الراديورمضان

رمضان في زمن كورونا.. عبادات روحية وعادات صحية

أجرى الحوار: سامح الهادي ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حوار هام حول كيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من العبادات والطاعات في رمضان، دون تفريط في العادات الصحية السليمة التي تحافظ على صحتنا في زمن كورونا مع فضيلة الدكتور الشيخ موفق الغلاييني، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وإمام المركز الإسلامي بمدينة جراند بلانك بولاية ميشيجان.

رمضان والوباء
* هذا هو شهر رمضان الثاني الذي يهل علينا ونحن لا زلنا نعاني من جائحة كورونا، فكيف يمكن للأسر التي فقدت أحباءها أن تتعامل مع هذا الاغتراب أو التنافر بين العادات الرمضانية التي كنا معتادين عليها وبين قواعد التباعد الاجتماعي، إلى جانب الأثر النفسي الثقيل بفقدان من أحببنا؟

** رمضان فرصة طيبة وإيجابية لتحقيق التوازن النفسي عند المسلم خلال هذه الجائحة، وعلى ما يظن البعض بأن الصيام يؤدي إلى الضعف الجسمي أو القلق النفسي، فالمسلم يشعر بأنه في كنف الله، فهو يضبط شهواته في سبيل الله، وهذا الشعور يجعله يتشبه بالملائكة، وهو مسلِّم نفسه إلى الله، خاصة في ظل هذا انتشار هذا الوباء.

كما نجد أن الصيام يخفف من معاناة هذا الوباء، مع ضرورة أن يأخذ المسلم بالأسباب ويأخذ اللقاح المتاح لهذا المرض، إلى جانب التوكل على الله سبحانه وتعالى، حتى نتجاوز هذه المحنة بإذن الله.

الصيام وكورونا
* في حقبات من تاريخنا الإسلامي، تم تعليق الصيام بسبب الأوبئة، فما رأيك فيمن يطالبون بتعليق فريضة الصيام الآن بدعوى وجود الوباء؟

** نحن في اللجنة الدائمة للفتوى، اصدرنا فتوى منشورة على موقعنا الإلكتروني، بأن التطعيم لا يتعارض مع الصيام إطلاقًا، فالصائم يمكنه خلال صومه أن يأخذ اللقاح ويستمر في صيامه، وقد أخبرنا الأطباء بأنه لا يوجد أي تعارض بين الصيام والمناعة، بل على العكس فهم يقرّون بأن الصيام يزيد من مناعة الإنسان ويدفعه إلى الراحة النفسية.

عادات رمضانية
* هناك عادات اجتماعية رمضانية محببة للأسر العربية، مثل التزاور وصلاة التراويح والإفطارات الرمضانية المجمعة، فكيف تنظرون إلى هذه العادات في ظل زمان كورونا؟

** نحن أصدرنا أيضا عدة فتاوى تتوافق مع التعليمات الصحية التي أصدرتها الجهات الطبية، مثل (CDC) وغيرها، تؤكد على ضرورة التباعد والتمسك بارتداء الكمامات، والتقليل من التجمعات الكبيرة، والحمد لله.. كل المساجد في ميشيجان باتت مفتوحة في رمضان، والصلاة الآن في بعضها تتم على 3 مجموعات لتخفيف التزاحم والتجمعات.

* قد يتساءل البعض من جيران هذه المساجد، أن هذه التجمعات هى فرصة لانتقال العدوى، فكيف يمكننا الرد عليهم وتوضيح الصورة الحقيقية لهم؟

** من خلال تجربتي الشخصية، فإنني لا أحبذ التجمعات الاجتماعية خارج المسجد، إذا تم الانتهاء من الصلاة يجب أن ينصرف الإخوة مباشرة، دون الوقوف أمام المسجد في تجمعات يمكن أن تؤدي لانتقال العدوى أو حتى إزعاج الجيران، فالمشكلة ليست في التعليمات الدينية وإنما في تطبيق البعض لها، وأنا حتى أصدرت فتوى بأنه حتى صلاة السنّة يُفضل صلاتها في المنزل، لتقليل التجمعات ومدة المكوث في المسجد.

العبادات في زمن الوباء
* من الأمور المحببة داخل المسجد خلال شهر رمضان هو الجلوس لقراءة القرآن الكريم، هذا إلى جانب الاعتكاف خلال الأيام العشر الآواخر من رمضان، فكيف تنظر إلى هذه الأمور في ظل الجائحة؟

** الله سبحانه وتعالى يقول : “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”، ويقول أيضا: “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ”، وعندنا قاعدة فقهية تقول إن “دفع المضرة مقدم على جلب المصلحة”، فالمصلحة الفردية هنا قد تؤدي إلى حدوث ضرر عام من خلال نشر الوباء، لذا فإن المصلحة العامة في ديننا تقتضي إتباع التعليمات وتقليل التجمعات، وديننا دين يسر، لا عسر، والنبي ﷺ قال: “مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ”، فأيهما أخطر الثوم والبصل أم الفيروس؟!

وفيما يخص اللقاحات أود أن أؤكد على ضرورة أخذ اللقاحات، أنا شخصيًا أخذت الجرعتين، ولا تعارض بين الدين والعلم، فإذا كان العلم والأطباء يطلبون منّا القيام بذلك، وهذا لا يتعارض مع الدين، فلما لا نقوم به، بل هذا واجب علينا.

* هل توصي بتجنب سنّة الاعتكاف في المسجد هذا العام، أسوةً بما حدث خلال العام الماضي، أم إنه إذا كانت الضوابط آمنة فلا مانع من إقامتها؟

** نظرًا لأن بعض المسلمين لا يتقيدون بالتعليمات، لذا فأنا أرى أنه من الأفضل أن يتم الاعتكاف في المنزل، وهذه سنة طارئة، وإن شاء الله خلال السنة القادمة يفرجها الله علينا، وذلك عملًا بالقاعدة الفقهية “دفع المضرة مقدم على جلب المصلحة”.

مدرسة رمضان
* ما هو صيام الجوارح؟، وكيف تنظرون إليه؟، وكيف يمكننا أن نعظم الفائدة المرجوة من الصيام من خلاله؟

** الأديب المصري الشهير “مصطفى صادق الرافعي” له كتيب صغير اسمه “مدرسة الثلاثين يومًا”، فقد سمى شهر رمضان بالمدرسة، لأنه بمثابة مدرسة نتعلم منها ونتدرب خلالها، ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما أيضا الإمساك عن كل المعاصي، فالنبي ﷺ قال: “مَن لم يَدَع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة أن يَدَع طعامه وشرابه”.

وفي حديث آخر: “ربَّ صائمٍ ليسَ لَه من صيامِه إلَّا الجوعُ وربَّ قائمٍ ليسَ لَه من قيامِه إلَّا السَّهرُ”، وخلال هذا الشهر الكريم أيضا.. يلتزم الإنسان بالوقار والسكينة، وقد رسول الله ﷺ: “ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك، فقل: إني صائم، إني صائم”.

للرافعي أيضا كتاب آخر بعنوان “التفكير فريضة إسلامية”، فبعدما درس القرآن وجد أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالتفكير، لو تفكرنا في رمضان والصيام، سنجد أنه يعلمنا التواضع، ويذكرنا بأهمية النعمة التي بين أيدينا، ودافع لنا كي نعود إلى الله.

تطور الفكر الإسلامي
* هل تأخر المسلمون لأنهم توقفوا عند النصوص والتراث، وأصبحوا يحكمون من القبورن ممن أصدروا هذا الفكر، أم أن هذا الفكر يجب أن يدفعنا للتفكير والتطوير والبناء عليه؟

** نحن نستفيد من تراثنا في الأصول والتقعيد والكليات، أم الفروع فهى بنت بيئتها، ما عدا العبادات، لأن لا علاقة لها بالبيئة، فهى تنظم العلاقة بينك وبين الله سبحانه وتعالى، أما بالنسبة للأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية فالبيئة لها أثر كبير.

نحن نرى في المصدرين الأساسيين لنا، وهما القرآن والسنة، هناك بيان مفصل للعبادات: صلاة وصوم وزكاة وحج، وهناك بيان مفصل حول علاقة العبد بربه، وعندما نأتي للنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية نجد النذر اليسير، لأن هذه الأمور تخضع للبيئة، ولكل زمان ومكان، وقد ترك نبينا ﷺ الباب في بعض الأمور مفتوحًا من أجل الاجتهاد.

هناك سؤال طرحه بجدّ، الشيخ محمد الغزالي، يقول: لماذا علماؤنا لم يلجوا في هذه الأمور مثلما ولجوا في أمور العبادات والأخلاق والعقيدة؟، السبب هو الاستبداد السياسي، لأن الأنظمة حددت وظيفة العلماء بالمسجد فقط.

زكاة الفطر
* دكتور؛ بماذا توصي من يستعد في آخر رمضان لزكاة الفطر؟

** الأصل هو أن توزع زكاة الفطر والزكاة عموما في المكان الذي يكون فيه المسلم، لقول النبي ﷺ لمعاذ: “فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً، تُؤخذ من أغنيائهم، فتردّ في فُقرائهم”، وبالمناسبة ـ من باب أن الشئ بالشئ يُذكر ـ نجد أن الولايات المتحدة تطبق ذلك كمبدأ اقتصادي، فضرائب كل ولاية تنفق في داخلها.

أما الآن، فنجد أن الاوضاع في بعض بلداننا العربية والإسلامية، مثل اليمن وسوريا والعراق وغيرها، الأوضاع هناك صعبة، فلا بأس من أن يتم إرسال الزكاة إلى تلك البلدان عن طريق المؤسسات الإغاثية أو حتى بطريقة شخصية، الشرط الوحيد الذي يجب التأكيد عليه هو أن يتم إرسالها قبل صلاة العيد.

مصارف الزكاة
* هل يمكن أن نجمع بين زكاة الفطر والصدقة الجارية؟، أقصد هل يمكن أن يتم إخراج الزكاة من أجل المساهمة في مشروعات الصدقة الجارية مثل بناء مستشفى أو حفر بئر مياه؟، وهل يجب ان يتم إخراجها من غالب قوت أهل البلد، مثل القمح أو الشعير او غيرها؟

** هذا الأمر يطول شرحه، والعلماء اختلفوا في أمر مصارف الزكاة، والأمر الراجح الآن، وكما أفتى به معظم علماء الأزهر الشريف، هو أن الزكاة يمكن أن تصرف على المستشفيات والمدارس وغيرها، وهناك خلاف على إخراجها للمساجد، ولكن هذا في البلدان الإسلامية لأن هناك وزارة أوقاف متكفلة بالصرف على المساجد، أما هنا في الولايات المتحدة فإن التمويل بأكمله ذاتيًا.

* هل يمكن توجيه جزء من زكاة الفطر إلى المجتمع المحلي المجاور للمنطقة التي بها المسجد أو المركز الإسلامي؟، بمعنى ان تكون هناك مساهمة في النوادي او الجمعيات والمؤسسات التي تعمل على مجابهة فيروس كورونا؟

** في الحقيقة، الزكاة كفريضة يجب أن تكون للمسلمين، ولكن لدينا الصدقات العامة وهذه للجميع، وسيدنا عمر بن الخطاب عندما وجد رجل غير مسلم يتكفف ويسأل الناس، وعندما سأله قال إن عليه الجزية وما لديه من مال، فقال عمر: “والله ما أنصفناه؛ أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم”، ثمّ فرض له من بيت مال المسلمين.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى