تقارير

ترامب والإعلام.. إلى متى سيستمر الصراع؟

إعداد وتحرير: علي البلهاسي

للمرة الثانية خلال 3 أيام وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إهانات إلى مراسلة تعمل في شبكة CNN، وذلك خلال مؤتمر عقده الجمعة، أمام البيت الأبيض.

حيث وصف ترامب أسئلة المراسلة آبى فیلیب، بالغبیة والسخیفة، بعد أن وجهت له سؤالاً أغضبه حول العلاقة المزعومة بین حملته الانتخابیة وروسیا، وذلك في ضوء استقالة وزير العدل والمدعى العام جیف سیشنز من منصبه وتعیین آخر محله.

وسبق أن وقعت مشادة بين ترامب ومراسل CNN، جيم أكوستا، خلال مؤتمر صحفي أعقب نتائج انتخابات التجديد النصفي، حيث كان أكوستا يسأل الرئيس عن قوافل المهاجرين التي وصفها بالغزو، ودار سجال بينهما حول هذا الأمر.

ثم سأل أكوستا ترامب عن تحقيقات روسيا، وهنا ثار ترامب قائلاً: “اجلس مكانك، هذا يكفى، أنت شخص وقح وفظيع، يجب أن تخجل CNN من نفسها لأنك تعمل لديهم، فأنت عندما تذيع الأخبار مزيفة، وهذا ما تفعله CNN كثيرًا، فأنت إذن عدو للناس”.

من جانبه قال أكوستا بعد المؤتمر الصحفي إنه يعتقد أن الرئيس كان دفاعيًا بهذا الشكل لخسارة حزبه في الانتخابات النصفية. وأضاف: “أعتقد أنه بدا غاضبًا ومحبطًا للغاية وشبه مهزوم في الطريقة التي كان يتحدث بها عن نتائج الانتخابات، وأظن أن هذا ما دفع الأمور للخروج عن السيطرة، فنحن لم نعتد – ولا الرئيس نفسه أيضًا- على رؤيته وهو خاسر، وخسارته كانت كبيرة”.

وردًا على اتهام ترامب لشبكة CNN أنها تبث الأخبار الكاذبة وأنها عدو للشعب، وجه المراسل رسالة لترامب قائلاً : “أعتقد أن الشعب الأمريكي يعرف أننا أصدقاء لأمريكا، سنقوم بالدفاع عن الشعب الأمريكي، وسنقوم بالمطالبة بحقوقنا والسعي في البحث عن الحقيقة في هذا البلد، ويمكن للرئيس أن يصفنا بجميع الصفات الموجودة  في العالم، لكننا سنواصل القيام بوظيفتنا”.

الأزمة تتصاعد

لم ينته الأمر عند المشادة التي حدثت بين ترامب وأكوستا، وإنما تصاعد بعد قيام البيت الأبيض بسحب تصريح دخول جيم أكوستا، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة حول اتخاذ إجراء كهذا مع صحفي بسبب انتقاده للرئيس.

لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز قالت إن سبب سحب الترخيص هو دفع أكوستا لمتدربة خلال تأدية عملها في البيت الأبيض.

وكانت المتدربة قد حاولت نزع الميكروفون من يد أكوستا، وهو يحاول طرح سؤاله الثاني على ترامب، لكن أكوستا قاوم تسليم الميكروفون، وقال لها “عذرا سيدتي”.

ونشرت ساندرز فيديو على حسابها في تويتر قالت إنه يظهر إساءة أكوستا للمتدربة، وعلق عليه قائلة: “يؤمن الرئيس ترامب بصحافة حرة ويتوقع ويرحب بأسئلة صعبة له ولإدارته. ومع ذلك، لن نتسامح مطلقًا مع مراسل يضع يديه على امرأة شابة تحاول فقط القيام بعملها كمتدربة في البيت الأبيض”.

وأضافت أنه “بسبب ما وقع اليوم، فإن البيت الأبيض يعلق اعتماد الصحفي المعني إلى أجل غير مسمى”.

وردًا على هذه الاتهامات، كتب أكوستا تغريدة على “تويتر” نافيا ما صرح به البيت الأبيض قائلاً: “هذه كذبة”، وأضاف: “لم أضع يدي عليها وألمسها كما يزعمون، أعتقد أني تصرفت بمهنية”.

من جانبها دافعت CNN عن أكوستا في بيان قالت فيه: “لقد تمادى الرئيس كثيرًا في الهجوم المستمر على الصحافة، وهذا الأمر ليس فقط خطير، بل هو سلوك مزعج بعيد عن المجتمع الأمريكي، لقد أوضح الرئيس ترامب أنه لا يحترم الصحافة الحرة، الذي يلزمه قسمه على حمايتها، إن الصحافة الحرة أمر حيوي للديمقراطية، ونحن نقف وراء جيم أكوستا وزملائه الصحفيين في كل مكان”.

وشككت CNN في الفيديو الذي نشرته ساندرز مشيرة إلى أنه تم التلاعب به، ونشرت الشبكة بيانًا على تويتر، قالت فيه إن منع أكوستا كان “عقابا له على أسئلته المحرجة”، مشيرة إلى أن “تبرير المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، كاذبة، وأنها وزعت تهمًا باطلة وذكرت حادثة وهمية”.

وهو ما ردت عليه ساندرز بقولها إن “افتخار CNN بتصرف مراسلها أمر مقرف، ومثال على عدم احترام القناة لأي أحد”، وقللت من شأن الاتهامات بحدوث تلاعب، مؤكدة أن الدفع قد وقع بالفعل.

اتهامات بالتلاعب

فيما وجه بعض متابعي ساندرز على تويتر الاتهام لها بالتلاعب في الفيديو الذي نشرته. وقال خبراء راجعوا المقطع إنه يبدو أنه تم تسريعه في لحظة واحدة، لجعل حركة يد أكوستا تبدو أكثر عدوانية.

حيث قال أبا شابيرو، وهو خبير فيديو مستقل قام بفحص الفيديو المعني بناء على طلب وكالة أسوشيتدبرس، إنه تم التلاعب به، مشيرًا إلى خلوه من الصوت.

وأوضح أنه في لحظة ملامسة يد أكوستا ذراع المتدربة عندما حاولت أخذ الميكروفون، فإن الحركة تتسارع في المقطع، الأمر الذي يدل على تلاعب في لقطاته، مشيرًا إلى أنه تم تجميد وإبطاء ثلاثة إطارات، أو لقطات.

وقال ألي كولون أستاذ أخلاقيات الصحافة بجامعة واشنطن ولي:”المثير للسخرية في الفيديو الصادر عن البيت الأبيض أن التلاعب به يظهر أن البيت الأبيض يفعل نفس ما يتهم به وسائل الإعلام فيما يتعلق بنشر أخبار كاذبة.

وأكد خصوم ترامب من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أن مصدر الفيديو الذي استخدمته متحدثة البيت الأبيض تم التلاعب فيه لجعل لقطاته أكثر إدانة لمراسل CNN.

أما أنصار ترامب فقد نشروا مقارنة على مواقع التواصل الاجتماعي بين عدة مقاطع من مصادر مختلفة تؤكد أن أوكستا حرك ذراعه بسرعة وبقوة ضد المتدربة، ما يؤكد إدانته بأنه هو من لمسها أولًا.

وكانت سارة بوريس، المحررة بالمجلة السياسية ذات التوجهات اليسارية، زعمت أن جيم أكوستا حاول لمسها 4 مرات في كل مرة كانت تحاول أن تسترد الميكروفون لتوجيه سؤال للرئيس ترامب أثناء حوار صحفي حول انتخابات الكونجرس.

تضامن صحفي

من جانبها نددت الصحافة الأميركية، بالإجماع تقريبًا، بسحب اعتماد جيم أكوستا في بالبيت الأبيض، مشيرة إلى أنها عقوبة غير مسبوقة منذ إنشاء جمعية مراسلي البيت الأبيض عام 1914. وأعلن الكثير من زملاء أكوستا من الصحفيين عن تضامنهم معه في هذا الموقف.

وقالت صحيفة الجارديان البريطانية إنه تم تقطيع الفيديو بحيث يظهر أكوستا وكأنه يدفع يد الموظفة بعيدًا عنه بدلا من ظهوره وهو يسحب الميكروفون.

فيما قالت جمعية مصوري أخبار البيت الأبيض إنه “من المروع أن نعلم أن المتحدث باسم البيت الأبيض ربما قام بمشاركة مقطع مصور تم التلاعب فيه”. وقالت الجمعية إن التلاعب بالصور أمر “مضلل وخطير وغير أخلاقي”.

من جهتهم، ندد الصحافيون الذي يغطون نشاطات الرئاسة قرار البيت الأبيض ووصفوه بــ«غير المقبول». وقال بيتر بيكر مراسل نيويور تايمز في البيت الأبيض الذي دافع عن زميله حين استلم الميكروفون بعده «لم أر أبدا مثل هذه الحادثة منذ أن بدأت تغطية شؤون البيت الأبيض في عام 1996.. لم يكن الرؤساء السابقون يخشون من الأسئلة الحساسة».

واحتجت جمعية مراسلي البيت الأبيض على سحب تصريح أكوستا، ووصفت خطوة إدارة الرئيس ترامب بأنها “ضعيفة وغير سديدة”. وفي بيان لها عبرت الجمعية عن معارضتها الشديدة لقرار إدارة ترامب استخدام الخدمة السرية “لمعاقبة” صحفي تربطه بالرئيس “علاقة صعبة”.

وأضافت أن “إلغاء دخول الصحافي إلى مجمع البيت الأبيض هو رد فعل لا يتناسب مع الجرم المزعوم وهو أمر غير مقبول، ونحن نحث البيت الأبيض على التراجع عن هذا العمل الضعيف غير السديد على الفور”.

فيما نشر موقع “هفينغتون بوست” مقالاً للكاتبة ألانا فاجيانوس التي تفاعلت مع الموضوع، وعلقت قائلةً: “إن الكذب الفاضح على الجمهور وشيطنة الصحافة لا يمثل سوى جانب من الجوانب العديدة المثيرة للقلق حول كيفية تعامل البيت الأبيض مع هذه القضية”، مُشيرةُ إلى سرعة استخدام ترامب ومستشارته امرأة بيضاء كضحية مزعومة أمام الجميع، على أنها سبب وجيه لمعاقبة الصحافي الذي لم يُخطئ أصلا. وذكرت فاجيانوس، أن ترامب لم يسع إلى تحقيق العدالة لأي امرأة ادعت تعرّضها للاعتداء الجنسي، حتى اليوم.

ترامب وأكوستا

ولد جيمس “جيم” أكوستا في 17 أبريل/نيسان عام 1971 وهو كبير مراسلي CNN في البيت الأبيض، كما عمل مراسلا سياسيا لنفس الشبكة. ووصل إلى الولايات المتحدة كلاجئ من كوبا في سن 11 عامًا ونشأ في ولاية فيرجينيا. ووالده من أصل كوبي ووالدته من أصل ايرلندي وتشيكي.

أنهى دراسته الثانوية في فرجينيا عام 1989 وحصل على البكالوريوس في الاتصال الجماهيري عام 1993 من جامعة جيمس ماديسون. وبدأَ أكوستا حياته المهنية في الإذاعة، حيث عمل لصالح شركة دابليو إم إيه إل في العاصمة واشنطن، وتنقل بعد ذلك في عدد من المحطات التلفزيونية قبل أن يلتحق بـ”سي إن إن” عام 2003 .

ولطالما كانت علاقة ترامب وأكوستا في نزاع، حيث غالبًا ما يسأل مراسل CNN أسئلة للرئيس التي تهدف لإثارة رد فعل من جانبه، وفقًا لموقع دايلى ميل.

وظهر المراسل الذي يبلغ من العمر 47 عامًا مرات عديدة بأسلوبه الجريء، مع الرئيس ترامب، على عكس الطرق الأكثر لباقةً التي يعتمدها زملاؤه، وأيضاً في مبادلاته مع سارة ساندرز.

واتهم أكوستا المتحدثة باسم البيت الأبيض بأنها “لا تلتزم بالوقائع” ولا تريد التخلي عن عبارة “عدو الشعب” التي استخدمها دونالد ترامب لانتقاد الصحافة. وتواجه ساندرز الأمر بصرامة وغالباً ما تتهمه بأنه يريد لفت الأنظار قبل كل شيء.

ولم تكن المواجهة الأخيرة بين ترامب وأكوستا هي الأولى من نوعها، ففي خلال مؤتمر صحفي في مايو/أيار 2016 سخر المرشح الرئاسي ترامب من جيم أكوستا عندما وصفه بالجميل، حيث قال له: “معذرة لقد رأيتك في التلفزيون أنت جميل وحقيقي”.

وخلال أول مؤتمر صحفي للرئيس المنتخب ترامب في 11 يناير/كانون ثاني عام 2017 حاول أكوستا توجيه سؤال للرئيس بخصوص روسيا لكن ترامب رد بغضب متهما أكوستا وباقي مراسلي وصحفيي CNN بنشرِ وترويجِ الأخبار الكاذبة.

وكان ترامب قد طرد جيم أكوستا، من مؤتمر صحفي عُقد في البيت الأبيض في يناير الماضي، عقب سؤاله عن الإساءة التي وجهها لعدد من الدول بوصفه لهم «ببالوعات قذرة»، فما كان من «ترامب» إلا أن طرده وقال له «أخرج».

واتهم أكوستا وقتها مساعدي الإعلام بالبيت الأبيض بمحاولة التشويش على سؤاله لترامب بالصراخ عند محاولته السؤال، مشيرًا إلى أنه كانت هناك عدة محاولات لمنعه من سؤال «ترامب»، وقال: «أثناء محاولتي سؤال ترامب صرخ مساعدو الإعلام بالبيت الأبيض في وجهي للتشويش على سؤالي، لم أواجه مثل هذا الأمر من قبل».

وأضاف، في تغريدة أخرى، أن «ما حدث ذكرني بشيء حدث شاهدته في دولة أخرى، بالتأكيد ليس البيت الأبيض وبالتأكيد ليس الولايات المتحدة».

معاملة سيئة

لكن أكوستا لم يكن الوحيد الذي تلقى هذه المعاملة السيئة من الرئيس ترامب الذي قاطع صحفيين آخرين أثناء توجيه الأسئلة له، بما في ذلك “أبريل رايان” مذيعة إحدى القنوات الإذاعية، طالبًا منها الجلوس دون أن يسمح لها بطرح سؤال.

وعندما حاولت أبريل الاستمرار في طرح الأسئلة، قال ترامب: “اجلسي من فضلك، أنا لم أنادى عليكِ، وأنتِ قاطعتِ زميلك بوقاحة، أنتم وسائل إعلامية معادية وهذا محزن”.

كما اتهم ترامب ياميش ألكيندور، وهو مراسل أمريكي من أصل إفريقي في البيت الأبيض لـ PBS NewsHour” بأنه يسأله أسئلة “عنصرية”.

وحتى خلال واقعة أكوستا حاول بيتر ألكسندر الذي يعمل في «إن بي سي» مساعدة زميله، لكن الرئيس رد عليه بالقول «وأنا لست أيضًا معجبًا بك، لست الأفضل». وأضاف «حين تذيعون أخبارًا كاذبة وهو ما تفعله سي.إن.إن كثيرًا فأنتم عدو الشعب».

وخلال المؤتمر ذاته، اتهم الرئيس صحافية سوداء بطرح سؤال عنصري، بعد أن سألته عن خطابه القومي الذي استغله العنصريون البيض.

ترامب و CNN

هجمات ترامب على CNN بدأت ربما قبل توليه الرئاسة. ورغم مرور عامين على وصوله إلى البيت الأبيض، لم يوافق ترامب بعد على إجراء أي مقابلة مع CNN، مع أنه أجرى عشرات المقابلات الصحافية مع شبكات أخرى.

ووصل عداء ترامب مع CNN إلى حد أنه غضب من زوجته ميلانيا لأنها كانت تشاهد هذه القناة على تلفزيونها الخاص بها في الطائرة الرئاسية خلال إحدى الرحلات، حسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز.

وفي تغريدة من تغريداته على تويتر، دعا ترامب CNN إلى تغيير شعارها، قائلا: “شعار CNN “الأخبار الأكثر مصداقية”.. جميعنا نعلم أن هذا ليس صحيحًا، ويعتبر خداعًا للجمهور الأمريكي. يجب عليهم تغيير شعارهم إلى “CNN الاسم الأقل مصداقية في عالم الأخبار”.

وفي تغريدة أخرى اتهم الرئيس الأمريكي شبكة “CNN” التلفزيونية بأنها تنشر أخبارًا كاذبة وتمثل الشعب الأمريكي بشكل سيئ في الخارج. وأوضح ترامب، في تغريدة على حسابه الخاص في “تويتر”، أن “العالم الخارجي يجد صعوبة في رؤية الحقائق الأمريكية، بسبب الأخبار الكاذبة التي تصدّرها CNN”.

لكن “CNN” لم تصمت على تغريدة ترامب المُسيئة لها، وردت بتغريدة مماثلة قالت فيها: “مهمتنا هي نقل الأخبار وليس تمثيل أمريكا في العالم، وتمثيل الولايات المتحدة يندرج ضمن الوظائف الملقاة على عاتقك”.

وكان أبرز تصعيد من ترامب ضد “CNN” عندما بث في يوليو 2017 شريطًا مصوّرًا ساخرًا، يظهر فيه وهو يهاجم ويضرب مرارًا رجلاً، وُضِع شعار الشبكة الإخبارية مكان رأسه، وأعقب ذلك شعار يقول: “الشبكة الإخبارية المحتالة”.

وتبدو المواجهة بين الجانبين وكأنها باتت مفتوحة، ففي حين لم يعد البيت الأبيض يخفي غضبه الشديد من CNN، فإن الأخيرة بالمقابل زادت عداءها تجاه سيد البيت الأبيض في تغطيتها. ويكشف صحافيو CNN عن تشدد كبير تجاههم من جانب الرئيس الأمريكي الذي وصفه دون ليمون، أحد نجوم الشبكة بـ “العنصري”.

ووفقًا لخبراء فإنه من الصعب تحديد سبب واحد لهذا العداء الكبير بين ترامب و CNN، فالبعض يُرجع ذلك إلى العلاقة المُعقدة بين الرئيس ترامب ومدير القناة جيف زوكر، الذي سبق أن عرض لترامب برنامج تلفزيون الواقع “ذي أبرنتيس” عندما كان يدير شبكة “إن بي سي”، إلا أنه عاد وابتعد عنه.

ويرى روبرت تومسون، أن ترامب يُكثر من هجماته على “سي إن إن” لأنه يعتقد أنها الوحيدة التي لا تزال قادرة على التأثير على الناخبين المترددين في تأييده.

ويرى مراقبون أنه إذا كانت هجمات ترامب على CNN تعرقل أحيانًا عمل صحافييها، فإن هذه الشبكة بالمقابل تزيد من عدد متابعيها.

ففي العام 2014، كانت CNN تسجّل معدّل نسبة مشاهدة يومية يبلغ 400 ألف. ومؤخرًا ارتفعت النسبة إلى 689 ألف مشاهد. ورغم الفارق الكبير بين نسبة مشاهدة CNN، ونسب مشاهدة القنوات المنافسة لها مثل “فوكس نيوز” (1.6 مليون) و”ام اس ان بي سي” (909 آلاف)، فإن CNN تستفيد، من دون شك، من “تأثير ترامب”.

ترامب ووسائل الإعلام

يومًا بعد يوم تتدهور علاقة الرئيس الأميركي بعدد من المؤسسات الإعلامية الأميركية، ومن بينها «سي.إن.إن» و«سي.بي.إس» و«آي.بي.سي» و«إن.بي.سي»، بالإضافة إلى يوميتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست.

أما شبكة “فوكس نيوز”، فهي المُحببة إلى قلب ترامب، حيث أكد في إحدى تغريداته أنها أهم من “سي أن أن” داخل الولايات المتحدة.

وهذا التوتر في العلاقة بين ترامب ووسائل الإعلام ليس وليد اليوم، بل يعود إلى فترة ما قبل انتخابات الرئاسة 2016، وقبل أن يقرر دخول عالم السياسة الذي قاده إلى البيت الأبيض. حيث اعتبر ترامب أن الصحافة جزءًا مما سماه “منظومة الفساد في قلب المؤسسة السياسية في واشنطن”، ووعد بتجفيف ما سماه “المستنقعات”.

ومنذ حملته الانتخابية حتى وصوله إلى البيت الأبيض، لم يتوقف السجال بين الرئيس ترامب والإعلام الأمريكي، في سابقة لم تشهدها الولايات المتحدة، على الأقل خلال عهود آخر 3 رؤساء للبلاد.

فوسائل الإعلام هاجمت ترامب خلال حملته الانتخابية بسبب تصريحاته التي وصفها سياسيون ونخب إعلامية وفنية بـ”العنصرية”، والتي “تهدد قيم الولايات المتحدة”.

وأعلنت وسائل الإعلام الأمريكية وقتها انحيازها لهيلاري كلينتون والحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الرئاسية، وهو ما أغضب ترامب الذي صوّب تغريداته النارية على الصحافة الأمريكية، متهماً إياها بـ “الكذب والتضليل وعدم المهنية”.

ويصف ترامب وسائل الإعلام المعادية له، وبينها نيويورك تايمز وواشنطن بوست بأعداء الشعب، التي تعيش على تقسيم الشعب، وهي عبارة كررها ترامب مرات عدة واعتبرها الكثير من معارضيه مسئولة عن تأجيج موجة عنف متطرفة تجتاح البلاد.

ومؤخرًا اتهم ترامب وسائل الإعلام بالتحريض على العنف في الولايات المتحدة، وذلك بعد الهجوم الذي استهدف كنيس يهودي في بيتسبرغ، والطرود المفخخة التي أرسلت إلى عدة شخصيات ومؤسسات، بينها CNN المُعارضة للرئيس.

وكتب ترامب على تويتر أن “جزءًا كبيرًا جدًا من الغضب الذي نراه اليوم في مجتمعنا ناجم عن التقارير الكاذبة وغير الدقيقة في وسائل الإعلام السائدة التي أشيرُ إليها بأنها أخبار كاذبة (…) لقد بات الأمر سيئاً للغاية وبغيضًا لدرجة لا يمكن وصفها. ينبغي على وسائل الإعلام أن تصلح وضعها، وبسرعة”.

وكانت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية قد سلطت الضوء على كتاب يحمل اسم “جنون الإعلام”، للكاتب هاورد كيرتز، والذي يكشف أسرارًا عن علاقة ترامب مع الإعلام الأمريكي.

واعتبر مؤلف الكتاب أن “حساسية” الرئيس للتغطية الإعلامية فريدة من نوعها في تاريخ الرئاسة الأمريكية، قائلا “في بعض الأحيان، عندما كان يرى ترامب ضيوف يدافعون عنه، كان يطلب من المتحدث باسم البيت الأبيض حينها، شون سبايسر، أن يطلبهم ويقول لهم إن الرئيس يعتقد أنهم قاموا بعمل جيد. لكن عندما كان يجد ما يعتقد أنه تغطية غير عادلة وتنتقده، فكان يكتب تغريدات على تويتر لمهاجمة الوسيلة الإعلامية التي تعرض للانتقاد عبر منصاتها، وكان أحيانا يغرد ايجابيا عن شبكته المفضلة فوكس أو الصحفيين المفضلين لديه”.

ولم يقتصر هجوم الرئيس ترامب على وسائل الإعلام التقليدية، بل امتد إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث سبق أن شنّ هجوما عنيفًا على محرك البحث جوجل معتبرًا أن نتائج البحث عليه “مزورة”؛ لأن البحث عن “أخبار ترامب” يقدم تقارير سيئة عنه، مشككا في قانونية هذا الأمر.

وبحسب وكالة “فرانس برس”، قال “ترامب” عبر حسابه على “تويتر”: نتائج البحث على غوغل عن أخبار ترامب لا تظهر سوى تقارير الإعلام الكاذب. وأضاف: بمعنى آخر فقد تعرضت هذه الأخبار للتزوير بالنسبة لي ولآخرين بحيث تكون جميع التقارير والأخبار تقريبا سيئة.

وأردف: جوجل وآخرون يكتمون أصوات المحافظين ويخفون معلومات وأخبارا جيدة، إنهم يتحكمون فيما يمكننا أن نراه ولا نراه، هذا وضع غير جيد وستتم معالجته.

صراع مستمر

وعلى ما يبدو فإن الصراع بين ترامب والإعلام الأميركي لن يهدأ في المدى القريب، حيث لا يتوقع أن يغير أي من الطرفين خطابه تجاه الآخر.

وبحسب ترامب، فإن الهجوم الذي يتعرّض له من وسائل الإعلام هو سبب أساسي يدفعه إلى التغريد بكثرة على “تويتر”، حيث يقول في إحدى تغريداته “لو كانت الصحافة تمنحني تغطية دقيقة وشريفة، لامتلكتُ سبباً أضعف بكثير لكي أغرّد. للأسف، أنا لا أعرف إذا ما كان هذا سيحدث يوماً ما”.

وسُئل الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مقابلة تلفزيونية أجرتها معه “سينكلير برودكاستينغ”، إحدى أكبر شركات تشغيل محطات التلفزيون الأميركية, عما إذا كان هناك ما يأسف عليه في أول عامين له كرئيس، فأجاب ترامب “اللهجة”.

وأوضح قائلاً: “كنت أود التحدث بلهجة أقل حدة بكثير, أشعر إلى حد معين أنه ليس لدي أي خيار, ربما كان من الممكن أن أكون أقل حدة من هذه الناحية”.

ووفق ما ذكرت صحيفة “الإندبندنت” فإن ممارسات ترامب لا تشير إلى أن لديه أي رغبة في تخفيف لهجته التي استمرت طوال فترة حكمه, حيث شن مؤخرًا هجومًا لاذعًا على عدد من المشرعين الديمقراطيين بالإضافة إلى الصحافيين.

وقالت “الإندبندنت” إن علاقة ترامب مع وسائل الإعلام لم ولن تتحسن، مشيرة إلى أنه يبدو أن الرئيس لا يقبل فكرة أن دور الصحافيين هو توجيه الأسئلة للسياسيين ومعرفة الحقيقة.

وتوقعت الصحيفة أن تصبح صدامات ترامب مع وسائل الإعلام أكثر كثافة بعد الانتخابات النصفية، نظرًا لأن نتيجة الانتخابات قد تجبر الجمهوريين والديمقراطيين على إيجاد طرق للعمل معًا حتى يتجنبوا الجمود التشريعي, ووفقًا لهذا السيناريو فلن تتحقق حاجة الرئيس إلى خصم علني إلا من خلال وسائل الإعلام “العدائية”.

وأضافت الصحيفة: “سيكون هناك العديد من الذين ينظرون إلى كره ترامب لحرية الصحافة مع المزيد من القلق، والذين يتساءلون تأثير ذلك على المدى الطويل على النسيج الاجتماعي الأميركي بصفة عامة، وتأثير على الصحافة بشكل خاص”

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى