في ذكرى 11 سبتمبر.. هل زال خطر تنظيم القاعدة ولماذا لم يُحاكم العقل المدبر حتى الآن؟

يحيي الرئيس جو بايدن الذكرى الحادية والعشرين لهجمات 11 سبتمبر، غدًا الأحد، في مقر البنتاغون، وذلك من خلال إلقاء تصريحات ووضع إكليل من الزهور.
ووفقًا لشبكة ABC news فإن السيدة الأولى، جيل بايدن، ستتحدث غدًا في الاحتفال التذكاري الوطني للرحلة 93 في شانكسفيل بولاية بنسلفانيا، بينما ستذهب نائبة الرئيس كامالا هاريس وزوجها إلى مدينة نيويورك لحضور حفل إحياء الذكرى في النصب التذكاري الوطني المقام في موقع انهيار برجي مركز التجارة العالمي.
يأتي ذلك في إطار إحياء ذكرى الهجمات الإرهابية التي وقعت عام 2001 عندما استولى الخاطفون على طائرات تجارية واستخدموها كصواريخ واصطدموا بها بمركز التجارة العالمي في نيويورك والبنتاغون وحقل بنسلفانيا.
وقتل ما يقرب من 3000 شخص في الهجمات التي تبناها تنظيم القاعدة، والتي ردت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها بشن حرب على أفغانستان استمرت أكثر من 20 عامًا.
تحذيرات أمنية
يأتي ذلك في الوقت الذي حذرت فيه السلطات الأمنية من أن منظمات إرهابية أجنبية قد تستغل الأحداث الأخيرة مثل الانسحاب من أفغانستان ومقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، للقيام بهجمات انتقامية خلال فعاليات إحياء ذكرى 11 سبتمبر.
ووفقًا لشبكة (CNN) فإن هناك نشرة استخباراتية صدرت مؤخرًا عن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب، تشير إلى أن تنظيم القاعدة وأنصاره يسعون عادة إلى إحياء ذكرى هجمات 11 سبتمبر، ويحتفلون به باعتباره “عملية ناجحة”، ويمدحون المهاجمين وقيادة التنظيم، ويشجعون أتباعهم على شن هجمات مماثلة.
ورغم أن النشرة لا تشير إلى وجود مؤامرة معروفة أو تهديد وشيك لمهاجمة الولايات المتحدة، إلا أن السلطات تبحث عن أشخاص قد يستغلون ذكرى الهجمات في القيام بردود انتقامية.
تمديد حالة الطوارئ
من جانبه أعلن البيت الأبيض، أمس الجمعة، أنّ الرئيس جو بايدن، قرّر تمديد حالة الطوارئ الوطنية المعلنة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، لمدّة عام آخر.
وقال بايدن في بيان إلى الكونغرس: “لقد أرسلت إلى السجل الفيدرالي إشعاراً يفيد بأنّ حالة الطوارئ المعلنة في الإعلان 7463، فيما يتعلق بالهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، ستستمر لمدة عام إضافي”.
وأشار بايدن إلى أنّ “التهديد الإرهابي ضد أمريكا مستمر، ويتطلب تمديد حالة الطوارئ الوطنية هذه بعد 14 سبتمبر”.
تهديدات جديدة
وتتوقع السلطات الأمنية أن تركز قيادات تنظيم القاعدة هذه المرة على الضربة الجوية الأمريكية التي تمت في 30 يوليو الماضي وأسفرت عن مقتل أيمن الظواهري، والذكرى السنوية الأولى لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، باعتبارهما حدثان بارزان يمكن من خلالهما تحفيز مشاركة المتطرفين العنيفين محليًا للقيام بأعمال عنف.
من جانبها نشرت مؤسسة “السحاب” التابعة لتنظيم القاعدة بيانًا جديدًا في الذكرى 21 لهجمات 11 سبتمبر، وهو ثاني بيان منذ تأكيد الولايات المتحدة مقتل الظواهري.
وتحت عنوان “مكاسب” احتفى التنظيم بما حققه عام 2001، واصفًا هجماته وتأثيراتها على الولايات المتحدة بالإنجازات، دون أن يشير إلى مقتل الظواهري. وفقًا لموقع “أخبار الآن“.
ويشكك البعض في جدية التهديدات التي يطلقها تنظيم القاعدة مؤكدين أن الولايات المتحدة نجحت على مدى العقدين الماضيين في تفكيك التنظيم الذي كان وراء هجمات 11 سبتمبر، وأنه أصبح غير قادر على شن هجوم كبير على أمريكا والغرب منذ عام 2005.
