الراديوطبيبك الخاص

كيف يُمكن الحفاظ على خصوبة المرأة رغم تقدمها في السن؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة جديدة من برنامج “طبيب وراء الميكروفون”، ناقشت موضوع الشيخوخة الإنجابية، وإمكانية الحفاظ على خصوبة المرأة وقدرتها على الإنجاب رغم تقدمها في السن، وفرص الحمل من خلال خاصية تجميد البويضات.

كما ناقشت الحلقة، مع الدكتور فائق نيكولاس شما، أخصائي الغدد الصماء والأمراض التناسلية، أسباب انخفاض معدل المواليد في أمريكا، الذي تراجع لأدنى مستوى منذ 42 عامًا بحسب أحدث الإحصائيات.

حيث أجاب الدكتور شما خلال الحلقة على العديد من التساؤلات، من بينها: متى تبدأ خصوبة المرأة في التراجع؟، ومتى تفقد القدرة على الإنجاب؟، وما هي التقنيات الجديدة التي تحافظ على خصوبة النساء لفترة أطول؟، وماذا عن تجميد البويضات؟، وهل تؤدي كثرة الإنجاب غلى تسريع شيخوخة المرأة؟، وهل يعاني الرجال أيضًا من تراجع قدرتهم على الإنجاب مع تقدمهم في السن؟

انخفاض كبير
* دكتور شما؛ نبدأ معك بنتائج تقرير تم نشره قبل أسبوعين، حيث كشف عن تراجع معدل المواليد في الولايات المتحدة، والذي انخفض بنسبة 4% خلال العام الماضي، إلى نحو 3.6 مليون مولود، وهو الانخفاض السنوي السادس على التوالي، والأدنى منذ عام 1979م، وفقًا لبيانات المركز الوطني للإحصاءات الطبية التابع لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC).

تحدثنا سابقًا عن هذا الموضوع، ولكن لنعيد تذكير المستمعين بما ورد فيه لأهميته، لذا في البداية؛ نسأل.. ما هى أسباب هذا الانخفاض الكبير للمرة السادسة؟

** هناك أسباب عديدة تؤدي إلى انخفاض عدد المواليد في الولايات المتحدة، أهم سبب هو تأجيل سن الزواج، وحتى بعد الزواج يتم تأجيل الإنجاب، فهذان السببان يؤديان في النهاية إلى كبر الزوجة في العمر، وبالتالي تقل نسبة نجاحها في الحمل والإنجاب، لكن ثمة مشكلة متعلقة بعدد المواليد أيضا وهي اقتصادية.

ولعل هذا ما تعاني منه أوروبا الجنوبية مقارنة بأوروبا الشمالية الآن، فكلما كان عدد السكان منتظمًا، لا يكون هناك نقصًا في عدد الشباب الذين يعملون ويعوضن النقص الحادث في القوة العاملة نتيجة كبر العمر، وللحفاظ على ذلك يجب أن ينجب كل زوجان طفلين، لأن أقل من ذلك يؤدي إلى تقليل عدد الأولاد وبالتالي الشباب، الذين يستطيعون العمل وبالتالي الحفاظ على القدرة الاقتصادية للبلد.

في أوروبا الجنوبية مثلًا؛ عدد الأطفال الذين يولدون لكل زوجين هم 1.3؛ وبالتالي فإن عدد القوة العاملة في تناقص، هذه النسبة لدينا هنا في الولايات المتحدة هي 1.9، ولكن هذه المشكلة غير موجودة لدينا بفضل وجود هجرة منتظمة، وهو ما يساعد على عدم وجود نقص في عدد السكان.

Image by timkraaijvanger from Pixabay

اختلاف العرق
* أشار التقرير إلى انخفاض معدل الإنجاب للنساء في جميع الفئات العمرية تقريبا، مع كل عرق رئيسي، حيث تحدث عن اخفاض بمعدل 8% للأمريكيين الآسيويين، و6% للسكان الأصليين وسكان ألاسكا، و4% للبيض والسود، و7% للأمريكيين اللاتينيين، فلماذا هذا التفاوت في النسب؟، هل يلعب العرق دورًا في هذا الموضوع؟

** لا، فالعرق ليس مهمًا مقارنة بالقدرة الاقتصادية للأزواج، فلا ننسى أنه قديما كان يُقال إن “الولد يأتي برزقه”، لكن الآن بات على الزوجين بعد إنجابهما للطفل وتربيته أن يرسلانه للجامعة بمقابل 50 ألف دولار بالسنة، إلى جانب تأمين معيشة مريحة له، إذن فالمشكلة اقتصادية بالدرجة الأولى، وبفعل ذلك حدثت بعض التغيرات المهمة، كمثال؛ كانت الأمهات منذ عدة سنوات تنجبن طفلهن الأول بعمر 21 سنة تقريبًا في الولايات المتحدة، الآن بتن ينجبن بعمر 27 سنة.

بالنسبة للرجال بات معدل عمر الإنجاب الآن هو 31 سنة، وهو أكبر بكثير مما كان عليه قبل 20 عامًا، فمعنى ذلك أن الأزواج باتوا ينتظرون لفترة أطول حتى ينجبوا الطفل الأول، وهذا لا علاقة له بأشياء جينية أو طبيعية، وإنما هو سبب اقتصادي واجتماعي في المقام الأول.

* هل هذا الموضوع لا ينطبق على عالمنا العربي أو الشرق الأوسط؟، وكيف توجه المستمعات اللاتي يستمعن لنا الآن حول الثقافة التي باتت سائدة بينهم حول الإنجاب لطفل أو طفلين على الأكثر؟

** في الشرق الأوسط؛ هذه المشكلة ليست موجودة، فأنا على سبيل المثال لدي 6 أولاد، أما بخصوص الإنجاب.. فإن المسؤولية موجودة قبل الزواج وستظل موجودة بعده، المشكلة أن تطور الحياة فتح مجالات كثيرة وتحديات عديدة، وصارت هناك مضاربة بين الأولاد لإيجاد عمل أفضل وراحة أكثر، وذلك بسبب زيادة عدد سكان الكرة الأرضية بشكل يفوق الموارد الموجودة.

تأثير كورونا
* أشار التقرير إلى موضوع كوفيد-19؛ فكيف ترى تأثير الوباء على الإنجاب؟، وهل للضغوط النفسية التي رافقت الجائحة أثر أيضا على الأمر؟

** بالتأكيد، فهناك سببين كانا وراء النقص الحالي في عدد المواليد؛ الضغط النفسي بسبب كورونا، والقدرة الاقتصادية والاجتماعية التي قلّت بسبب فقدان الناس لبعض وظائفهم، لكن في المقابل فإن بقاء الناس في منازلهم بدون عمل، قد سمح بإيجاد فرص أكثر للإنجاب، ولذلك لم يقل عدد الأطفال كثيرًا خلال عامي 2020 و2021.

وأعود وأؤكد أن المرأة كلما كبرت في العمر كلما قلّت القدرة الإنجابية لها، والدراسات وجدت أن الزوجين عندما يقرران إنجاب الطفل الأول في سن متأخرة، فإنهما ينجبان الطفل الثاني بعد أشهر أقل من إنجاب الطفل الأول، إذن فالمشكلة ليست جينية أو لها علاقة بالصحة الإنجابية.

Image by StockSnap from Pixabay

العمر الإنجابي للمرأة
* هل العمر الإنجابي للمرأة محدود؟، ومتى تبدأ بالضبط خصوبة المرأة في التراجع؟

** عادت ما تولد المرأة ولديها مليون أو مليونين بويضة في المبايض، قبل أن تحدث لها الدورة لأول مرة، تحديدًا في عمر 13 أو 14 عامًا، تكون قد خسرت ثلاثة أرباع هذه البويضات، ويتبقى تقريبا حوالي 400 ألف، وخلال الفترة ما بين 13 إلى عمر الـ 50 تخرج حوالي 500 بويضة تقريبا، وهذا يعني أن عدد البويضات يقلّ مع تقدم المرأة في العمر.

فكلما كانت المرأة أصغر، كلما كان عدد البويضات لديها أكثر، وكلما كانت أيضا قدرتها الجينية على الإنجاب أكبر، وهذا يعكس لنا حقيقة أن عدد الأشخاص الذين يريدون الإنجاب تحت عمر الـ 25 ولا يستطيعون هو 8% أو 9%، لكن هذا العدد يزيد إلى 25% مع زيادة العمر بين الـ 30 إلى 39 سنة، ويزيد لنسبة فوق الـ40% إذا كانت المرأة فوق الـ40 سنة.

هذا إلى جانب وجود بعض الأمراض التي يمكن أن تحدث بسبب قلة جودة البويضات مع تقدم العمر، وبالتالي تقلّ القدرة على إنجاب طفل طبيعي خالي من الأمراض، هذا إلى جانب زيادة نسب الإجهاض أيضا مع تقدم العمر للمرأة بالذات.

* في عام 2017؛ صدر تقرير أشار إلى أنه بسبب التطور والحالة الاقتصادية أصبحت المرأة تنجب بسن الـ30 عامًا، فلو أردنا من حضرتك أن تنصح المرأة بأي العمر أفضل للإنجاب؟

** أنا كما ذكرت لك من قبل، أنا لدي بنتين، وقد نصحتهم بحفظ بعض البويضات “تجميد البويضات”، وبالتالي لا يصبح عمر الإنجاب أو الزواج مشكلة كبيرة بالنسبة لهن، لكن ليس بمقدور كل العالم القيام بمثل هذا الأمر، لذا نعود للتأكيد على نقطة أنه كلما كان عمر الإنجاب أقل، كلما كانت القدرة الإنجابية أكبر.

أيضا هناك أشياء كثيرة تحدث كلما كبرت المرأة وأنجبت وهي في عمر متقدم؛ منها ـ على سبيل الذكر ـ أنه أثناء الحمل قد تحدث لها مشكلات متعلقة بالضغط، وكذلك السكري، وبحسب إحصائية فإن احتمالية عدم وجود المرأة التي تنجب بعمر الـ20 عندما يبلغ ابنها عمر الـ18 هي فقط 6 في الألف، لأنه في أغلب الوقت تكون بصحة جيدة.

لكن هذه النسبة تتراجع إذا كانت المرأة بعمر الـ45 وقررت أن تنجب ولد، فنسبة وجودها عندما يصبح عمر الولد 18 عامًا هي 6% فقط، ولذلك كلما صغر عمر الإنجاب كلما كان هذا أفضل اقتصاديًا واجتماعيًا وصحيًا.

Image by tasha from Pixabay

العمر الأنسب
* هل هناك طرق وأبحاث يمكننا من خلال إبطاء نقص فرص المرأة الإنجابية نتيجة تقدمها في العمر؟

** صحيح بالفعل، هناك بعض الطرق، فإذا لم يتم الإنجاب في سن صغيرة، وهذا أسلم الطرق بالتأكيد، لكن أيضا يمكن للمرأة أن تأخذ بعض البويضات وهي في عمر صغير وتجمدهم، ويمكن استخدامها لاحقًا إذا أرادت، وهذه البويضات تكون أفضل من الناحية الجينية عن تلك البويضات التي تنتجها المرأة وهي في سن متقدمة، وكذلك يمكن تجميد السائل المنوي للرجل وهي تقنية موجودة منذ الخمسينات.

أما تقنية تجميد البويضات فهي حديثة بعض الشيء، منذ الثمانينات والتسعينات، ولعل هذا عائد إلى صغر حجم النطفات عن الرجل، مما يسهل تجميدها، على عكس البويضات التي تعد أكبر حجمًا.

وقد أصبح الآن لدينا تكنولوجيا متقدمة جدًا لتجميد البويضات، ومن ثمَّ يتم إعادتها مجددًا وقت الحاجة لذلك وتلقيحها وإعادتها للاستخدام بنسبة نجاح تفوق الـ 95% من الحالات الراغبة في الحمل.

وهناك دراسات ـ كما قلت ـ في الولايات المتحدة وفي أوروبا وجدت أن أفضل وقت للمرأة لتجميد البويضات وهي بعمر 32 أو 33 عامًا، لأن قبل ذلك العمر تكون فرصها في الحمل والإنجاب مرتفعة، وبعد هذا العمر تقل فرصها وتقل معها جودة البويضات.

لذلك أنا أنصح دائما السيدات والفتيات، إذا وصل سنهن إلى عمر 33 عامًا، ولم ينجبوا بعض أو يتزوجوا، بأن يحضرن إلينا لنأخذ بعض البويضات، ونقوم بتجميدها، لاستعمال لاحقًا عند الحاجة للإنجاب، بعد الزواج أو عند الرغبة في الإنجاب، فهي أشبه ما يكون بـ”بوليصة تأمين” على المدى الطويل.

أما عدد البويضات التي يتم تجميدها عادةً ما يكون ما بين 10 إلى 15 بويضة، ويتم تلقيحهم عادةً بالمختبر، ونسبة النجاح فيهم تقريبًا بتكون نصفهم تقريبًا، وهذه النسب تقل كلما كبر عمل المرأة.

وأنا نصيحتي دائما للمرأة بأن تحاول الإنجاب بشكل طبيعي بعد الزواج، وعندما تقرر الإنجاب، وألا تلجأ إلى التلقيح أو تجميد البويضات أو خلافه قبل تجربة الحمل الطبيعي أولًا، وحتى بعد الولد الأول عليها أيضا أن تجرب مجددًا الحمل الطبيعي أيضا.

لكن في حالة تضاؤل الفرص، يتم اللجوء إلى هذه الطرق الأخرى، وهناك حالات أخرى مرضية قد تضطرنا إلى تجميد البويضات للمرأة، إذا كانت مصابة بمرض خبيث أو ما شابه، في هذه الحالة نكون مضطرين لتجميد البويضات من أجل الحفاظ على القدرة الإنجابية للمراة مستقبلًا.

Image by smpratt90 from Pixabay

نصيحة أخيرة
* هل توجه نصيحة للسيدات للحفاظ على قدرتهم الإنجابية بطريقة أخرى خلاف تجميد البويضات؟، وهل هناك أسلوب حياة معين يمكن للنساء إتباعه لتأخير الشيخوخة الإنجابية؟

** هناك الكثير من الأمور التي يجب القيام بها من أجل الحفاظ على البويضات، مثل الحفاظ على وزن الجسم وألا تكون سمنة الجسم زائدة، وعدم التدخين أو تناول الكحول وما شابه، لأن هذه الأمور تجعل البويضات ضعيفة.

وأفضل وأنسب طريقة للحفاظ على الفرص الإنجابية المستقبلية هي تجميد البويضات، ومجددًا أكرر نصيحتي، إذا بلغت المرأة سن 32 أو 33 عامًا، ولم تتزوج أو لم تقرر بعد أن تنجب، فيجب أن تفكر في أن تأخذ عدد كافي من البويضات وتقوم بتجميدها، لاستعمالها في الوقت المناسب بعد الزواج أو عندما تقرر أن تنجب.

* أشكرك دكتور شمّا، تطرقنا إلى محاور عديدة، ولم يبق لنا إلا ان نتطرق معك حول الصحة الإنجابية للرجل، وهل هناك محاذير متعلقة بالعمر، هذا ما سنتناوله معك في الحلقة المقبلة.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى