الراديو

حروب المياه: هل تهدد أزمة نقص المياه العذبة بنشوب صراعات دولية؟

ترجمة: فرح صفي الدين – منذ أكثر من 40 عامًا قال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، إنه إذا كان لمصر أن تخوض حربًا مرة أخرى فسيكون ذلك من أجل الماء.

وعقب تصاعد الخلاف المصري السوداني الإثيوبي حول مياه النيل، وفشل المفاوضات الدبلوماسية في حل الأزمة، أشار كلا البلدين إلى أن إمكانية استخدام القوة يعتبر أمرًا مطروحًا.

تبدو المعادلة بين موارد المياه في تلك منطقة الشرق الأوسط وعدد السكان مختلة إلى أبعد الحدود، فالأولى تتناقص بشكل لا يتسق مع زيادة الثانية بحال من الأحوال، وهو ما رصده تقرير البنتاجون بالفعل، والذي أشار إلى أن مناطق الشرق الأوسط، وحوض نهر النيل، وشمال أفريقيا، وجنوب آسيا، من أكثر المناطق التي ستواجه عجزاً في المياه العذبة. فالشرق الأوسط لديه 1% فقط من حصة المياه العذبة في العالم ويشاركها مع 5% من تعداد سكان العالم.

في برنامجه “راديو بلدي” المذاع عبر راديو صوت العرب من أمريكا، يناقش الإعلامي والمحلل السياسي، الدكتور عاطف عبد الجواد، تطورات النزاع بين إثيوبيا والسودان ومصر، وهل باتت أزمة نقص المياه العذبة تهدد العالم برمته، وليس الشرق الأوسط فحسب، بالمزيد من الصراعات والحروب الإقليمية والدولية؟

ضيوف الحلقة ديفيد شين، من واشنطن العاصمة، وهو دبلوماسي لأكثر من 37 عامًا، كما كان سفيرًا في إثيوبيا وأستاذًا بكلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن. ومن مصر الدكتور محمد نصر علام أستاذ هندسة الموارد المائية بجامعة القاهرة ووزير الموارد المائية والري الأسبق.

ومن فيرجينيا، الصحفي عمر ريدي رئيس تحرير وكالة الأنباء الإثيوبية “إفريقية للإعلام والاتصالات”. ومن لندن عادل درويش، مؤلف كتاب “حروب المياه: صراعات قادمة في الشرق الأوسط”.

سد النهضة واللجوء إلى الحرب

يقول عادل درويش إنه لا يعتقد أن استخدام القوة لحل أزمة سد النهضة يعد أمرًا مطروحًا، فليس هناك هدف واضح من ذلك، كما أنها ستكون مكلفة للبلدين. وأوضح أن الحرب ربما تكون احتمالًا قائمًا في حال إذا تم إجبار إثيوبيا، وانضمت مصر إلى القوى العظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا وهذا غير ممكن.

فيما أشار ديفيد شين إلى أنه لن يكون هناك فائز في حال لجأ الطرفان إلى التدخل العسكري، فهناك العديد من الأسباب التي تحول دون ذلك، وتُرجح محاولة العمل للتوصل إلى حل مشترك للخروج من هذا المأزق.

بينما أكد الصحفي عمر ريدي أنه يثق في أن قيادة كلا البلدين ستتوصل إلى حل وسط، رغم تهديد مصر مؤخرًا باللجوء إلى الحرب لحل تلك الأزمة. وقال إن إثيوبيا في هذه الحالة بالتأكيد ستدافع عن نفسها.

أما دكتور نصر علام فقال إن مصر لا تحتاج إلى أن تكون قوة عظمى لتدخل في مواجهات تتعلق بالأمن المائي. فمصر تعتمد منذ آلاف السنين بنسبة 100% على مياه النيل لتوفير احتياجات الاستهلاك الآدمي وإنتاج الغذاء وتوليد الطاقة.

كما يعتبر نهر النيل هو المصدر الرئيسي لمياه الشرب. وأكد أن تأثير سد النهضة على حصة مصر في مياه نهر النيل هو أمر مؤكد، وسيخفض من حصة مصر البالغة حاليًا 55 مليار متر مكعب سنويًا من المياه، مضيفًا أن مقدار النقص سيتراوح ما بين 5 إلى 15 مليار متر مكعب.

وأوضح أنه إذا فقدت مصر 5 مليارات متر مكعب من المياه، فسيؤدي ذلك إلى خسارة مليون فدان، ويزيد حجم الأرض المتدهورة أو يقل وفق المياه المفقودة، ومن ثم زيادة نسبة البطالة وزيادة العجز الغذائي بقيمة مليار دولار سنويًا. وقال” لا تسألني عن الحرب إذا كان الأمر يتعلق بحرمان شخص ما من حقه في الحياه”.

وأكد أن التفاوض يحتاج إلى حكومة قوية وبلد مستقر، وإثيوبيا في حالة مزرية، فهي تعاني من مشكلات داخلية.