مقتل الظواهري وبن لادن
ولا تزال هجمات 11 سبتمبر هي أكبر أعمال الإرهاب التي ارتكبها تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة والعالم، ولكن بعد مرور أكثر من عقدين على هذه الهجمات أصبح التنظيم ممزقًا ويتداعى في طريقه للانهيار، وذلك بعد تعرضه لضربات كبرى إثر تصفية أبرز قادته، وبصفة خاصة مؤسس التنظيم أسامة بن لادن، وزعيمه السابق أيمن الظواهري.
وفي مطلع أغسطس 2022 أعلن الرئيس جو بايدن، مقتل الظواهري، في هجوم تم بطائرة بدون طيار تابعة لـ CIA وسط العاصمة الأفغانية كابول.
وسبق أن رصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تساهم في القضاء على الظواهري، خاصة بعد ثبوت تورطه في تنسيق هجمات 11 سبتمبر.
ويعد مقتل الظواهري أكبر ضربة للتنظيم منذ مقتل مؤسسه وزعيمه السابق أسامة بن لادن في 2 مايو 2011، في مدينة أبوت آباد في باكستان، وذلك خلال عملية اقتحام لمقر إقامته أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ونفذها الجيش الأمريكي بتعليمات من الرئيس الأسبق باراك أوباما، واستغرقت 40 دقيقة.
وفي 14 سبتمبر 2019 أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب مقتل حمزة بن لادن، نجل زعيم تنظيم القاعدة الراحل، في عملية أمريكية لمكافحة الإرهاب بمنطقة على الحدود بين أفغانستان وباكستان، وكانت الولايات المتحدة تصف حمزة “بالزعيم الناشئ في القاعدة”، وقالت إنه هدد بشن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
وفي 26 أكتوبر 2019 أعلن ترامب أيضًا عن مقتل زعيم تنظيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، بعملية للقوات الخاصة للولايات المتحدة في سوريا.
الانسحاب من أفغانستان
وكانت الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر العام الماضي قد مرت مختلفة، وذلك بعد أن انسحبت أمريكا من أفغانستان، معلنة نهاية أطول الحروب في تاريخها، بينما عادت طالبان إلى كابول لتتسلم مقاليد الحكم.
كما صاحب ذكرى العام الماضي أيضًا القرار الذي أصدره الرئيس بايدن بشأن رفع السرية عن الوثائق المتعلقة بتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي في هجمات 11 سبتمبر، ليحقق مطلبًا رئيسيًا ظلت عائلات الضحايا تطالب به على مدى 20 عامًا لإزالة شكوكهم حول أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كذب أو أتلف أدلة تتعلق بمن قاموا بالهجمات.
للمزيد اقرأ: 20 عامًا يا كتاب الحرب.. 11 سبتمبر “ذكرى استثنائية”
محاكمة العقل المدبر
ورغم هذه العمليات الانتقامية الكبيرة التي شنتها الولايات المتحدة ضد من تزعموا تنظيم القاعدة وكانوا وراء أحداث 11 سبتمبر، إلا أن العقل المدبر لهذه الأحداث لا يزال معتقلًا في غوانتانامو دون محاكمة أو حساب حتى الآن.
وفي فجر 1 مارس 2003، حققت الولايات المتحدة أحد أكبر انتصاراتها، ضد مخططي هجمات 11 سبتمبر، وذلك بالقبض على خالد شيخ محمد، بعدما أخرجه ضباط المخابرات من مخبأه في روالبندي بباكستان.
ورغم أن مطاردة أمريكا لخالد شيخ محمد، الذي كان ترتيبه الثالثة بين المطلوبين، لم تستغرق أكثر من 18 شهرًا، إلا أن محاولة تقديمه إلى العدالة، بالمعنى القانوني، استغرقت أكثر من 20 عامًا، ما جعل البعض يعتبرها إحدى أكبر الإخفاقات في مواجهة الإرهاب، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس“.
ومع حلول الذكرى 21 للهجمات الإرهابية غدًا الأحد، لا يزال شيخ محمد و4 رجال آخرين متهمين بجرائم تتعلق بأحداث 11 سبتمبر، معتقلون في غوانتانامو، وقد تم تأجيل محاكماتهم أمام محكمة عسكرية مرات عديدة كان آخرها الشهر الماضي، عندما أُلغيت جلسات الاستماع السابقة للمحاكمة التي كان من المقرر عقدها في أوائل الخريف.
واعتبر البعض هذا التأجيل إضافة لسلسلة خيبات الأمل التي تنتاب أقارب الضحايا الذين يتمنون أن تنتهي المحاكمة حتى يقتصوا منهم، وربما تسفر محاكمتهم عن إجابة للأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها حتى الآن، ومعرفة حقيقة ما حدث وكيف حدث.
إذا أدين خالد شيخ محمد في المحاكمة المنتظرة، فقد يواجه عقوبة الإعدام، وهو ما قد يشفي غليل أهالي الضحايا، إلا أن محامي المتهمين يحاولون عدم الوصول لحكم كبير.
وتشير التقارير إلى أن الطرفين لا يزالوا يحاولون التوصل إلى اتفاق قبل المحاكمة، يمكن أن يؤدى إلى تجنب المحاكمة، ويسفر عن أحكام أخف من الإعدام، ولكنها ستكون أطول.
محاكمة صعبة
ديفيد كيلي، المدعي العام الأمريكي السابق في نيويورك، والذي شارك في رئاسة تحقيقات وزارة العدل في الهجمات، وصف حالات التأخير والفشل في محاكمة العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر بأنها “مأساة”، وقال إن الجهود المبذولة لتقديم خالد شيخ محمد إلى المحاكمة أمام محكمة عسكرية، وليس أمام نظام المحاكم الأمريكي العادي، بـ”الفشل الذريع” الذي “يسيء إلى دستور الولايات المتحدة، كما يسيء إلى حكم القانون”.
وتعود صعوبة إجراء محاكمة شيخ محمد وغيره من سجناء غوانتانامو إلى ما فعلته الولايات المتحدة به بعد اعتقاله عام 2003.
حيث تم احتجازه ورفاقه في البداية في سجون سرية بالخارج، وتقول جماعات حقوق الإنسان إن عملاء وكالة المخابرات المركزية استخدموا معهم أساليب استجواب ترقى إلى مستوى التعذيب، من بينها أن شيخ محمد تعرض للإيهام بالغرق وشعر أنه يغرق 183 مرة.
وخلص تحقيق لمجلس الشيوخ لاحقًا إلى أن هذه الاستجوابات لم تؤد إلى أي معلومات استخباراتية قيمة، لكنها أثارت نزاعًا لا نهاية له قبل المحاكمة حول ما إذا كان يمكن استخدام تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن أقوالهم ضدهم أم لا- وهي عملية لا تخضع لقواعد المحاكمة السريعة المستخدمة في المحاكم المدنية.
وأدت مزاعم التعذيب إلى مخاوف من أن تكون الولايات المتحدة قد أفسدت فرصتها في محاكمة شيخ محمد أمام محكمة مدنية، وهو ما فتح مجالًا للحديث عن المحاكمة أمام محاكم عسكرية.
كما يخشى البعض أنه مع مرور الوقت والزمن فسيكون من الأصعب بكثير مقاضاة شيخ محمد في محكمة، ناهيك عن أن الأدلة ستصبح بلا معنى، وذكريات الشهود ستمحى مع تقدم العمر”.
مصدر خطر
ويقول محققون من اللجنة العسكرية في خليج غوانتانامو إنه خطط لهجمات 11 سبتمبر لمدة ثلاث سنوات. واستشهدوا بقرص صلب للكمبيوتر تم ضبطه عند اعتقاله، وقالوا إنه يحتوي على صور للخاطفين التسعة عشر، وثلاث رسائل من بن لادن، ومعلومات عن بعض الخاطفين.
واعترف شيخ محمد، في بيان مكتوب بجلسة الاستماع أمام المحكمة، بأنه أقسم بالولاء لأسامة بن لادن، وأنه كان عضوًا في مجلس قيادة تنظيم القاعدة، وأنه شغل منصب مدير عمليات بن لادن للتنظيم والتخطيط والمتابعة والتنفيذ، وتابع مؤامرة 11 سبتمبر “من الألف إلى الياء.”
وبحسب البيان، فقد شارك في تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993؛ ومحاولة إسقاط طائرات أمريكية باستخدام قنابل مخبأة في الأحذية، وتفجير ملهى ليلي في إندونيسيا. كما خطط لموجة ثانية من الهجمات بعد هجمات 2001 كانت ستستهدف معالم مثل برج سيرز في شيكاغو، ومبنى إمباير ستيت في مانهاتن.
وقال البيان أيضًا إنه ادعى مشاركته في هجمات أخرى مخطط لها، بما في ذلك محاولات اغتيال الرئيس بيل كلينتون في 1994 أو 1995 ومؤامرة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في نفس الوقت تقريبا.
ويختلف مصير خالد شيخ محمد عن مصير ابن أخيه رمزي يوسف، العقل المدبر لتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 الذي أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 1000 آخرين وترك حفرة في مرآب السيارات أسفل البرجين التوأمين.
وعوقب يوسف بالسجن مدى الحياة بعد إدانته في محاكمتين مدنيتين منفصلتين وكان قد، تم القبض عليه أيضًا في باكستان عام 1995، ولكن تم تقديمه إلى الولايات المتحدة لمحاكمته.