وفاة جورج شولتز.. أسطورة الخارجية الذي غيّر التاريخ وأنهى الحرب الباردة

توفي جورج شولتز، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، عن عمر يناهز 100 عام، بمنزله في ستانفورد بولاية كاليفورنيا، وفقًا لبيان أصدره معهد هوفر الذي كان شولتز عضوًا فخريًا فيه.
وكان شولتز قد تولى حقيبة الشؤون الخارجية الأمريكية في الفترة من يوليو 1982 حتى يناير 1989، وعمل في مناصب مختلفة مع ثلاثة رؤساء أمريكيين هم دوايت أيزنهاور وريتشارد نيكسون ورونالد ريجان، حيث تولى مناصب متعددة في وزارات الخارجية والخزانة والعمل وهيئة إدارة الميزانية.
ووصف معهد هوفر الوزير الراحل شولتز بأنه كان “أحد السياسيين الأكثر اتساقا في كل الأزمنة”، مشيرا إلى أنه “سيبقى في ذاكرتنا كأحد وزراء الخارجية الأكثر تأثيرا في تاريخنا، فقد قام مع الرئيس ريجان بدور محوري إذ أنه غيّر مسار التاريخ بواسطة وسائل دبلوماسية ووضع حدًا للحرب الباردة”.
وأضاف البيان: “كان شولتز يعرف قيمة الكلمة التي يطلقها الشخص، وأن “الثقة هي عملة العالم”، وعُرف عنه تمسكه بمجموعة من المبادئ. هذا بالإضافة إلى تمتعه بذكاء شديد، مكّنه ليس فقط من تخيل الأشياء التي يعتقد أنها مستحيلة، ولكن أيضًا لجعلها تؤتي ثمارها وتغيير مسار الأحداث البشرية إلى الأبد”.
وتابع أن شولتز “كان له حياة مهنية متميزة في الحكومة والأوساط الأكاديمية وفي عالم الأعمال. فهو واحد من اثنين من الأمريكيين فقط شغلا أربعة مناصب وزارية اتحادية مختلفة – الخارجية، والخزانة، والعمل، ومكتب الإدارة والميزانية. وقام بالتدريس في ثلاث من جامعات هذا البلد العظيمة، ولمدة ثماني سنوات كان رئيسًا لشركة هندسة وإنشاءات كبرى”.
من جانبها قالت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية السابقة والمديرة الحالية لمؤسسة هوفر: “كان زميلنا شولتز رجل دولة عظيم، ووطني حقيقي بكل ما تحمله الكلمة من معانى”. وأضافت: “سيذكره التاريخ كرجل جعل العالم مكاناً أفضل”.
Secretary George Shultz was a great American statesman and true patriot in every sense of the word. Now, we must carry on the work that he challenged us to do – to love freedom and opportunity and to never lose a thirst for learning. May he rest in peace.https://t.co/XsqVs6t4ks
— Condoleezza Rice (@CondoleezzaRice) February 8, 2021
أسطورة الخارجية
فيما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا نعت فيه جورج شولتز الذي وصفته بأنه كان “أسطورة” وكان “صاحب رؤية”. وقال البيان إنه “كوزير للخارجية، ساعد في تحقيق أعظم إنجاز جيوسياسي في هذا العصر: وهو تحقيق نهاية سلمية للحرب الباردة. كما تفاوض على اتفاقات تاريخية للحد من الأسلحة مع الاتحاد السوفيتي. وبعد ترك منصبه واصل الكفاح من أجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية. كما حث على اتخاذ إجراءات جادة بشأن أزمة المناخ في وقت اتخذ فيه عدد قليل جدًا من القادة هذا الموقف”.
وأضاف: “لقد عزز الوزير شولتز علاقات أمريكا، ودفع مصالحنا بذكاء استراتيجي وصبر كبير، قلة من الناس جاءوا إلى هذا المنصب بخبرة كبيرة مثله، لقد شغل أيضًا منصب وزير الخزانة، ووزير العمل، ومدير مكتب الإدارة والميزانية، وكان أحد أفراد مشاة البحرية في الحرب العالمية الثانية.. لقد كان له سجل مميز للخدمة العامة سيظل يذكره التاريخ الأمريكي”.
وتابع البيان: “كان جورج شولتز شخصية بارزة في تاريخ وزارة الخارجية.. والعمل الذي نقوم به الآن تشكّل من خلال إرثه.. سوف نفتقده بشدة”.
We mourn the loss of George P. Shultz, the 60th Secretary of State whose life and legacy has inspired a generation of diplomats. Under his leadership, U.S. diplomacy helped to pave the way for the ending of the Cold War. We offer deepest condolences to his family and loved ones. pic.twitter.com/crDfx0u3Tt
— Department of State (@StateDept) February 7, 2021
يتذكره وزير الخارجية أنتوني بلينلكن قائلًا: قبل أن يرسل (شولتز) سفيرًا أمريكيًا جديدًا إلى منصبه الخارجي، كان يدعوه إلى مكتبه، ويوجهه إلى مجسم ضخم للعالم في الزاوية. ويقول له: “أشر إلى بلدك”. كان السفير يدور حول الكرة الأرضية ويشير إلى البلد الذي سيتجه إليه. لكن الوزير شولتز يضع إصبعه بلطف على الولايات المتحدة ويقول له “هذا هو بلدك”.
George Shultz was a legend. An ardent champion of diplomacy, Secretary Shultz strengthened America’s relationships and advanced our interests with strategic brilliance and great patience. Our thoughts today are with Secretary Shultz’s family and all those who loved him.
— Secretary Antony Blinken (@SecBlinken) February 7, 2021
فيما وصفته وزيرة الخارجية السابقة مادلين ألبرايت قائلة: “كان جورج شولتز رجلاً عظيماً شهد وصنع التاريخ خلال مائة عام رائعة. لقد فقدنا بطل الدبلوماسية، ومدافعا عن القيادة الأمريكية، ونموذجا للخدمة العامة”.
George Shultz was a great man who both witnessed and made history in the course of a remarkable 100 years. We have lost a champion of diplomacy, an advocate of American leadership, and a model of public service. https://t.co/huMKujwgbR
— Madeleine Albright (@madeleine) February 7, 2021
ماذا قال عنه بايدن وبوش؟
ونعاه الرئيس جو بايدن قائلًا: “كان رجلًا ذو شرف ورؤية، وكرّس نفسه للخدمة العامة والنقاش المحترم، وظل ثابتًا على مبادئه حتى بلغ عامه المائة. لهذا السبب سعى العديد من الرؤساء من الحزبين للحصول على مشورته. ويؤسفني أنني، كرئيس، لن أتمكن من الاستفادة من حكمته، كما فعل الكثير من أسلافي”. وفقًا لـ”رويترز“
فيما قال الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش: “لقد فقدت أمريكا أحد أفضل رجال الدولة فيها بوفاة جورج شولتز. كان شخصًا عميق الفكر والموهبة والوطنية. لقد تولى مجموعة واسعة من الوظائف المهمة وقام بها جميعًا بشكل جيد. كان شولتز موظفًا حكوميًا عظيمًا، وأمريكا أفضل بسبب خدماته”.
أما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فقالت إن جورج شولتز كرّس حياته للترويج لمستقبل أكثر سلامًا وأمانًا، وعمله للنهوض بالديمقراطية في جميع أنحاء العالم ترك إرثًا قويًا للأجيال القادمة. كان معروفًا ومُحترمًا كشخص ذو شرف. بينما اختلفنا في قضايا مثل حروب أمريكا الوسطى واستخدام القوة في العراق عام 2003 ، كنت أحترمه دائمًا على نزاهته ووطنيته”.
George Shultz dedicated his life to promoting a more peaceful and secure future, and his work to advance democracy worldwide leaves a powerful legacy for generations to come. https://t.co/fSoxTGIKhE
— Nancy Pelosi (@SpeakerPelosi) February 7, 2021
من جانبه قال زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل :”بصفته وزيراً للخارجية لمدة 6 سنوات ونصف من عمر الرئيس ريجان الثمانية، قام الوزير شولتز شخصياً بتشكيل تاريخ العالم نحو الأفضل. لقد أبقى العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سلمية ولكن هادفة، حيث هزم العالم الحر الشيوعية”.
George Shultz was one of the great Americans of our time. Nobody better exemplified a thoughtful, principled, and patriotic commitment to public service. A scholar-statesman for the ages. My full statement: https://t.co/lC8r9mNmm1
— Leader McConnell (@LeaderMcConnell) February 7, 2021
من هو جورج شولتز؟
وفقًا للموقع الرسمي لمؤسسة “هوفر” فقد ولد شولتز في مدينة نيويورك في 13 ديسمبر 1920، ونشأ في إنجليوود، نيو جيرسي. تخرج من جامعة برينستون عام 1942 بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد وبعد ذلك بوقت قصير التحق بقوات مشاة البحرية الأمريكية حيث خدم حتى عام 1945.
ثم استأنف دراسته هذه المرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، حيث حصل على حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الصناعي عام 1949. وفي عام 1955، شغل منصب كبير الخبراء الاقتصاديين في مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس أيزنهاور.
درس شولتز في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكلية الدراسات العليا للأعمال بجامعة شيكاغو، حيث أصبح عميدًا في عام 1962.
عاد إلى الحكومة عندما عينه الرئيس نيكسون وزيراً للعمل في عام 1969. وفي يونيو 1970، أصبح أول مدير لمكتب الإدارة والميزانية الذي تم تشكيله حديثًا. وفي مايو 1972، تم تعيينه وزيرا للخزانة، وهو المنصب الذي شغله لمدة عامين.
خلال هذه الفترة، شغل شولتز أيضًا منصب رئيس مجلس السياسة الاقتصادية، وتفاوض على سلسلة من البروتوكولات التجارية مع الاتحاد السوفيتي، ومثل الولايات المتحدة في اجتماع طوكيو بشأن الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة.
ترك شولتز الخدمة الحكومية في عام 1974 ليصبح رئيسًا ومديرًا لمجموعة بكتل، حيث ظل هناك حتى عام 1982. وأثناء وجوده في بكتل، حافظ على علاقات وثيقة مع العالم الأكاديمي من خلال الانضمام إلى هيئة التدريس في جامعة ستانفورد.
وشغل شولتز منصبين رئيسيين في إدارة الرئيس ريجان وهما: رئيس المجلس الاستشاري للسياسة الاقتصادية للرئيس في الفترة (1981-1982)، ووزير الخارجية في الفترة (1982-1989).

وخلال فترة حكم ريجان، التي اشتهرت بمعارك داخلية، كان شولتز من أقل الشخصيات إثارة للجدل، حيث أقام علاقات مع الحلفاء والأعداء على حد سواء. وفقًا لموقع “بي بي سي“.
وفي النصف الثاني من الثمانينيات، سعى شولتز للتواصل مع الزعيم السوفيتي آنذاك ميخائيل جورباتشوف، في محاولة منه لتخفيف توترات الحرب الباردة.
وبحلول عام 1987، وقع كل من ريجان وجورباتشوف اتفاقية تاريخية للحد من الأسلحة، وهي معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى. وبعد بضع سنوات من ذلك، انهار الاتحاد السوفيتي.
وكوزير للخارجية، لعب شولتز دورًا رئيسيًا في تنفيذ سياسة خارجية أدت إلى نهاية سلمية وناجحة للحرب الباردة، وتطوير علاقات قوية بين الولايات المتحدة ودول منطقة آسيا والمحيط الهادئ بما في ذلك الصين واليابان ورابطة أمم جنوب شرق آسيا.
بعد ترك منصبه، عاد شولتز للانضمام إلى مجموعة بكتل كمدير ومستشار أول. كما انضم مجددًا إلى جامعة ستانفورد كأستاذ للاقتصاد الدولي في كلية الدراسات العليا للأعمال وكزميل متميز في معهد هوفر. وفي عام 2001، تم تسمية شولتز كزميل توماس دبليو وسوزان بي فورد المتميز في معهد هوفر.
ألف شولتز العديد من الكتب، وحصل على العديد من الجوائز – بما في ذلك أعلى وسام مدني في البلاد، وسام الحرية في يناير 1989 – بالإضافة إلى العديد من الدرجات الفخرية من بعض أفضل الجامعات في البلاد.
تعد مذكراته ، الاضطراب والانتصار: سنواتي كوزير للخارجية، سردًا شاملاً لخدمته وتقف كنموذج لمذكرات ما بعد الحكومة.
وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية انشغل شولتز بالعديد من الملفات والقضايا العالمية الهامة مثل نزع السلاح النووي، وتغير المناخ، وتطوير سياسة طاقة معقولة، وأمن المحيط المتجمد الشمالي، والاقتصاد والتجارة الدولية، بالإضافة إلى كيفية شرح أفضل لقيمة الأسواق الحرة، والمعاملة العادلة للعمالة، ومعالجة الانقسامات الاجتماعية والعرقية والاقتصادية.
في 13 ديسمبر الماضي، احتفل شولتز بعيد ميلاده المائة في مؤسسة هوفر، حيث اجتمع ضيوف مميزون من جميع أنحاء العالم للاحتفال بإرثه الفريد وتأثيره الدائم.
وتناول شولتز الدروس التي تعلمها خلال حياته السياسية في مقال رأي كتبه لصحيفة واشنطن بوست بهذه المناسبة قال فيه: “عندما تكون الثقة موجودة، في أي مكان – لدى العائلة أو المدرسة أو غرفة تبديل الملابس أو المكتب أو الغرف الحكومية أو الغرف العسكرية – تحدث أشياء جيدة. وعندما تغيب الثقة، لا تحدث الأشياء الجيدة”.