احتمالا، فبموجب هذه الفرضية يمكن لأمريكا أن تحقق بعض الأهداف من خلال التضحية بالأكراد.

حيث ستقوم تركيا مع الجيش السوري الحر بملء الفراغ شرق الفرات وعلى الشريط المحاذي لتركيا من عفرين إلى الحدود العراقية. فيما تستلم روسيا الأراضي السورية غرب الفرات بدعم جيش النظام السوري، وتتكفل بالقضاء على جيوب الإرهاب في مناطق سيطرتها. وتتعهد روسيا بموجب هذه التسوية ألا تسمح لإيران بتعزيز نفوذها في سوريا بما يهدد أمن إسرائيل.

كما يتم الاتفاق على إعادة تأهيل نظام بشار الأسد وفق عملية تسوية مع المعارضة السورية استنادا لمقررات مجلس الأمن ومباحثات سوتشي بما يضمن الاستقرار والقضاء على الإرهاب.

هل انتهى داعش؟

يشكك الكثيرون في مزاعم الرئيس الأمريكي حول دحر داعش في سوريا، فمنذ أيام قليلة فقط، أعلن أكثر من مسئول عسكري أمريكي أن التنظيم لا يزال لديه آلاف المقاتلين الذين يقاومون بشدة وضراوة في البقعة الصغيرة التي لا يزال يُسيطر عليها.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن خبير عسكري أمريكي تقديرات عن عدد مقاتلي التنظيم حتى أيام قليلة، إذ يبلغ عددهم بما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل في سوريا والعراق، وهو العدد نفسه تقريبا عندما كان التنظيم في قمة قوته وعنفوانه.

ويتماشى هذا التقدير تمامًا مع تقدير حكومي أمريكي يعود لشهر أغسطس/ آب الماضي، وجاء فيه أن التنظيم لديه 30 ألف مقاتل في سوريا والعراق.

وهي أرقام تتناقض تماما مع تأكيد ترامب إلحاق الولايات المتحدة الهزيمة بالتنظيم، إذ لا توجد دلائل على القضاء على هذا العدد من المقاتلين عبر العمليات العسكرية أو إلقاء القبض عليهم.

وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن تنظيم داعش لا يزال يمثل قوة إرهابية قاتلة على الرغم من مزاعم ترامب أن التنظيم قد تمت هزيمته.

وتحدثت الصحيفة عن عدد من الهجمات التي شنها مقاتلو داعش في سوريا والعراق في الآونة الأخيرة، وقالت إن مثل هذه الهجمات تعزز وجهة النظر السائدة بأن التنظيم لا يزال قويا ويمثل قوة قاتلة في أجزاء كبيرة من سوريا والعراق.

ونقلت “واشنطن بوست” عن مسرور برزانى، أحد كبار المسئولين الأمنيين في منطقة كردستان العراق قوله إن الدواعش يعيدون تنظيم أنفسهم ويستعيدون نشاطهم، وأضاف أنه “من سوريا وحتى الأنبار والموصل، نشهد عودة مقاتلي داعش، فعقيدتهم موجودة ولا يزال لديهم أعداد كبيرة من التابعين”.

وتقول “واشنطن بوست” إنه على الرغم من انتكاسات داعش الأخيرة، لا يزال التنظيم يحتفظ بوجود قوى في سوريا والعراق، ولديه كوادر قيادية ومقاتلين مدربين بشكل جيد يُعتقد أن أعدادهم تقدر بالآلاف، من بينهم كثيرون يختبئون بعد سقوط ما يسمى بدولة الخلافة.

مخاوف من العودة

يعيد قرار ترامب إلى الذاكرة ما جرى في العراق عام 2011، عندما سحب الرئيس الأمريكي وقتها، باراك أوباما، القوات الأمريكية من العراق، بينما كان تنظيم القاعدة يقدر بالمئات فقط، وينشط في مناطق نائية وقليلة قرب الحدود مع سوريا، وما لبث أن انتقل إلى سوريا، ونما هناك بشكل متسارع وعاد إلى العراق، وأعلن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي أواسط عام 2014 عن إقامة “الدولة الإسلامية”.

