هل ما زالت اللقاحات فعالة ضد أوميكرون ومتحورات كورونا الأخرى؟
أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
عندما اكتشف العلماء المتحور الأحدث لفيروس كورونا، أوميكرون، وصفوه بأنه “الأكثر إثارة للقلق” منذ ظهور الفيروس الأصلي على الساحة قبل نحو عامين، فما هو المتحور الجديد؟، وهل أوميكرون أكثر قابلية للانتشار؟، وهل تأثيره أكثر خطورة؟، وهل له القدرة على مقاومة المناعة الناتجة عن العدوى الأولى أو اللقاح؟، وما حقيقة النسخة “الخفية” من أوميكرون التي لا يمكن تمييزها عبر “PCR”؟
حول هذا الموضوع؛ حاورت الاعلامية ليلى الحسيني، الدكتور زاهر سحلول، أخصائي الأمراض الصدرية والعناية المشددة، ورئيس منظمة ميدغلوبال الإنسانية.
لماذا يثير القلق؟
* دكتور زاهر.. كلما نقول إننا تجاوزنا أمر كورونا، تظهر متحورات جديدة له وتعيد معه حالة القلق والخوف، فما حقيقة متحور أوميكرون الذي ظهر مؤخرًا؟
** طبعا تعلمنا من الفيروس خلال السنتين الماضيتين، أنه يتأقلم مع الظروف المختلفة، فهو فيروس ذكي للغاية، والمتحورات هي بسبب فشل المجتمع الدولي في معالجة أسس هذه الجائحة.
فعندما تكون هناك دول لديها لقاحات تكفي لتلقيح عدد سكانها لعدة مرات، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وغيرها من الدول الغنية، وفي نفس الوقت هناك دول فقيرة لم تلقح إلا نسبة قليلة من سكانها، فهذا يعني أن الفيروس سيظل ينتشر في عدد كبير من دول العالم، وهذا ما يؤدي إلى ظهور متحورات جديدة منه.
هناك الفيروس الأصلي، ومتحوراته ألفا وبيتا وجاما ودلتا، وحاليا هناك المتحور أوميكرون، الذي يتميز بأنه تحور بشكل كبير عن الفيروس الأصلي، فهناك حوالي 50 طفرة أو تغير جيني، منها 30 طفرة في البروتين “S” الذي يعدّ مدخلًا للفيروس إلى خلايا الجسم.
وهذا يعني أن هذا المتحور يمكن أن يكون مقاومًا نسبيًا للقاحات الموجودة أو الأدوية أو الفحوص، ويمكن أن يؤدي إلى عدة أمراض مختلفة عما يسببه الفيروس الأصلي، ويمكن أن يكون انتشاره أسرع من الفيروس الأصلي.
توزيع غير أخلاقي
* هل نستطيع أن نقول بأن الأمر الذي يؤدي إلى ظهور المتحورات هو التوزيع غير الأخلاقي للقاحات واحتكار حقوق ملكية اللقاحات للدول الغنية؟
** نعم، بالطبع، فبعد سنتين من الجائحة، وبعد سنة من اكتشاف اللقاح، يمكننا أن نقول إن هذا هو السبب الأساسي، والسبب الثاني هو التردد في أخذ اللقاح، فحتى في أمريكا وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا والنمسا وهولندا، هناك تردد في أخذ اللقاح، فلدينا في أمريكا 60 مليون شخص لم يأخذوا اللقاح رغم توفره بشكل مجاني.
في حين أن لدينا دولًا في أفريقيا، مثل نيجيريا، التي يبلغ عدد سكانها 120 مليون، أو أثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها 110 ملايين، نجد أن من أخذوا اللقاح هناك أقل من 3%، وفي سوريا أقل من 4%، وهناك دول فقيرة لم تتجاوز الـ 5%، وهذا يؤدي إلى انتشار الفيروس ومتحوراته الجديدة.
لكن المطمئن في الأمر هو أن متحور أوميكرون يسبب مرضًا خفيفًا نسبيًا، يصيب الشباب بشكل عام، ولا يؤدي إلى تزايد نسبة دخول المستشفيات أو الوفاة، وبالأمس القريب أعلنت فايزر أن المتحور لا يقاوم اللقاحات، وهناك دراسات أخرى أظهرت أن المتحور الجديد لن يقاوم اللقاحات الموجودة.
وهذه الأمور كلها مطمئنة، ولكن الأمر الخطير الذي دفع منظمة الصحة العالمية إلى القول بأن هذا المتحور مثير للخطورة، هو سرعة انتشاره، حيث انتشر في جنوب أفريقيا بدايةً، ومنها إلى باقي أنحاء العالم، وهذا يعني أنه موجود، ولايزال ينتشر، وسيكون المتحور الغالب كما كان الحال مع دلتا خلال عدة أشهر.
أعراض أوميكرون
* كيف يمكن اكتشاف الإصابة بمتحور أوميكرون؟، وما هي الأعراض المختلفة عن دلتا أو سابقاته من المتحورات؟
** لا توجد أعراض محددة، فبحسب الدراسات الموجودة حاليًا هي أعراض خفيفة، مثل أعراض الرشح والأنفلونزا، ومعظم من تم تشخيص إصابتهم بأوميكرون تم تشخيصهم بهذا المتحور بالصدفة عند دخولهم إلى المستشفى لأسباب مختلفة.
* لكن ما هي الأعراض التي بفضلها اكتشف العلماء وجود هذا المتحور؟
** لا توجد أعراض بعينها، السبب هو أن جنوب أفريقيا هي دولة من الدول المتقدمة من ناحية متابعة التسلسل الجيني للفيروس “Genome sequencing” مع كل إصابة جديدة بالفيروس، وبفضل ذلك تم اكتشاف هذا المتحور، نحن هنا في الولايات المتحدة وبالرغم من كل تقدمنا إلا أننا نفتقد هذا التتبع.
* ألا يبدو هذا غريبًا في دولة متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية؟
** بالطبع غريب، بالرغم من أن إدارة بايدن خصصت ملايين الدولارات لتنمية هذا الجانب، إلا أن الأمر لا يزال محصورًا في “CDC” وبعض المراكز البحثية، وهذا يؤدي إلى أن احتمالية اكتشاف المتحورات الجديدة في أفريقيا أقل من دول مثل جنوب أفريقيا أو بريطانيا أو الدول الأوروبية المتقدمة.
هذا الأمر أظهر خللًا كبيرًا في السياسات الصحية في أمريكا، ولا بد من إعادة النظر في هذه الأمور، وحتى الآن لا تزال الولايات المتحدة هي أكثر دولة في العالم توفى فيها الناس بسبب جائحة كوفيد-19، بالرغم من أنها هي أكبر الدول إنفاقًا على القطاع الصحي في العالم.
تضارب المعلومات
* ألا تشارك منظمة الصحة العالمية بهذه المعلومات المتضاربة، ففي البداية قالت المنظمة إن متحور أوميكرون مثير للقلق، ومن ثمَّ عادت وتراجعت وقالت لا داعي للخوف، ألا يعدّ هذا التضارب في المعلومات من منظمة كبيرة كمنظمة الصحة العالمية جزءًا من المشكلة أيضا؟
** أعتقد أن منظمة الصحة العالمية تحاول بأقصى الجهود أن تكون تصريحاتها معتمدة على الدليل، فالدليل العلمي القائم على الدراسات يمكن أن يتغيّر، والدراسات المبدئية القائمة على الفحوص المخبرية أظهرت أن هذا الفيروس ينتشر بسرعة، وبالطبع هذا الأمر يثير القلق والخطورة، ولكن التصريحات المبكرة كان مبالغًا فيها، ولكن ربما سببها كان انتشار المتحور الجديد بسرعة.
والمنظمة لديها عذرها في ذلك، لأنها تعمل تحت ضغوط الإعلام والسياسة وأنها لا بد أن تخرج وتقول شيئًا عن انتشار المتحور الجديد، ولكن فيما بعد تبيّن أن هذا الأمر ربما مبالغ فيه، وأن المتحور الجديد ليس بتلك الخطورة التي كنا نظنها، والدراسات الأخيرة كانت مطمئنة أكثر.
نسخة خفية
* ما هي حقيقة النسخة الخفية من أوميكرون التي لا يمكن تمييزها عبر الـ “PCR”؟
** في الحقيقة هذا الأمر غير صحيح، فاختبار “PCR” المتوفر يكشف الفيروس ومتحوراته الأخرى، فالفيروس لا يزال محافظًا على شكله الأساسي الذي يُكشف عن طريق الـ “PCR”، طبعًا الكشوف السريعة واختبار “PCR” لا تكشف ما إذا كانت الإصابة بالفيروس أو بأيٍ من متحوراته، وإنما هي تقول لنا ما إذا كانت هناك إصابة بكورونا أم لا، وهناك بعض الفحوص التي تشير إلى ما إذا كانت الإصابة بمتحور أوميكرون، ولكن لا أعتقد أنها متوفرة بشكل شائع هنا.
* إذن يمكننا أن نطمئن المتابعين والمستمعين ونقول إن المتحور أوميكرون ليس على درجة عالية من الخطورة الشديدة، أو أنه أخطر من دلتا والمتحورات الاخرى؟
** نعم، صحيح بحسب الدراسات المتوفرة، والتي معظمها من جنوب أفريقيا، وربما يكون هناك اختلاف طفيف في شدة المرض عندما ينتشر أوميكرون في مناطق أخرى، ولكن لا داعي للقلق الشديد، الداعي للقلق هو بسبب انتشار الفيروس السريع عموما في ظل بدء فصل الشتاء وتراخي الناس في تطبيق الإجراءات الوقائية والتردد في أخذ اللقاح لدى البعض.
أهمية اللقاحات
* هل نستطيع القول بأن الحل الآن يكمن في أن من لم يتلقح عليه أن يأخذ اللقاح؟، وهل تنصح من أخذوا الجرعتين الأولى والثانية بأن يأخذوا الجرعة المعززة؟
** نعم، على كل شخص لم يأخذ اللقاح أن يأخذه، والدراسات أثبتت أن اللقاح آمن وفعّال جدًا في الوقاية من المرض، وبالنسبة للجرعة الثالثة أو المعززة هي ضرورية جدا بعد 5 أشهر من الجرعة الثانية، والدراسات أظهرت أن أخذ هذه الجرعة يحمي أكثر من الإصابة من المرض بعد الجرعة الثانية، ومؤخرًا ظهرت دراسة من فايزر تقول إن الجرعة المعززة تحمي من أوميكرون.
* هل من الضروري لمن أخذ الجرعتين، ثم أُصيب بالفيروس، أن يأخذ الجرعة المعززة؟
** هذه النقطة بها خلاف علمي، وفي رأيي فإن الإصابة الجديدة تعدّ كأنها جرعة داعمة، وبالتالي يمكن للإنسان أن ينتظر ولا داعي للجرعة المعززة، لأن المرض ينبه الجهاز المناعي وهذا يشبه الجرعة الداعمة.
* هناك أعراض جانبية تظهر لدى البعض، قد تكون حرارة شديدة أو وجع شديد في الكتف، هل هذه الأعراض ستزول أم أن بها مشكلة؟
** أنا حدثت معي هذه الأعراض بعد الجرعة الثانية، وهي تحدث مع كثيرين، وبعض الناس لا تحدث لديهم أسباب جانبية، لكن هذه الأعراض معروفة ومتوقعة، ويمكن للإنسان أن يأخذ بعض الأدوية المسكنة للألم، وبعد يوم أو يومين تنتهي هذه الأعراض.
* هل يمكن أن تصبح هذه جرعات هذه اللقاحات سنوية؟
** محتمل، وبالأمس سمعنا تصريحات تقول إن الأمر ربما يحتاج إلى جرعة رابعة، قد تكون بعد سنة من الآن، وأظن أن الأمر بسيط ولا مشكلة به، فمثلما نأخذ لقاحات الأنفلونزا كل سنة، يمكن أن نأخذ لقاحات كورونا كل سنة.