في سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها، أصبح الرئيس دونالد ترامب، أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه المساءلة البرلمانية وإجراءات عزله من منصبه مرتين، وذلك بعد أن صوت مجلس النواب لصالح إقرار لائحة الاتهام ضده، تمهيدًا لمحاكمته برلمانيًا والبدء في إجراءات عزله.

ويتهم الديمقراطيون ترامب بالتحريض على التمرد، من خلال الخطاب الذي ألقاه يوم 6 يناير، وحث فيه أنصاره على التوجه إلى الكونجرس للمشاركة في احتجاجات ضد المصادقة على فوز خصمه الديمقراطي، وهي الاحتجاجات التي انتهت باقتحام مقر الكونجرس.

وصوت مجلس النواب بالموافقة على القرار بأغلبية 232 نائبًا مقابل رفض 197 آخرين، وكان من اللافت تصويت 10 نواب جمهوريين لصالح الموافقة على بدء إجراءات محاكمة وعزل ترامب وفقًا لـ”رويترز“.

لائحة الاتهام

ويمهد قرار مجلس النواب الطريق أمام محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ، بهدف عزله ومنعه من تقلد الرئاسة مجددًا إذا أدين بالتحريض على التمرد. ومن المنتظر أن يتم إرسال مشروع القانون حول مساءلة ترامب إلى مجلس الشيوخ لتفعيلها وإجراء محاكمة ترامب.

ويتضمن مشروع القانون المعد من قبل المشرعين الديمقراطيين، أن ترامب “انتهك اليمين الدستوري الذي أقسم عليه، وتورط في ارتكاب جرائم وتجاوزات بالغة عبر التحريض على العنف ضد حكومة الولايات المتحدة”.

واعتبر مشروع القرار أن ترامب حرض أنصاره على اقتحام الكونجرس وممارسة النهب والدمار والقتل فيه، وأنه أظهر بذلك أنه “سيواصل تمثيل تهديد للأمن القومي والديمقراطية والدستور حال السماح له بالبقاء في منصبه”.

ودعا مشروع القرار إلى “عزل ترامب ومحاكمته وإبعاده من منصبه”، مع منعه من تولي أي منصب في الولايات المتحدة مستقبلًا.

خلاف على جدوى المحاكمة

وخلال جلسة التصويت على قرار مجلس النواب ظهر خلاف بين الديمقراطيين ومعظم النواب الجمهوريين حول جدوى محاكمة ترامب وعزله في هذا التوقيت.

وقالت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إن ترامب “يشكل خطرًا واضحًا” على الأمة الأمريكية وعلى الحرية والديمقراطية ودولة القانون، مؤكدة أنه يجب محاكمته وعزله حتى تكون البلاد في مأمن منه”.

It is my somber responsibility to sign the Article of Impeachment against President Trump passed in a bipartisan vote by the House of Representatives a short time ago. https://t.co/xlTntjjIMn

— Nancy Pelosi (@SpeakerPelosi) January 13, 2021

فيما وصف النائب، جوليان كاسترو، ترامب بأنه “أخطر رجل جلس في المكتب البيضاوي على الإطلاق”. واتهمت النائبة، ماكسين ووترز، ترامب بالرغبة في اندلاع حرب أهلية، وقال النائب، جيم ماكغفرن، إن ترامب “حرض على محاولة انقلاب”.

في المقابل اعتبر الجمهوريون أن حملة عزل ترامب مجرد محاولة انتقامية لا داعي لها، داعين الديمقراطيين إلى التخلي عن هذه الجهود من أجل الوحدة الوطنية وتضميد الجراح.

اتهم عدد من النواب الجمهوريين، من بينهم النائب جيم جوردان، الديمقراطيين بالسعي إلى عزل ترامب منذ أول يوم بعد تنصيبه في 2016، مشيرًا إلى أنهم يتصرفون بتهور بدافع المصلحة السياسية البحتة.

