استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي وأنباء عن وساطة فرنسية

أعلن وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، استقالته رسميًا من منصبه في الحكومة، لينهي بذلك الجدل حول تصريحاته عن الحرب في اليمن والتي تسببت في أزمة وتوتر في علاقات لبنان مع السعودية والإمارات وعدد من دول الخليج.
وكانت السعودية قد أعلنت في نهاية أكتوبر الماضي عن استدعاء سفيرها لدى لبنان للتشاور، وطلبت مغادرة السفير اللبناني لديها خلال 48 ساعة، وذلك في أعقاب نشر مقابلة لقرداحي وصف فيها الصراع في اليمن بالعبثي.
وكشف قرداحي في مؤتمر صحافي عقده بمكتبه في الوزارة، اليوم الجمعة، عن سبب استقالته في هذا التوقيت، ورفضه الاستقالة منذ بداية الأزمة، كما كشف عن وساطة تقودها فرنسا لإنهاء التوتر في العلاقات بين لبنان ودول الخليج، ورغبة فرنسية في استقالته قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرياض غدًا السبت، حيث سيلتقي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ونشرت وكالة الأنباء اللبنانية تفاصيل ما قاله قرداحي في المؤتمر الصحفي والذي استهله بقوله: “شكرًا لتلبيتكم هذه الدعوة العاجلة التي لها علاقة بالمطالبة باستقالتي من الحكومة”.
وأضاف: “قصتي أصبحت معروفة، ولا أعتقد أن هنالك من داع لتكرار تفاصيلها والتطورات التي رافقتها منذ بث تلك المقابلة المشهورة في إحدى المحطات الخارجية.. ولا أعتقد أن هناك من داع للتذكير بأن المقابلة كانت قد أجريت معي قبل أكثر من شهر من تعييني وزيرًا للإعلام، وبأن ما ورد فيها من مواقف لا تلزم الحكومة بشيء، كما أنني لم أقصد في كلامي عن حرب اليمن الإساءة لأحد، بل كانت دعوة صادقة من القلب إلى وقف هذه الحرب لمصلحة الأطراف كافة”.
تداعيات الأزمة
وأكد قرداحي أن: “تلك المقابلة، بثت، بعد ثلاثة أشهر من إجرائها، وعلى الفور، فتحت عليّ حملة شعواء ومقصودة في بعض وسائل الإعلام اللبناني وفي بعض المواقع الإلكترونية، وفي وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر ما قلته جريمة بحق السعودية، وسرعان ما انتقلت هذه الحملة إلى الخليج ووسائله الإعلامية”.
وتابع: “لا أخفيكم، أن هذه الحملات المسعورة التي تضمنت الكثير من التحامل والتجني والتطاول عليّ وعلى عائلتي أزعجتني على المستوى الشخصي وأزعجتني في مشاعري تجاه أناس أحبهم في السعودية وفي الإمارات وفي دول الخليج، ولم يكن بيني وبينهم إلا المحبة والتقدير والاحترام والوفاء.. وأزعجتني أكثر، لأنه وبسبب هذه الحملة اللأخلاقية، والمؤذية باشرت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الفور إجراءات مقاطعة دبلوماسية واقتصادية وتجارية بحق لبنان، وطالبت باستقالتي من الحكومة. وأزعجتني أكثر وأكثر، لأنها تسببت بحالة من القلق لدى إخواني اللبنانيين في دول الخليج الذين خافوا على أعمالهم وإقاماتهم ومصالحهم في تلك الدول”.
وأضاف: “وما أزعجني فوق كل ذلك أنه كيف يمكن تحميل شعب بكامله مسؤولية كلام قلته بحسن نية وصدق ومحبة. لذلك، وجدت من المنطقي والواجب الوطني أن أرفض الاستقالة تحت هذا الضغط الهائل وهذا التحامل الجائر، وهذا الظلم المتعمد”.
سبب رفض الاستقالة
وحول سبب رفضه الاستقالة قبل ذلك قال قرداحي: “رفضت الاستقالة لأقول إن لبنان، أولا لايستحق هذه المعاملة، وثانيًا لأقول إنه، ولو كان يمر بصعوبات كبيرة ولو كان يبدو للأشقاء بأنه دولة ضعيفة، إلا أن فيه شعبًا له كرامته وعزة نفسه واستقلاله وحريته وسيادته. وللأسف، أكثر الذين تحاملوا عليّ في لبنان من سياسيين وإعلاميين هم الذين رفعوا في وقت من الأوقات شعار: الحرية والسيادة والاستقلال”.
وأضاف: “المهم أن استقالة جورج قرداحي تصدرت منذ أكثر من شهر الأخبار الرئيسية في الإعلام اللبناني. كل يوم.. كل ساعة.. ربما سياسيون وإعلاميون ومعلقون يطالبونني بالاستقالة، لأنهم يرون فيها (عن قناعة أولًا) مصلحة لبنان واللبنانيين.. وكل يوم، وكل ساعة ربما، سياسيون وإعلاميون ومراقبون يطالبونني بعدم الاستقالة لأنهم يعتبرون ذلك موقفًا وطنيًا مشرفًا وسياديُا ومرتبطُا بالكرامة الوطنية”.
وتابع: “أما الناس، وبكل صراحة وصدق، بأكثريتهم، هنا في لبنان، وفي جميع أنحاء العالم العربي، فكانوا يطالبونني بعدم الاستقالة. وعندي مئات القصائد، وآلاف الرسائل بهذا المعنى”.
رغبة فرنسية
وكشف قرداحي عن وجود رغبة فرنسية في استقالته من الحكومة لإفساح المجال أمام وساطة سيقوم بها الرئيس ماكرون لإزالة التوتر بين لبنان ودول الخليج قائلًا: “وسط كل ذلك، أين نحن اليوم؟.. نحن اليوم أمام تطورات جديدة. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ذاهب إلى السعودية في زيارة رسمية، وقد فهمت من السيد رئيس الحكومة الذي قابلته، قبل يومين بناء على طلبه، بأن الفرنسيين يرغبون في أن تكون هناك استقالة لي، تسبق زيارة الرئيس ماكرون إلى الرياض، وتساعد ربما على فتح حوار مع المسؤولين السعوديين حول لبنان، ومستقبل العلاقات اللبنانية السعودية. تشاورت مع الوزير فرنجية، ومع جميع الحلفاء حول هذا الأمر، وتركوا لي حرية اتخاذ الموقف المناسب”.
لماذا الاستقالة الآن؟
وأضاف: “لذلك، وبعد التفكير العميق، وحرصًا مني على استغلال هذه الفرصة الواعدة، والمتاحة، مع الرئيس ماكرون، دعوتكم اليوم لأقول بأنني لا أقبل بأن استخدم سببًا لأذية لبنان وإخواني اللبنانيين، في المملكة العربية السعودية وفي دول الخليج الأخرى. وبين أن يقع الظلم والأذية على أهلي في لبنان، ودول الخليج، وبين أن يقع عليّ أنا، فضلت أن أكون أنا، فمصلحة بلدي وأهلي وأحبائي هي فوق مصلحتي الشخصية”.
وأكد قرداحي أن “لبنان هو أهم من جورج قرداحي، ومصلحة اللبنانيين أهم من موقع وزاري، لذلك قررت، التخلي عن موقعي الوزاري، على أن أظل في خدمة وطني، حيثما أكون”. وقال: “أتمنى للحكومة التي أستقيل منها التوفيق والنجاح كما أتمنى أفضل العلاقات بين لبنان ومحيطه العربي، القريب والبعيد وخاصة مع دول الخليج”.
وقال: “وفي الختام، أتوجه بتحية شكر خالصة إلى الوزير الفارس والأخ الحبيب سليمان فرنجية على ثقته بي ومحبته وشهامته، وليعذرني إذا تسببت له بأي جرح ولن يصح إلا الصحيح. كما أتوجه بالتحية الحارة إلى الحلفاء والأصدقاء الذين وقفوا إلى جانبي بكل ثقة وإخلاص ووطنية. أما أحبابي في لبنان والعالم العربي، الذين دعموا موقفي السيادي فأقول لهم إنني لم اخذلهم ولن أخذلهم، وأنا واثق بأنهم سيتفهمون موقفي الوطني، النابع من حرصي على مصلحة بلدي وأهل بلدي، كما هو حرصي على سيادته واستقلاله”.
تصريحات الأزمة
وعاد قرداحي للحديث حول تصريحاته التي فجرت الأزمة منذ البداية قائلًا: “أما حرب اليمن التي سببت لنا كل هذه الأزمة فلن تستمر إلى الأبد، وسيأتي يوم يجلس فيه المتحاربون على الطاولة ويتصافحون ويوقعون سلام الشجعان، عندئذ أرجو أن يتذكروا أنه ذات يوم قام رجل من لبنان، ودعا إلى وقف تلك الحرب، محبة باليمن وأهل اليمن.. ومحبة بالسعودية وأهل السعودية، ومحبة بالإمارات وأهل الإمارات.. ومحبة بلبنان، وأهل لبنان.. ومحبة لجميع العرب. شكرًا لكم أحبائي الإعلاميين على حضوركم. عشتم وعاش لبنان”.
تحية للإمارات
وكان قرداحي قد وجه التهنئة إلى دولة الإمارات مؤخرًا بعيدها الـ50، وكتب قرداحي في تغريدة على “تويتر”: “أطيب تحية من القلب، إلى الإمارات الحبيبة، قيادة وشعبًا، بمناسبة عيدها الوطني الخمسين.. خمسون عاما كأنها خمسون قرنًا من الانجاز والتطور والرقي والطموح”.
أطيب تحية من القلب، الى الامارات الحبيبة، قيادةً وشعباً، بمناسبة عيدها الوطني الخمسين..
خمسون عاماً، كأنها خمسون قرناً من الانجاز والتطور والرقي والطموح..
1/2#الإمارات_العربية_المتحدة #عام_الخمسين_للإمارات_2021 #اليوم_الوطني_الخمسين— George Kordahi (@GKordahi) December 2, 2021
وأضاف: “مسيرة أرسى دعائمها المغفور له الشيخ زايد، ورسّخ بنيانها أركان الدولة الذين جاؤوا بعده، ليجعلوا من بلادهم بلاد خير، وسلام وازدهار وتسامح، تشعّ أنوارها على العالم.. أحبتي في الإمارات، كل عام وأنتم بخير، ووطنكم بألف خير”.
كواليس الاستقالة
وكانت صحيفة “الجديد” اللبنانية قد كشفت أمس عن معلومات تفيد بأن وزير الإعلام جورج قرداحي يتجه إلى إعلان استقالته من الحكومة اليوم الجمعة بعد لقاء جمعه برئيس الحكومة نجيب ميقاتي يوم الأربعاء ونزولا عند طلب الفرنسيين لحل الأزمة قبل لقاء ماكرون بولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض.
وقالت الصحيفة إن اتصالاً جرى بين قرداحي ورئيس الجمهورية ميشال عون سبق قراره بالاستقالة التي سيعلنها اليوم الجمعة، فيما لم يتم تبليغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رسميًا أي شيء عن استقالة قرداحي، لكنه طلب من الأخير الاستقالة خلال لقاء جمعه به يوم الأربعاء.
وأفادت الصحيفة أن الحكومة تبحث حاليًا في اسم البديل الذي سيخلف قرداحي، ولحين الاستقرار على اسم البديل سيكون وزير التربية عباس الحلبي وزيرًا للإعلام بالوكالة.
وكان قرداحي قد صرح قبل أسبوعين، أنه منفتح تجاه أي حل يفيد لبنان ويعيد ترميم علاقاته مع دول الخليج، لكنه شدد على ألا تكون استقالته “مجرد طلقة في الهواء لا تؤدي إلى أي نتيجة”، وفق تعبيره.
ووفقًا لموقع “الجزيرة نت” فقد أكد قرداحي أنه ليس متمسكًا بأي موقع وزاري، وأنه ليس في موقع التحدي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أو المملكة العربية السعودية التي شدد على احترامها.