أخبار أميركاتقارير

20 عامًا يا كتاب الحرب.. فهل عدنا للصفحة الأولى؟.. 11 سبتمبر “ذكرى استثنائية”

قراءة في حسابات المكسب والخسارة لأطول حرب في تاريخ أمريكا

علي البلهاسي- من المؤكد أن ذكرى أحداث 11 سبتمبر هذا العام ستكون ذكرى استثنائية، فإلى جانب مرور 20 عامًا على الأحداث التي هزت أمريكا وغيرت العالم، هناك متغير جديد ظهر على الساحة، لم يكن أحد يتخيل حدوثه طوال عقدين.

فقد انسحبت أمريكا من أفغانستان معلنة نهاية أطول الحروب في تاريخها، بينما عادت طالبان إلى كابول لتتسلم مقاليد الحكم. وكأن التاريخ يعيد نفسه، لكن بمعطيات وتطورات جديدة، تؤكد أن اليوم لن يكون كالأمس، وأن الغد مجهول الملامح.

وفي هذه الذكرى الاستثنائية تتفجر العديد من التساؤلات، ويبدو العالم وكأنه يستعرض أمامه شريطًا من الذكريات الأليمة التي مرت عليه عبر 20 عامًا.

لكن يبقى السؤال الأهم هو: هل ما حدث كان هو السيناريو الأفضل؟، وهل كان قرار الحرب في أفغانستان ومن بعدها العراق، هو القرار الصائب، رغم ما تبعه من حروب واضطرابات، وما نتج عنه من خسائر بشرية ومادية هي الأكبر على مر التاريخ؟

ويستتبع ذلك سؤال آخر فرضته الأحداث الأخيرة، وهو: هل بعد 20 عامًا من الآن سنكتشف أن قرار إنهاء الحرب والانسحاب من أفغانستان كان قرارًا صائبًا، أم أن الحرب كان يجب أن تستمر، وأن ما تم بناؤه أو هدمه خلال 20 عامًا كان يجب أن يكتمل؟

كشف السريّة

أحد الأسباب التي تجعل الذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر مختلفة أيضًا هو القرار الذي أصدره الرئيس جو بايدن مؤخرًا بشأن رفع السرية عن الوثائق المتعلقة بتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي في هجمات 11 سبتمبر 2001.

حيث أكد بايدن أن الشعب الأمريكي يستحق الحصول على صورة كاملة لما تعرفه حكومته عن تلك الهجمات، وبناءً عليه أمر النائب العام ووزارة العدل بالإشراف على مراجعات رفع السرية عن الوثائق المتعلقة بهذه الهجمات. وفقًا للموقع الرسمي للبيت الأبيض.

أهمية هذا القرار تنبع من كونه يحقق أخيرًا مطلبًا رئيسيًا ظلت عائلات الضحايا من القتلى والمصابين تطالب به على مدى 20 عامًا، حتى أنهم طالبوا بايدن مؤخرًا بألا يحيي ذكرى أحداث 11 سبتمبر هذا العام إن لم يستطع الوفاء بوعده الذي قطعه برفع السرية عن هذه الوثائق.

ووفقًا لوكالة “رويترز” فإن عائلات ضحايا 11 سبتمبر طالبوا بأن تقوم هيئة رقابية تابعة للحكومة الأمريكية بالتحقيق في شكوكهم حول أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كذب أو أتلف أدلة تتعلق بمن قاموا بالهجمات.

وتتعلق الوثائق التي تريد عائلات الضحايا رفع السرية عنها بتقارير سرية لوكالات إنفاذ القانون والاستخبارات، حول ما إذا كانت السعودية قد ساعدت أو مولت أيًا من منفذي الهجمات المرتبطين بتنظيم القاعدة، وذلك رغم أن لجنة حكومية أمريكية سبق أن أكدت عدم وجود أي دليل على أن السعودية مولت تنظيم القاعدة بشكل مباشر، كما نفت السعودية رسميًا وجود أي صلة لها بالهجمات. وفقًا لموقع “الحرة”.

وعقب صدور قرار بايدن أصدرت سفارة السعودية في واشنطن بيانًا رحبت فيه بقرار الرئيس بايدن، قائلة إنها ترحب بالإفراج عن الوثائق، وأن المملكة “بصفتها ضحية للإرهاب تتفهم الألم والمعاناة التي لا توصف للعائلات التي فقدت أحباءها في ذلك اليوم الذي لا ينسى”.

ووفقًا لشبكة (CNN) فقد أكد البيان أن “أي ادعاء بأن السعودية متواطئة في هجمات 11 سبتمبر هو ادعاء خاطئ بشكل قاطع”. وأشار إلى أنه “منذ ذلك اليوم المرعب قبل 20 عامًا، دعت القيادة السعودية باستمرار إلى الإفراج عن جميع المواد المتعلقة بتحقيق الولايات المتحدة في الهجمات”.

وأضاف أن “التحقيقات السابقة “بما في ذلك لجنة 11 سبتمبر وما يسمى بـ”28 صفحة”، لم يظهرا أي دليل على الإطلاق يشير إلى أن الحكومة السعودية أو مسؤوليها كانوا على علم مسبق بالهجوم الإرهابي أو كانوا متورطين فيه بأي شكل من الأشكال المشاركة في التخطيط أو التنفيذ”.

ووصف البيان الحديث عن تورط السعودية في الهجمات بأنها “ادعاءات كاذبة وخبيثة”، قائلًا إن من شأن الإفراج الكامل عن هذه الوثائق أن ينهي المزاعم التي لا أساس لها ضد السعودية إلى الأبد”.

حسابات النجاح والفشل

تقييمات النجاح والفشل في الإستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر يستوجب استعراض المكاسب والخسائر التي حققتها طوال هذه السنوات.

فهل نجحت أمريكا في القضاء على الإرهاب الذي ضربها في 11 سبتمبر 2001 أم فشلت؟، وهل أصبحت أكثر أمنًا وبُعدًا عن خطر الإرهاب الخارجي، أم أن التهديدات لا زالت موجودة، والخطر ما زال قائمًا؟، وهل ما تكبدته من خسائر مادية وبشرية فادحة، وما خاضته من حروب استنزفتها على مدى عقدين يتناسب مع حجم المكاسب التي حققتها؟

خسائر 11 سبتمبر

في إطار تقييم ما حدث يقارن البعض بين الخسائر التي طالت الولايات المتحدة بسبب أحداث 11 سبتمبر، والخسائر التي طالتها بسبب الحروب التي خاضتها خلال الـ20 عامًا الماضية على خلفية الأحداث.

ووفقًا لتقرير بثته شبكة cnbcarabia فقد تعرضت الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 لخسائر بشرية واقتصادية كبيرة، فقد أسفرت الأحداث عن مقتل حوالي 3000 شخص وإصابة أكثر من 20 ألفًا آخرين.

أما عن الخسائر المادية فقد أشار التقرير إلى حدوث أضرار في المباني تكلفت 8 مليارات دولار، بينما تضرر قطاع التجزئة بنحو 6 مليارات دولار، وكان إجمالي الخسائر في البنية التحتية حوالي 22 مليار دولار، معظمها في نيويورك، بينما تضرر مبنى البنتاجون بنحو 500 مليون دولار.

كما خسر الاقتصاد الأمريكي نحو 400 شركة كانت موجودة في برجي مركز التجارة العالمي اللذين انهارا في الأحداث، وبلغت خسائر قطاع الأعمال نحو 22 مليار دولار، بينما خسرت الأسواق المالية نحو 1.4 تريليون دولار في أسبوع واحد بعد الأحداث، وتغيرت توقعات النمو للاقتصاد الأمريكي من 1.6% إلى 1.1% في عام 2001، ومن 2.7% إلى 1.5% في عام 2002.

وبشكل عام تمكن الاقتصاد الأمريكي من تجاوز تداعيات الأحداث، وحافظ على تماسكه رغم الخسائر الكبيرة التي لحقت به، فيما بقيت المشكلة في ارتفاع معدلات البطالة بسبب تأثر قطاعات مهمة بالأحداث على رأسها البورصة والسياحة والنقل والطيران.

خسائر 20 عامًا

لكن هل نجحت أمريكا في تعويض هذه الخسائر وحولتها إلى مكاسب على مدى الـ20 عامًا الماضية، أم أن خسائرها تضاعفت؟!

تشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة تحملت تكلفة باهظة، ومنيت بخسائر مادية وبشرية كبيرة خلال العقدين الماضيين، فعلى خلفية هجمات 11 سبتمبر شنت أمريكا أطول حرب في تاريخها في أفغانستان، وهي الحرب التي وصلت حصيلة القتلى فيها إلى عشرات الآلاف، بينما كانت تقترض الأموال لتغطية تكاليف تلك الحرب طوال كل هذه السنوات، مما يشير إلى أن أجيالا من الأمريكيين سيُثقل كاهلها لسداد هذه التكلفة، على حد تعبير وكالة “أسوشييتد برس“.

وأوضحت الوكالة أنه فيما يتعلق بالخسائر البشرية فقد وصل عدد قتلى الجيش الأمريكي في أفغانستان إلى 2448 جنديًا حتى أبريل 2021، كما قُتل خلال ذات الفترة نحو 3846 من المتعاقدين الأمريكيين، وتم تقدير خسائر الجيش الأفغاني والشرطة بنحو 66 ألف قتيل.

وبلغت الخسائر البشرية من عناصر الدول الحليفة وحلف الناتو 1144 قتيلا، كما تسببت الحرب بمقتل أكثر من 47 ألف إلى 51191 أفغاني، كما شهدت الحرب مقتل 444 فردًا من عمال الإغاثة، و72 من الصحفيين.

ووصفت الوكالة الحرب التي شنتها أمريكا في أفغانستان والعراق بأنها “حرب بالاقتراض”، فبحلول 2050 من المتوقع أن تصل تقديرات فوائد قروض الولايات المتحدة من أجل الحرب إلى 6.5 تريليون دولار.

وتشير التقديرات إلى أن أمريكا التزمت بدفع تكاليف الرعاية الصحية والعجز ودفن الموتى وغيرها من التكاليف لنحو 4 ملايين من المحاربين القدامى في أفغانستان والعراق بما تجاوز 2 تريليون دولار. ومن المتوقع أن تبلغ تلك التكاليف ذروتها بعد عام 2048.

ولإلقاء الضوء أكثر على الخسائر المادية لنلقي نظرة على تقرير “تكلفة الميزانية الأمريكية لحروب ما بعد 11 سبتمبر” الصادر عن معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة، والذي تشير تقديراته إلى أن إجمالي تكاليف الميزانية والالتزامات المستقبلية لحروب ما بعد 11 سبتمبر بلغت 8 تريليونات دولار.

ووفقًا لشبكة (CNN) يشير التقرير إلى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة طلبت حوالي 5.8 تريليون دولار كرد فعل على هجمات 11 سبتمبر خلال العقدين الماضيين.

وقد شملت التقديرات التكاليف المباشرة وغير المباشرة لإجمالي الإنفاق الأمريكي في مناطق الحرب، ومن بينها 2101 مليار دولار اعتمادات لعمليات الطوارئ الخارجية الخاصة بوزارة الدفاع، و189 مليار دولار اعتمادات لعمليات الطوارئ الخارجية الخاصة بوزارة الخارجية، بالإضافة إلى 884 مليار دولار زيادات في ميزانية وزارة الدفاع بسبب حروب ما بعد 11 سبتمبر.

كما تضمنت التكاليف 1117 مليار دولار ميزانية الأمن الداخلي لمكافحة الإرهاب، و1087 مليار دولار القيمة المقدرة لدفع الفوائد على قروض الحرب، و465 مليار دولار لرعاية المحاربين القدامى لحروب ما بعد 11 سبتمبر.

ومن المرجح أن تتجاوز مدفوعات الرعاية الطبية والعجز للمحاربين القدامى على مدى الثلاثين عامًا المقبلة أكثر من 2.2 تريليون دولار من الإنفاق الفيدرالي.

تقرير آخر يؤكد أن تكاليف الحروب الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر ستستمر لعقود أخرى، فمع انسحاب أمريكا من أفغانستان، وإنفاق أكثر من تريليوني دولار خلال عقدين، ستواصل الحكومة الأمريكية تحمل بعض التكاليف المالية الناجمة عن الحروب التي تلت هجمات 11 سبتمبر، بحسب باحثين في جامعة براون.

وقال تقرير صدر عن مشروع تكاليف الحرب بجامعة براون، إن تكلفة الحرب في أفغانستان بلغت 2.3 تريليون دولار حتى الآن، بحسب ما نقلت صحيفة “usatoday“.

ويشير التقرير إلى أن هذا الرقم لا يشمل الجسر الجوي الضخم الذي أجرته إدارة بايدن لإجلاء 123 ألف شخص من أفغانستان قبل انتهاء عملية الانسحاب النهائي من هناك.

وقال التقرير إن الولايات المتحدة أنفقت 5.8 تريليون دولار على الحرب في أفغانستان والصراعات الأخرى الناجمة عن هجمات 11 سبتمبر، كما أن الصراعات في العراق وسوريا كلفت الولايات المتحدة 2 تريليون دولار إضافية، وبلغت كلفة عمليات مكافحة الإرهاب الأخرى في أماكن مثل الصومال وأجزاء أخرى من أفريقيا حوالي 355 مليار دولار. وفقًا لموقع “الحرة“.

ووفقًا لصحيفة “نيوزويك” فقد أنفقت الولايات المتحدة 21 تريليون دولار على الأعمال العسكرية الخارجية والمحلية منذ هجمات 11 سبتمبر، مشيرة إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع هذا المبلغ (16 تريليون دولار)، وهو ما يمثل تقريبًا إجمالي الناتج المحلى الأمريكي، ذهبت إلى الإنفاق العسكري بما في ذلك للبنتاجون، ومزايا التقاعد، والبرامج النووية، ومساعدات الدفاع الخارجية، والاستخبارات.

وشملت النفقات الرئيسية الأخرى 3 تريليونات دولار لبرامج قدامى المحاربين، و949 مليار دولار للأمن الداخلي و732 مليار دولار لإنفاذ القانون الفيدرالي.

وأشارت الصحيفة أيضًا إلى الخسائر البشرية الفادحة التي نجمت عن الحروب التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر، فقد بلغت أحدث حصيلة للوفيات الناجمة مباشرة عن حروب أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا واليمن والأجزاء المتضررة الأخرى من العالم، ما بين 897 ألفا و929 ألف شخص، من الجنود والمتمردين والمدنيين وعمال الإغاثة والصحفيين وغيرهم ممن وقعوا في مرمى النيران.

هل كانت هناك مكاسب؟

وفقًا للخبراء فإن الإنفاق الضخم على الحروب التي استمرت 20 عامًا كان على حساب البرامج الاجتماعية وإعانات البطالة والتأمين الصحي، وغيرها من أشكال الإنفاق الاجتماعي التي كانت كفيلة بتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن الأمريكي.

لكن في المقابل يرى خبراء آخرون أن هناك مكاسب تحققت، ولكنها كانت لفئة محدودة، موضحين أنه مع الحرب زادت مبيعات الأسلحة، مما أضاف مكاسب كبيرة لشركات السلاح. كما كان هناك رابح آخر وهو شركات البترول، التي استفادت من انخفاض أسعار البترول لمدة عام عقب الأحداث، لكنها عادت وارتفعت بعد ذلك إلى مستويات قياسية حتى عام 2008 حينما حدثت الأزمة المالية العالمية.

وبالنسبة للإدارات الأمريكية التي اتخذت قرار الحرب والتي استمرت فيها فإن هذه الحرب نجحت في تحقيق الأهداف المرجوة منها، خاصة في السنوات الأولى من الحرب، حيث تم تفكيك تنظيم القاعدة التي كانت وراء هجمات 11 سبتمبر، وتم قتل زعيمها أسامة بن لادن، كما تم هزيمة وإسقاط حكومة طالبان التي استضافت القاعدة والتنظيمات الإرهابية التي كانت تمثل خطرًا كبيرًا على أمريكا والغرب عمومًا.

ويرى العديد من المحللين أن تنظيم القاعدة أصبح غير قادر على شن هجوم كبير على أمريكا والغرب منذ عام 2005، أي بعد شن الحرب بنحو 4 سنوات.

ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن هؤلاء المحللين قولهم إن المرحلة الثانية من الحرب هي التي تسببت في كل هذه الخسائر المادية والبشرية الكبيرة والتي امتدت حتى تم الانسحاب النهائي من أفغانستان.

وأوضح الخبراء أنه بعد انتهاء المهمة والقضاء على القاعدة في أفغانستان وباكستان كان من المفترض أن يحدث الانسحاب من أفغانستان، لكن كانت هناك مخاوف لدى الولايات المتحدة من عودة طالبان، وهو ما أدى لتمديد المهمة عامًا بعد عام، وتسبب في استمرار النزيف والخسائر المادية والبشرية.

وكان الرهان على تأسيس حكومة أفغانية وقوات أمن ومجتمع مدني، ودولة قوية قادرة على وقف أي هجمات مستقبلية، وقادرة على البقاء والاستمرار دون الاعتماد على القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو.

وأشارت الوكالة إلى أن الأموال التي ضختها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في أفغانستان ساعدت على تحسن نوعية الحياة هناك في بعض النواحي، فقد انخفضت معدلات وفيات المواليد الجدد بمقدار النصف، حيث وصلت إلى نحو 50 في العام الواحد، بعد أن كانت 100 حالة وفاة عام 2000.

وبحلول عام 2005، حصل نحو 25% من الأفغان على الكهرباء، وبحلول عام 2019 وصلت الكهرباء لكل مكان في أفغانستان.

كما تحسنت أوضاع المرأة الأفغانية، فوصلت نسبة الفتيات الأفغانيات القادرات على القراءة إلى 37%، وحصلت النساء الأفغانيات على فرص حُرمن منهن تمامًا في ظل حكم طالبان.

نجاح أم فشل؟

في المقابل تركت الحرب الأمريكية حركة طالبان دون هزيمة واضحة. ورغم تلقيها ضربات أمريكية طوال 20 عامًا، تمكنت طالبان من البقاء والاستمرار، وأجبرت الولايات المتحدة إلى البحث عن تسوية سياسية معها لتوفير المناخ لانسحاب وخروج آمن، وهو ما توصل إليه ترامب مع زعماء طالبان وتم الاتفاق على الانسحاب.

ومع بدء الانسحاب الأمريكي تمكنت طالبان من السيطرة على معظم البلاد خلال 10 أيام فقط، وسط انهيار كامل للحكومة والقوات الأفغانية التي أنفقت أمريكا والغرب مليارات الدولارات من أجل تسليحها وتدريبها لكي تحل محلها وتسيطر على الأوضاع، وتمنع عودة طالبان والخطر الأفغاني على العالم مرة أخرى، فإذا هي سراب واختفت في غمضة عين.

والحقيقة أن عودة سيطرة طالبان على أفغانستان لم يكن خارج حسابات وتوقعات الولايات المتحدة والدول الغربية، لكن كل توقعاتهم لم تتخيل أن يحدث ذلك بهذه السرعة، وأشد هذه التوقعات تشاؤمًا كان يتوقع حدوث ذلك بنهاية العام الجاري، لكن المفاجأة أن الأمر لم يستغرق سوى أيام معدودة، مما أربك المشهد، وجعل الإدارة الأمريكية في وضع صعب لا تحسد عليه.

لكن كان من الواضح أن أمريكا والغرب أدركا أن الانسحاب أصبح أمرًا لا مفر منه، ورغم التباين الكبير بين إدارتي ترامب وبايدن إلا أن الأول اتخذ قرار الانسحاب والثاني نفذه، وهو ما يعني وجود اتفاق كامل بين الجمهوريين والديمقراطيين على مبدأ الانسحاب.

وإن كان الاختلاف قد بقي على الطريقة التي تم بها الانسحاب، خاصة أنه تم قبل أن يتم إجلاء الأمريكيين والحلفاء والمتعاونين، وهو ما شكل تحديًا كبيرًا لإدارة بايدن، لكنها نجحت في تجاوز هذا التحدي في النهاية، وأجرت أكبر عملية إجلاء في التاريخ الأمريكي، نقلت خلالها أكثر من 123 ألف شخص من أفغانستان.

وفي إطار تبريره لقرار الانسحاب من أفغانستان، قال الرئيس بايدن إنه لا يعتقد أن “الأمن والأمان في أمريكا سيتعززان من خلال استمرار الوجود العسكري في أفغانستان”، مشيرًا إلى أنه نفذ تعهدًا انتخابيًا قطعه على نفسه بإنهاء الحرب.

وأضاف: “بعد 20 سنة من الحرب، أرفض ذهاب جيل جديد هناك.. أنفقنا 2 تريليون دولار.. حوالي 300 مليون دولار كانت تنفق يوميًا. جرح أكثر من 27 ألف عسكري وتوفي أكثر من 2400”. وتابع: “المهمة أنجزت لأننا استأصلنا تنظيم القاعدة وتخلصنا من أسامة بن لادن، والإرهاب لم يعد ينبع من ذلك الجزء من العالم”.

في النهاية يمكن تلخيص ما حدث طوال 20 عامًا بعد أحداث 11 سبتمبر من خلال ما قالته أستاذة العلوم السياسية بجامعة براون، نيتا سي كروفورد، حيث قالت إن “كل دولة تذهب إلى الحرب تعتقد أنها قادرة على الانتصار، وأن القتال وعواقبه سيكون تحت السيطرة، وأن تكاليف الحرب ستكون أقل تكلفة من الجهود الدبلوماسية أو العقوبات، وأنه سيكون هناك عدد قليل من الضحايا، لكن الحرب نادرًا ما تسير كما هو مخطط لها”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اشترك مجانا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

نحترم خصوصية المشتركين