وقال النائب الجمهوري، كيفن مكارثي: “إن عزل الرئيس في مثل هذا الإطار الزمني القصير سيكون خطأ”. وأضاف: “هذا لا يعني أن الرئيس خال من العيب. الرئيس يتحمل المسؤولية عن هجوم الأربعاء على الكونجرس من قبل مثيري الشغب الغوغاء”.

لكن هذا لم يمنع 10 نواب جمهوريين من تأييد محاكمة وعزل ترامب، ومن بينهم، ليز تشيني، العضوة الجمهورية رقم 3 في مجلس النواب.

كما أيدتها النائبة الجمهورية جيمي هيريرا بوتلر قائلة: “أنا لا أنحاز إلى أي جانب، بل أنحاز إلى الحقيقة، إنها الطريقة الوحيدة لهزيمة الخوف”.

وكان من اللافت أن القادة الجمهوريين في مجلس النواب امتنعوا عن حث أعضائهم على التصويت ضد المساءلة، ووصفوا التصويت بأنه مسألة تتعلق بالضمير الفردي.

محاكمة مؤجلة

ورغم قرار مجلس النواب فإن هناك العديد من المؤشرات على صعوبة أن تؤدي إجراءات العزل إلى الإطاحة بترامب قبل انتهاء ولايته في 20 يناير وتنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.

وكان زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل قد أعلن رفضه دعوات الديمقراطيين إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الشيوخ لبدء محاكمة فورية لترامب، وفقًا لـ”رويترز“.

وأكد ماكونيل أن عملية مساءلة ترامب لن تكتمل قبل تنصيب خلفه، جو بايدن. وقال، خلال مؤتمر صحفي عقده عقب تصويت مجلس النواب لصالح العزل، إنه لا يمكن بدء المحاكمة حتى موعد انعقاد جلسة مجلس الشيوخ العادية في 19 يناير، أي قبل يوم واحد من تنصيب بايدن، وبالتالي ستستمر المحاكمة في مجلس الشيوخ حتى بعد مغادرة ترامب لمنصبه.

وقال ماكونيل إنه يعتقد أنه “سيخدم أمتنا على أفضل وجه إذا أمضى الكونغرس والسلطة التنفيذية الأيام السبعة المقبلة في التركيز الكامل على تسهيل تنصيب آمن ونقل منظم للسلطة إلى إدارة بايدن القادمة”. وفقًا لشبكة (CNN)

وأضاف أن مجلس الشيوخ سيبدأ مناقشة مساءلة ترامب خلال أول جلساته المخططة لها بالتوافق مع جدول أعماله بعد تسلمه التشريع، أي يوم الثلاثاء المقبل.

وذكر أنه: “حتى في حال انطلاق العملية في مجلس الشيوخ بشكل فوري، فلن يتم إصدار الحكم النهائي قبل ترك الرئيس ترامب منصبه. وهذا ليس قرارًا يعود اتخاذه إلي، فهذا هو الأمر الواقع”.، مشيرًا إلى أن مجلس الشيوخ أجرى ثلاث محاكمات عزل رئاسية، استمرت 83 يومًا و37 يومًا و21 يومًا على التوالي.

كما قال ماكونيل في مذكرة لزملائه الجمهوريين إنه لم يتخذ قرارًا نهائيًا بشأن الكيفية التي سيصوت بها على عزله في مجلس الشيوخ، مضيفًا أنه سيستمع إلى الحجج القانونية المقدمة إلى مجلس الشيوخ.

جدير بالذكر أنه لم يتم إطاحة أي رئيس أمريكي من منصبه من خلال المساءلة البرلمانية، والتي جرت 3 مرات من قبل آخرها كان لمسائلة ترامب في عام 2019، وقبلها مساءلة بيل كلينتون في عام 1998، وكذلك مساءلة أندرو جونسون في عام 1868.

وبموجب الدستور الأمريكي، فإن المساءلة في مجلس النواب تؤدي إلى محاكمة في مجلس الشيوخ. وستكون هناك حاجة إلى أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ لإدانة وعزل ترامب، مما يعني أن الديمقراطيين يحتاجون إلى انضمام ما لا يقل عن 17 نائبًا جمهوريًا إليهم في المجلس المكون من 100 عضو.