أخبار أميركاتقارير

هل يتعمّد بايدن تقليل ظهوره الإعلامي.. ولماذا؟!

خبراء: بايدن يركز على دور المؤسسة وليس على شخصه كرئيس

هاجر العيادي

عادة ما يفضل المشاهير وأصحاب السلطة والمناصب الهامة الظهور إعلاميًا للتواصل مع جمهورهم الذي يتابع أخبارهم وتوضيح وجهات نظرهم لهم بشكل مباشر. ولعل أكثر الأشخاص ظهورًا على وسائل الإعلام هم رؤساء الدول الذين يحظون بمتابعة كبيرة بحكم منصبهم المهم، بالإضافة لاهتمامهم بالتواصل مع شعوبهم.

وعلى هذا المنوال سار رؤساء أمريكا كلهم تقريبًا، حيث تتجه أنظار العالم كله إلى أحاديثهم ومؤتمراتهم الصحفية وقراراتهم، التي يصل صداها إلى كل الدول. ولعل الرئيس السابق دونالد ترامب كان أكثر رؤساء أمريكا صخبًا وظهورًا على جميع وسائل الإعلام بتصريحاته وقراراته المثيرة للجدل، ولم يكتف بذلك فقط، بل جعل من تويتر منصة خاصة أطلق من خلالها سيلا لا ينقطع من التغريدات.

لكن يبدو أن الرئيس الحالي جو بايدن لا يسير على نفس هذا المنوال، وفق كثير من المتابعين، فقد بدا خلال الشهرين الماضيين أقل صخبًا من حيث الظهور الإعلامي، فهل تعمد بايدن هذا الأمر، ولماذا؟، وهل هو حقًا قليل الظهور الإعلامي، أم أن مقارنته بترامب هي من وضعته في هذه الصورة؟.

“راديو صوت العرب من أمريكا” حاول الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال استطلاع آراء بعض الإعلاميين وخبراء الإعلام.

تغيير النهج بخطة مدروسة

البداية كانت مع الإعلامي المصري الدكتور فؤاد عبد الرازق، والذي قال إن “الملفت للنظر، أن الرئيس الحالي جو بايدن دأب، منذ تولّيه السلطة، على تغيير النهج الذي كان علي سلفه ترامب، فبات ظهوره الإعلامي شحيحًا، مقارنة بمن سبقوه. فهو منذ توليه السلطة، لم يعقد مؤتمرات صحفية لتلقي الأسئلة أو الخوض في نقاشات مع الصحفيين والإعلاميين”.

د.فؤاد عبد الرازق

وأضاف: “هذا إن دّل على شيء فإنّما يدّل على حنكة الرّجل السياسية، وعزمه على التغيير الجذري في التعامل مع شعبه، بانتهاجه طرقًا مستحدثة مختلفة، بعيدة عن النمطية المعهودة في التواصل عن كثب، بما يمكنه من نشر المعلومات و الأخبار بعيدًا عن الضوضاء و الصخب الإعلامي المثير للجدل”.

عبدالرازق أكد أيضًا أن بايدن “وضع خّطة مدروسة بإتقان للتعامل مع فريق العمل المحيط به، بأعضائه الأكفّاء المؤهلين لهذه المهّام الحساسة، بالإضافة لاعتماده على المتحدثة باسم البيت الأبيض، المكلّفة بالتعاطي بصورة منتظمة مع القضايا التي يريد إظهارها للرأي العّام، ولكن بشيء من الحذر والحيطة في نشر المعلومة وعدم المبالغة في إبدائها”، على حد تعبيره.

وأضاف أن “أسلوب بايدن هذا سيخدم حتمًا أهداف إدارته التي يسعى أن تكون على غير طريقة سالفه ترامب، ويحد من فرص وسائل الإعلام في الضغط عليه وإرهاقه بتدخلاتهم الكثيرة فيما يتعلق بالقضايا الكبرى، كما أنّه يعكس إستراتيجية البيت الأبيض الجديدة التي تهدف إلى الحد من نشر الأخطاء غير المقصودة، و التّي تقتنصها دومًا وسائل الإعلام، وتستعملها هي والمعارضة كنقاط ضعف، تقصف بها الرئيس والإدارة الحاكمة على حّد سواء”.

وإلى جانب ذلك يرى عبد الرازق أن السبب الذي يجعل الرئيس الحالي قليل الظهور هو كون “بايدن يخشى التلعثم، وهي مشكلة كان يعاني منها في الماضي رغم تخلصه منها فيما بعد، ورغم أنه كان مفوها وقوي التعبير في سنواته التي قضاها في الكونجرس” مشيرًا إلى أن بايدن “لايريد ان يكون صاخبًا مثل سلفه ترامب يعبارته الشهيرة “فيك نيوز”، كما لايحب الصدام مع الصحفيين”.

الرئيس الفرد والمؤسسة

نصر الدين بن حديد

الكاتب الصحفي التونسي نصر الدين بن حديد يرى أن “ظهور أيّ مسؤول كبير، وخاصّة رئيس البلاد في أيّ دولة غربية، يخضع لمنطق المؤسّسة، بمعنى وجود قسم داخل مؤسّسة الرئاسة همّه قراءة الأحداث، والبحث في جدوى التعامل معها، سواء عبر بيان يوزّع على وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، أو ظهور متحدّث باسم الرئاسة، وفي الأخير ظهور الرئيس ذاته”.

وأضاف: “كما أن هناك عامل هامّ جدّا قلب المعادلات التقليديّة للخطط الرئاسيّة في مجال الإعلام والاتّصال، يكمن في مواقع التواصل الاجتماعيّ، التي صارت توفر مصدر تواصل مباشر وسريع مع الجمهور وعامّة الناس”.

وفيما يتعلق بعلاقة بايدن بالاعلام يرى بن حديد أن الرئيس الأمريكي الجديد خرج من معركة مع سابقه دونالد ترامب، وعليه أنّ يؤسّس لمنظومة تواصل مع عمق شعبي لا يزال ينظر إلى خسارة ترامب من باب «المؤامرة»، وكذلك الانفصال على المستوى الدولي مع صورة الرئيس/الفرد المتسرّع التي أسّس لها هذا الرئيس (ترامب)، والانتقال إلى صورة الرئيس/المؤسّسة الذي يُصدر القرارات بعد تفكير وبحث.

ويختم بن حديد إبداء رأيه قائلًا: “يبقى الرهان صعبًا، بل شديد الصعوبة لتفادي انشطار المجتمع الأمريكي، وكذلك استراد الولايات المتحدة الأمريكية دور الريادة عالميًا”.

عدة أسباب

من جانبه يؤيد مختار الدبابي، الصحفي بجريدة العرب اللندنية، فكرة أن بايدن قليل الظهور الإعلامي، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أولها: أن بايدن يعمل من خلال البيت الأبيض كمؤسسة وليس كفرد، مثلما كان يفعل سلفه ترامب الذي كان يحكي في كل شيء، حيث بدا القرار الأمريكي مرتبطًا به دون سواه.

مختار الدبابي

ثانيًا: عقلية المؤسسة ستسمح لوزير الخارجية مثلا أن يبني فريقًا دبلوماسيًا جماعيًا متكاملا يعبر عن رؤية الإدارة الجديدة والأمر نفسه بالنسبة لمستشار الأمن القومي، أو للبنتاجون. وهذا اختلاف تاريخي بين الرؤساء الديمقراطيين الذين كانوا دائما أقرب إلى المؤسسة، فيما كان الجمهوريون يتصرفون وكأنهم رؤساء في دولة من العالم الثالث، كل شيء يدور حول الرئيس “الزعيم”

ثالثًا: هناك عنصر مهم آخر هو عامل الوقت، فالرئيس بايدن ما يزال يكتشف الملفات، خاصة الدولية المهمة، كالعلاقة مع الصين أو روسيا أو الشرق الأوسط وإيران، ويحتاج إلى وقت كاف لاستيعابها، وبعد ذلك إطلاق التصريحات أو الخطابات بشأنها.

رابعًا: هناك عامل آخر يتعلق بشخصية الرئيس نفسه، فمنذ أن كان نائبًا لأوباما، كان يميل إلى عدم الظهور الإعلامي.

حضور مستمر ولكن أقل

في المقابل يرى الإعلامي والمحلل السياسي الدكتور عاطف عبد الجواد، عكس ما رآه الإعلاميون السابقون، حيث يرى أن الرئيس بايدن ليس مقلا في ظهوره الإعلامي كما يعتقد البعض، ولكنه يعود بمعدلات هذا الظهور الى النمط الطبيعي لمعظم الرؤساء الذين سبقوه، باستثناء دونالد ترامب.

وأضاف: “نعم بايدن أقل ظهورًا من ترامب، ولعل المقارنة مع الرئيس السابق هي التي تدفع البعض إلى هذه الخلاصة. فقد كان ترامب يتواجد على تويتر 30 مرة في اليوم في بعض الأحيان، ويبدأ نشاطه عليه منذ الثالثة صباحًا. كما كان يتحدث إلى الصحفيين في البيت الأبيض وهو في طريقه الى طائرته الرئاسية ويتناول أسئلتهم ويرد عليها”.

وتابع: “كان هذا يحدث في معظم الأوقات. وكان معروفًا عن ترامب حبه للظهور. فإذا قارننا الظهور الإعلامي لبايدن بالظهور الإعلامي لترامب سنجد فارقًا كبيرًا. لكن ما نراه في الحقيقة هو أن بايدن يعود الى النمط التقليدي لظهور الرؤساء، مع الأخذ في الاعتبار أيضًا أنه يرغب في محو أسلوب وسياسات ترامب”.

ويرجع د. عبد الجواد قلة ظهور بايدن التي تحدث عنها بعض المتابعين إلى أن بايدن لا يحب الكلام، ولا يجيد الكلام بسبب مشكلة صحية ألمّت به منذ طفولته وما زالت تلازمه حتى الآن، وهي مشكلة التلعثم أو التأتأة”، فهو ليس متحدثًا جيدًا، وليس مفوهًا، على حد قوله.

وأضاف: “حتى في المرات التي تناول فيها بايدن أسئلة الصحفيين، تجده يكتفي بسؤال واحد فقط ثم ينصرف، كما حدث بعد كلمته القصيرة التي ألقاها في البيت الأبيض مساء السادس من مارس، بعد موافقة مجلس الشيوخ على حزمة المساعدات المالية لمواجهة آثار كوفيد-19”.

د.عاطف عبد الجواد

وتابع عبد الجواد أن “بايدن يعتمد على وجود مؤتمر صحفي يومي في البيت الأبيض لكي تصل رسالته. وهذا الظهور الإعلامي اليومي للمتحدثة الرسمية باسمه كان غائبا في عهد سلفه ترامب، وبهذا يعود بايدن الى النمط التقليدي للرؤساء السابقين، حينما كان المتحدث الرسمي يظهر يوميا للرد على أسئلة الصحفيين”.

وأكد عبد الجواد أن قلة الظهور الإعلامي لبايدن غير مرتبط بعدم ظهوره حتى الآن في كلمة أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونجرس، التي تعرف باسم “خطاب حالة الاتحاد” قائلًا: “ليس في الدستور ما يلزم الرئيس بإلقاء الكلمة في السنة نفسها التي تولى فيها الرئاسة. وهي الكلمة التي يلقيها الرؤساء تقليديا خلال شهر فبراير في القاعة الرئيسية للكونجرس. لكن بايدن أيضًا يدرك العبء الأمني الكبير الذي سيقع على سلطات الأمن جراء ظهوره هذا، بالنظر إلى أحداث اقتحام مبنى الكونجرس في السادس من يناير الماضي، وما نجم عنها من تعزيزات أمنية كبيرة لمواجهة التهديدات المحتملة”.

واختتم عبد الجواد تصريحه بإبداء إعجابه والإشادة بتعامل بايدن مع مسألة الظهور الإعلامي قائلًا: “أود أن أشيد بمعدل الظهور الإعلامي لبايدن، لأني والكثيرين أصابنا إرهاق من معدلات الظهور الإعلامي لسلفه دونالد ترامب، والتي لكثرتها انطوت على أخطاء أو مبالغات أو تناقضات أو حتى بعض الأكاذيب”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اشترك مجانا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

نحترم خصوصية المشتركين