اتفاقيات وتنازلات

على الرغم من أن الأمم المتحدة تربطها علاقة صداقة مع مصر وإثيوبيا والسودان، إلا أنها لم تنجح في إبرام اتفاقية تجمع الأطراف الثلاثة. وفي هذا الشأن يقول السفير شين إن الأمم المتحدة لا يمكنها أن تفرض اتفاقية لا يوافق عليها طرف من الأطراف.

وأكد أنه يتعين على جميع الأطراف تقديم تنازلات، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وأشار إلى أنه كان قد تم الاتفاق على بعض العناصر فيما يتعلق بمياه النيل الأزرق، خاصة من الناحية الفنية.

في فبراير الماضي، رفضت إثيوبيا التوقيع على مُسودة اتفاق تقدّمت بها الولايات المتحدة التي انخرطت في نوفمبر من العام الماضي كوسيط إلى جانب البنك الدولي لإيجاد حلول لتسوية الأزمة. فيما وقّعت عليها  مصر والسودان.

عن سبب الرفض، يقول الصحفي عمر ريدي إن إثيوبيا اعتبرت هذه الاتفاقية انتهاكًا لسيادتها وأنه يتم إجبارها على فعل شيء ضد إرادتها من قوى عظمى وهي الولايات المتحدة لصالح مصر. وأوضح أن أمريكا أرادت أن تقدم إثيويبا لتكون بمثابة ” كبش فداء” للقاهرة من أجل أن تكون حليفًا كبيرًا لها في الشرق الأوسط.

وأشار إلى أن اللهجة التي كان يستخدمها الرئيس السابق دونالد ترامب ووزير خزانته، الذي كان يدير المفاوضات، تحوي الكثير من عدم الاحترام والعجرفة وتجاهل المصالح الإثيوبية تمامًا. وقال إن “الأمر بدا وكأن الولايات المتحدة كانت تُساوم إثيوبيا للتوقيع على الاتفاقية أو تمنع عنها الإعانات”.

واستطرد: “كان ترامب يعامل إثيوبيا على أنها بلد أفريقي ينبغي عليها أن توافق على أي بنود تفرضها عليها دولة غربية دون أي اعتبار لأمنها القومي أو مصالحها واحتياجاتها للتنمية”.

وتعليقًا على هذا الأمر، قال د. نصر علام إن إثيوبيا هي التي قامت بتغيير موقفها. ففي عام 2011، طرحت فكرة أنها تريد إقامة سد من أجل توليد الكهرباء، وهو ما وافقت عليه مصر والسودان بموجب اتفاقية تم التوقيع عليها في هذا الوقت، وأقرا الطرفان بأنها لديها السلطة الكاملة لاستخدام مياه النيل لهذا الغرض، وتطوير مشاريعها التنموية.

وعند بناء السد كان يتعين الاتفاق على بنود التشغيل، وهنا قامت الولايات المتحدة بالاستعانة بخبراء من البنك الدولي الذين تفاوضوا مع الدول الثلاث لدراسة عملية ملء الخزان لمدة 3 شهور، وتوصلوا في النهاية إلى “مسودة اتفاق”.

وأضاف: “هنا ظهرت نوايا إثيوبيا بأنها تريد حصة من المياه بدلًا من ذلك”. وأكد أن إثيوبيا لها الحق الكامل في الحصول على حصة من مياه النيل، ولكن ذلك لابد أن يتم ضمن إطار تتفق عليه دول حوض النيل جميعًا، وليس من خلال اقتسام حصة المياه الخاصة بمصر والسودان منذ آلاف السنين. وأشار إلى أن هذا هو سبب الخلاف الرئيسي فيما يتعلق بهذا الشأن.

اقتراحات محتملة

من جانبه يقول السيد درويش إن هناك حلولًا على المدى القصير، مثل مشروع استكمال قناة جونقلي، الذي توقف بسبب التوترات الأمنية بعد اندلاع حرب جنوب السودان، مطلع ثمانينيات القرن العشرين، بهدف سد حاجة مصر والسودان من المياه من خلال زيادة إيرادات المياه الواردة من النيل الأبيض.

فالنيل الأزرق يغذي 20% من مياه نهر النيل إلى الشمال، وتأتي الـ80% الأخرى من النيل الأبيض الذي يتبخر ما لا يقل عن 55% من مياهه في منطقة سود جنوب السودان. وتعتبر كمية المياه المتبخرة أكبر من الفيضان الذي يأتي من إثيوبيا. ولذلك يتعين على البلدين البدء في استكمال بناء قناتي جونقلي 1 و 2.

 لكنه أوضح أنه عند النظر في هذه الحلول، يتعين الابتعاد عن الأجندات السياسية وسيادة الدول، ويكون الهدف الرئيسي هو حل الأزمة لملايين البشر الذين ربما ستتأثر حياتهم بسبب هذه الأزمة، سواء في المستقبل القريب أو البعيد.

وتعليقًا على هذا الأمر، أكد السيد شين أن استكمال بناء القناة يعتمد على الحصول على موافقة جنوب السودان، وهو أمر يعتقد أنه “لا يدعو إلى التفاؤل”.

ويوجد حل آخر على المدى البعيد، لحل مشكلة نقص المياه التي ستعاني منها دول حوض النيل بحلول عام 2050، حيث سيصل تعداد سكان تلك المنطقة إلى 800 مليون نسمة، ولن يكفي أن تكون حصة الفرد مليون لتر في العام، وهو الحد الأدنى.

وأشار السيد درويش إلى أن الحل هو بناء “بنك للمياه” وهو أشبه ببناء سوق هيدروليكي مشترك بين دول الحوض الإحدى عشر، حيث يمكنهم مشاركة المياه والكهرباء والمحاصيل.

وتقوم الفكرة ببساطة على أن الدول تقوم باستخدام المياه في زراعة المحاصيل وتوليد الكهرباء. فالأرز على سبيل المثال يحتاج إلى 4 آلاف لتر من المياه لكل كيلو جرام، والقطن كذلك يستخدم 10 آلاف لتر.

فالدول التي لديها مصادر من المياه تقوم بإيداعها في البنك بحيث يساوي مليون لتر من المياه قيمة دولار واحد، وبالتالي يتم حساب ما تملكه كل دولة بخلاف ما تستخدمه محليًا.

أما دول المصب، فيمكنها الاقتراض من هذا البنك لسد حاجتها، وعليه يتم استغلال المال في المشاريع التنموية أو تطوير الخطوط الحديدية وبناء مدن جديدة. وكذلك استيراد الكهرباء والمحاصيل التي لا يمكن لبلد زراعتها أو توريدها.

السد أولًا!

وبغض النظر عن الحلول التي طرحها السيد درويش والتي ناقشها د. علام حول إمكانية استغلال موارد المياه بشكل أفضل، والحد من معدل المياه التي يتم فقدها سنويًا، أصر الصحفي عمر ريدي على موقف إثيوبيا من بناء السد. وقال إن المفاوضات بين مصر والسودان وبلده يتعين أن يكون محورها هو سد النهضة وليس مشاركة المياه.

وأكد أن حصة مصر والسودان لم تتأثر بعد انتهاء المرحلة الثانية من ملء الخزان، وأن السودان لا زال يعاني من فيضان حتى الآن، وقد حصل على ما يزيد عن حاجته من المياه.

وأوضح أن التفاوض على حصة المياه يجب أن يتم من خلال الاتحاد الأفريقي، وليس من خلال أي منظمة دولية أخرى. وأن تلك هي عملية تنظيمية يجب أن تتم بين دول حوض النيل وليس أي طرف آخر.

حل النزاع

فيما قال ديفيد شين إن الأمر الآن بين يدي الاتحاد الأفريقي الذي لم يحرز أي تقدم، ويجب أن يجد طرقًا مختلفة للتفاوض من أجل الوصول إلى حل سريع وشامل لتلك الأزمة. فقد حاولت الولايات المتحدة التدخل والعمل بشكل فردي خلال إدارة ترامب مع الأطرف المتنازعة، لكن الأمر لم ينجح.

وأوضح أنه لم يعد لدى الأمم المتحدة سلطة التدخل مثلما كانت تريد مصر، بسبب رفض أعضاء دائمين بمجلس الأمن لعب دور الوسيط في تلك القضية. بينما أكد السيد درويش أن حل تلك القضية هو بين أيدي الدول الثلاث فحسب.

مخاوفٌ مبالغ فيها!

ويرى السيد شين أن المخاوف التي يحملها جميع الأطراف “مبالغ فيها” إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال، يقولون إن ملء الخزان الذي يقع خلف السد لا يمثل تهديدًا لمصر إلا في حال سوء استغلال مياه الأمطار أو ارتفاع معدل فقدان المياه.

وقد حدث أن شهدت بلدان المنبع أمطارًا غزيرة بشكل غير مسبوق هذا العام، بشكل لا يمثل تهديدًا على المدى القريب. وأوضح أن مصر يتعين عليها أن تشعر بالقلق في حال أصاب تلك المنطقة الجفاف لمدة 5 أو 6 سنوات.

وفي المقابل، قال د. نصر علام إن إن النقص المحتمل أن تتكبده مصر بعد الملء الثاني للخزان يصل إلى 7 مليار متر مكعب، وكذلك السودان.

وأوضح أن اتفاقية عام 1959، وهي اتفاقية تقاسم مياه النيل، حددت حصة كل من مصر والسودان في مياه النيل. وتحصل مصر بموجبها سنويًا على 55.5 مليار متر مكعب، مقابل 18.5 مليار متر مكعب للسودان.

وتابع قائلا: “من المتوقع أن تتراجع حصة مصر إلى نحو 48 مليار متر مكعب تقريبًا، فيما تتراجع حصة السودان إلى نحو 11 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن السودان يعتبر الأكثر تضررًا”. وأضاف: “مع ذلك، لا يمكن إنكار تأثير وتضرر مصر أيضًا.

وحول ما إن كان الناس في مصر قد يشعرون بتأثير فقدان تلك الكميات بشكل مباشر ومحسوس من عدمه، قال إن الأمر متوقف على مخزون السد العالي.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى