تقرير: المسلمون الأمريكيون حققوا نجاحًا مثيرًا للإعجاب رغم محاولات التشويه

قبل نحو 20 عامًا من الآن، وتحديدًا بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، عانى مسلمو أمريكا لسنوات عديدة من مشاعر الكراهية ومحاولات الشيطنة وتشويه صورتهم الذهنية لدى المجتمع الأمريكي،
وفي هذا الإطار طالتهم اتهامات عديدة بالتطرف والعنف والإرهاب، وواجهوا ممارسات عنصرية وجرائم كراهية لا تتعد ولا تحصى، بل ودعوات من قبل جماعات عنصرية ومتطرفة بالطرد والمغادرة.
وعلى مدى عقدين من الزمان كافح مسلمو أمريكا من أجل تحسين صورتهم الذهنية، وإزالة التشويه ودفع الاتهامات التي طالتهم، وتوضيح الفرق بين المسلم الملتزم بديانته وبين الشخص المتطرف أيًا كانت ديانته أو جنسيته، فال إرهاب والتطرف لا دين لهما ولا وطن.
وبالتزامن مع ذلك واصل المسلمون الأمريكيون جهودهم من أجل تحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، ودعم مشاركتهم واندماجهم وتعزيز دورهم في المجتمع الأمريكي.
وبفضل هذه الجهود تمكنوا من تحويل الـ20 عامًا الماضية من أسوأ كابوس واجههم إلى عصر ذهبي لمعظمهم.
إنجازات تحققت
فوفقًا لتقرير نشرته مجلة “الإيكونوميست” فقد تضاعف حجمهم في المجتمع ليصل إلى 3.5 مليون نسمة، وازدادت مكانتهم في الحياة الأمريكية بشكل كبير.
ويشير التقرير إلى أن عدد المساجد في أمريكا تضاعف أيضًا منذ عام 2001، فعندما تجتاز الجسور العلوية لأي مدينة كبيرة سترى قبابًا معدنية تتلألأ في الأسفل.
كما كان النمو العلمي للأقلية المسلمة أكثر إثارة للانتباه، فقد أصبح المسلمون من أكثر الجماعات الدينية تعليمًا في أمريكا، حتى أنه في ولاية مثل ميشيغان نجد أن أكثر من 15% من الأطباء بالولاية مسلمون، رغم من أن المسلمين يشكلون اقل من 3% من سكان الولاية.
وهذا ما حدث أيضًا بين فئات أخرى من الفنانين والصحفيين والسياسيين، حيث زاد عدد المسلمين المميزين بين هذه الفئات.
ويمكن في هذا الإطار ملاحظة ظهور جيل من الممثلين والكتاب والكوميديين المسلمين الحائزين على جوائز والذي برزت أسماؤهم في السنوات الأخيرة.
ومن بين هؤلاء ماهرشالا علي، وهو ممثل أمريكي مسلم نال العديد من الجوائز، بما في ذلك اثنين من جوائز الأوسكار وجائزة غولدن غلوب.
وإياد أختار، وهو كاتب مسرحي وكاتب سيناريو وممثل أمريكي مسلم، نال جائزة بوليتزر عن فئة الدراما. وعزيز أنصاري، وهو ممثل كوميدي ومنتج أفلام أمريكي مسلم، حاز على العديد من الجوائز، وهو معروف من خلال شخصية توم هافرفورد في الكوميديا السياسية الأمريكية.
وحسن منهاج، وهو ممثل كوميدي، ومعلق سياسي ومقدم برامج تلفزيّة أمريكي مسلم، اشتهر بشكلٍ خاص لكونه المقدّم الرئيس في برنامج The Daily Show، كما كان يظهر بشكلٍ دائمٍ في السيتكوم State of Georgia.
وفي مجال السياسة برزت أسماء أخرى لشخصيات مسلمة من بينهم رشيدة طليب وإلهان عمر، اللتان أصبحتا أول عضوتين مسلمتين في الكونجرس، كما يوجد عدد لا يحصى من المسؤولين المسلمين تم انتخابهم في مجالس إدارات المدارس وفي الحكومة المحلية، وهو ما يعني أنه بعد أربعة قرون من مجيء المسلمين إلى أمريكا بدءوا بالفعل يجدون مكانهم في المجتمع الأمريكي.
سلبيات لا زالت مستمرة
حدثت هذه الإنجازات التي حققها المسلمون في أمريكا رغم أن مشاعر الكراهية والعنصرية التي لاحقتهم بعد أحداث 11 سبتمبر لا زالت مستمرة حتى الآن، بل ويمكن القول إن ردود الفعل المعادية للإسلام قد ازدادت خلال العقدين الماضيين، وبصفة خاصة خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي دعم 60% من الجمهوريين وعده بمنع المسلمين من دخول أمريكا.
فلا زال نحو نصف الأمريكيين، بما في ذلك غالبية كبيرة من الجمهوريين، يرون أن الإسلام يشجع على العنف، وهذا هو ضعف عدد الذين اعتنقوا هذا الرأي في أوائل عام 2002.
ويسرد التقرير بعض الوقائع التي تدل على ذلك، حيث ينقل عن طبيب رعاية طوارئ مسلم من ميشيغان قوله: “على الرغم من أننا نحاول الاندماج، إلا أن هناك أشياء سيئة نتعايش معها”، مشيرًا إلى أنه لا زال يتذكر الواقعة التي حاول خلال سائق شاحنة في فلوريدا دهسه هو وشقيقتيه المحجبتين (إحداهما طبيب والأخرى محامية).
ويوضح التقرير أن هذه الممارسات السيئة تجاه مسلمي أمريكا لا زالت تحدث رغم أنه تم تقديم العديد من النماذج الإسلامية الجيدة في المجتمع، وعلى الرغم من أن أمريكا شهدت القليل جدًا من العنف الجهادي لمسلمين خلال الفترة الماضية.
وتشير التقديرات إلى أن الهجمات التي قام بها إسلاميون في أمريكا منذ عام 2001 أودت بحياة 107 أشخاص، وهو عدد أقل من ضحايا الحوادث التي تورط فيها المتعصبون للبيض.
كما أن نصف عدد هؤلاء الضحايا وقع في حادث إطلاق نار جماعي في نادٍ للمثليين، وهي جريمة لم تحدث بدافع الدين.
ما الذي يحدث؟
وفقًا للتقرير فإن الجواب يتلخص في حالة النضال المألوف لأمريكا، حيث يوجد نزاع بين الانفتاح والديناميكية ضد النزعة الفطرية والأصولية، والمسلمون هم مجرد أقلية انخرطت في هذا المجتمع وهذا النزاع.
لكن من جانب آخر فإن التنوع العرقي والطائفي في المجتمع الذي يضم مختلف الجنسيات والديانات والطوائف، وتعايشها ونموها ونجاحها معًا هو دليل على عبقرية أمريكا في مجال الهجرة.
ويشير التقرير إلى أن أكثر من نصف مسلمي أمريكا ولدوا في الخارج، بما في ذلك أصحاب الكفاءات من الأطباء والصيادلة الذين أغراهم قانون الهجرة لعام 1965، بعد أن وجدوا في أمريكا فرصة وحرية دينية وثقافة مدنية وبُعدًا عن حياتهم القديمة، وهؤلاء المهاجرون المسلمون وأبنائهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر وطنية من نظرائهم الأوروبيين، وأقل اهتمامًا بالجهاد، فلطالما كان الحلم الأمريكي دائمًا ترياقًا للتطرف.
ومن اللافت للنظر معرفة كيف واجه العديد من المسلمين، وخاصة الشباب منهم المولودين في أمريكا، للتمييز الذي واجهوه بعد 11 سبتمبر من خلال الاستشهاد بوعد أمريكا بالحرية.
أحدهم يصف ردود أفعال والده وردود فعله المتضاربة تجاه البلطجية الذين حطموا نوافذ سياراتهم؛ وكيف كان الرجل الأكبر سنًا خائفًا، الأصغر منهارًا وغاضبًا.
والآخر أكد أن التعصب الأعمى الذي واجهه بعد أحداث 11 سبتمبر “غيّر حياته”، ويذكر عندما كان طالبًا في كلية الطب بجامعة كورنيل، وهرع للمساعدة في مساعدة المصابين، لكن لم يقم أي سائق في مانهاتن بفتح أبواب حافلته له، قائلًا: “لم تستطع سماعتي الطبية إخفاء لحيتي”، وأضاف: “لكنني تحديت ذلك وعقدت العزم على تمثيل قيمي الإسلامية في مسيرتي الطبية”.
ومع ذلك فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لا تفسر تنامي المشاعر المعادية للمسلمين التي حاول جورج دبليو بوش جاهدًا إخمادها لكنه لم يستطع. فقد أصبحت مشاعر كراهية المسلمين راسخة بين الجماعات اليمينية بشكل أساسي، خاصة بعد انتخاب رئيس أسود في عام 2008 باسم مسلم، وهو باراك حسين أوباما.
وهذا يؤكد وجود مخاوف معلنة من جانب معارضي الإسلام من الأمريكيين، لكنهم بالطبع يميلون إلى القلق بدرجة أقل من نظرائهم الأوروبيين بشأن الممارسات والمعتقدات الإسلامية المحافظة (بعضها يشترك فيها المسيحيون الإنجيليون)، وهو ما يثير قلقهم بشأن هجرة المسلمين.
وتزايد الأمر عندما تولى ترامب الرئاسة وأشار إلى أن أوباما شجع هجرة المسلمين لأنه مسلم وكذلك أجنبي، وجعل منع هجرة المسلمين وعدًا أساسيًا في حملته الرئاسية، وتبين فيما بعد أن الإسلاموفوبيا كانت السمة الأكثر تميزًا لدى ناخبيه.
إنه شكل من أشكال التعصب الذي يستمر بسبب مظالم الأغلبية البيضاء التي يتراجع عددها، ولا يتعلق ذلك فقط بأقلية المسلمين، ولكن بباقي الأقليات التي تزدهر في أمريكا، وكان ذلك واضحًا قبل انتخابات العام الماضي، عندما حوّل ترامب اهتمامه فجأة من المسلمين إلى النشطاء السود.
وكان التحول متسقًا مع حقيقة أن رغبة الجمهوريين في معاداة المسلمين قد تكون أقل تهديدًا مما تشير إليه استطلاعات الرأي.
فالواقع يشير إلى أن السكان المسلمين يتواجدون في المدن وحجمهم صغير نسبيًا، لذلك فإن أتباع الأصول القومية ليس لديهم اتصال يذكر بالمسلمين، ومن غير المرجح أن يركزوا عليهم لفترة طويلة، لذلك يرى بعض المسلمين أنهم ليسوا الهدف الرئيسي لكراهية الأجانب، لأن هناك مجموعات أكبر يهتم بها العنصريون ويقلقون بشأنها”
يؤكد التقرير في النهاية أن التطورات الجارية على الأرض توضح من الذي سيكسب هذا النضال، مشيرًا إلى أن تعصب اليمين يعكس حالة استقراره المفقودة، فيما سيستمر المسلمون في التقدم والصعود.
وربما يوفر الموقف من Covid-19 تفسيرًا للممارسات التي يقوم بها اليمين، فقد كان ناخبو ترامب أكثر المناهضين للتطعيم، ويُرجح أنهم يمثلون النسبة الأكبر من الذين يدخلون المستشفى بسبب المرض، وربما يكونون من أكثر الأمريكيين عداءً للمسلمين رغم أن الأطباء الذين يعالجونهم قد يكونوا من المسلمين.