وهو ما جعل العديد من المراقبين يناقشون تداعيات قرار ترامب بالانسحاب على معركة القضاء على تنظيم داعش في معقله الأخير الصغير شرقي سوريا، ومدى قدرة القوى التي تقاتل التنظيم هناك على مواجهته بعد انسحاب القوات الأمريكية.

ولا يستبعد المراقبون أن يعود التنظيم إلى سابق عهده وينظم صفوفه ويشن هجمات خاطفة، ويستعيد ما خسره في سوريا، حالما تتوقف الغارات الأمريكية التي تستهدف معاقل التنظيم، ولاسيما أنه استفاد كثيرا من دروس المعارك التي خاضها منذ عدة سنوات ضد قوات سوريا الديمقراطية والحكومية السورية والعراقية.

فعندما غاب طيران التحالف قبل أقل من شهر عن ساحة المعركة، استغل التنظيم الفرصة وشن هجمات خاطفة استطاع من خلالها الوصول إلى مناطق كان قد خرج منها منذ أشهر، مثل بلدتي الغرانيج والبحرة.

ونشر مركز دراسات الحرب الأمريكي (ISW) تقريرا يوم 19 ديسمبر الجاري أعرب فيه عن تخوفه من أن جيوب التنظيم قادرة على لملمة نفسها مرة أخرى، خاصة وأن آلاف المقاتلين ما زالوا موجودين في مناطق متفرقة من البادية السورية والقرى، بالإضافة إلى وجود شبكة لسيطرتهم من خلال طرق وأنفاق تمتد لأطراف المدن السورية أيضا.

وذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) ما زال لديه ما يتراوح بين 20 ألف و30 ألف مقاتل في سوريا والعراق، وقال التقرير إن المسلحين منقسمون بالتساوي بين الدولتين ويشملون “مكونا مهما” من المقاتلين الأجانب.

كما يوجد بين 3000 و4000 آلاف مقاتل تابعين لداعش في ليبيا، ولا يزال العديد من القادة الرئيسيين للتنظيم ينتقلون إلى أفغانستان، حيث يضم التنظيم هناك ما بين 3500 و 4000 مقاتل ويزيدون، وفقاً للتقرير. ولدى التنظيم أيضا دعم في جنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا.

ووفقا لتقرير الأمم المتحدة، فقد غادر عدد أقل من المتوقع من المقاتلين الأجانب العراق وسوريا في أعقاب الهزائم العسكرية، مع انتشار العديد منهم بين السكان المحليين، أو الذهاب إلى البلدان المجاورة.

وأفادت صحيفة الإندبندنت البريطانية بأن تنظيم داعش بدأ يعيد تجميع صفوفه ويعاود الظهور بهدوء في سوريا من خلال شن هجمات عسكرية وإقامة قواعد له.

كما كشفت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية أن تنظيم (داعش) يجلس، بعد أكثر من عام من سقوط خلافته المزعومة، على جبل من الأموال والذهب هربها قادته لتمويل العمليات الإرهابية وضمان بقاء التنظيم لسنوات في المستقبل بحسب مسئولين وخبراء في شؤون الجماعات الإرهابية.

وقالت الصحيفة في تقرير لها: “إن مسلحي التنظيم أثناء تقهقرهم من معاقلهم السابقة في العراق وسوريا حملوا معهم مبالغ كبيرة من العملات الغربية والعراقية والقطع النقدية الذهبية ليكون كنزا يقدره الخبراء المستقلون بإجمالي نحو 400 مليون دولار أمريكي؛ تكاد تكون منهوبة بالكامل من بنوك أو متحصل عليها من خلال الأعمال الإجرامية”.

ويرى محللون أن داعش يستهدف من وراء هذه الأموال؛ تمويل النشاط الإرهابي للتنظيم ودفع أجور مقاتليه ودعم أسرهم، وهو الاحتمال الذي يخشى بعض الخبراء من أن يُعجل به الانسحاب السريع للقوات الأمريكية من سوريا.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى