أخبار العالم العربيتقارير

لا تطبيع ولا ناتو ولا مزيد من النفط.. فماذا ربح بايدن من زيارته للشرق الأوسط؟

اختتم الرئيس جو بايدن جولته الشرق أوسطية التي استمرت 4 أيام زار خلالها إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية، والتقى العديد من قادة دول المنطقة، وأجرى معهم مباحثات حول كثير من القضايا الشائكة.

الزيارة التي تعد الأولى لبايدن منذ توليه الرئاسة حملت العديد من الأهداف الطموحة، وسعت لتحقيق الكثير من المكاسب، التي تحقق بعضها، بينما لم يتحقق البعض الآخر، ربما لصعوبتها، وربما لأن دول المنطقة لم تعد تقدم تعهدات و شيكات على بياض للولايات المتحدة، كما كان يحدث في الماضي.

وكان من الواضح أن لغة المصالح هي التي كانت تحكم الجميع على طاولة النقاش والمباحثات، حيث لا يكفي أن تطلب فقط، بل يجب عليك أن تقدم المقابل.

في التقرير التالي نلقي نظرة على المكاسب والخسائر التي أسفرت عنها جولة بايدن الشرق أوسطية.

عودة للمنطقة

لعل أبرز المكاسب التي أسفرت عنها جولة بايدن هو عودة الولايات المتحدة لملء الفراغ الذي تركته في المنطقة، والذي شجع دولًا مثل الصين وروسيا على احتلال مكانها وتهديد المصالح الأمريكية التاريخية في المنطقة.

هذه النقطة تحديدًا أكد عليها بايدن مرارًا وتكرارًا خلال الزيارة، وشدد على التزام واشنطن بالدور الذي تلعبه في المنطقة، وأنها ستبقى منخرطة بالكامل في الشرق الأوسط، ولن تترك الساحة لقوى عالمية أخرى كي تمارس نفوذها.

وقال بايدن في خطابه أمام القمة الإقليمية التي جمعته بقادة الدول الخليجية إضافة إلى مصر والأردن والعراق: “لن نغادر ونترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”.

مصالح ومصالحات

المكسب الثاني لبايدن هو أن الزيارة ساعدته على تجاوز مأزق التعامل مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد كل الجدل الذي أثاره حوله على خلفية اتهامه بالضلوع في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بل وسهّلت الزيارة لبايدن أيضًا مهمة تحسين العلاقات مع السعودية التي سبق وأن تعهد بجعلها “منبوذة”.

كانت هذه النقطة تشكل هاجسًا كبيرًا لبايدن الذي وجد نفسه مضطرًا للتعامل مع بن سلمان والسعودية لمساعدته في تأمين إمدادات النفط وإعادة التوازن للسوق العالمية، بعد الخلل الكبير الذي تسبب فيه الغزو الروسي لأوكرانيا، مما أدى لارتفاع التضخم وأسعار الوقود والسلع في الولايات المتحدة لمستويات قياسية لم تشهدها منذ 4 عقود.

ووجد بايدن ضالته في هذه الجولة لزيارة السعودية ضمن عدة دول بالمنطقة، وليلتقي بن سلمان ضمن لقاءات عدة عقدها مع 9 من قادة دول المنطقة، دون أن يضطر لعقد لقاء خاص يعرضه لمزيد من الانتقادات التي لاحقته، ورأت فيما فعله تراجعًا وتناقضًا في مواقفه، وانتصارًا لولي العهد السعودي.

لكن في النهاية تخطى بايدن هذه الفجوة، وأصبح بإمكانه التعامل مباشرة مع بن سلمان خلال الفترة المقبلة، وربما حلّ ضيفًا على البيت الأبيض قريبًا، خاصة وأن تصريحات الطرفين بعد لقائهما تدل على تجاوز الماضي والنظر للمستقبل.

فقد قال بايدن إنه أثار قضية خاشقجي في محادثاته مع ولي العهد السعودي، وأخبره أنه سيواجه ردًا شديدًا إذا حدث شيء مثل ذلك مرة أخرى. فيما نفى بن سلمان أي دور له في مقتل خاشقجي، مؤكدًا أن الحادث مؤسف وأن بلاده اتخذت كافة الإجراءات القانونية لضمان عدم تكرار ذلك.

الإمارات ومصر

في إطار المصالح والمصالحات أيضًا سعى بايدن من خلال لقائه برئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، إلى إزالة الفتور الذي شاب العلاقات بين الولايات المتحدة وهذا البلد المنتج للنفط. وفي هذا الإطار وجّه بايدن دعوة لرئيس الإمارات لزيارة البيت الأبيض قبل نهاية هذا العام، في بادرة تصالحية تجاه الدولة الخليجية وفقًا لموقع “بي بي سي“.

وفي نفس الإطار التقى بايدن بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لأول مرة، في بادرة تمثل انفراجة في العلاقات بين البلدين التي مرت بفترة صعبة خلال الأشهر الأولى من رئاسة بايدن، وسط خلافات حول ملف حقوق الإنسان.

وكان بايدن قد واجه ضغوطاً من مشرعين بريطانيين وأمريكيين دعوه لإثارة موضوع حقوق الإنسان في لقائه مع السيسي والقادة العرب.

مكاسب أخرى

من جانب آخر أثمرت مباحثات بايدن والوفد المرافق له في السعودية عن توقيع 18 اتفاقًا مع الجانب السعودي في مجالات تشمل الطاقة والفضاء والصحة والاستثمار، وكذلك تطوير تقنية الجيل الخامس والسادس لشبكات الهواتف النقالة.

وأكد الطرفان أهمية تعاونهما الاقتصادي والاستثماري الاستراتيجي، خاصة في ضوء الأزمة الحالية في أوكرانيا وتبعاتها، مؤكدين التزامهما باستقرار أسواق الطاقة العالمية.

كما وافقت السعودية على ربط شبكة الكهرباء في دول مجلس التعاون الخليجي مع العراق، لتقليل اعتمادها الكبير على الطاقة من إيران.

لا تعهد بمزيد من النفط

سعى بايدن خلال الزيارة إلى إقناع السعودية بزيادة إنتاج النفط، لكنه غادر دون أن يحصل على تعهد واضح بشأن هذا الأمر، لأن المملكة تمسكت بإستراتيجيتها بضرورة العمل في إطار تحالف (أوبك+) الذي يضم روسيا، وعدم التصرف من جانب واحد.

لكن يمكن القول إن بايدن ربح نصف جولة في مسعاه للحصول على دعم السعودية في ملف أزمة الطاقة وارتفاع أسعار النفط، فقد تحسنت علاقته بالسعودية وقادتها، وغادر تاركًا مطلبه للسعودية ودول الخليج الأخرى بزيادة إنتاجها من النفط من أجل تخفيض أسعار البنزين المرتفعة في الولايات المتحدة، والتي تهدد فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل.

ورغم أنه لم يحصل على تعهد صريح بتنفيذ هذا المطلب، إلا أن زيارته مهدت لاستجابة ربما تكون قريبة له، وهو ما جعل بايدن يؤكد أن زيارته للشرق الأوسط والسعودية لن تثمر عن مكاسب فورية. وقال إنه يفعل كل ما في وسعه لزيادة الإمدادات النفطية إلى الولايات المتحدة، مؤكدًا أن النتائج الملموسة لزيارته لن تكون ملحوظة قبل مرور أسبوعين.

وتتجه الأنظار إلى اجتماع (أوبك+) المقبل في 3 أغسطس، والذي يرى الخبراء أن السعودية والإمارات يمكنهما الدفع خلاله لزيادة الإنتاج وتلبية المطلب الأمريكي.

لا تطبيع ولا ناتو مع إسرائيل

أما الملفين الشائكين الذين فشل بايدن في إحراز تقدم بشأنهما، فهما فتح الطريق أمام تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وتشجيع الاندماج بين إسرائيل والدول العربية بهدف إقامة حلف دفاعي (ناتو عربي) في مواجهة التهديد الإيراني للمنطقة.

ويبدو أن بايدن اصطدم برفض السعودية الانضمام إلى “اتفاقات أبراهام” مع إسرائيل، التي انضمت إليها قبل عامين كلًا من الإمارات والبحرين.

وسبق أن أكدت السعودية أنها ستلتزم بموقف الجامعة العربية بعدم إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل حتى يتم حل الصراع مع الفلسطينيين.

وكان البعض قد رأى أن السعودية أظهرت مؤشرًا على انفتاح أكبر نحو إسرائيل، بعد قرارها رفع القيود المفروضة على مرور الطائرات المتوجهة إلى إسرائيل والقادمة منها فوق الأجواء السعودية، في خطوة رحب بها بايدن ووصفها بالتاريخية، واعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أول خطوة رسمية في التطبيع مع السعودية.

إلا أن  وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أكد أن قرار الرياض فتح مجالها الجوي أمام جميع شركات الطيران لا علاقة له بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وليس مقدمة لمزيد من الخطوات، وأضاف أنه ليس على علم بأي مناقشات بشأن تحالف دفاعي خليجي-إسرائيلي، مؤكدًا أن المملكة لم تشارك في مثل هذه المحادثات، وفقًا لـ”رويترز

فيما أكد عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، في مقابلة مع شبكة CNN أن السلام مع إسرائيل خيار استراتيجي، ولكن هناك متطلبات معينة يجب أن تتم قبله، من بينها تنفيذ مبادرة السلام العربية، وحدوث تسوية على أساس دولتين، من بينها دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية.

ويرى مراقبون أن الخطة الأمريكية لربط منظومات الدفاع الجوي لدول المنطقة، أو تكوين حلف دفاعي عربي يضم إسرائيل، لا تجد قبولاً من جانب الدول العربية التي لا يحتفظ بعضها بعلاقات مع إسرائيل، ويمتنع البعض الآخر منها عن المشاركة في حلف موجه ضد إيران، التي أقامت شبكة من الموالين لها في العراق ولبنان واليمن.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اشترك مجانا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

نحترم خصوصية المشتركين