الراديورمضان

رمضان الذي كان.. ما الذي تغيّر على مدى 14 قرنًا؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

منذ أكثر من 1400 سنة والمسلمون يستقبلون شهر رمضان استقبالاً حافلًا، ويختصونه بعادات وعبادات جعلته مختلفًا عن كل الشهور، لكن رمضان الذي كنا نعيشه قديمًا ليس هو بالتأكيد رمضان الذي نعيشه اليوم.

كيف كنا.. وكيف أصبحنا على مدى أكثر من 14 قرنًا؟.. وماذا عن “رمضان الذي كان”؟.. ما الذي تغير.. ولماذا؟.. وكيف نعيد لرمضان قداسته وعاداته وتقاليده الجميلة التي افتقدناها؟

هل غيّر وباء كورونا في شكل رمضان؟.. وكيف ترك بصمته على عادات وتقاليد الناس فيه؟.. كيف نقضي رمضان بالشكل الأمثل في زمن كورونا.. وكيف سيكون شكله لو تكرر ظهور الوباء أعوامًا أخرى؟

حول هذا الموضوع وحول شعارنا “صوم وصحة” للتوعية حول كيفية السلامة والصحة في رمضان، نقدم هذه الحلقة الخاصة مع ضيفينا، فضيلة الدكتور شادي ظاظا، مؤسس منظمة رحمة في كل العالم، ومدير فرع الجامعة الإسلامية في ديترويت، وفضيلة الدكتور فاتح الصافوطي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن وعضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية في مينيسوتا.

مدرسة رمضان
في بداية الحلقة؛ بدأ الدكتور فاتح الصافوطي، حديثه عن شهر رمضان الذي تغيّر على مدار 14 قرنًا، حيث قال إن “إلّفَ الشئ وتكراره كل مرة قد يغيّره بالزيادة أو ينقص من مضمونه، فحين نرتبط بالقرآن الذي فيه آيات الصيام التي تريد فلاحنا، فإن رمضان لن يتغير بل سيزداد فلاحنا، فإن ارتبطنا برمضان وشددنا أنفسنا بمقاصد الصيام والقرآن فلن نتغيّر”.

وأضاف أن “رمضان أراد أن ينشئ شخصية إيجابية متفاعلة مع الأمة والمجتمع، لكن مع الوقت صار هو مجرد الامتناع عن الطعام والشراب فقط، فنحن في الحقيقة ضيّقنا مقاصد الدين الرحبة، ودخلنا في أخاديد بسيطة وضيقة، فالصيام والقرآن يريدان أن نكون أمة راشدة تستوعب ما تقول وتفعل”.

وتابع الدكتور الصافوطي: “تغيّرنا لأننا ابتعدنا عن القرآن ومقاصد الصيام، فرمضان مدرسة أو جامعة نتدرب خلالها ونقوم بإعداد أنفسنا لباقي الشهور القادمة”.

رمضان في عهد النبوة
عن شهر رمضان في عهد النبي ﷺ وكيفية إحيائه في تلك الفترة، قال الدكتور الصافوطي: “نموذج النبي ﷺ كان بمثابة قمة في العبادات، وكان ﷺ كالريح المرسلة في الكرم والجود على الناس، ولم يكن حينها رمضان شهرًا للكسل كما نحن عليه الآن، وكان من دعاء النبي دائما (اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل)”.

بالنسبة لنشاطات المسلمين في تلك الفترة، قال: “على المستوى الفردي؛ كان للفرد وردًا يوميًا من القرآن، والعمل الصالح، والتواصي بالحق مع الناس ونصرة المستضعفين، وقد قال ﷺ في الحديث (ولَأَن أَمْشِيَ مع أخٍ لي في حاجةٍ أحبُّ إليَّ مِن أن اعتكِف في هذا المسجدِ شهرًا)، فقد كان ﷺ نصيرًا للمستضعفين دائما”.

وأضاف الصافوطي أن فلسفة الصيام تكمن في تقوية الإرادة وضبط الشهوات، فالمسلم أمامه كل شئ مما تطيب لها الأنفس، لكنه يمتنع عنها.

تغيير مقاصد رمضان
الملاحظ في السنوات الأخيرة، أن الطابع الاجتماعي والثقافي بات غالبًا على شهر رمضان أكثر من الطابع الديني، حول هذه النقطة قال الدكتور الصافوطي: “للأسف هذا صحيح، فقد تعرضنا لغزو يغيّر مقاصد الصيام، وأصبح رمضان موسمًا للأكل والشرب والمسلسلات والفوازير، وأنا هنا لا أعترض على الفن، ولكن على طبيعة ما يتم تقديمه”.

وتابع: “أظن أن هذا التغيّر ممنهج ومقصود، فجعل رمضان يتحول ويتغير عن مقاصده قد بدأ شيئًا فشيئًا، الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فالله قد فرض علينا الصيام من أجل التقوى والتربية والارتباط بالقرآن قولًا وعملًا، من تغيّر هو نحن، وليس شهر رمضان، انظروا إلى الإنسان بدون الهدى والتقوى كالوحش الضاري، وبعد اهتداء قلبه يتحول تماما نحو الرحمة والعفاق والتقى”.

إعادة رونق رمضان
نشتكي من تغيّر رمضان؛ فكيف نجعل من رمضان فرصة لتغيير واقعنا؟، وكيف نعيد لرمضان رونقه كما كان في الماضي؟، قال الدكتور الصافوطي: “يجب على كل إنسان أن يكون له هدف، وأن يعرف ماذا يريد منه رمضان؟، فالإنسان يجب أن يكون له هدف عند قراءة القرآن وأن يكون ذلك بإمعان وتدبر، وأن يكون له هدف بمساعدة الفقراء والأيتام، وأن يكون لديه إعداد نفسي وذاتي وبرنامج دائم للتدبر والعمل الصالح”.

وتابع: “الله سبحانه يقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فكم نسبة من يعرف هذه الآية في العالمين من غير المسلمين؟!، للأسف لقد صدر البعض عننا نسخة مغلوطة من الإسلام.

لذا فإننا عندما نعيد اكتشاف رمضان ونتدبر القرآن الكريم وآياته فإننا نعيد اكتشاف الإسلام، ولو لاحظنا آيات الصيام سنجدها 4 آيات، لكنها تحتاج إلى تدبر كبير وعميق”، وقام الدكتور الصافوطي بتفسير سريع لهذه الآيات.

روحانية رمضان
في الجزء الثاني من الحلقة؛ أطلّ على المستمعين، الدكتور شادي ظاظا، والذي بدأ حديثه عن البصمة التي تركها وباء كورونا على عاداتنا خلال شهر رمضان، وكيفية قضاء شهر رمضان بالشكل الأمثل.

حيث قال: “وباء كورونا والظروف المستجدة التي حلّت بالعالم، لها جانب سلبي وآخر إيجابي، ونحن الآن في زمن السرعة والتواصل الاجتماعي، ومن يعيشون في بلاد الغرب سيجدون أن حياتهم تُسرق منهم بسبب هذه المستجدات، مما يفقدنا الكثير من مواسم الطاعات والنفحات الروحانية، وإقامة مشاعر الله وتأدية العبادات”.

وتابع الدكتور ظاظا: “ربما جاء وباء كورونا العام الماضي، كي يهدئ من سرعة الزمان، وكي يراجع الناس أنفسهم، فنحن في زمن التواصل الاجتماعي، ولكن في الواقع فإننا في زمن التباعد الاجتماعي، وقد سبق هذا التباعدالمكاني تباعد روحي وتباعد قلبي، فيأتي رمضان في كل عام من أجل أن يبث نفحة للتغيير وتجديد حياتنا ومراجعة أنفسنا وكسر روتين حياتنا المستمر”.

وأضاف الدكتور ظاظا: “إذا تذكرنا رمضان قديمًا، ورأيناه الآن، سنجد أن ما تغير هو فهم الناس لشعيرة الصيام، وإدراكهم لبعدها، وسعة استيعاب أهداف رمضان وأبعاده، فرمضان فرصة لتأسيس جيل يعيّ معالم التقوى ومراقبة الله تبارك وتعالى، فرمضان كانت له بهجة لكنها تنقص وتخفّ بسبب تغيّرات العصر الحالي، فعلى سبيل المثال.. الهاتف الذي في يد الإنسان قد يبعده عن كتاب الله ومراجعة آياته واستحضار عظمة هذا الشهر المبارك”.

ابتعاد عن القيم
حول معاني رمضان؛ قال الدكتور ظاظا: “نحن اليوم نفتقر إلى محبة بعضنا بعضا، والتواصل فيما بيننا، فالمال والمصلحة والشهرة أمور باتت تحكمنا، وبتنا ننظر إلى الآخرين بمنظور مادي بحت، فيأتي رمضان ليأمر الناس بأن يغيّروا هذه النظرة، ويغيّر تلك المعاني بأخرى تجعله مميزًا، فإذا نحن لم نغيّر من أنفسنا وأبقينا على هذا الشهر كشهر فلكلوري، فإننا لن نتغير للأفضل”.

وحول معركة الوعي التي يجب أن نعيده إلى شعوبنا، قال الدكتور ظاظا: “للأسف، نحن ابتعدنا كثيرًا عن أمور ديننا، وأخذت الدعوة إلى الله مرحلة أخرى بأشكال مختلفة، والأحداث الأخيرة التي حدثت في العالم جعلت الناس تزهد هذه الدعوة وتقترب أكثر من الأمور المادية، فنحن يجب علينا أن نكون عمليين أكثر، لا تقل لي ما هو الدين، ولكن قل لي كيف أتعامل من خلال هذا الدين، وكيف أطبق الشرع، ورمضان فرصة كبيرة وميدان تنافس رباني وفرصة للانتصار على النفس”.

وتابع: “رمضان فرصة عظيمة لتجديد ذاتنا، ويجب على الإنسان أن يضع خطة رمضانية حتى لا تضيع منه فرصة التغيير في رمضان، فالإنسان لا يعلم ربما تكون هذه هى آخر سنة له في رمضان”.

وصفة نبوية
في ختام الحلقة؛ قال الدكتور ظاظا حول تطبيق الوصفة النبوية من أجل صيام صحيح من الناحية الروحانية: “لقد تعلمنا من السُنّة النبوية أن صيانة الجسد هو سبب من أجل أن يقوى هذا الجسد على أداء مهمته في هذه الحياة، فالجسم أمانة بين أيدينا وعلينا صيانته، ورمضان فرصة لضبط شهوات هذا الجسد بالامتناع عن الطعام والشراب، فهى استراحة لأجهزة الجسد من التعب طوال العام”.

وأضاف: “مع الأسف الشديد أجد أن بعض الأشخاص يزداد وزنهم خلال شهر رمضان، هذا لأنه ربما فاتتهم الغاية من الصيام، وهؤلاء يضيعون فرصة كبيرة لضبط شرابهم وطعامهم وإعادة التوازن لحياتهم وأجسامهم”.

خلال العام الماضي، أطلق راديو صوت العرب من أمريكا، شعار “عطاء للمحتاجين ومواساة للمتألمين”، داعين أهل الخير ليطرقوا أبواب المحتاجين للتخفيف عن الناس ظروفهم الصعبة.

حول محور الرحمة والاحساس بالفقراء، قال الدكتور ظاظا: “اليوم نحن نعيش في زمن به من هم محرمون من أبسط مقومات الحياة، وهذا خلل طبقي ومجتمعي كبير، لذا أوجب الله على الناس الزكاة من أجل العطاء للفقراء، وهذا يقرب الإنسان من الله ويطهر نفسه”.

عن زكاة الفطر؛ قال: “زكاة الفطر واجبة على كل فرد في الأسرة، ولابد أن تعطى قبل وقت صلاة العيد، ووقتها من أول ساعة في رمضان وحتى قبل صلاة العيد، وهى واجبة على كل مسلم، صغيرًا كان أو كبيرًا، وهدفها الأساسي هو أن يشعر كل إنسان، حتى الفقير، بلذة العطاء، وقد قدّرها العلماء بأقل من 10 دولارات، ومن استطاع أن يُكثر ليكثر”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى