طرد سفراء وخسائر اقتصادية.. تصريحات قرداحي تشعل أزمة بين لبنان والخليج

كالنار في الهشيم؛ أثارت تصريحات لوزير الإعلام والثقافة اللبناني جورج قرداحي حول الحرب في اليمن، حالة واسعة من الجدل، تبعتها انتقادات واتهامات متبادلة بين بعض القوى اللبنانية واليمنية ودول الخليج، وبالرغم من قيام الحكومة اللبنانية بالإسراع للنأي بنفسها عن تصريحات الوزير، خرج قرداحي ببيان يوضح فيه موقفه ويرفض الاعتذار عما قاله.
النأي بالنفس
وزارة الخارجية اللبنانية، أصدرت بيانًا قالت فيه إن التصريح الذي جرى تداوله للوزير جورج قرداحي، صدر عنه قبل تعيينه في منصبه، كما أنه لا يعكس موقف الحكومة اللبنانية، وأضافت في البيان: “كانت الخارجية اللبنانية قد دانت مرارًا وتكرارًا الهجمات الإرهابية التي استهدفت السعودية، وهي ما زالت على موقفها في الدفاع عن أمن وسلامة أشقائها الخليجيين الذين تكنّ لهم كل محبة واحترام وتقدير”.
الحكومة المتأزمة بطبيعة الحال في لبنان بسبب الأزمات الداخلية هناك، حاولت أن تنأى بنفسها عن التدخل في السياسات الداخلية لدول المنطقة، وقد أصدر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بيانًا شدد فيه على أن ” كلام وزير الإعلام هو كلام مرفوض ولا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقا، وبخاصة فيما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب”.
كان قرداحي قد قال في تصريح سابق بأن حرب اليمن “أصبحت حربًا عبثية يجب أن تتوقف”، واعتبر قرداحي أن “الحوثيين يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي”، ليوجه له أحد الحاضرين سؤالًا: “هل تعتبر أن الإمارات والسعودية تعتديان على اليمن؟”، فرد عليه بالقول: “من المؤكد أن هناك اعتداء، ليس لأنهما السعودية أو الإمارات، ولكن لأن هناك اعتداء منذ 8 سنوات مستمرًا، وما لا تستطيع تنفيذه في عامين أو ثلاثة لن تستطيع تنفيذه في 8 سنوات”.
وأكدت وزارة الخارجية اللبنانية في بيانها على أن هذا التصريح قد “كلام شخصي صدر سابقًا عن وزير الإعلام جورج قرداحي قبل تعيينه وزيرًا”.
2/3 اما بخصوص كلام وزير الاعلام جورج قرداحي الذي يجري تداوله ، والذي يندرج ضمن مقابلة أجريت معه قبل توليه منصبه الوزاري بعدة اسابيع ، فهو كلام مرفوض ولا يعبر عن موقف الحكومة اطلاقا، خاصة في ما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب …
— رئاسة مجلس الوزراء 🇱🇧 (@grandserail) October 26, 2021
توضيح.. لا اعتذار
الوزير قرداحي ـ من جهته ـ أصدر بيانًا قال فيه: “بعض وسائل الإعلام اللبنانية والعربية تتداول مقطعًا من مقابلة أجريتها مع قناة الجزيرة في برنامج (برلمان الشباب)، وورد فيها كلام لي عن حرب اليمن، وقد ركزت هذه الوسائل الإعلامية على ما قلته في شأن الحوثيين ودفاعهم عن أنفسهم في وجه العدوان الخارجي”، وفقًا لـ”الوكالة الوطنية للإعلام“.
وأوضح قرداحي: “هذه المقابلة أجريت في 5 أغسطس الماضي، أي قبل شهر من تعييني وزيرًا في الحكومة، وأنا لم أقصد، ولا بأي شكلٍ من الأشكال، الإساءة إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات”.
وأشار قرداحي إلى أن “ما قلته بأن حرب اليمن أصبحت حربًا عبثية يجب أن تتوقف، قلته عن قناعة، ليس دفاعًا عن اليمن ولكن أيضا محبة بالسعودية والإمارات”. وختم بيانه بالقول: “عسى أن يكون كلامي، سببًا بإيقاف هذه الحرب المؤذية لليمن، ولكل من السعودية والإمارات”.
قطيعة وطرد سفراء
سرعان ما توالت ردود الفعل حيال تصريحات قرداحي، حيث اتخذت دول الخليج إجراءات ستؤدي الى عزلة لبنان عربيًا، مترافقة مع عقوبات اقتصادية منتظرة قد تزيد من أزمة لبنان الداخلية، فقد استدعت السعودية سفيرها في لبنان للتشاور، وطلبت من سفير لبنان لديها المغادرة خلال الـ 48 ساعة القادمة، كما قررت أيضا وقف كافة الواردات اللبنانية إلى السعودية، ومنعت سفر مواطنيها إلى لبنان.
حكومة المملكة تستدعي السفير في لبنان للتشاور.. ومغادرة سفير لبنان لدى المملكة خلال الـ (48) ساعة القادمة، وتقرر وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة pic.twitter.com/5OmJHjgdMf
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) October 29, 2021
من جهتها؛ فقد استدعت وزارة الخارجية الكويتية سفيرها من لبنان، وطلبت من القائم بالأعمال اللبناني لديها مغادرة أراضيها خلال 48 ساعة، لافتة إلى أن قرارها جاء استنادًا للعلاقة التاريخية والروابط بين الكويت والسعودية، الأمر ذاته فعلته البحرين وبررت قرارها بأنه يأتي على خلفية سلسلة التصريحات والمواقف المرفوضة والمسيئة التي صدرت عن مسؤولين لبنانيين في الآونة الأخيرة.
دولة #الإمارات تسحب دبلوماسييها من لبنان. https://t.co/0xVW2kiJmd
— وزارة الخارجية والتعاون الدولي (@MoFAICUAE) October 30, 2021
أما الإمارات فقد استنكرت بشدة تصريحات قرداحي، واستدعت سفير لبنان لديها وأبلغته احتجاجها واستنكارها، قبل أن تستدعي الدبلوماسيين الإماراتيين من بيروت، يأتي ذلك فيما سلّم سفير اليمن لدى بيروت، رسالة احتجاج على التصريحات التي أدلى بها قرداحي لوزارة الخارجية اللبنانية، كما استنكرت الخارجية القطرية تصريحات قرداحي.
بيان : المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية يعلن عن استغرابه الشديد واستنكاره للتصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الإعلام بالجمهورية اللبنانيةhttps://t.co/ezvpEbrbBk#وزارة_الخارجية_قطر pic.twitter.com/Hq4NXEARfT
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) October 30, 2021
في ساق متصل ينم عن بداية القطيعة الخليجية مع لبنان، قامت إدارة مجموعة “MBC” الإعلامية بإغلاق جميع مكاتبها في لبنان بشكل نهائي وانتقالها بكامل معداتها إلى الرياض، حيث رئيس مجلس إدارتها “MBC” أن كلام قرداحي يعتبر “اتهامات مغرضة بحق السعودية والإمارات”.
شجب رئيس مجلس إدارة "مجموعة MBC"
الشيخ وليد بن ابراهيم آل ابراهيمبأشد العبارات المواقف الأخيرة التي أطلقها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي في مقابلات تلفزيونية، مستنكراً ما ساقته من اتهامات مغرضة استهدفت المملكة العربية السعودية تحديداً، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة. pic.twitter.com/HEmmHFGZoT
— MBC Group (@MBCGroup) October 27, 2021
رفض قاطع
فيما توالى الرفض القاطع لتلك التصريحات من العديد من الشخصيات مثل الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، نايف الحجرف، الذي قال إن تصريحات قرداحي “تعكس فهمًا قاصرًا وقراءة سطحية للأحداث في اليمن”، فيما قال وزير الإعلام والثقافة والسياحة بالحكومة اليمنية، معمر الإرياني، إنها “تعكس جهلًا فاضحًا بالشأن اليمني”.
وأعرب الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، في بيان، عن “بالغ قلقه وأسفه للتدهور السريع في العلاقات اللبنانية الخليجية، خاصة في الوقت الذي كان السعي حثيثا لاستعادة قدر من الايجابية في تلك العلاقات يعين لبنان على تجاوز التحديات التي يواجهها في المرحلة الراهنة”.
في ذات السياق؛ دعت مجموعة من رؤساء وزراء لبنان السابقين، إلى إقالة قرداحي من منصبه، بعد أن أثارت تصريحاته خلافًا دبلوماسيًا واسعًا، وقال رؤساء الحكومة السابقين؛ فؤاد السنيورة، وسعد الحريري، وتمام سلام، في بيان، إن “آراء قرداحي ضربة للعلاقات الأخوية والمصالح العربية المشتركة التي تربط لبنان بالدول العربية”.
#الجامعة_العربية تعرب عن القلق ازاء تدهور العلاقات اللبنانية الخليجيةhttps://t.co/s7mcnDwgbn pic.twitter.com/tDPvGNUs5M
— جامعة الدول العربية (@arableague_gs) October 30, 2021
خسائر متوقعة
بعد أن فرضت السعودية حظرًا على الواردات من لبنان، فمن المتوقع أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان بالأساس، حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن قيمة صادرات لبنان السنوية إلى المملكة تتجاوز 250 مليون دولار، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الـ6 الماضية حوالي 600 مليون دولار سنويًا، وفقًا لجريدة “المناطق” السعودية.
تعدّ السعودية هي الوجهة الثانية للتصدير من لبنان بعد الإمارات بمعدل 250 مليون دولار سنويًا، وسيشكل الحظر السعودي على الواردات اللبنانية خسارة كبيرة وأمرًا خطيرًا على لبنان، وسينعكس الأمر سلبًا بشكل أسوأ إذا أقدمت باقي الدول الخليجية على نفس الخطوة.
تستورد السعودية ودول الخليج الخضار والفاكهة من لبنان 173.3 ألف طن، أي ما نسبته 55.4% من إجمالي صادراتها، وهي أرقام تدل على حجم خسائر الحظر!
أي 92 مليون💰هي الخسارة السنوية جرّاء منع الصادرات للسعودية!
الكثير من المنتجات 👆حشيش وحبوب، ملغمة في فاكهة الرمان وغيره؟#جورج_قرداحي pic.twitter.com/qCllz8vkZn
— إبراهيم المالك (@ialmalik) October 30, 2021
تقدير موقف
في تتابع للأحداث، أبدى رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، أسفه لقرار السعودية وللإجراءات التي اتخذتها، وأضاف: “شدّدنا على أنّ من أولويات حكومتنا العمل على استعادة العلاقات والروابط التاريخية بين لبنان وأشقائه العرب”، وأضاف: “نشعر ببالغ الأسف لقرار المملكة، ونتمنى أن تعيد قيادة المملكة بحكمتها، النظر فيه”.
1/2 تشاور رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، مع رئيس الجمهورية ميشال عون في المستجدات، وعلى الاثر أجرى الرئيس ميقاتي اتصالا بوزير الاعلام جورج قرداحي وطلب منه تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لاعادة اصلاح علاقات لبنان العربية …#مجلس_الوزراء #نجيب_ميقاتي #pcm
— رئاسة مجلس الوزراء 🇱🇧 (@grandserail) October 29, 2021
وعلى الأثر؛ أجرى ميقاتي اتصالًا بقرداحي وطلب منه تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة اصلاح علاقات لبنان العربية، كما طلب ميقاتي من وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب البقاء في بيروت وعدم التحاقه بالوفد اللبناني الى مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي في اسكتلندا، لمواكبة التطورات والمستجدات الاخيرة وإنشاء خلية لإدارة الأزمة.